علوم وتكنولوجيا

بعد تعطل أشهر تطبيقاتها.. (فيس بوك) في قفص الاتهام

توقفت أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي حول العالم أمس عن العمل فيما شكل خللا جزئياً في شبكة الإنترنت ، وجاء العطل الذي تناقلته كل وسائل العالم دون تفسير واضح بالتزامن مع تسريبات داخلية من الشركة تلقتها صحيفة  “وول ستريت جورنال”  لتنشر تحقيقا صحفيا مطولا حول ما أسمته ” ملفات فيس بوك” والتي تدين الشركة المتحكمة في أبرز تطبيقات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت بالنهج غير الأخلاقي والفساد وتعزيز المحتوى العدائي لصالح الأحزاب السياسية وغيرها من الاتهامات التي تزامنت مع انقطاع الخدمة عن أشهر التطبيقات التابعة لشركة ” فيس بوك” وأهمها على الإطلاق.

ربط البعض بين سلسلة التسريبات الأخيرة وتوقف عمل المنصات الثلاث الرئيسية “فيس بوك، وتس أب، وانستجرام” وهي ذات التطبيقات التي فضحت سياساتها من قبل التحقيق الصحفي لــ “وول ستريت جورنال” المبني على التسريبات الأخيرة.

وعلل البعض العطل الأخير في هذه المنصات “بمحاولة الشركة إخفاء ومسح أي دليل يتعلق بالتهم الموجهة إليها” ما استلزم تعطيلا للمنصات الخاصة بها لما يقرب من الست ساعات.

كان ذلك قبل أن يذيع برنامج ” 60 مينتس” الأمريكي الشهير على شبكة “سي بي أس” لقاء مع فرانسيس هوجين التي عملت لعدد من أشهر شركات التواصل الإجتماعي لمدة 15 عاماً وكان أخرها شركة “فيس بوك” قبل أن تستقيل منها مايو الماضي.

لكن هوجين خرجت من الشركة محملة بوثائق تدين نهج وسياسات “فيس بوك” لتكون بعد الحلقة المذاعة أمس محورا لحديث وسائل التواصل الإجتماعي والصحافة العالمية بالتزامن مع العطل في أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي التابعة لشركة “فيس بوك”.

ومن المنتظر أن تدلي مديرة الإنتاج السابقة بشركة “فيس بوك” فرانسيس هوجين بشهادتها في جلسة استماع للكونجرس يوم الخميس المقبل بعد ما يمكن وصفه بــ” بعاصفة التسريبات” التي تضمنت آلافا من الوثائق والمسودات والمراسلات والدراسات الداخلية التي تحصلت عليها هوجين والتي تمحورت حولها التحقيقات الصحفية لصحيفة ” وول ستريت جورنال” والتي تتهم شركة ” فيس بوك” بعدة تهم وهي:-

  • خرق قواعد الشركة من خلال السماح بنشر محتوى عدائي أو غير لائق من قبل الشخصيات النافذة حيث تتغاضى الشركة عن معاقبة من يسئ استخدام منصتها من خلال نشر محتوى مسيء أو تحريضي حال كان الشخص صاحب الحساب هو من الشخصيات المرموقة أو المؤثرة عالمياً فيما يعرف داخلياً في الشركة باسم ” تشيك أكس”
  • الخوارزمية الجديدة التي يعمل بها نظام فيس بوك منذ عام 2018 عززت المحتوى الغاضب بدلاً من تحقيق رؤيتها بخلق منصة صحية قليلة العدائية وذلك بهدف زيادة مكاسب الشركة.
  • موظفو (فيس بوك) حذروا أكثر من مرة من استخدام منصتهم لأفعال ضد الإنسانية كالإتجار بالبشر والإتجار بالمخدرات وكان رد فعل الشركة روتينيا.

 ومن أبرز الأمثلة التي ذكرتها الصحيفة في هذا الصدد، تحذير أصدره موظفو الشركة بأن مجموعة من المستخدمين المرتبطين بقضايا الإتجار بالبشر بالشرق الأوسط تستخدم ” فيس بوك” للإيقاع بالسيدات والإتجار بهم من خلال إعلانات التوظيف وتحذير أخر عن استغلال مجموعات مسلحة منصة فيس بوك لنشر محتوى يدعم العنف ضد الأقليات الأثنية في اثيوبيا وتحذيرات أخرى حول قضايا كتجارة الأعضاء ونشر المحتوى الجنسي، لكن ووفقا للتسريبات لم تقم الشركة بالكثير لمنع انتشار هذا المحتوى.

