آسيا

تصعيد ” عسكري” غير مسبوق.. تايوان ” مخلب القط الأمريكي” في وجه الصين

قبل أيام اخترقت الصين المجال الجوي لتايوان بنحو 38 طائرة عسكرية، وهو التوغل الأكبر من نوعه الذي تنفذه الصين في الجزيرة التابعة لها حتى الآن. وحسب وزارة الدفاع التايوانية فإن بعض الطائرات الصينية التي اخترقت مجالها الجوي قادرة على حمل رؤوس نووية، فضلًا عن وجود طائرة مضادة للغواصات؛ وهو الأمر الذي استفز السلطات في تايوان ودفعها إلى نصب أنظمة صواريخها والدخول في حالة من التأهب. وفي معظم الأحيان يكون التدخل الصيني مركزًا في الجزء الجنوبي – الغربي من منطقة الدفاع الجوي قرب جزر براتاس الخاضعة لتايوان.

مخلب القط الأمريكي

لم يقتصر الأمر على مجرد إرسال الطائرات، وإنما قام جيش التحرير الشعبي الصيني في السابع عشر من سبتمبر الماضي بمناورات عسكرية حية عن طريق الجو والبحر في المنطقة الجنوبية الغربية للجزيرة التايوانية. وكان هذا تعبيرًا عن احتجاج الحكومة المركزية الصينية على مرور سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية عبر المياه الإقليمية بين الصين وتايوان؛ وهي المياه التي تعتبرها الصين تابعة لها.

يضاف إلى ما سبق أنه قبل أسبوع اخترقت 24 طائرة حربية صينية المجال الجوي لتايوان بعد أن تقدمت الأخيرة بطلب رسمي للانضمام إلى اتفاق تجاري كبير لمنطقة المحيط الهادئ؛ وهو الاتفاق الذي يضم 11 دولة مطلة على المحيط الهادئ من ضمنها أستراليا وكندا وتشيلي واليابان والمكسيك وفيتنام. ويمثل الاتفاق نحو 13.5% من الاقتصاد العالمي، ويخدم 500 مليون نسمة.

وفي هذا الإطار حاولت تايوان تتبع خطوات الصين، لأنها قامت بتقديم الطلب للانضمام للاتفاق بعد إقدام الصين على نفس الخطوة من منظور بدا منطقيًا؛ إذ إن معظم الدول الأعضاء يمثلون الشركاء التجاريين الأساسيين لتايوان، إضافة إلى أنهم يمثلون أكثر من 24% من عملية التجارة الدولية للجزيرة التايوانية. ومن هنا فإن تايوان ترى أنها لا يصح أن تبقى منقطعة عن العالم ومنعزلة عن الاقتصاد العالمي.

وعلاوة على ذلك، فإن الصين لم تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولة الولايات المتحدة لتوطيد علاقاتها مع الجزيرة التابعة لها، ولذلك وجّهت في الثالث عشر من سبتمبر الماضي تحذيرًا رسميًا إلى واشنطن من محاولة تغيير اسم “مكتب التمثيل الاقتصادي والثقافي لتايبيه”.

هذا في الوقت الذي ينظر فيه إلى مثل هذا العبور الأمريكي بوصفه يشكل تحذيرًا للجانب الصيني. مع الأخذ بالاعتبار أن الولايات المتحدة لا تقيم علاقات رسمية مع الجانب التايواني وإن كانت تحتفظ لنفسها بمكتب تمثيل دبلوماسي في الجزيرة، وتحرص على توريد الأسلحة لها بموجب قانون رسمي. وفي أغسطس الماضي وافقت واشنطن على صفقة أسلحة جديدة لتايوان عبارة عن نظام مدفعي تصل قيمته إلى 750 مليون دولار.

وترى الصين تايوان “إقليمًا” منشقًا عنها، بينما ترى “تايوان” أنها دولة مستقلة وذات سيادة. وحسب رئيسة تايوان -وهي أول سيدة تنتخب لهذا المنصب- فإن هذا ليس بالأمر الجديد على الصين التي دأبت على التدخل في شؤون تايوان، وقامت بإرسال طائراتها العسكرية إلى المجال الجوي التايواني على مدار عام مضى؛ محاولة ردع الولايات المتحدة الأمريكية بكل الطرق، وهو الأمر الذي استخدمته بكين لتبرير تدخلاتها؛ إذ أشارت الحكومة الصينية إلى أن الطائرات التي تقوم بإرسالها هي لحماية مصالحها وسيادتها في المنطقة، والحيلولة دون اكتمال التآمر بين واشنطن وتايوان.

بداية التوتر

بدأت العلاقات في التوتر بين الصين وتايوان في أربعينيات القرن الماضي خلال الحرب الأهلية، ولكن ما يتضح حتى الآن هو أن بكين عازمة على استرجاع الجزيرة التايوانية. وعمومًا فإن الصين غير قادرة على فعل ذلك سوى بالتدخل العسكري المباشر لأن الجزيرة مستقلة بالفعل وتقوم بانتخاب حكومتها بطريقة ديمقراطية، وتمتلك جيشًا قوامه 300 ألف جندي؛ وبالتالي فإنه لا يوجد أمام بكين سوى الحل العسكري، وكل ما تقوم بفعله حتى الآن هو على الطريقة الروسية في حماية جمهورياتها السابقة؛ إذ تعمل بكين على ردع تايوان والدول الطامحة لعلاقات معها من تشكيل أي تحالف يضر بالرابط بين الجزيرة المستقلة والوطن الأم في بكين.

 وبالرجوع إلى الثورة الشيوعية الصينية، فقد تمكن الشيوعيون من السيطرة على بر الصين الرئيسي بالكامل قبل أن يعلن زعيمهم “ماوتسي تونج” في الأول من أكتوبر عام 1949 عن قيام الجمهورية الصينية الشعبية. ولكن في نفس التوقيت تمكن “شيانج كي” قائد “الكومينتانج” وأتباعه من الاستقرار في جزيرة تايوان -التي كانت في حينها جزءًا من بر الصين الرئيسي- ويعلن عن مدينة “تايبيه” عاصمة مؤقتة لجمهورية الصين مشهرًا رفضه للجمهورية التي أعلن عنها “ماوتسي تونج”.

ومنذ ذلك الوقت فشلت الحملات المتكررة لغزو الجزيرة رغم أنها لم تكن تتمتع بقوة عسكرية تذكر، ورفضت الولايات المتحدة تحت قيادة “هاري ترومان” التدخل في النزاع. ولكن مع اندلاع النزاع بين الكوريتين غيّرت الولايات المتحدة توجهاتها، وتعهدت بحماية كل الأنظمة غير الشيوعية ومن ضمنها نظام “شيانغ كاي شيك”، وأرسل “ترومان” الأسطول الأمريكي السابع إلى تايوان.

وهو النهج الذي تغير الآن؛ إذ تتعامل واشنطن مع القضية التايوانية بوصفها شوكة في حلق الصين. إلى الحد الذي كانت فيه عضوية الأمم المتحدة محجوزة لتايوان حتى السبعينيات، ولم تحصل الصين على مقعد تايوان إلا في عام 1971. وفي عام 1979 أقامت الولايات المتحدة العلاقات الرسمية مع جمهورية الصين الشعبية، لا أنه وبالتزامن مع تدشين العلاقات رسميًا قام الكونجرس بتمرير قانون يسمح ببيع الأسلحة للجزيرة التايوانية.

ولجأت واشنطن منذ ذلك الوقت إلى حيلة تقلق الصينيين حتى الآن وهي أنها على الدوام لا تتعامل مع الصين بوصفها “صين واحدة”؛ فتايوان دائمًا في الصورة، وفي هذا الصدد يحذر مراقبون من أن استمرار هذا النهج الأمريكي سيؤدي في النهاية إلى انفجار الأوضاع، خصوصًا مع سعي تايوان إلى انتزاع مقعدًا في الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يشجعها عليه عدد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة واليابان التي يحلو لها إقلاق مضاجع الصين أيضًا.

إلا أن الدول الداعمة لتايوان سيكون عليها الحفاظ على “شعرة معاوية” التي تثير قلق الصين، وفي نفس الوقت لا تدفع الصين إلى التدخل العسكري في الجزيرة التايوانية؛ لأن ذلك من شأنه أن يقوض حالة السلم في المنطقة بأكملها، لا سيّما وأن واشنطن ستحصل في هذه الحالة على مبرر سائغ للاشتباك العسكري مع الصين.

القنفذ الصيني

تقدم تايوان نفسها للولايات المتحدة بوصفها مخلب القط ” الأقوى” في وجه الصين، وهو ما تحسن واشنطن استغلاله على أحسن صورة. وفي هذا الإطار فقد عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن وفي كل خطاب قبل وبعد توليه منصبه على الإشارة إلى الصين بوصفها ليس فقط تنتهك سيادة تايوان ولكن بأنها صاحبة السجل الأسوأ في مسألة حقوق الإنسان، ضاربًا المثل بتعامل السلطات الصينية مع أقلية الإيجور، حتى أنه وصف هذه الممارسات بالإبادة الجماعية.

وفي المقابل، تفضل الصين ما يعرف بـ “نهج القنفذ” والذي يشير إلى تطوير الإمكانات في ظل إظهار الاستكانة حتى تحين اللحظة الأنسب للانقضاض، وفي هذا الاتجاه استطاعت بكين تطوير صواريخ DF-21D الأرضية التي يمكن أن تغرق حاملات الطائرات الأمريكية. والأدهى من ذلك أن الصين تمكنت من إيجاد ما يعرف بـ “فقاعة منع الوصول” أو بمسمى آخر “المنطقة المحظورة” والتي تستهدف بشكل أساسي إبعاد القوات الأمريكية عن تايوان.

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى