دول المغرب العربي

الانتخابات التشريعية في المغرب: من سيُشكل الحكومة القادمة؟

يشهد المغرب خلال الأيام القليلة القادمة مخاضًا دستوريًا مهمًا يتمثل في الانتخابات التشريعية التي يتم بموجبها اختيار البرلمان وتشكيل الحكومة، ففي أعقاب الانتهاء من الانتخابات الخاصة بالغرف المهنية التي جرت في السادس من أغسطس 2021 وكذا الانتخابات المتعلقة بممثلي الموظفين في اللجان الإدارية المتساوية، بات المغرب على مشارف عقد الانتخابات البرلمانية والتي من المقرر انطلاقها في الثامن من سبتمبر الجاري.

ولعل تلك الانتخابات بمثابة الورقة الحرجة للتيار الإسلامي في المغرب، خاصة في ظل حالة التراجع التي حققها هذا التيار بأحزابه المختلفة ليس فقط على صعيد الانتخابات الفرعية التي شهدها المغرب خلال الشهرين الماضيين، وإنما لكون أن هناك تحولات إقليمية واسعة بشأن وضعية الإسلام السياسي.

وضعية حرجة ومؤشرات تراجع الإسلاميين

لقد شهدت المرحلة الماضية جملة من المتغيرات ليس فقط على صعيد قانون الانتخابات الذي بات يُمثل تحديًا للتيار الإسلامي على وجه الخصوص وإنما على صعيد النتائج التي أخرجتها الانتخابات المتعلقة بالغرف المهنية والتي برز خلالها فشل الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” عبر ممثليه في تلك الانتخابات في تصدر الانتخابات، وفشله في تجاوز العتبة القانونية المقررة 6 %. ليس هذا فحسب بل شكّلت وضعية الإسلام السياسي في النطاق المغاربي -على خلفية ما حدث في تونس- نقطة تراجع أخرى وافتقاد للثقة من جانب الرأي العام في تلك الحركات ومشاريعها الانتخابية.

ولعل التغيير الذي شهده قانون الانتخابات الذي أُجري في السادس من أبريل 2021، وأقر قانون “القاسم الانتخابي” بتزكية كافة الأحزاب السياسية داخل البرلمان باستثناء حزب “العدالة والتنمية”، يمثل صفعة أخرى لهذا الحزب خاصة وأنها تستند على المعدل الذي يحتسب على أساسه توزيع المقاعد ويقوم وفقًا للتعديلات على إلغاء فكرة العتبة الانتخابية وحساب هذا القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس على أساس المصوتين كما هو معتاد عليه، وانطلاقًا من ذلك التغير الذي أربك حسابات حزب العدالة والتنمية ووضع عراقيل أمام حصوله على المقاعد التي تضمن له الأغلبية ومن ثٌم تشكيل الحكومة والاستمرار لولاية ثالثة، رأى الحزب أن تلك التغييرات غير دستورية ورفض التصويت عليها.

الأمر الآخر وبالنظر إلى طبيعة التنافس الحزبي خلال تلك الانتخابات نجد أن هناك نحو 31 حزبًا يخوض تلك الانتخابات للمنافسة على 305 مقعدًا يتم الانتخاب على مستوى الدوائر المحلية و90 مقعدًا يتم التنافس بشأنها على صعيد جهات المملكة الاثني عشر، والاختلاف في تلك الجزئية يتمثل في أن اللائحة القديمة نصت على أن الــ 90 مقعدًا يتم المنافسة عليهم على الصعيد الوطني في ضوء لائحة واحدة لكل حزب، إلا أن المستجد يتمثل في اتساعها لتضم جهات المملكة.

تنافس مُعقد

بالنظر إلى وضعية الانتخابات الراهنة واتصالًا بالسابق؛ فإن وضعية حزب العدالة والتنمية في حالة تراجع مع اختلاف مفردات الواقع، فقد استغل حزب العدالة والتنمية حالة التراجع وانعدام الثقة بين الرأي العام والنخبة القديمة في تصدر المشهد وما عزز ذلك طبيعة السياق الإقليمي الذي كان داعمًا ومهيئًا لصعود التيار الإسلامي، بيد أن الوضع الراهن مختلف خاصة في ضوء عودة الأحزاب التقليدية وإعادة بسط سيطرتها على الانتخابات الفرعية كما أشرنا إليه أعلاه، ومن ثٌم فإن حزب “العدالة والتنمية” ليس الوحيد الذي له التأثير في الشارع.

فقد شهد التحالف الحكومي بقيادة حزب العدالة والتنمية حالة من التصدعات الداخلية التي أثرت بشكل كبير على قدرته على التأثير في الرأي العام، فقد انسحب حزب التقدم والاشتراكية من الحزب وتحوله من موقف داعم لوضعية المعارضة، وبرز متغير آخر يؤشر على تلك التصدعات من بينها اختلال التصويت حول قانون الانتخابات والتعديلات التي أجريت عليه حيث جنح حزب التجمع الدستوري أحد أحزاب التحالف الحكومي والأغلبية الحكومية عن مظلة حزب “العدالة والتنمية” وأيد تلك التعديلات، وبالتالي فإن هناك حالة من فقدان السيطرة على التكتل الحكومي من جانب هذا الحزب.

المتغير الآخر في تلك النقطة هو عودة حزب “التجمع الوطني للأحرار” للمشاركة وبصورة قوية في العملية الانتخابية، ولعل هذا الحزب لا يحمل أي تصادمات مع التكتلات الحزبية الأخرى، وهو من المقربين للبلاط الملكي، ولديه القدرة المالية، خاصة وأنه ينضوي تحت مظلته نخبة واسعة من رجال الأعمال حققت له تصدر الانتخابات المتعلقة بالغرف المهنية ومن ثٌم فإن هناك ترجيح لتصدر المشهد الانتخابي القادم. 

إجراءات وضوابط مُحفزة

تُعد تلك الانتخابات الثالثة منذ إقرار الدستور المغربي الذي تم وضعه بالتزامن مع التغيرات التي شهدتها المنطقة العربية عام 2011، وشهدت بعدها انتخابات عام 2012 حقق فيها حزب العدالة والتنمية تقدمًا وكذلك عام 2016 التي أفرزت تصدر الإسلامين مرة أخرى للمشهد.

وانطلاقًا من الأهمية الحرجة للانتخابات التشريعية التي يشهدها المغرب والتي سوف ينتج عنها برلمان جديد وتكتلات برلمانية جديدة إلى جانب تشكيل الحكومة من الحزب السياسي الذي سوف يتصدر الانتخابات البرلمانية، اتخذت المملكة المغربية جملة من الإجراءات تحقيقًا لنزاهة العملية الانتخابية تجلى أولها في السماح لنحو مائة مراقب دولي لمراقبة العملية الانتخابية إلى جانب الجمعيات الوطنية ذات الصلة.

ولعل الانفتاح الكبير لعملية المراقبة من جانب المؤسسات الحقوقية الإقليمية والدولية وكذلك المحلية يأتي في ضوء الرغبة لإرسال رسالة مفادها الشفافية والنزاهة في الانتخابات بما يُحفز ارتفاع نسب المشاركة وبناء الثقة حول تلك الانتخابات، كي لا تتأثر تلك الانتخابات بنسب تصويت ضئيلة والعدول عن أي حالة عزوف شعبي ومن ثٌم التأثير على مسار الإصلاح الذي انتهجته المملكة المغربية منذ مطلع عام 2011.

ختامًا؛ إن الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في الثامن من سبتمبر 2021 تعد محطة جوهرية في مسار الإصلاح الديمقراطي الذي تم ترسيخه عام 2011، ولعل الرهان الحقيقي هنا يكمن في نسبة المشاركة خاصة وأن تلك الانتخابات تتزامن مع متغيرات كبيرة أهمها ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا، وتراجع ثقة الشارع في الحكومة المغربية بعدما وقعت على التطبيع مع إسرائيل، والمتغير الإقليمي المتعلق بوضعية الإسلام السياسي في المنطقة المغاربية. لذا تعد تلك الانتخابات محطة حرجة لحزب “العدالة والتنمية” المغربي.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى