
تنظيم “القاعدة”.. احتمالات متعددة ومصير مجهول
تواترت الأنباء المختلفة حول مقتل “حمزة بن لادن”، إذ أشارت وكالات أنباء إلى عملية استخباراتية أمريكية تمكنت من قتل “حمزة بن لادن”، ومؤخرا تم تأكيد خبر الوفاة عبر إعلان وزير الدفاع الأمريكي “مارك إسبر” عن مقتل حمزة، غير أن تنظيم “القاعدة” لم يصدر عنه أي تأكيد لمقتل “حمزة”، كذلك لم يصدر عنه نفي.
وعلى صعيد متصل، تصاعد الحديث عن تدهور الحالة الصحية لزعيم القاعدة الحالي “أيمن الظواهري”، إذ أشار تقرير أممي إلى أن “الظواهري في حالة صحية سيئة”. وعليه، يطرح مقتل “حمزة بن لادن” تساؤلات مهمة حول طبيعة الدور الذي كان يقوم به في تنظيم “القاعدة”، وتداعيات وفاته، كذلك السيناريوهات الحاكمة للتنظيم، ولا سيما في ضوء مرض “الظواهري”.
دور “حمزة بن لادن” في تنظيم “القاعدة”
يعد “حمزة” الابن الخامس عشر “لأسامة بن لادن” من زوجته الثالثة “خيرية صابر”، وكان يتم إعداده ليكون خليفة والده، ويتربع على رأس الجهاد العالمي. وقد تواجد “حمزة” مع والده في أفغانستان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، غير أنه انتقل مع والدته وبعض أفراد أسرة “بن لادن” إلى إيران بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وبقي تحت الإقامة الجبرية هناك لفترة طويلة.
قدَم زعيم القاعدة الحالي “أيمن الظواهري” “حمزة” في خطاب عام 2015 باعتباره “أسدا من العرين”، كما روجت المواقع الموالية للقاعدة على الانترنت “لحمزة” باعتباره النجم الذي سيلهم الجيل المقبل من الجهاديين. إذ أن هناك مقومات كثيرة “لحمزة” تؤهله للاضطلاع بقيادة تنظيم “القاعدة”؛ يتعلق أولها بنسب عائلته، فهو ينحدر من أسر بارزة على جانب والده وأمه، ومازال اسم “بن لادن” قادرا على تجنيد العديد من المتطرفين. وينصرف ثانيها بزواجه من ابنة “أبو محمد المصري” العضو في تنظيم القاعدة، ما يسمح له تلقائيا بالاحترام من كل الجهاديين الذين يتبعون أيديولوجية بن لادن. ويتصل ثالثها بصغر سنه وحماسه الجهادي.
بدأ ظهور حمزة في الساحة الجهادية عبر تسجيل صوتي أغسطس 2015 دعا فيه إلى شن هجمات على الغرب، ثم ظهر مرة أخرى في يوليو 2016، في خطاب صوتي بعنوان “كلنا أسامة”، توعد فيه الولايات المتحدة بالانتقام لمقتل والده. وقد ووجه 11 رسالة أخرى معظمها بين عامي 2016 و2017، دعا خلالها إلى “الجهاد” ضد الغرب، وحشد السعوديين للإطاحة بأسرة آل سعود الحاكمة، وحث المتطرفين للانضمام إلى مناطق الصراع مثل الأراضي الفلسطينية وسوريا.
وعلى صعيد متصل، وضعت وزارة الخارجية الأمريكية في يناير 2017 “حمزة” على قائمة الإرهابيين العالميين، وفي فبراير 2019 رصدت الولايات المتحدة الأمريكية، مكافأة تصل إلى مليون دولار لمن يدلي بمعلومات “تحدد هوية حمزة أو مكان وجوده”، كما أضافت لجنة عقوبات الأمم المتحدة ضد “تنظيم القاعدة” و “تنظيم الدولة”، اسم “حمزة بن لادن” إلى لائحة الخاضعين لتجميد الأرصدة ومنع السفر. كذلك نزعت وزارة الداخلية السعودية مارس 2019 الجنسية السعودية منه.
تداعيات وفاه “حمزة بن لادن”
بدراسة تاريخ تنظيم “القاعدة”، نجد أنه قادر على تجاوز مقتل قادته، فبالرغم من قيام أن الولايات المتحدة قتلت كثيرا من قادة التنظيم “القاعدة” على مر السنوات إلا أن نشاط التنظيم لم يتأثر، فلازالت فروع التنظيم نشطة في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك لما يتميز به تنظيم “القاعدة” من خصائص تؤهله لتجاوز أزماته الداخلية، وتحدياته الخارجية.
يتعلق أولها بمرونة تنظيم “القاعدة” والقدرة على تغيير أدواته وتكتيكاته طبقا للبيئة الحاضنة والحالة الراهنة. ويتصل ثانيها بالتماسك الداخلي للتنظيم وقدرته على تجاوز أزمة التعارض بين أهداف التنظيم وفروعه ولاسيما مع التوسع الجغرافي للتنظيم، وينصرف ثالثها بقدرته على انتقاء معاركه حيث تجنب قادته محاربة كثير من الأعداء في وقت واحد على عكس تنظيم “داعش”، وذلك في إطار سعي التنظيم إلى أن يصبح بديلًا معتدلا لتنظيم “داعش”، ويتمثل رابعها في خبرته التنظيمية وبنيته الراسخة التي تحول دون تصدعه. ناهيك عن اتباع تنظيم “القاعدة” “سياسة الصبر الاستراتيجي” واستغلاله انشغال القوى الدولية والإقليمية بمحاربة تنظيم “داعش” وقيامه بإعادة بناء فروعه.
وبالرغم أن التنظيم قادر على تجاوز وفاه “حمزة بن لادن” إلا أن من المرجح أن يصاحب وفاته عدد من التداعيات؛ يأتي أولها في النصر الرمزي الذي حققته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وذلك لقضائها على تهديد مستقبلي متمثل في “حمزة” الذي كان يتم اعداده ليقود تنظيم “القاعدة” مستقبلا.
ويتمثل ثانيها في تراجع تهديد المصالح الغربية، حيث دعت رسائل “حمزة” منذ عام 2015 إلى استهداف الغرب، وشجعت رسائله الجهاديين خلال العاميين الماضيين على مهاجمه أهداف ومصالح غربية ، فيما يبرز ثالثها في تراجع قدره تنظيم “القاعدة” على التجنيد وخاصة الشباب، لأن الجيل الأصغر سنا من المتطرفين قد بلغ سن الرشد في وقت سيطر فيه تنظيم “داعش” على ساحة الجهاد العالمي، إذ كان ينظر إلى “حمزة” على أنه “موحد الصفوف” ليس فقط لأعضاء “القاعدة” بل أيضاً للمجندين الذين فقدهم “داعش” والذين يقف كثير منهم عند مفترق طرق بعد خسارة تنظيم “داعش” الأراضي في العراق وسوريا.
مستقبل “القاعدة” بعد “حمزة “، و”الظواهري”
في ظل توارد الأخبار التي تؤكد مقتل “حمزة بن لادن”، بالتزامن مع تصاعد الحديث عن تدهور الحالة الصحية لزعيم القاعدة الحالي “أيمن الظواهري”، ما يطرح تساؤلات مهمة حول السيناريوهات الحاكمة لمستقبل تنظيم “القاعدة”، والذي يمكن تناولها في السيناريوهات الأربعة التالية:
*- الانتقال السلس للقيادة:
يشير هذا السيناريو إلى احتمالية الانتقال السلس للقيادة، حيث تبرز أسماء مرشحه لتولي زعامة تنظيم “القاعدة”، على رأسها “أبو محمد المصري” هو الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، والنائب الحالي لأيمن الظواهري. كذلك “سيف العدل”، وهو من أبرز قيادات التنظيم “القاعدة”، حيث لعب دورًا أساسيًا في بناء القُدرات العسكرية والتأهيلية لتنظيم.
ويستشهد هذا الطرح بما حدث في أعقاب وفاه “أسامه بن لادن” وما تبعه من انتقال سلس لزعامة تنظيم “القاعدة” لنائبة الظواهري، غير أن بتولي ” أبو محمد المصري” النائب الحالي لظواهري، من المرجح ميل تنظيم القاعدة إلى اتباع أيديولوجية قتال العدو القريب، إذ أن “أبو محمد المصري”، متمسك بأن قتال “العدو القريب” أولى من قتال “العدو البعيد”، من أجل تحقيق ما يُسمى بسياسة التمكين. وبالتالي، قد تتصاعد التهديدات الإرهابية من قبل تنظيم القاعدة في الدول العربية والأفريقية التي ينشط فيها التنظيم.
*- التسرب إلى داعش:
يشير هذا السيناريو إلى احتمالية انتقال عدد من عناصر تنظيم “القاعدة” إلى تنظيم “داعش”، في مع وفاه” حمزة بن لادن” الذى كان ينظر إليه على أن مُلهم الجيل الجديد من المتطرفين، بالتزامن مع مرض “الظواهري” الذي يمثل الزعامة التاريخية للتنظيم، قد يدفع بعض عناصر تنظيم “القاعدة” للتحول نحو “داعش”، فلازالت هناك جاذبية لأطروحات تنظيم “داعش” التي تسعى لتدشين خلافة أممية، فعلى الرغم من الخسائر التي مُنَى بها التنظيم في معاقله الرئيسة، إلا أنه لا يزال نشطًا في مناطق مختلفة نتيجة لما يتمتع به من مرونة، وديناميكية، وقدرة على التكيف؛ فالتنظيم في إطار تعامله مع خسائره ينطلق من قناعةٍ مفادها “أنها معركة وليست الحرب”، إذ يرى تراجعه بوصفه مرحلة مؤقتة في الطريق الطويل للنصر. وبالتالي، قد ينجح” داعش” في تعويض العناصر البشرية التي فقدها اثناء معاركه الأخيرة، ما يتيح له إمكانية العودة لمناطق نفوذه والسيطرة على الساحة الجهادية مرة أخرى.
*- تحالف تكتيكي:
يُشير هذا السيناريو إلى احتمالية إيجاد نوع من التحالف التكتيكي بين تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش”، وذلك بالتزامن مع الضغط العسكري الذي يتعرضا له بفضل الجهود الدولية والإقليمية لمواجهتهما. ومن ثّم، قد يلجأ التنظيمين إلى تجاوز الخلافات الإيديولوجية، سعيًا لتوحيد جبهة الجهاد العالمي، ولا سيما مع التشابه في أهداف التنظيمين. ويستشهد هذا الطرح بالتحالف الذي تم بين “تنظيم الدولة في الصحراء” وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة للقاعدة وأعلن عنه في يناير 2018. وبالتالي، قد يؤدي هذا التحالف إلى تزايد العمليات الإرهابية مستقبلًا، نتيجة لتوحيد قدرات التنظيمين سواء البشرية أو المادية أو اللوجستية.
*- خلايا هجينة:
يشير هذا السيناريو إلى احتمالية تشكيل خلايا هجينة منفصلة من التنظيمين، فمن المحتمل أن يشهد تنظيم “القاعدة” تصدع مرتبط بغياب قياداته، يتوازى مع حدوث انشقاقات داخل تنظيم “داعش” لهزيمته الجغرافية، ما يدفع بتشكيل خلايا هجينة من قبل مجموعات مفصلة عن التنظيمين. وفى هذا السياق، اشارت تقديرات أممية عن احتمالية حدوث تعاون بين مجموعات مرتبطة بداعش وأخرى مرتبطة بالقاعدة، ما ينذر بتشكيل تهديدًا جديدًا، نتيجة لتشظى التنظيمات الإرهابية، وبالتالي تشتت سبل وآليات المكافحة.مجمل القول، يعاني تنظيم “القاعدة” في الوقت الراهن تحديا كبيرا متمثل في وفاه “حمزة بن لادن”، كذلك تدهور الحالة الصحية لقائد التنظيم الحالي” أيمن الظواهري”، ما يلقى بظلاله على مستقبل تنظيم “القاعدة”، ومستقبل ساحة الجهاد العالمي، ومن المرجح أن يستطيع تنظيم “القاعدة” تجاوز التحدي الحالي، مستعينا بخبرته التاريخية، وقدرته التنظيمية.
باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع