علوم وتكنولوجيا

بعد تعطل مواقع التواصل الإجتماعي لست ساعات.. عودة إلى الواقع “غير” الافتراضي

ليلة مظلمة عاشها رواد مواقع التواصل الإجتماعي أمس “الاثنين”، بعد انقطاع دام لأكثر من ست ساعات لأشهر التطبيقات، حيث توقف (فيس بوك)، (انستجرام)، (واتس آب) و(ماسنجر) تمام عن العمل، ليعود جميع المستخدمين إلى حياتهم الحقيقية.

فما هي الآثار التي أحدثها انقطاع الخدمة عما يقرب من 3.5 مليار شخص؟ وهل سيختفي “فيس بوك” من حياتنا يوما ما؟

من المسؤول؟

لم يكن انقطاع التكنولوجيا أمرا مستغربا، ولكن جعْل العديد من التطبيقات معطلة في الوقت نفسه من أكبر شركة تواصل اجتماعي في العالم، هو الأمر غير المعتاد. فقد كان آخر انقطاع كبير لـ(فيس بوك) عام 2019، عندما أثر خطأ تقني على مواقعه لمدة 24 ساعة، في تذكير من الشركة بأن أحد الأزمات يمكن أن يشل حتى أقوى شركات الإنترنت.

وقال خبراء أمنيون خارجيون إنهم يعتقدون أن مشكلة “الخادم” التي تسببت في انقطاع عالمي لمدة ست ساعات عن التطبيقات يمكن أن تنشأ فقط من داخل الشركة، وأنه من غير المحتمل أن يكون الهجوم الإلكتروني هو الجاني لأن الاختراق عمومًا لا يؤثر على كثير من التطبيقات في وقت واحد.

لكن (فيس بوك) ومديرها التنفيذي “مارك زوكربيرج” لم يقدما تفسيرا علنيا للخطأ الذي حدث بالضبط، بل مجرد //اعتذار شامل// عن التعطيل الذي طال عشرات الملايين من المستخدمين في جميع أنحاء العالم.

هل انتهاكات “فيس بوك” هي السبب وراء العطل؟

لأسابيع تعرضت “فيس بوك” للكثير من الصعوبات المتزايدة، واتهامات عديدة آخرها استخدام المنصة الاجتماعية لنشر الكراهية والعنف والمعلومات المضللة، وجاء ذلك بسبب فرانسيس هاوجين، مديرة الانتاج السابق لـ”فيس بوك”، التي جمعت آلاف الصفحات من البحث الداخلي. ووزعت البيانات المخزنة في ” ذاكرة التخزين المؤقت” على وسائل الإعلام الإخبارية والمشرعين والمنظمين.

وتظهر الوثائق مرارًا وتكرارًا أن باحثي (فيس بوك) حددوا الآثار السيئة للمنصة. فعلى الرغم من جلسات الاستماع في الكونجرس، وتعهدات سابقة للعديد من المعارضين الإعلاميين، لم تقم الشركة بإصلاحها. لتكشف أن “فيس بوك” على علم بالعديد من الأضرار التي تسببها خدماته، بما في ذلك Instagram الذي جعل الفتيات المراهقات يشعرن بالسوء تجاه أنفسهن.

وأثارت هذه الاكتشافات غضباً عارماً بين المنظمين والمشرعين والجمهور، ومن المقرر أن تدلي السيدة هاوجين بشهادتها يوم الثلاثاء حول الانتهاكات التي تقوم بها الشركة ضد مستخدميها. لتؤكد هاوجين: “إنها تريد إصلاح الشركة لا الإضرار بها”.

كما تم استجواب أنتيجون ديفيس، رئيس السلامة العالمية في “فيس بوك” من قبل الكونغرس بشأن حماية المستهلك، في جلسة استماع تحت عنوان “حماية الأطفال على الانترنت: فيس بوك وانستجرام والصحة العقلية”، للإجابة على أسئلة حول تأثير المنتجات التي تستهدف الأطفال والمراهقين وعلاقتها بصحتهم العقلية.

حيث توجهت إليه الاتهامات بأن “فيس بوك” كانت تضع استراتيجيات حول كيفية تسويق نفسها للأطفال، مشيرة إلى المراهقين على أنهم “جمهور ذو قيمة ولكن غير مستغل” وكيف تضحي بأمان الأطفال على الانترنت من أجل ضخ الأرباح وحول مقدار الوقت الذي يستغرقه هؤلاء الأطفال على الشاشات أكثر من اللازم، وأن ما تقدمه الشركة من منتجات يؤثر سلباً على هؤلاء الأطفال والمراهقين ويجعلهم غير راضيين عن أنفسهم وقد يدفعهم للانتحار.

وجاء ذلك أيضاً بعد إعلان “فيس بوك” إطلاقها Instagram Kids ، الذي يستهدف الأطفال من سن 13 عاما.

ومن ضمن الادعاءات أيضاً، أن “فيس بوك” ألقى بثقله وراء الترويج للقاحات Covid-19 – بحيث أصبحت “أولوية قصوى للشركة”- كما جاء في الوثائق – في إظهار لإيمان زوكربيرج بأن ابتكاره قوة من أجل الصالح الاجتماعي في العالم. وانتهى الأمر بأن النشطاء استخدموا أدوات Facebook الخاصة لبث الشكوك حول شدة تهديد الوباء وسلامة اللقاحات التي ابتكرتها الدول لمكافحته.