  • على الرغم من مساعي الشركة ورئيسها مارك زوكربيرج بالترويج لتلقي لقاح فيروس كورونا من خلال المنصة إلا أنهم لم يكونوا قادرين على التحكم بالمنصة بعد أن ملء النشطاء منصة ” فيسبوك” بمواد دعائية ضد الحصول على اللقاح فيما أسمته الشركة محتوى “حاجز الالقاح” وكانت استجابتها ضعيفة لهذه الشأن.
  • استهدفت سياسات الشركة جذب من هم أصغر من المراهقين أي دون سن الـ 13 عاما حجة أنهم ” رصيد من عملاء ومستخدمي المستقبل” للشركة وقامت مؤخراً بتعليق أطلاق منصة تتبع لمنصة ” انستجرام” مخصصة للأطفال لعلمها بالتأثير السلبي للمنصة لكنها لم تلغ المشروع.
  • أجرت “فيس بوك” تحقيقا داخليا حول تأثير تطبيق ” انستجرام” على الفتيات المراهقات، وتعلم الشركة تأثير التطبيق على السلامة العقلية والنفسية لهذه الفئات الأصغر سناً إلا أنها لم تقم بالكثير في هذا الصدد.

وفيما يتعلق بوهجين المسؤولة الأولى عن هذه العاصفة فوفقاً لبرنامج ” 60 مينتس” فقد تتوقت شركة ” فيس بوك” منذ شهر لمعرفة أسمها كونها الموظف السابق المسؤول عن شكوى قضائية فيدرالية ضد الشركة بالتعاون مع السلطات الفدرالية المحلية وفقاً للبرنامج الذي قال إن الشكوى الموجهة ضد فيس بوك تنطوي على أن أبحاث الشركة الداخلية تظهر أن ” فيس بوك” على علم بقيامها بتضخيم المحتوى الخاص بالكراهية.

التضليل من خلال المعلومات ودعم التقلبات السياسية كما التأثير السلبي لمنصة انستجرام على الفتيات الصغار وهي التهم التي تتفق مع النتائج التي توصل لها تحقيق صحيفة ” وول ستريت جورنال” السابق عرضها.

ما يجعل شهادة ودعوى هوجين ضد فيس بوك غير مسبوقة هو حجم المعلومات والأبحاث الداخلية التي سحبتها قبل خروجها من الشركة مايو الماضي، وأهميتها كونها مصدرا داخل الشركة عمل كمدير للإنتاج بالإضافة لخبرتها الواسعة في المجال كونها عملت به ل15 عاماً بالإضافة لحوزها عدد من الدرجات العلمية في مجال البيانات وهندسة المعلومات والخوارزميات الإلكترونية لذا يمكن القول أن شهادتها المدعومة بوثائق من داخل الشركة ليست فقط تسريب من مصدر داخلي بل لخبير من خبراء مجال المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي وهو ما يعطي مصداقية كبيرة لشهادتها.

وعن شهادتها ، قالت هوجين إنها عملت في عدد من شركات التواصل الاجتماعي كشركتي ” جوجل “و”بنتريست” لكنها لم تجد أسوأ من فيس بوك خلال سنوات عملها حيث اتهمت الشركة بعدد من التهم المدعمة بالوثائق التي جمعتها قبل خروجها من الشركة.

تظهر الوثائق والأبحاث الداخلية أن شركة ” فيسبوك” وعلى العكس مما تدعيه تقوم بالقليل من الجهد للتقليل من المحتوى المتعصب والمحمل برسائل الكراهية والمعلومات المغلوطة ، فوفقاً لدراسة داخلية لــ” فيسبوك” هذا العام تقول ” نقدر جهودنا تجاه تقليل المحتوى الخاص بالكراهية بنحو 3 إل 5 % وبنحو 0,6% تجاه المحتوى العنيف والتحريضي”.

 كما تظهر وثيقة داخلية أخرى للتداول بين مديري الشركة وجود “دلائل من عدة مصادر على أن الخطاب المحرض على الكراهية وعلى الانقسام السياسي واستغلال المعلومات المغلوطة من خلال منصة فيس بوك وعائلتها من التطبيقات يؤثر على المجتمعات حول العالم، وضرب البرنامج الأمريكي ” 60 مينتس” مثالا على العنف الطائفي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ما حدث مع مسلمي ماينمار عندما بدأت الجيش بنشر محتوى على منصة “فيس بوك” لتبرير البدء بمذبحة من التطهير عرقي. 

نسخة من أحد الوثائق المسربة من داخل ” فيسبوك” 

وتشرح المديرة السابقة بالشركة هوجين أصل المشكلة الحالية المتعلقة بالمحتوى الانتقائي للشركة حيث وفي عام 2018 غيرت الشركة من نظام الخوارزميات التي تتحكم في المحتوى الظاهر للمستخدمين عبر منصتها بخوارزميات جديدة تعتمد على التفاعل مع المحتوى حيث تعرض المحتوى الأكثر قابلية للتفاعل من قبل المستخدمين من خلال تسجيل تفضيلاتهم ومعلوماتهم الموجودة لدى فيسبوك.

لكن دراسة داخلية في الشركة وجدت أن المحتوى الذي يلقى التفاعل الأكبر وبالتالي فرص ظهور أكثر للمستخدمين هو المحتوى التحريضي والانقسامي والمحتوى المحمل برسائل الكراهية والعنصرية ويتعلق ذلك بسيكولوجية النفس البشرية التي يسهل أن تنجرف لمشاعر الغضب والكره عن تأثرها بالمشاعر الأخرى كما جاء في الدراسة المسربة من الشركة.

ووفقاً لشهادة فرانسيس هوجين فإن “فيسبوك” تعي أنها (أي الشركة) إن عملت على إصلاح الخوارزميات الخاصة بالمنصة لتكون أكثر أماناً وأقل عرضاً للمحتوى العنيف والتحريضي والمحمل بخطاب الكراهية سيمضي الناس وقتاً أقل على المنصة وهو ما لا ترغب به الشركة.

وبسؤالها عن موقف الشركة خلال الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة، قالت هوجين أن الشركة فعلت نظم الأمان الخاصة بمنع المعلومات المغلوطة من الظهور على المنصة لكنها أعادت الوضع لما هو عليه بعد نهاية الانتخابات كما كان لدى الشركة قدرة على التحرك ومنع عدد كبير من المنشورات والدعوات التي أدت لحادثة ” اقتحام الكونجرس الأمريكي” في يوم 6 يناير وهو ما كشفته عنه مذكرة داخلية بين الموظفين عبرت عن غضبهم من الحادث وعدم تحريكهم ساكناً لمنع نشر المحتوى الداعي لأحداث 6 يناير والتي أخذت هوجين نسخة منها تظهر غضب الموظفين.

وتتساءل المذكرة عن ” الم يكن لدينا وقتاً كاف لمنع انتشار هذا المحتوى والتقليل من الدعوات التحريضية التي أدت لهذا المشهد العنيف ؟ “، ليكون أحد الردود التي جاءت على المذكرة المسربة ” يبدو أنك جديدة في الشركة أهلا بكي في فيس بوك”.

صور من منشورات على فيسبوك تدعو للمشاركة في أحداث 6 يناير (حادث اقتحام الكونجرس)

وعن تأثيراته الخارجية، تشير أحد التقارير التي تمكنت هوجين من تسريبها أن الخوارزمية الجديدة “لفيسبوك” والمتبعة منذ 2018 والتي تتمحور حول زيادة المحتوى والتفاعل معه المبني على المشاعر والتفضيلات الشخصية للمستخدمين بهدف زيادة مكاسب الشركة المادية أدت لإتباع الأحزاب السياسية سياسات أكثر حدة نتيجة لرغبة كل حزب بالحوز على أكبر حجم من سوق مجتمع وسائل التواصل الاجتماعي لما لذلك من اعتبارات ومكاسب سياسية.

وهو ما دلل عليه تقرير أخر أفاد أن أحزاباً سياسية في أوروبا أبلغت الشركة أن الخوارزمية الجديدة المتبعة تغير الطريقة التي يتخذون بها القرارات ويقودون بها بلدانهم حيث يجبرون على اتخاذ قرارات قد تكون ضد المصلحة العامة لمجتمعاتهم إلا أنهم لو لم يفعلون ذلك سيخسرون جزء كبير من داعميهم على وسائل التواصل الاجتماعي مما يجبرهم على أتخاذ قرارات غير سليمة أو تأجيل أخرى مستحقة.

 انستجرام التطبيق الأسوأ عن جدارة 

ليس فقط (فيس بوك)، أحد الدراسات الداخلية تشير إلى أن منصة “انستجرام” تضر وتؤثر على الفتيات المراهقات وقد أظهرت أحدى الدراسات الداخلية التي سربتها فرانسيس هوجين  أن 13,5 % من الفتيات اللواتي يستخدمه منصة “إنستجرام” يقولون إن المنصة تعزز “الأفكار الانتحارية” لديهم ، وقالت 17% من الفتيات أن اضطرابات التغذية التي يعانون منها تضاعفت بسبب المنصة.

والأسوأ من ذلك هو معرفة الشركة بهذه التأثيرات على المراهقات ومعرفتها أنه بزيادة الاضطرابات الغذائية لديهم ومشاعر الاكتئاب يزداد الوقت الذي يقضونه على المنصة وهو ما يجلب للشركة أرباحا أكبر ، وباعتراف الشركة الأم ” فيس بوك” في إحدى دراساتها فهي تعلم جيداً حجم الضرر المتسبب به تطبيق ” إنستجرام” للفتيات بل تعترف كذلك في تقاريرها الداخلية أن التطبيق يعد الأسوأ  من حيث التأثير على المراهقين وتشكيل وعيهم بالمقارنة مع التطبيقات الأخرى ، كانت شركة “فيس بوك” أعلنت في وقت سابق تعليق خططتها بإطلاق تطبيق “إنستجرام مخصص للأطفال”  الشهر الماضي.

الدافع وراء التسريبات ورد فيسبوك 

في الشهر الماضي، قدم  محامو فرانسيس هوجين 8 شكاوى قضائية لجنة الأمن وتبادل المعلومات الأمريكية التي لديها صلاحيات لإنفاذ القانون في الأسواق المالية ، وتتمحور الشكاوى حول الاكتشافات التي وجدت في الدراسات الداخلية المسربة من الشركة والتي تتعارض مع سياساتها المعلنة كما شهادة رئيس مجلس إدارة الشركة ” مارك زوكربيبرج” خلال جلسة استماع  افتراضية  للكونجرس الأمريكي في شهر مارس الماضي.

وعن ” مارك زوكربيرج” مؤسس فيسبوك قالت ” هوجين” عنه أنه لم يصرح يوماً أنه يسعى لبناء منصة تدعم الكراهية لكنه سمح بتمرير سياسات والموافقة على خيارات كانت عاقبتها هي زيادة المحتوى الداعي للعنف والكراهية لمصلحة زيادة أرباح الشركة.

شركة ” فيسبوك” والتي تبلغ ميزانيتها ترليون دولار أمريكي بعد 17 عاماً فقط على تأسيسها لديها 2,8 مليار مستخدم وهو ما يشكل أكثر من  60% من مستخدمي الإنترنت حول العالم تجد نفسها في مأزق أخلاقي قد ينال من سمعتها كما سمعة رئيسها زوكربيرج الذي سيكون محط أنظار الجميع خلال الفترة المقبلة بسبب ” عاصفة تسريبات فيسبوك” 

وفي أول رد فعل لها رفضت الشركة إجراء حوار صحفي مع برنامج ” 60 مينيتس” لرد على اتهامات فرانسيس هوجين المديرة السابقة بالشركة لكنها أرسلت بياناً للرد قالت فيه:-

 ” في كل يوم يسعى موظفونا وفرقنا في شركة فيسبوك لخلق توازن بين حرية الملاين في التعبير عن أراءهم والحفاظ على المنصة كمكان أمن وإيجابي، نحن سنستمر في عمل تحسينات جدية لمنع المعلومات المغلوطة المحتوى الضار ، ومن يدعي أننا نشجع المحتوى الضار ولا نفعل شيء حياله هو أدعاء غير صادق”

أضاف بيان “فيسبوك” الذي صاغته مديرة مكتب الاتصال بالشركة ينا بيتسش  “إذا ما كان أي بحث أو دراسة توصل لحلول حقيقية لهذه التحديات المعقدة لكانت شركات التكنولوجيا العملاقة والحكومات والمجتمع حلت هذه المشكلات منذ زمن”.

وتنوي هوجين الشهادة أمام الكونجرس الأمريكي حول هذه الادعاءات ضد الشركة وعن ذلك تقول هوجين إن هدفها من وراء كل ذلك هو أن يتحرك العالم والسلطات لوضع قوانين وقواعد تمنع الشركة من التربح من خلال السياسات الخاطئة التي تشجع على العنف والانقسام والكراهية.

 وتشرح هوجين أن الشركة أثبتت على مدار السنين السابقة أنه لا يمكن معاقبتها حتى وإن فضلت الشركة المكاسب على حساب أمن المجتمع وهو ما قامت به الشركة على مدى سنين طويلة.

وذكرت أن ما دفعها للقيام بلك هو الإحباط التي شعرت به نتيجة لسلبية الشركة تجاه مشكلات مجتمعية تتعلق بسياسات الشركة وهي تأمل أن تضطر الشركة من خلال شكواها وجهودها التي تضمنت المخاطرة بالكشف عن هذه الملفات والشهادة أمام الكونجرس إلى أن تضطر الشركة لتحسين سياساتها تجاه المجتمع والالتزام ” السياسات الأخلاقية ” التي تهدف لحجب أي محتوى قد يكون سبباً في أعمال عنف أو ضد الإنسانية وضد أمن المجتمعات سواء في الداخل الأمريكي أو في الخارج.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى