أفغانستان

“أفغانستان” .. عنوان القمة الـ 20 لدول منظمة ” شنغهاي للتعاون”

فرضت أفغانستان نفسها عنوانًا رئيسًا في اجتماعات قمة منظمة” شنغهاي للتعاون”، حيث تقاربت مواقف قادة دول شنغهاي في شكل السلطة الأفغانية المرجوة مُمثلة بكافة أطياف المجتمع الأفغاني وضرورة مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات، وتباعدت في جزئية الاعتراف بالسلطة الحالية.
عُقدت القمة الـ 21 لمجلس رؤساء دول منظمة شانغهاى للتعاون هذه المرة في العاصمة الطاجيكية “دوشانبي”، يوم السابع عشر من سبتمبر الجاري، وشهدت توجيه انتقادات للولايات المتحدة الامريكية بوصفها المسؤولة عمّا جرى في أفغانستان، كما تزامنت القمة أيضًا مع فترة من التحديات والتهديدات غير العادية التي تواجهها المنطقة.
تضم “منظمة شنغهاي للتعاون” ؛ التي تأسست عام 2001 ؛ كلا من روسيا ؛ الصين ؛ الهند ؛ باكستان ؛ كازاخستان ؛ طاجيكستان ؛ قرغيزستان وأوزبكستان، وتتمتع أفغانستان وبيلاروس وإيران ومنغوليا بصفة الدول المراقبة فيها، فيما تحظى أذربيجان وأرمينيا وكمبوديا وتركيا وسريلانكا ونيبال بصفة الدول الشركاء للمنظمة.

هل تنضم أفغانستان لعضوية منظمة شنغهاي للتعاون؟

في عام 2012، أصبحت أفغانستان مراقبًا في منظمة شنغهاي للتعاون عندما زار الرئيس الأفغاني اّنذاك “حامد كرزاي” الصين. وفي عام 2015، تقدمت كابول بطلب الحصول على العضوية الكاملة في المنظمة.
وتسعى كابول إلى أن تكون عضوًا فى منظمة شنغهاي للتعاون لأنها تعتقد أنها مرشح طبيعي نتيجة عدد من الأسباب، فجغرافيًا؛ أفغانستان جزءً من الإقليم، كما أنها جارة لأربع دول اعضاء في المنظمة وهم “الصين ؛باكستان ؛ اوزباكستان وطاجيكستان”، كما أن لها علاقات تاريخية واقتصادية وثيقة مع الدول الأربع الأخرى “روسيا ؛ الهند ؛كازاخستان وقيرغيستان”.
نتيجة لهذه الروابط الجغرافية، لا توجد دولة أخرى حاليًا خارج منظمة شنغهاي للتعاون لديها روابط عرقية وثقافية وتاريخية مع دول المنطقة. فأفغانستان لديها روابط عرقية عميقة مع شنغهاي للتعاون، فمن بين 150 مجموعة عرقية تعيش في منطقة منظمة شنغهاي للتعاون، يعيش حوالي 30 منهم في أفغانستان.
معظم هذه المجموعات العرقية منتشرة في جميع أنحاء المنطقة، ولأن أفغانستان في مفترق طرق من مختلف الأعراق المُمثلة في الدول الأعضاء في المنظمة. لذلك سيكون لعضوية أفغانستان تأثير مضاعف في منطقة منظمة شنغهاي للتعاون بأكملها، مما يؤدي إلى منطقة أكثر ترابطًا ثقافيًا وعرقيًا.
وعلى المستوى الدبلوماسي، سجلت أفغانستان علاقات ثنائية مع الأعضاء الرسميين في منظمة شنغهاي للتعاون لعدة قرون، بما في ذلك أحدث أعضاء المنظمة، باكستان والهند. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع أيضًا بعلاقات وثيقة جدًا مع الدول المراقبة، باستثناء منغوليا وبيلاروسيا، حيث لا توجد بعثات دبلوماسية أفغانية (يتم توجيه العلاقات من السفارات الأفغانية في الصين وروسيا). ومع ذلك، حتى في منغوليا وبيلاروسيا، تشارك أفغانستان في قطاعي التعليم والاقتصاد.
كما تتمتع أفغانستان بعلاقات اقتصادية وتجارية وثيقة للغاية مع معظم الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون. فوفقًا للكتاب الإحصائي الأفغاني، في 2017-2018، كانت أكثر من 87% من إجمالي واردات أفغانستان من دول منظمة شنغهاي للتعاون؛ وأكثر من 57% من إجمالي الصادرات الأفغانية كانت متجهة إلى الدول الأعضاء في المنظمة. إجمالاً، كان أكثر من 60% من إجمالي تجارة أفغانستان مع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون.
حاليًا، تعد آفاق عضوية منظمة شنغهاي للتعاون في أفغانستان أفضل من أي وقت مضى، فمع انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية؛ تزول مخاوف بعض الدول الأعضاء التي عارضت دخول أفغانستان إلى المجموعة بسبب وجود القوات الأمريكية أو تحالف كابول الوثيق مع واشنطن.

تباين مواقف دول منظمة شنغهاي للأوضاع في أفغانستان

أوضح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، الذي شارك في أعمال القمة عن بعد عبر تقنية “الفيديو كونفرنس”، وذلك بعد أن أعلن الكرملين أن بوتين سيلتزم بنظام العزل الذاتي على خلفية ظهور إصابات بفيروس كورونا في دائرة الأشخاص المحيطين به؛ أن حركة طالبان أصبحت عمليًا لديها السيادة المطلقة على البلاد، وشكلت حكومتها الخاصة التي تحملت المسؤولية عن مستقبل أفغانستان، وهذه حكومة مؤقتة كما تقول طالبان ولا يمكن اعتبارها شاملة، لكن على ما يبدو أنه من الضروري العمل معها، كما حمَّل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الجزء الرئيسي من الإنفاق المرتبط بإعادة بناء أفغانستان بعد الصراع، نظرًا لمسؤوليتهم المباشرة عن التداعيات الخطيرة بوجودهم الطويل في البلاد.
بينما اعتبرت الصين أن مشاكل المنطقة سببها الرئيسي التدخلات الخارجية، وأن ما تسبب في حرب العقدين في أفغانستان عليه دفع تكاليفها. ورأت أنه من المهم دفع السلطات الأفغانية الجديدة إلى تشكيل هيكل سياسي شامل وواسع النطاق ينتهج سياسات داخلية وخارجية معتدلة ويحارب جميع أشكال الإرهاب بحزم.
بينما الهند وطاجيكستان كانتا الأكثر تشددًا فيما يتعلق بالموقف من حكومة طالبان، وما فعلته في رأيهما في “وادي بانشير” ذي الرمزية العرقية بطاجيكستان والمصلحة الاستراتيجية للهند، مع التركيز على أولوية القضايا الأمنية والقضاء على التهديدات الإرهابية.
في سياق أخر، اقترحت طاجيكستان تشكيل حزام أمنى حول أفغانستان بما يُمكن الاعتماد عليه لمنع التوسع المحتمل للجماعات الإرهابية، مٌبررة أن الاستيلاء على السلطة بالقوة في أفغانستان لا يمكن أن يضمن إحلال السلام والاستقرار الذي تتوقعه بعض دول في المنطقة.
كما أبدت كازاخستان عن مخاوفها من أنزلاق أفغانستان نحو مزيد من الصراع الأهلي، ورأت أن تشكيل إدارة جديدة لطالبان لا يعني أن الهدوء قد حل في أفغانستان أو أن الظروف قد حانت للتنمية الاقتصادية.
وانعكس التخوف الإيراني في تصريحات الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” الذي عبر عن استعداد بلاده لتقديم المساعدة للأفغان لإعادة بناء بلدهم وتشكيل حكومة تضم جميع الأطياف، ورأى أن حل المشاكل في أفغانستان يكمن في الحد من التدخلات الأجنبية في الشؤون الأفغانية، مضيفا أن الوجود الأمريكي والغربي في أفغانستان طيلة العقدين الماضيين لم يجلِب سوى الدمار والتشرد والقتل للشعب الأفغاني.

ما الذي يمكن أن تقوم به منظمة شنغهاي؟

تمثل كارثة أفغانستان فرصة لمنظمة شنغهاي للتعاون للعب دور بناء في مواجهة التحدي الأمني ​​المتنامي في المنطقة. إذ يُشكل توفير الإغاثة الإنسانية، ورعاية اللاجئين، وتسهيل الحوار الشامل والمصالحة الوطنية أهدافًا فورية وطويلة الأجل يمكن للمنظمة أن تؤدي دورًا فيها.
يمكن لمنظمة شنغهاي للتعاون أيضًا أن تضغط على طالبان لتقاسم السلطة مع الجهات الفاعلة المحلية الأخرى والامتناع عن توفير ملاذ لمنظمات إرهابية أجنبية. ويمكنها تعليق وضع المراقب لأفغانستان، وتقليص حركة المرور عبر الحدود أو حجب الاعتراف والاستثمارات والمساعدات، إذا تبين أن كابول تفتقر إلى ذلك.
كما يمكن لمنظمة شنغهاي أيضًا المساعدة في التوسط بين طالبان والولايات المتحدة وتشجيعهما على مناقشة القضايا الحيوية والتوصل إلى اتفاق.

مخرجات القمة

خرجت القمة ببيان وسطي تجنبًّ فيه حسم الاعتراف بالحكومة الأفغانية الجديدة، واكتفت بالتأكيد على أهمية التسوية السريعة للوضع في أفغانستان؛ لضمان أمن المنطقة، والحث على إقامة حكومة شاملة في أفغانستان بمشاركة جميع المجموعات العرقية والدينية والسياسية في المجتمع.
أكد البيان أن من شأن تحقيق التسوية في أفغانستان أن يُشكل واحدًا من العناصر المهمة لتعزيز الأمن والاستقرار في فضاء منظمة شنغهاي للتعاون. مع ضرورة أن تكون أفغانستان دولة مُستقلة ومحايدة وموحدة وديمقراطية ومسالمة وخالية من الإرهاب والحروب والمخدرات.
كما أجمع قادة منظمة شنغهاي أن إعادة إعمار البنية التحتية المُدمرة في البلاد مسألة محورية، مع إدراك الجميع أنه من الصعب أن تقوم حكومة طالبان بمفردها بهذه المهمة.
في هذا السياق اقترحت موسكو وحلفائها في المنظمة إطلاق حوار مع الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية لفك تجميد احتياطيات أفغانستان المحجوزة في تلك الدول.
كما لم يُخف جيران أفغانستان تطلعاتهم للعب دور محوري في هذا البلد اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، وذلك بعد انتهاء التجربة الأمريكية في هذا البلد. كما دعا البيان في الوقت نفسه إلى العمل من أجل ضمان عودة اّمنة للاجئين الأفغان إلى بلادهم.
واختتمت القمة أعمالها بالتصديق على إطلاق عملية انضمام إيران رسميًا إلى عضويتها، وسط ترحيب بمنح صفة شريك حوار لكلّ من “المملكة العربية السعودية ومصر وقطر”.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى