
“منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي”.. جهود دولية برعاية “مصرية”
مع بداية عام 2020, وإطلاق الأمم المتحدة ما أسمته بـ “عِقد من العمل الجاد” لتحقيق أهداف الأممية للتنمية المستدامة 2030، واجه العالم أزمة جائحة “كورونا” التي دفعت المجتمع الدولي لتوجيه جهوده وحشدها نحو التغلب على تداعياتها السلبية بعيدة المدى التي تهدد التقدم الذي تم تحقيقه على مستوى كافة أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
وكشفت الأزمة، أهمية التعاون متعدد الأطراف، وحتمية تعزيز جهود التعاون الدولي بين كافة الأطراف ذات الصلة للتعافي من جائحة كورونا، وإعادة البناء بشكل أفضل لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال حشد الموارد المادية والتكنولوجية.
في سياق تلك الرؤية، تعقد وزارة التعاون الدولي النسخة الأولى من منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي Egypt-ICF, يومي 8 و9 سبتمبر 2021، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمشاركة، البنكين “الإفريقي للتنمية”، و “الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية”، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والأمم المتحدة بالإضافة إلى مجموعة البنك الدولي.
أهداف ورؤى

يتلخص الهدف الرئيسي من إطلاق منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي Egypt-ICF في الجمع بين صانعي السياسات من مصر والعالم، وشركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، ومراكز الفكر والأبحاث، وذلك لتوحيد الجهود وتحديد معايير التعافي المستدام لتحقيق نتائج قيمة تدفع جهود التنمية المستدامة على مستوى العالم لا سيما منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وتسليط الضوء على أهمية قيادة الدول لجهود التنمية وتوجيه التعاون الدولي والتمويل الإنمائي ليحقق الأولويات الوطنية. خاصة في الاقتصادات الناشئة والنامية، مع التركيز على قارة افريقيا، التي تُمثل العمق الاستراتيجي لمصر.
وتتبلور أهمية المنتدى في كونه تجمعًا عالميًا استثنائيًا من مصر، يشهد اصطفاف دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ومؤسسات التمويل الدولية وشركاء التنمية والأطراف ذات الصلة من القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني، لبحث تعزيز العمل المشترك الهادف لتحقيق النمو المستدام، وسيكون له دور فعال في رسم مستقبل الشراكات الدولية لتحقيق الأجندة الأممية 2030. كما أن كبرى المؤسسات المالية الدولية، تُشارك في فعاليات المنتدى في ظل المساعي العالمية الهادفة لوضع أجندة دولية محددة وواضحة لدفع التقدم نحو تنفيذ الأهداف الأممية للتنمية المستدامة 2030.
التنمية المستدامة في مصر.. “آفاق وتحديات”
اعتمدت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة أجندة 2030 للتنمية المستدامة في عام 2015، والتي وضعت مجموعة من الأهداف التنموية يتم تحقيقها حتى حلول عام 2030، أبرز تلك الأهداف هي الاهتمام بالتعليم والصحة ورفع معدلات النمو الاقتصادي، والحفاظ على البيئة، وتقليل اللا مساواة الاجتماعية وتعزيز قيم المساواة بين الرجل والمرأة والقضاء على الفقر والجوع. وانطلاقا من تلك الرؤية وضعت الدولة المصرية استراتيجيتها للتنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، لترسم إجراءات الحكومة على مدى السنوات المقبلة وحتى 2030، وتعمل كاستراتيجية إنمائية طويلة الأجل تغطي الأبعاد الإنمائية الثلاثة؛ الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وتمثل استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 محطة أساسية في مسيرة التنمية الشاملة في مصر تربط الحاضر بالمستقبل، وتعتبر أول استراتيجية يتم صياغتها وفقاً لمنهجية التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى والتخطيط بالمشاركة، حيث تم إعدادها بمشاركة مجتمعية واسعة راعت مختلف فئات المجتمع المدني والقطاع الخاص والوزارات والهيئات الحكومية كما لاقت دعماً ومشاركة فعالة من شركاء التنمية الدوليين الأمر الذي جعلها تتضمن أهدافاً شاملةً لكافة مرتكزات وقطاعات الدولة المصرية.
وضع مصر في مؤشر التنمية المستدامة لعام 2020 SDG Index
نتيجة لجهود الدولة في تنفيذ رؤية مصر 2030، تقدمت مصر 9 مراكز في مؤشر التنمية المستدامة لعام 2020، حيث حصلت على المركز 83 من بين 166 دولة، مقابل المركز 92 من بين 162 دولة في عام 2019، كما حصلت على المركز السابع عربيًا مسجلة 68.8 نقطة في عام 2020، مقابل متوسط إقليمي بلغ 66.3 نقطة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حققت مصر تقدماً في 9 أهداف من “التنمية المستدامة” في عام 2020، وتعتبر مصر على المسار الصحيح للتنمية في:
1- القضاء على الفقر : رغم وجود بعض التحديات استطاعت الدولة خفض معدل الفقر إلي أدنى مستوى له منذ 20 عامًا ( ١٩٩٩ ) من ٣٢.٥٪ إلى ٢٩.٧٪، مع استهداف خفض معدلات الفقر إلي ٢٨.٥% في عام ٢٠٢١/٢٠٢٢
2- القضاء على الجوع: وذلك بفضل تحسن مؤشرات التقزم والهزال في الأطفال دون سن الخامسة، ومستوى التغذية البشرية، بينما تراجع مؤشر انتشار السمنة.
3- الصحة الجيدة: بفضل تراجع تحسن معدل وفيات الأمهات (لكل 100 ألف مولود حي)، ومعدل وفيات المواليد (لكل 1000 مولود حي)، ومؤشر معدل الوفيات أقل من 5 سنوات (لكل 1000 مولود حي).
4- التعليم الجيد: بفضل التحسن الذي شهدته مؤشرات معدل الالتحاق الصافي، وإتمام المرحلة الإعدادية.0
5- المياه النظيفة: نتيجة تحسن مؤشري نسبة كل من السكان الذين يحصلون على مياه شرب، وخدمات الصرف الصحي الأساسية.
6- طاقة نظيفة بأسعار معتدلة: حيث تحسنت مؤشرات نسبة السكان الذين يحصلون على الكهرباء، والذين يمكنهم الحصول على وقود نظيف للطهي.
7- العمل اللائق ونمو الاقتصاد: نتيجة تحسن مؤشرات البطالة، وحوادث العمل، وخدمات الشمول المالي.
8- مدن ومجتمعات محلية مستدامة: نتيجة تحسن مؤشر نسبة سكان المدن الذين يحصلون على مصادر المياه المحسنة، ومؤشر الرضا عن النقل العام
9- الحياة تحت الماء: بفضل تحسن مؤشر متوسط المساحة المحمية في المواقع البحرية المهمة للتنوع البيولوجي، ومؤشر نسبة الأسماك التي يتم صيدها بشكل مفرط من المصايد
وفي إطار سعي الحكومة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تم إطلاق عدد من المبادرات، منها مبادرة “حياة كريمة” لتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في المناطق الأكثر احتياجًا، بالإضافة إلى اهتمام الدولة بالقضاء على العشوائيات لتقليل معدلات الفقر، علاوة على مبادرة “نتشارك هنعدي الأزمة” من قبل صندوق “تحيا مصر” لدعم العمالة غير المنتظمة، وغيرها .
التداعيات السلبية لجائحة كورونا على أهداف التنمية المستدامة العالمية
أدت التدابير الضرورية لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد إلى إغلاق العديد من الأنشطة الاقتصادية؛ مما نتج عن ذلك أزمة اقتصادية عالمية مع ارتفاع معدلات البطالة، الأمر الذي يعد بمثابة انتكاسة كبيرة للطموح العالمي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما بالنسبة للدول الفقيرة، لكن تمثلت النقطة المضيئة لأزمة فيروس كورونا المستجد في انخفاض التأثيرات البيئية الناتجة عن تراجع الأنشطة الاقتصادية.
على الرغم من أزمة جائحة كورونا، وما أحدثته من تداعيات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي عالميًا، الأمر الذي من شأنه أن يعيق الجهود الدولية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ 17، إلا أن الحكومة نجحت، من خلال الإجراءات التي اتخذتها، في التخفيف من حدة تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد المصري، وتحسن وضعها في العديد من أهداف التنمية المستدامة وتجلى ذلك في ترتيب مصر في تقرير 2021 SDG Index.