يوم “الاثنين” الأسوأ في حياة مارك زوكربيرج

تقدر شركة مراقبة الإنترنت NetBlocks أن ساعة واحدة فقط من إغلاق المنصات تعني خسائر تزيد عن 160 مليون دولار للشركة، وبالفعل تراجعت أسهم فيسبوك بنحو 5 في المائة يوم الاثنين. وعندما يتعلق الأمر بالثروة الشخصية لزوكربيرج، فقد ورد أنه فقد 6 مليارات دولار في الساعات التي تلت الانقطاع.

استمرت المشاكل في التصاعد يوم الاثنين عندما ادعى عضو في منتدى معروف للمخترقين أنه يمتلك معلومات شخصية لنحو 1.5 مليار مستخدم على Facebook من جميع أنحاء العالم، وعرض بيعها على أجزاء لمستخدمين آخرين في المنتدى.

 كما ادعى المتسلل أن المعلومات تضمنت الاسم وعنوان البريد الإلكتروني والموقع والجنس ورقم الهاتف ومعرف المستخدم المرفق بكل حساب “فيسبوك”. وإلى الآن لم يتم تحديد ما إذا كان هناك أي بيانات للمستخدمين قد تم سرقتها أو لا، فمن الممكن الوصول إلى الحسابات إذا تم الحصول على البيانات من قبل المحترفين من مجرمي الإنترنت، ويمكن بعد ذلك يمكن الوصول إلى كل المعلومات حتى أرقام الحسابات البنكية.

“فيس بوك” أضعف مما نعرف

مع المنافسة الشديدة التي تواجهها من الخدمات الأخرى، ومع احتكارها لثلاثة تطبيقات تتحكم في إدارة الحياة اليومية للملايين، فالاختفاء القصير لموقع “فيس بوك” أظهر أن هذه البنية التحتية الحديدية لا يمكن أن تستبدل.

فقد فقدت آلاف الشركات الصغيرة الآلاف من مبيعاتها، وواجه الموظفون مشاكل في إجراء مكالمات من الهواتف المحمولة الصادرة عن العمل وتلقي رسائل البريد الإلكتروني من أشخاص خارج الشركة، مما ترك الكثيرين غير قادرين على أداء وظائفهم، واتجه البعض إلى منصات أخرى للتواصل، بما في ذلك Twitter، LinkedIn  و Zoom.

بعض موظفي Facebook الذين عادوا إلى العمل في المكتب لم يتمكنوا أيضًا من دخول المباني وقاعات المؤتمرات لأن شاراتهم الرقمية توقفت عن العمل، ولم يتمكن مهندسو الأمن من تقييم الانقطاع لأنهم لم يستطيعوا الوصول إلى مناطق الخوادم.

إن ما يحدث ليست مشكلة مالية، أو مشكلة قانونية، أو حتى مشكلة صراخ أعضاء مجلس الشيوخ في مارك زوكربيرج. ما نراه هو نوع من التدهور البطيء والمستمر الذي يمكن لأي شخص رأى شركة تحتضر عن قرب التعرف عليه. إنها سحابة من الرهبة الوجودية التي تخيم على منظمة كانت أفضل أيامها خلفها، مما يؤثر على كل أولوية إدارية وقرار منتج ويؤدي إلى محاولات يائسة بشكل متزايد لإيجاد مخرج. هذا النوع من التراجع ليس مرئيًا بالضرورة من الخارج، لكن المطلعين يرون مائة علامة صغيرة ومقلقة منه كل يوم.

هل سيختفي “فيس بوك” من حياتنا قريبا؟

الحقيقة هي أنه انخفض استخدام Facebook بين المراهقين في الولايات المتحدة لسنوات، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر قريبًا – توقع باحثون داخليون أن الاستخدام اليومي سينخفض بنسبة 45٪ بحلول عام 2023.

وكشف الباحثون أيضًا أن Instagram ، الذي عوض نموه عن تراجع الاهتمام بـ “فيس بوك” التطبيق الأساسي لسنوات، يفقد حصته في السوق أمام المنافسين الأسرع نموًا مثل TikTok ، ولا ينشر المستخدمون الأصغر سنًا قدرًا كبيرًا من المحتوى كما اعتادوا.

“فيس بوك لكبار السن” هو الحكم الوحشي الذي أصدره صبي يبلغ من العمر 11 عامًا إلى باحثي الشركة، وفقًا للوثائق الداخلية.

لا ينبغي أن يؤدي تراجع أهمية “فيس بوك” مع الشباب بالضرورة إلى جعل منتقديه متفائلين. يعلمنا التاريخ أن الشبكات الاجتماعية نادرًا ما تتقدم في العمر بأمان، وأن شركات التكنولوجيا يمكن أن تحدث الكثير من الضرر وهي في طريقها إلى الأسفل.

 فمثلاً موقع MySpace ، الذي نما بشكل متزايد غير طبيعي ومُليء بالبريد العشوائي حيث أصبح مدينة أشباح ، وانتهى به الأمر ببيع بيانات المستخدمين لشركات الإعلان.

لا يعني أي من هذا أن “فيس بوك” ليس قويًا، أولا ينبغي تنظيمه أو أن أفعاله لا تستحق التدقيق. يمكن أن يكون صحيحًا أنه في حالة تدهور، ومع ذلك فهولا يزال أحد أكثر الشركات نفوذاً في التاريخ، مع القدرة على تشكيل السياسة والثقافة في جميع أنحاء العالم.

قد تكون السنوات القليلة المقبلة لـ(فيس بوك) أسوأ من السنوات القليلة الماضية، خاصة إذا قررت تقليص جهود البحث والنزاهة الداخلية في أعقاب التسريبات.

Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى