العالم

“وثائق باندورا” تتهم مقربين من بوتين بالفساد.. وموسكو تنفي

عرض – محمد هيكل

نشر الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (the International Consortium of Investigative Journalists) وثائق سرية مسربة “أوراق باندورا” وهي تحقيق جديد يتعلق بـ “الملاذات” الضريبية لشخصيات عالمية مؤثرة.

وكشفت الوثائق، التي بدأ الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين نشرها الأحد 3 أكتوبر 2021 والتي يتوقع أن تحدث ضجة عالمية، سر تضخم ثروة من وصفتهم بــ” حاشية” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بينما أكدت روسيا، بعد يوم واحد على نشر التقرير، رفض الاتهامات الواردة في الوثائق، واصفة ما جاء بالوثائق أنه ” لا أساس لها من الصحة”.

تعرف على تفاصيل ما ذكرته وثائق “باندورا” فيما يتعلق بروسيا.

بعد العام 2014 والذي شهد على الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة سوتشي الروسية، والذي تمكنت روسيا من خلال حفلي الافتتاح والختام للألعاب أبهرا العالم وخلق مشهد يعزز سمعة وصورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الداخل والخارج ، حصل المخرج والمدير التنفيذي للتلفزيون الروسي كونستانتين ارنيست الذي كان مسؤولا عن أخرج الحفلين على فرص حصرية لحوز أصول ملك مدينة موسكو في مشروع أدى لتضخم سريع في ثروته مستفيداً من قربه من الرئيس الروسي بوتين بعد العام 2014.

كشفت تسريبات “باندورا” عن السر وراء تضخم ثروة من وصفتهم بــ” حاشية بوتين” وعلى رأسهم المنتج السنيمائي المعروف كونستانتين ارنست والذي يعتبر المسؤول عن صورة بوتين منذ وصوله لرئاسة روسيا الاتحادية بصفته المسؤول الأول عن الإعلام الرسمي الروسي والقناة الروسية الأولى، ولطالما لعب ارنيست دوراً أساسياً في تصوير فلاديمير بوتن بصورة منقذ روسيا الجديد.

ووفقاً للتقرير اتحاد الصحفيين الاستقصائيين المبني على وثائق باندورا فطالما كان ارنست موجودا لتشكيل المشهد إعلامياً لصالح بوتين وروسيا تحديداً خلال الأزمات مثل الاحتجاجات في أكرانيا وأزمة الركود الاقتصادي وخلال فترة احتجاجات المتضامنين مع المعارض اليكس نافالني، وكان دائم الوجود لحماية بوتين وتشويه سمعة معارضيه وإخراج مشهد يخدم سياسات رئيسه من خلال تحكمه في المشهد الإعلامي وبالأخص التلفزيون والذي يشكل 90% من وعي عامة الروس ووفقاً للتقرير.

وأفادت الوثائق أن المخرج المقرب من النظام الروسي لوحظ تضخم في ثروته بعد حفل افتتاح أولمبياد سوتشي في 2014 على الرغم من تصريح ارنيست سابقاً أنه ” لم يتقاض روبل واحدا ” نظير إخراجه لحفل الافتتاح والختام والذي لقي استحسان الجميع ووصف “بالمبهر” وقال عنه ارنيست أنه هدف لتوحيد الشعب الروسي حول عاطفة واحدة وأن تنظيم الألعاب الأولمبية يشير برسالة مفادها أن روسيا قد عادت.

بوتين خلال استقباله الشعلة الأولمبية بمدينة سوتشي

ولكن على الرغم من تصريحاته السابقة عن عدم تلقيه مقابل تظهر وثائق باندورا أن المخرج المبدع أصبح شريكاً سرياً في صفقة بيع 39 دار سينما قديمة من الحقبة السوفيتية ذات الطراز المعماري الفريد، من خلال شركة تم تأسيسها في جزر فيرجن البريطانية  يوم افتتاح الألعاب الأولمبية في سوتشي 2014.

وقد حصلت الشركة على صفقة خصخصة 39 دار سينما بالإضافة لأراضي وأصول أخرى  بسعر يعتبر هو الحد الأدنى لهذه الأصول في مزاد لبيع الــ39 دار دفعة واحدة بدلاً من أتاحه الفرصة لصغار المستثمرين وهو ما أثار الشبه حيث أتهم البعض بلدية موسكو بطرح المزاد بشروط بيع مفصلة لشركة يملكها ” شخص واسع النفوذ” وهو ما أكدته لاحقاً وثائق باندورا حيث أظهرت انتفاع ارنيست وحصوله على 23% من الصفقة كمساهم رئيسي بالشركة الفائزة بالمزاد والتي تتخذ ستاراً خلف عدد من الشركات الوهمية ، كما تكشف الوثائق عن التنسيق من خلال الوسطاء وشبكة أصحاب النفوذ في روسيا للحصول على الصفقة بالسعر الأدنى لها.

بالإضافة لكل ذلك فإن إرنيست ووفقا للتقرير لم يدفع مقابل حصته من الصفقة فقد مولها بنك قبرصي معروف باسم ( في تي بي) والذي يصفه التقرير ببنك ” خنزير بوتن” لما له من دور في تنظيف الأموال الروسية وبالأخص ثروات حاشية بوتن.

وبالعودة للمخرج ارنيست فتكسف الوثائق عن تلقيه قرضاً بقيمة 16,2 مليون دولار وهو المبلغ المخصص للصفقة من قبل البنك القبرصي المعروف بعلاقته بالمخابرات الروسية وفقاً لتقرير اتحاد الصحفيين الاستقصائيين.

العالم الخارجي والفساد الروسي

تظهر الوثائق أن مسؤولي شركة ترايدنت وهي الشركة التي يملكها أرنست بجزر فيرجن  على أتصال بعدد من المصرفيين والمحامين في روسيا وبريطانيا وجزر فيرجن وتعمل مثل هذه الشركات الروسية المستترة في دول خارجية كملجأ لثروات رجال النخبة الروسية ، فعلى الرغم من حديث الرئيس بوتن سابقاً عن استخدام رجال الأعمال والسياسيين للدول والنظم الخارجية وتأييده قوانين الحد من هذه الممارسة إلا أن وثائق باندورا تكشف عكس ذلك حيث يكشف تحليل اتحاد الصحفيين الاستقصائيين للوثائق المسربة أن رجال النخبة الروس يقفون وراء 14% من أصل 27 ألف شركة حول العالم تنشط في عمليات نقل وتبيض الثروات.

كما كشفت الوثائق عن شراء عقار بإمارة موناكو ب 4 مليون دولار من خلال شركة وهمية خارجية لفتاة يعتقد أنها كانت على علاقة خفية بالرئيس بوتن والتي أنجبت طفلة غير مسجلة باسم أب وفقاً للتقرير المنشور.

مدخل العقار بإمارة موناكو وفقاً لوثائق “بندورا”

هذه الاكتشافات في أوراق باندورا تظهر كيف أن النظام المالي الموازي في الخارج قد وفر الوسائل لنخبة روسيا لتصبح ثرية بشكل مذهل على حساب المواطنين العاديين في البلاد، فعلى سبيل المثال أستخدم المخرج ارنيست سلطاته والمحسوبية للحصول على صفقة ال 39 دار سينما المملوكة للدولة قدرت ب نصف مليار دولار بنصف ثمنها من خلال شركات خارجية سرية.

ويرى اتحاد الصحفيين الاستقصائيين أن ما تكشفه الوثائق يعد مثالاً صارخا للمحسوبية والفساد في عصر بوتن كما تكشف الأهمية التي يعلقها الكرملين على أرنيست باعتباره مشغل ألة صناعة الأساطير التي تساعد في الحفاظ على استبدادية بوتن مدى الحياة.

أما عن علاقته بالرئيس الروسي يشير التقرير أن أرنيست لازم بوتن من بداية مشواره كرئيس وكان مسؤولاً عن صورته الإعلامية من اليوم الأول حيث كان صاحب فكرة نقل مراسم تسليم السلطة من مكتب ذو طابع حكومي إلى غرفة مطلية بالذهب تعود للعصر القيصري الروسي.

كما كان صاحب فكرة برنامج “فريميا” والذي أظهر بوتين في صورة الأب من خلال أظهر جانبه الإنساني والعملي الجاد في البرنامج الذي أشرف عليه أرنيست .

وفقاً لزملائه القدامى فقد سعى إرنيست للحصول على رضى واحترام النخبة الروسية فسخر القناة من أجل مصلحة الكرملين وهو ما جنى ثماره.

فهو يملك عددا لا بأس به من الأصول وسلسلة من المطاعم المشهورة في موسكو، كما تظهر الوثائق امتلاكه للوحة فنية نادرة من القرن التاسع عشر للفنان الفرنسي جاك لويس ديفيد كما يقطن في حي النخبة بالعاصمة موسكو وهو ذاته الذي يقطن فيه وزير الخارجية سيرغي لافروف.

وخلال عامه الستين تلقى المخرج المبتكر أرنيست أرفع الأوسمة الروسية ” وسام الاستحقاق لأجل الوطن من الدرجة الأولى” لمساهمته العظيمة في تنمية الثقافة والفنون الوطنية.

وبالعودة لمشروع تطوير دور السينما والذي تحصلت شركته على إثره على 39 دار للعرض فقد كشفت الوثائق أن حصته من المشروع بلغت 140 مليون دولار في 2019

في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، قال إرنست إنه لم يخف مطلقًا عن مشاركته في المشروع

ونفى أي إشارة إلى أن مشاركته في المشروع كانت تعويضًا عن عمله في الاحتفالات الأولمبية. ورفض الرد على أسئلة الاتحاد الدولي للصحفيين على أساس أن الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين “ليس شركة تحقيق مستقلة بل منظمة بتكليف من المخابرات الأمريكية”.

      الكريملين يرفض ما جاء في الوثائق : لا أساس لها من الصحة

بدوره الكرملين وبعد يوم واحد على نشر التقرير، رفض الاتهامات الواردة فيها وقال إنها ” لا أساس لها من الصحة” .

وأفاد الناطق باسم الكرملين الروسي ديمتري بيسكوف بأن التحقيقات ما هي إلا “اتهامات لا أساس لها ” وبالأخص الاتهام المتعلق بشراء سيدة على علاقة بالرئيس بوتن عقار بإمارة موناكو بقيمة 4 مليون دولار.

المتحدث باسم الكرملين الروسي ديمتري بيسكوف

مقللاً من أهميتها تساءل بيسكوف أمام الصحفيين عن مدى مصداقية المعلومات الواردة في التحقيق وقال أنه” لا توجد ثروة خفية للمحيطين بالرئيس بوتين”.

وأضاف بيسكوف “لأكون صادقا، لم نر أي ثروة خفية من الدائرة المقربة من الرئيس بوتين، أعتقد أن النشر سيستمر في هذا الموضوع ، لكن حتى الآن لم نر أي شيء يثير الاهتمام ” كما شكك في مصداقية أتحاد الصحفيين الاستقصائيين قائلاً ” نحن نعرف هذه المنظمة وطريقة حصولها على المعلومات”

وخلال لقائه بالصحفيين وجه بيسكوف دفة الاتهامات نحو الولايات المتحدة التي أشار لوقوفها خلف المجموعة المسؤولة عن ” تحقيقات وثائق باندورا” قائلاً ” ربما يكون الشيء الوحيد اللافت للنظر هي إشارة الوثائق لأكبر ملاز ضريبي في العالم وأكبر ثغرة ضريبية رئيسية في العالم وهي الولايات المتحدة”  وبسؤاله عن وجود أي نية لتحقيق حول الاتهامات الواردة بتحقيقات ” وثائق باندورا” علق ديمتري بيسكوف قائلاً حين تصدر منشورات جدية مبنية على دلائل وأمور جدية “سنتطلع عليها باهتمام”

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى