
ملفات “باندورا” … ما بين أساطير “الإغريق” ومليارات “الكاريبي”
عاد الجدل مرة أخرى حول التدفقات المالية من جميع أنحاء العالم، نحو مناطق بعينها وعلى رأسها جزر “الكاريبي”، عاد إلى واجهة الاهتمامات الدولية مرة أخرى، بعد أن بدأ الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أمس، نشر مجموعة ضخمة من الوثائق والمواد، التي تكشف النقاب عن الملاذات الضريبية التي لجأ لها مجموعة من أغنى أغنياء العالم، بهدف إخفاء الحجم الحقيقي لثرواتهم، وتفادي دفع الضرائب في بلدانهم الأصلية.
تمت تسمية هذه الجولة من التسريبات “ملفات باندورا”، وهو اسم لافت بالنظر إلى أن أصول اسم “باندورا” تعود إلى الأساطير الإغريقية، ويشير هذا الاسم تحديداً إلى صندوق كانت تملكه امرأة تدعى “باندورا”، كان يحوي بداخله كافة الشرور الإنسانية، وأدى فضول باندورا لمعرفة ما بداخل الصندوق، إلى تحرير كافة هذه الشرور. هذا الفضول وتلك الشرور ربما لها ارتباط بشكل أو باخر بواقع مالي يعيشه العالم منذ عقود، وتم الكشف عنه سابقاً من خلال تسريبات مماثلة.
ملفات “باندورا” هي الجولة الأحدث من سلسلة تسريبات أطلقها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في أبريل 2013، وأصدر حينها المجموعة الأولى من التسريبات تحت اسم “الحسابات الخارجية”، والمجموعة الثانية تم نشرها عام 2014 تحت اسم “لوكس”. أما المجموعة الثالثة فقد تم نشرها عام 2016 تحت اسم “وثائق بنما”، والمجموعة الرابعة تم نشرها عام 2017 تحت اسم “باراديس”.
يضاف إلى هذه التسريبات مجموعة من الوثائق تم تسريبها في سبتمبر 2020 من داخل شبكة التحقيق في الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، وجميع هذه التسريبات كانت تتعلق بكشف حجم التدفقات النقدية الواردة إلى دول بعينها، لها انظمة مالية وقضائية تسمح للشركات والأفراد خارجها، من وضع اموالهم داخل الأنظمة المالية لهذه الدول، دون أن يخشوا انكشاف صلتهم بهذه الأموال، وهو ما يوفر لهم القدرة على التهرب من دفع الضرائب المترتبة على هذه الأموال، سواء كانت سائلة أو في شكل عقارات ومنقولات.
الملاذات الضريبية “فيما وراء البحار”

تعد “الملاذات الضريبية”، من أهم طرق تحايل الشركات الكبرى والأفراد ذوي الثروات الطائلة على الأنظمة القانونية والمالية في بلدانهم حيث توفر الدول والولايات والمناطق التي تعتبر “ملاذات ضريبية”، القدرة لهؤلاء على إيداع ثرواتهم واخفائها بشكل محكم، دون المخاطرة بتسرب معلومات حول هذه الثروات إلى سلطات بلدانهم الأصلية، خاصة أن هذه الفئة من الناس تشمل سياسيين وموظفين حكوميين رفيعي المستوى، يقطنون في دول نامية في آسيا وأفريقيا، وتشمل أيضاً كبار رجال الأعمال والمشاهير في مختلف المجالات.
الدول والمناطق التي يمكن اعتبارها “ملاذات ضريبية”، تقوم بتوفير تسهيلات ضخمة للمواطنين من الدول الأخرى، بحيث تمكنهم بسهولة تامة من فتح شركات وهمية – لا يكون لها أي نشاط حقيقي في البلدان التي تم تسجيلها فيها، ولا يكون لها فيها حتى مقر او مكتب يمثلها – وتستخدم هذه الشركات الوهمية كوسيلة يمكن من خلالها إيداع أموالهم وبالتالي تقليل أعبائهم الضريبية، نظراً لأن هذه الدول تتسم بمعدلات ضرائب متدنية للغاية، وتوفر هذه الدول لمواطني الدول الأخرى كذلك حماية قانونية كامل من اية محاولة لتحديد المستفيدين الحقيقيين من أنشطة هذه الشركات والملاك الحقيقيين للأموال والمنقولات الموجودة على أراضيها، حيث لا تتجاوب سلطات هذه الدول والمناطق، عادة مع أية مطالبات حكومية خارجية للكشف عن معلومات حول هذه الأنشطة.
في عام 2015، نشرت المفوضية الأوروبية تقريرها الخاص عن 30 دولة تعتبرها ملاذات ضريبية. رداً على ذلك، أبدت بعض هذه الدول التزامها مشاركة معلوماتها حول الأنشطة الاقتصادية التي تتم على أراضيها، ونتيجة لذلك تم تقليص هذه القائمة لتصبح مكونة من 12 جهة لا تبدى تعاون مع الدول الأخرى في هذا الشأن، ومعظمها في البحر الكاريبي، وهي جزيرة ساموا، جزيرة أنغويلا، جزيرة دومينيكا، جزر فيجي، جزيرة غوام، جزر بالاو، جمهورية بنما، جزيرتي ترينيداد وتوباغو، جزر فيرجن، جزيرة فانواتو، جزيرة سيشل.
تلجأ الجهات الراغبة في الاستفادة من تسهيلات هذه الملاذات الضريبية، إلى بعض مكاتب المحاماة من أجل تسجيل هذه الشركات الوهمية، حيث تمكن هذه المكاتب تلك الجهات من إتمام عملية التسجيل بشكل كامل دون أي ذكر لهوياتهم الحقيقية في السجلات الرسمية مثل مستندات تأسيس هذه الشركات. وعلى الرغم من أن تسجيل الشركات على أراضي دول تعتبر بمثابة ملاذات ضريبية هو أمر قانوني ولا مشكلة فيه، إلا أن هذا التسجيل يجب أن يتضمن إفصاح كامل عن أصول هذه الشركات وأنشطتها ومداخيلها للسلطات الحكومية في الدول التي ينتمي إليها مؤسسي هذه الشركات، والا يعد ذلك بمثابة تهرب ضريبي وغسيل الأموال مشكوك في مشروعيتها.
هنا يظهر الفارق في استخدام بعض الجهات للتسهيلات التي تقدمها هذه الملاذات الضريبية، فبعضها – خاصة مواطني الاتحاد الأوروبي فاحشي الثراء والشركات العاملة في أوروبا – تلجأ إلى هذه الملاذات بهدف أساسي وهو التهرب الضريبي، فوفقًا لتقديرات المفوضية الأوروبية، يستخدم المواطنون في الاتحاد الأوروبي وسائل مختلفة للتهرب الضريبي لتحويل نحو عشرة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد، وهذا يعني خسارة الاتحاد نحو 46 مليار يورو من عائدات الضرائب كل عام. على الجانب الأخر، تلجأ الجهات المماثلة لها في الشرق الأوسط وبعض دول آسيا وأفريقيا، من أجل إخفاء الثروات ووضعها في مواضع بعيدة عن الرقابة والرصد، وهذا بكل خاص يتعلق ببعض السياسيين ورجال الأعمال ذوي الأنشطة المشبوهة.
“باندورا” … أكبر تسريبات متعلقة بالملاذات الضريبية

بالعودة للحديث عن ملفات “باندورا”، فأنه يمكن القول انها تعتبر التسريبات الأكبر على الإطلاق في ما يتعلق بالتدفقات المالية نحو الملاذات الضريبية، حيث تكشف هذه الملفات عن الملاك الحقيقيين لنحو 29 ألف شركة تنتمي لنحو مائتي دولة، وتم تأسيسها في عدد من الدول والملاذات الضريبية حول العالم، خلال الفترة بين عامي 1996 و2020، خاصة في جزر فيرجين وسويسرا وسنغافورة وقبرص وبنما وهونج كونج وهولندا وإيرلندا، بجانب المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة، وذلك من خلال التفاصيل الواردة في 11.9 مليون ملف، منها 6.4 مليون ملف نصي، يصل عدد صفحات بعضها إلى عشرة آلاف صفحة، تشمل صور جوازات سفر ووثائق تسجيل شركات وعقود خاصة بعقارات ومنازل. هذه الملفات تتضمن أيضاً 4.1 مليون صورة ورسالة اليكترونية ، ونحو نصف مليون جدول بيانات، وأكثر من 800 ألف ملف مرئي ومسموع.
تمكن الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين من تجميع هذه الملفات، بمساعدة 150 جهة صحفية وبحثية، ومشاركة نحو 600 صحفي استقصائي من 117 دولة حول العالم، وكان مصدر هذه الملفات أربعة عشر شركة للخدمات المالية والقانونية. اللافت هنا أن ما تم الكشف عنه حتى الآن منها – علماً ان نشر هذه الملفات مازال مستمراً – تضمن بيانات حول ملكيات 336 من كبار السياسيين والقادة حول العالم، من بينهم 90 شخص في القارة الأوروبية، و15 رئيس دولة في أمريكا اللاتينية، ونحو 46 شخص من روسيا، و49 شخص من أفريقيا، بجانب 133 ملياردير من 45 دولة حول العالم.
تشمل هذه القائمة أيضاً مشاهير من خارج السلك السياسي، مثل عارضة الأزياء كلوديا شيفر، والمطرب الشهير خوليو إجلاسياس، والمطربة الشهيرة شاكيرا، بجانب المدرب الأسباني كارلو أنشيلوتي، ومدير نادي برشلونة السابق بيب جوارديولا، ونجم الكريكيت الهندي السابق ساشين تيندولكار، ورافاييل اماتو زعيم مافيا “كامورا” الإيطالية، والمدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس، وبينود تشودري، الملياردير النيبالي الذي صنفته مجلة فوربس عام 2018 كأغنى رجل في العالم، ورجل الأعمال الموريتاني المقرب من السلطة محمد عبد الله ولد إياها. المنطقة العربية كانت حاضرة في هذه التسريبات، بنحو 32 شخصية عربية تنتمي إلى ستة دول هي الإمارات العربية المتحدة ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن والمغرب وقطر.

الأكيد أن هذه التسريبات سوف يكون لها تأثير مضاعف عن التأثيرات التي نتجت عن تسريبات “باراديس” و”بنما” السابقة، فالفارق في حجم الملفات والبيانات التي سيتم الكشف عنها في تسريبات “باندورا” أكبر بمراحل عن كافة التسريبات السابقة. تسريبات “بنما” على سبيل المثال كانت سابقاً هي الأكبر حجماً، حيث اشتملت على 11.5 مليون مستند، بحجم يصل إلى 2.6 تيرا بايت، لكن جاءت تسريبات باندورا لتكسر هذا الرقم حيث تضمنت نحو 12 مليون ملف، بحجم يقترب من 3 تيرا بايت.
للافت هنا أن نقطة قوة تسريبات باندورا تأتي أيضاً من حقيقة أنها جاءت من أربعة عشر مكتب محاماة، ما جعلها شاملة لأكبر قدر من الشركات والملاذات الضريبية، في حين كان مصدر ملفات تسريبات بنما هو مصدر واحد فقط، وهو مكتب المحاماة البنمي “موساك فونيسكا”.
يضاف إلى ما سبق حقيقة أن الجهات المشاركة في جمع المعلومات في تسريبات باندورا كانت الأكبر عددا على الإطلاق – 600 صحفي من 117 دولة – في حين شارك في جمع بيانات تسريبات بنما 400 صحفي من 80 دولة فقط. حتى على مستوى عدد الشخصيات السياسية والعامة التي تم الكشف عن ممتلكاتها، تفوقت تسريبات باندورا، حيث كشفت عن ملكيات 336 شخصية سياسية وعامة، مقابل كشف تسريبات بنما عن ممتلكات 140 شخصية فقط.
ممتلكات رؤساء وقادة العالم باتت تحت المجهر

من أهم البيانات التي تم الكشف عنها حتى الآن في ما تم نشره من وثائق تسريبات “باندورا”، تلك المتعلقة بـ 12 رئيس دولة ورئيس وزراء مازالوا حتى الآن في مناصبهم، اولهم هو أندريج بابيش، رئيس وزراء جمهورية التشيك، الذي دخل معترك السياسة في التشيك عام 2013، وتقلد منصبه عام 2017. تشير الوثائق المنشورة إلى أن بابيش قام عام 2009 ، بدفع مبلغ 22 مليون دولار، مقابل فيلا تقع في قرية فرنسية بالقرب من مدينة كان. هذا المبلغ تم دفعه من خلال شركات وهمية تقع مقراتها في العاصمة الأمريكية واشنطن وفي جزيرة “فيرجن” التابعة للتاج البريطاني، بجانب شركة إدارة عقارات يقع مقرها في مدينة موناكو. هذه الفيلا لم يرد ذكرها في كافة وثائق الذمة المالية التي قدمها بابيش منذ عام 2013 وحتى الان، وكذلك لم يرد ذكر الشركات التابعة له.
الرئيس الثاني في هذه القائمة هو الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، حيث كشفت التسريبات عن أنه يمتلك أسهماً في كيان خارجي مجهول، وهو شركة وهمية مسجلة في جزر فيرجن البريطانية تحت أسم “مالتيكس”، لإنتاج وتوزيع الأفلام. قام زيلينسكي في مارس 2019، قبل شهر واحد فقط من انتخابه رئيسا لأوكرانيا، بنقل ملكية أسهم هذه الشركة إلى أحد أصدقائه المقربين ويدعى سيرجي شيفير، الذي سيصبح في ما بعد أحد أهم مساعديه بعد انتخابه رئيساً للبلاد. وتشير الوثائق إلى أن كليهما لم يردا على ذكر هذه الشركة وأنشطتها في أي من سجلاتهما المالية.

الرئيس الثالث في هذه القائمة هو رئيس الأكوادور غويلرمو لاسو، وتظهر التسريبات المتعلقة به أنه كانت له علاقات مع 10 شركات وهمية في بنما وولايتي ساوث داكوتا وديلاوير الأمريكتين . الرئيس الرابع هو رئيس جمهورية الدومينيكان لويس أبي نادر، اللبناني الأصل، الذي أشارت التسريبات إلى أنه يرتبط بشركتين بنميتين وهميتين، أسسهما قبل أن يصبح رئيساً للبلاد، الأولى يمتلكها مع أخته وشقيقه، والأخرى يمتلك أشقاؤه الثلاثة أسهماً فيها. وتُظهر السجلات المتاحة أن الشركتين تم إنشاؤها بغرض إدارة أصول موجودة في جمهورية الدومينيكان، لكن لا تتضمن المستندات الشخصية الخاصة بأبي نادر اية تفاصيل حول هذه الأصول.
رئيس وزراء جمهورية كوت ديفوار باتريك أتشي، كان ضمن الشخصيات التي تم تناولها في ما تم تسريبه من وثائق حتى الآن، حيث أشارت هذه الوثائق إلى أنه في عام 1998 ، بينما كان يشغل منصب مستشار وزير الطاقة، أصبح مالكاً لشركة وهمية في جزر الباهاما، علماً ان اسمه لم يكن وارداً في المستندات الرسمية لهذه الشركة، لأنه لجأ إلى مكتب محاماة بريطاني، لتدبر ملكية هذه الشركة دون ظهور أسمه. هذا كان نفس الوضع في ما يتعلق برئيس جمهورية الكونغو دنيس ساسو نغيسو، الذي يحكم البلاد منذ نحو 36 عام، حيث تشير التسريبات إلى أنه يمتلك شركة وهمية تسمى “أنتر أفريكان”، ولم تكن ملكيته لهذه الشركة معروفة سابقاً، حيث اتضح أن هذه الشركة تم تأسيسها عام 1998 في جزر فيرجن البريطانية، وكانت لها حسابات بنكية في بريطانيا، كما امتلكت أحدى بناته شركة أخرى مسجلة في جزر فيرجن وهو شركة “أيكوبلان”، التي كانت بدورها تمتلك شركة “أسكوم كونغو”، وهي هي شركة بناء وعقارات تمتلك حقوق مناجم الماس في البلاد.

الرئيس الجابوني علي بونجو كان هو الآخر ضمن الشخصيات الرئاسية التي تم الكشف عنها حتى الآن في ملفات باندورا، وتشير الوثائق إلى أنه أمتلك بمعية أثنين من السياسيين الجابونيين، هما جان بيير أويبا، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الجابون حتى استقالته عام 2009، وكلود سيزالوري، وهو من أصل فرنسي، شركة وهمية مسجلة في جزر فيرجن البريطانية ، تحت اسم “جازيبو”.
الرئيس الكيني أوهورو كينياتا كان ضمن هذه القائمة أيضاً، حيث تشير التسريبات إلى ارتباطه بشركة وهمية في بنما، بينما أنشأت والدته وإخوته ستة شركات وهمية اخرى على الأقل في بنما وجزر فيرجن البريطانية لإدارة ممتلكاتهم، وقد تم تأسيس معظم هذه الشركات قبل انتخاب كينياتا رئيسا لكينيا، وظل بعضها نشطاً بعد توليه هذا المنصب، وقد أدارت هذه الشركات حسابات مصرفية وعقارات في هونج كونج والولايات المتحدة الأمريكية، تزيد قيمتها عن 30 مليون دولار.
رئيس جمهورية الجبل الأسود ميلو جوكانوفيتش، الذي تسيد المشهد السياسي في هذه الجمهورية منذ ثلاثة عقود، ظهر أسمه ضمن هذه التسريبات، وقد أتضح منها أنه خلال ولايتيه السادسة والسابعة كرئيس لوزراء الجبل الأسود، قام أحدى شركات إدارة الأموال السويسرية، بمساعدته كي يؤسس شركتين وهميتين في جزر فيرجن البريطانية، أحدهما باسمه والآخر باسم نجله بلازو.
يضاف إلى هذه القائمة عدة شخصيات عربية تشغل مناصب رسمية رفيعة، أولها هو رئيس الوزراء اللبناني الحالي نجيب ميقاتي، الذي يمتلك شركة “هيسيفيل” المسجلة في بنما منذ عام 1994. تشير التسريبات إلى أن شركة “أم 1” الفرنسية ومقرها مدينة موناكو، قامت بتسهيل عمليات شركة ميقاتي الخارجية، ومنها عملية شراء عقار في مدينة موناكو عام 2008، بلغت قيمته أكثر من عشرة ملايين دولار. تشير الوثائق أيضاً إلى ان ماهر ميقاتي، نجل ميقاتي كان مديراً لشركتين وهميتين مسجلتين في جزيرة فيرجن البريطانية. جدير بالذكر أن عدة مسؤولين لبنانين تم تضمينهم في هذه التسريبات، منهم رئيس الوزراء السابق حسان دياب، ومستشار رئيس الجمهورية ميشيل عون، النائب السابق أمل أبو زيد، والوزير السابق مروان خير الدين، وغيرهم.

الشخصية الثانية هو العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، حيث أفادت التسريبات أنه أسس ما لا يقل عن 30 شركة وهمية في ملاذات ضريبية خارجية، وأنه قام عبر هذه الشركات منذ توليه السلطة عام 1999، بشراء 15 عقار فخم بقيمة تتعدى 106 مليون دولار، وقد أسس هذه الشركات بمساعدة مكاتب سويسرية وبريطانية لإدارة الأموال. أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني كان أيضاً ضمن هذه القائمة، حيث تظهر الوثائق المسربة أنه مرتبط بشركتين وهميتين مسجلتين في جزر فيرجن البريطانية، كلتاهما تمتلكان عقارات راقية في لندن، بجانب أصول قيمة اخرى منها يخت تبلغ قيمته 300 مليون دولار. محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس وزراء دولة الإمارات وحاكم إمارة دبي، ظهر أسمه ضمن هذه التسريبات أيضاً، حيث ظهر أنه يساهم في ثلاث شركات وهمية مسجلة في جزر الباهاما وجزيرة فيرجن البريطانية.
بريطانيا كانت أسماً مشتركاً بين عدد من الشخصيات التي ظهرت أسماؤها في هذه التسريبات، منهم الأميرة المغربية للا حسناء، التي أشترت عبر شركة وهمية منزلاً بقيمة 11 مليون دولار في العاصمة البريطانية لندن، وتحديداً قرب قصر كينجستون. يضاف إلى هذا كشف الوثائق عن امتلاك أفراد أسرة الرئيس الأذربيجاني الحالي إلهام علييف شركات وهمية قاموا من خلالها بعقد صفقات عقارية في بريطانيا بلغت قيمتها أكثر من 400 مليون جنيه إسترليني، والمدهش هنا أن هذه الصفقات تمت مع شركة “كراون ستيت”، وهي الشركة المسؤولة عن إدارة ممتلكات التاج البريطاني العقارية، وتديرها بشكل مباشر وزارة الخزانة البريطانية. تسلط التسريبات الضوء على عدم قيام الحكومة البريطانية بإعداد سجل لأصحاب العقارات من أصحاب الشركات التي تتخذ من الملاذات الضريبية مقرا لها، على الرغم من وعود الحكومة المتكررة بالقيام بهذه الخطو.
الولايات المتحدة الأمريكية كانت أيضاً حاضرة في تسريبات باندورا، من خلال ولاية “داكوتا الجنوبية”، فقد أصبحت هذه الولاية ركن أساسي من أركان ملاذات التهرب الضريبي، لتصبح الولايات المتحدة بذلك بمثابة وجهة جاذبة بشكل متزايد لمحاولات إخفاء الثروات والتهرب من الضرائب، على الرغم من إدانة الولايات المتحدة الدائمة للدول التي تعتبر ملاذات ضريبية آمنة. في ظل استمرار الكشف عن هذه الملفات خلال الأسابيع المقبلة، يتوقع أن يكون لملفات “باندورا” تأثير قوي وفوري على الجانب السياسي والمالي على مستوى العالم، بما يفوق تأثير تسريبات “بنما”، التي أدت إلى استقالة عدة رؤساء حكومات، وإلى إطلاق حملة تدقيق مالي دولي على نطاق واسع.
مصادر
باحث أول بالمرصد المصري



