
“نجاحات متعددة”.. ماذا حقق الاقتصاد المصري خلال الفترة من 2014 إلى 2021؟
واجهت الدولة المصرية العديد من التحديات نتيجة الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها الفترة (2011-2013)، وطالت تلك التحديات الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ انخفضت كافة مؤشرات الاقتصاد الكلي وتراجع مستوى معيشة المواطن. وقد أدركت القيادة السياسية أنه لا تنمية دون تحقيق الأمن والاستقرار، فأعلنت الدولة المصرية الحرب على الإرهاب ورفعت شعار يد تبني ويد تحمل السلاح. وارتكزت خطة الدولة في البناء والتطوير على الاستحقاقات الدستورية ورؤية مصر 2030 المنبثقة من أهداف التنمية المستدامة.
وتمثلت ملامح الاستراتيجية التي انتهجتها الدولة في مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري، وتحقيق التنمية العمرانية وإنشاء مدن جديدة وإقامة الطرق والكباري لتيسير الوصول لتلك المدن، والتوسع في الحماية الاجتماعية من خلال إصلاح منظومة الدعم وتوجيه إلى مستحقيه، وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي، وتحسين الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين بما في ذلك التطوير الشامل للعملية التعليمية، وتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل والنهوض بالخدمات الطبية، وترسيخ الهوية المصرية والحفاظ على منظومة القيم بالمجتمع المصري.
ملامح الاقتصاد المصري خلال الفترة (2014-2021)
انعكست الاضطرابات الأمنية والسياسية التي شهدتها مصر منذ عام 2011 على الأوضاع الاقتصادية للدولة؛ إذ ترتب عليها انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع عجز الموازنة العامة وزيادة معدل الدين العام، وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي في ظل ثبات سعر الصرف، فضلًا عن ارتفاع معدلات التضخم. ومنذ عام 2014 شرعت الدولة في تحقيق نمو اقتصادي قائم على المعرفة، والتوجه نحو التحول الرقمي، وزيادة مرونة الاقتصاد وقدرته التنافسية، وزيادة معدلات التوظيف وفرص العمل اللائق، وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال، وكذلك تحقيق الشمول المالي وإدراج البعد البيئي والاجتماعي في التنمية الاقتصادية.
وفي عام 2016 بدأت مصر في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والذي تم بمقتضاه حصول مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار مقسم على ست شرائح لتمويل البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وقد تضمن البرنامج في شقه النقدي سياسة تحرير سعر الصرف، وتضمن الشق المالي إصلاح منظومة الدعم وتحرير أسعار الطاقة ورفع كفاءة التحصيل الضريبي، كما تضمن محور الإصلاحات الهيكلية خلق بيئة استثمارية وتعزيز المساءلة ومحاربة الفساد بكل انواعه، أما محور الحماية الاجتماعية فقد تضمن إعادة هيكلة منظومة الدعم، ومد مظلة الحماية الاجتماعية لتحقيق نمو اقتصادي شامل واحتوائي.
وفي أواخر عام 2019، اجتاح فيرس كورونا كافة دول العالم، وآثر على مختلف الاقتصاديات المتقدمة والنامية، وعلى الرغم من تأثيره على مؤشرات الاقتصاد الاقتصادي إلا أن الإصلاحات الهيكلية التي تمت منذ عام 2014 مكنت الاقتصاد المصري من الصمود في مواجهة التداعيات السلبية لجائحة كورنا، وانعكس ذلك على ثقة المؤسسات الدولية في قدرة الاقتصاد المصري فتم التوافق بين مصر وصندوق النقد الدولي على اتفاق للاستعداد الائتماني (SBA) مدته 12 شهرا يتيح لمصر الحصول على ما يعادل 3.76 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 5.2 مليار دولار أمريكي أو 184.8% من حصة عضويتها). ويهدف البرنامج إلى مساعدة مصر على التكيف مع تحديات جائحة كوفيد-19 من خلال دعم ميزان المدفوعات والموازنة العامة، وقد ساعد ذلك البرنامج على حماية الاستقرار الاقتصادي الكلي الذي تحقق على مدار الثلاث سنوات الماضية، وكذلك دعم الإنفاق الصحي والاجتماعي لحماية الفئات المعرضة للتأثر، وتعزيز الإصلاحات الهيكلية في سبيل التوجه نحو مسار التعافي المستمر مع تحقيق نمو أعلى وأشمل لكل فئات المجتمع وخلق فرص العمل على المدى المتوسط.
معدل النمو الاقتصادي
سجل معدل النمو الاقتصادي عام 2013/2014 نحو 2.9% نتيجة الاحداث الداخلية وظروف عدم الاستقرار التي شهدتها الدولة منذ يناير 2011، ومع تصدي الدولة لتلك الاضطرابات واستقرار الظروف الأمنية والسياسية انعكس ذلك على القوة الدافعة للنمو الاقتصادي فارتفع تدريجيًا حتى سجل 5.56% عام 2018/2019. ومع تأثر القطاعات الإنتاجية المختلفة بأزمة جائحة كورونا انخفض معدل النمو الاقتصادي عام 2019/2020 ليسجل نحو 3.57% عام 2019/2020. وهو الأمر الذي دفع المؤسسات الدولية للإشادة بأداء الاقتصاد المصري وقدرته على الصمود في مواجهة الجائحة وسط تراجع معدلات النمو في البلدان المختلفة وتسجيلها لمعدلات سالبة. وقد توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد المصري نموًا بنسبة 2.8% عام 2020/2021، ثم يرتفع إلى 5.2% عام 2021/2022.

المصدر: وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية
معدل البطالة
انعكست معدلات النمو الاقتصادي على حالة التشغيل في مصر؛ فقد سجل معدل البطالة 13% عام 2013، نتيجة تراجع الاستثمارات وعزوف القطاع الخاص عن زيادة الإنتاج ووجود حالة من ترقب أوضاع الأسواق في ظل الاضطرابات وعدم الاستقرار، ومع استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية وتوجه الدولة نحو تطوير البنية التحتية اللازمة لجذب الاستثمارات فضلًا عن ضح استثمارات حكومية في المشروعات القومية الكبرى، انخفض معدل البطالة تدريجيًا بدءًا من عام 2014 حتى وصلت إلى 7.9% عام 2019. ونتيجة تداعيات أزمة كورونا وما فرضته من تطبيق الإجراءات الاحترازية والاغلاق الجزئي وتقليل ساعات العمل وتناوب العاملين بالقطاعات المختلفة ارتفع معدل البطالة إلى 9.6% عام 2020.

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
وبمتابعة بيانات معدل البطالة الربع سنوية، يلاحظ عودة معدلات البطالة إلى مستويات ما قبل الجائحة؛ إذ تراوح معدل البطالة الربع السنوي للعام المالي 2020/2021 بين 7.2% إلى 7.4%، بعدما سجل 9.6% خلال الربع الأخير للعام المالي 2019/2020 الذي شهد الموجه الأولى لجائحة كورونا.

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
معدل التضخم
تضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته الدولة المصرية، تطبيق سياسة تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، وذلك للقضاء على السوق الموازي للعملة، والحفاظ على الاحتياطي من النقد الأجنبي في حدوده الأمنة، خاصة في ظل عدم استقرار تدفقات النقد الأجنبي الواردة من الاستثمار والسياحة والصادرات آنداك. ومن المعروف أن الأثر الأولي لتحرير سعر الصرف هو ارتفاع معدل التضخم بدرجة كبيرة ولمرة واحدة وليس بشكل تدريجي، فتزامن ذلك القرار مع إطلاق برامج الحماية الاجتماعية للحفاظ على مستوى معيشة المواطنين في ظل ارتفاع معدلات التضخم الذي ارتفع من 9.5% عام 2013 إلى 29.5% عام 2017. وقد نجح البنك المركزي المصري في كبح جماح معدل التضخم من خلال تطبيق سياسة استهداف التضخم، فشهدت الفترة التالية استقرارًا تدريجيًا للمستوى العام للأسعار إلى أن وصل معدل التضخم إلى 5% عام 2020. وقد سجل معدل التضخم الشهري 5.7% في أغسطس 2021 وفقا لأخر بيان صادر من البنك المركزي المصري والجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء
سعر صرف الجنية المصري
أدى نظام سعر الصرف المدار الذي كان يتم تطبيقه قبل نوفمبر 2016 إلى انخفاض النقد الأجنبي خاصة في ظل الاضطرابات الداخلية وما ترتب عليها من انخفاض الثقة في العملة المحلية، الامر الذي أدى إلى الضغط على الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، وتقليص مدة تغطية الواردات السلعية، إذ وصل احتياطي النقد الأجنبي إلى 15.9 مليار دولار بما يغطي 2.9 شهر من الواردات السلعية في نوفمبر 2014، مما دفع السلطات النقدية إلى اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016. وقد شهد سعر صرف الجنية المصري تذبذبًا واضحًا مع تحرير سعر الصرف إذ وصل إلى 18.1 جنية/للدولار عام 2016/2017 وانخفض تدريجيًا مع استعادة الثقة في الاقتصاد المصري حتى وصل إلى 16.1 جنيه/ للدولار عام 2019/2020، ووصل إلى 15.7 جنية/ للدولار في سبتمبر 2021.

المصدر: البنك المركزي المصري.
وقد انعكست سياسة سعر الصرف على توفر الاحتياطيات الدولية فبعد أن سجل احتياطي النقد الأجنبي 15.9 مليار دولار في نوفمبر 2014، اتخذ اتجاه تصاعدي حتى بلغ 40.6 مليار دولار في يوليو 2021 على الرغم من تأثير أزمة جائحة كورونا.

المصدر: البنك المركزي المصري
الموازنة العامة وحجم الدين العام
سجل العجز الكلي للموازنة العامة للدولة 12% عام 2013/2014، مع وجود عجز أولي بنحو 4% في العام ذاته، وقد تقلص عجز الموازنة العامة للدولة تدريجيًا من خلال تطبيق السياسات التي من شانها زيادات الإيرادات العامة وتقليل الانفاق العام وعلى رأسها إحلال ضريبة المبيعات بضريبة القيمة المضافة في أكتوبر 2016، ورفع دعم الطاقة تدريجيًا وتطبيق نظام التسعير التلقائي، وإصلاح منظومة الدعم واستبعاد الفئات غير المستحقة الأمر الذي أدى إلى زيادة إيرادات الدولة من جهة وضمان وصول الدعم لمستحقيه من جهة أخرى. وقد أتت تلك السياسات بثمارها؛ إذ تحقق فائض أولي لأول مرة عام 2017/2018 بلغت نسبته 1% من الناتج المحلي الإجمالي وارتفع إلى 2% في مشروع موازنة 2020/2021، وكذلك انخفاض العجز الكلي بموازنة عام 2019/2020 إذ سجل 7.2%، وانخفض في مشروع موازنة 2020/2021 حيث بلغ 6.3%.

المصدر: وزارة المالية.
وقد انعكس أداء الموازنة العامة للدولة على الدين العام، إذ يلاحظ ارتفاع الدين العام بشكل ملحوظ خلال الفترة من عام 2013/2014 حتى عام 2016/2017 نتيجة توسع الدولة في المشروعات القومية الكبرى لرفع معدلات النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وعلى الرغم من وصول معدل الدين المحلي إلى 94.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016/2017، إلا أنه سرعان ما اتخذ اتجاهًا تنازليًا، فضلًا عن أنه حقق الهدف المرجو منه والمتمثل في رفع معدلات التشغيل وتحفيز الاستثمار ودفع النمو الاقتصادي.

المصدر: وزارة المالية المصرية.
معدل الاستثمار
شهدت بيئة الاستثمار في مصر تطور ملحوظ منذ عام 2014؛ وذلك من خلال إصلاح التشريعات الخاصة بالاستثمار، وميكنة خدمات هيئة الاستثمار وتفعيل بعض الخدمات إلكترونيًا، وإطلاق الخريطة الاستثمارية، التواصل المباشر مع المستثمرين لتذليل العقبات التي تواجههم من خلال التنسيق بين الوزراء المختصين والمسئولين الحكوميين، وكذلك تم العمل على حل المنازعات الخاصة بالمستثمرين من خلال اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار، بالإضافة إلى افتتاح عدد من مراكز خدمات المستثمرين في المحافظات ليبلغ إجمالي عدد مراكز خدمة المستثمرين في مصر 12 مركزًا ، وتطوير المناطق الحرة والتي وصل عددها 9 مناطق حرة عامة، هذا بالإضافة إلى تبني خطة متكاملة لإصلاح البنية التحتية وإطلاق العديد من المشروعات القومية الكبرى وإقامة الطرق والمرافق اللازمة لجذب وتيسير الاستثمارات. وقد ترتب على ذلك ارتفاع الاستثمارات الكلية المنفذة بشكل ملحوظ وصل أقصاه عام 2018/2019 مسجلا 922.5 مليار جنية، ثم انخفض عام 2019/2020 نتيجة التأثر بأزمة كورونا وتداعيتها السلبية على تدفق الاستثمارات، وتوقف الأنشطة الاقتصادية وارتفاع درجة المخاطرة.

المصدر: وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية
الحياة الاجتماعية
عملت الدولة المصرية على رفع مستوى معيشة المواطنين والقضاء على الفقر من خلال عدد من المحاور منها إعادة هيكلة منظومة الدعم، ودعم برامج الإسكان الاجتماعي، ومد مظلة الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة من خلال زيادة اعداد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة وزيادة اعداد المستفيدين منه مع تخفيض أعمارهم من 65 إلى 60 عام، وإطلاق مبادرة حياة كريمة، وقد هدفت تلك البرامج الى تمكين الفقراء ومحدودي الدخل، وتوزيع ثمار النمو على كافة الفئات بالمجتمع لتحقيق النمو الشامل الإحتوائي دون تحمل الفقراء أعباء عملية الإصلاح الاقتصادي.
وخلال أزمة جائحة كورونا تم اتخاذ العديد من السياسات الاجتماعية للحد من تأثير التبعات الاقتصادية لجائحة كورنا على مستوى معيشة الأفراد خاصة من محدودي الدخل والعمالة غير المنتظمة؛ فتم إضافة 100000 عائلة جديدة إلى برنامج تكافل وكرام ابتداءًا من أبريل 2020، ليصل إجمالي العائلات المشمولة نحو 3.4 مليون أسرة، كما تم تقديم بدل استثنائي للعمالة غير المنتظمة بمقدار 500 جنيه لمدة 6 أشهر، وزيادة عدد الأسر المستفيدة من برامج معاشات الضمان الاجتماعي.
وختامًا، فإنه يتبين تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري خلال الفترة (2014-2021) نتيجة إدراك القيادة السياسية للتهديدات والتحديات التي تواجه الدولة المصرية، وعدم التهاون في مواجهة كافة المعوقات التي تواجه خطط التنمية وأهداف الدولة المصرية في رفع معدلات النمو الشامل والإحتوائي للنهوض بالاقتصاد المصري ورفع مستوى معيشة المواطن المصري.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