وضع مصر في التقرير السنوي لمؤشر التنمية المستدامة 2021 SDG Index
أشار التقرير السنوي لمؤشر التنمية المستدامة 2021 SDG Index والذي نشرته جامعة كامبريدج في يونيو الماضي بالتعاون مع مؤسسة Bertelsmann Sifting الألمانية وشبكة حلول التنمية المستدامة SDSN التي تعمل تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة، إلى الاستقرار النسبي في تصنيف مصر، حيث احتلت المركز 82 من بين 165 دولة مصنفة خلال 2021 وحصلت على درجة 68.6 من 100 وهو ما يفوق المتوسط الإقليمي عند 67.1 درجة، وذلك مقابل المركز 83 من بين 166 دولة خلال 2020 بدرجة 68.79 من 100، وذلك بالرغم من التحديات غير المسبوقة التي شهدتها مصر والعالم جراء التداعيات السلبية لجائحة كورونا التي أدت الى تراجع تصنيف عدد من الدول الاخرى.
وأكد التقرير أن مصر حافظت على ترتيبها إقليميًا بين الدول العربية والأفريقية، علاوة على ذلك؛ فقد حققت مصر تقدمًا في أربعة أهداف أممية في عام 2021 وهي الهدف الرابع الخاص بالتعليم الجيد، والهدف السادس الخاص بالمياه النظيفة، والهدف التاسع الخاص بالصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، بالإضافة إلى الهدف الثالث عشر الخاص بالعمل المناخي، وهو ما انعكس من خلال تحسن مؤشرات معدل التحاق الأطفال بالمدارس الابتدائية ومعدل إتمام المرحلة الإعدادية، وارتفاع نسبة السكان الذين يستخدمون الإنترنت وكذلك ارتفعت نسبة اشتراكات النطاق العريض للأجهزة الجوالة لكل 100 نسمة، مشيرًا إلى أنه فيما يخص العمل المناخي فقد تحسن الوضع المصري في مؤشري انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في صادرات الوقود الأحفوري وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من احتراق الوقود وإنتاج الإسمنت.
كما شهد موقف مصر في معظم الأهداف الأممية استقرارًا نظرًا للتحديات التي واجهتها البلاد أثناء جائحة كورونا والتركيز على السياسات التي تستهدف منع تفشي الوباء، منها الهدف الثالث الخاص بالصحة الجيدة والرفاه، والهدف السابع الخاص بالطاقة النظيفة، والهدف العاشر الخاص بالحد من أوجه عدم المساواة، والهدف الثاني عشر الخاص بالاستهلاك والإنتاج المسؤولان، والهدف السادس عشر الخاص بالسلام والعدل والمؤسسات القوية.
وفيما يخص مؤشر تأثير الامتداد العالمي International Spillover Index والذي يقيس تأثير السياسات المحلية لكل دولة على الدول الأخرى بالسلب أو بالإيجاب في أربع مجالات أساسية وهي التداعيات البيئية والاجتماعية الناتجة عن التجارة، التدفقات المباشرة عبر الحدود خاصة تلوث الهواء والماء، التدفقات الاقتصادية والمالية الدولية، وحفظ السلام والتداعيات الأمنية، تحتل مصر المرتبة 36 من بين 165 دولة في عام 2021 بدرجة 98.7 من 100 ، علما بأن درجات هذا المؤشر تتراوح من “0” (أسوأ أداء / تداعيات سلبية كبيرة) إلى ” 100 ” (أفضل أداء ممكن / لا توجد آثار سلبية كبيرة).
وهو ما يعكس حسن تعامل وجودة أداء الدولة المصرية في التعامل مع الجائحة بصفة خاصة ومع التحديات التي واجهتها على مر العصور الماضية بصفة عامة.
المصادر
- وزارة التعاون الدولي.
- أهداف التنمية المستدامة: سبعة عشر هدفا لإنقاذ العالم، وزارة التعاون الدولي.
- مذكرة معلومات منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي 2021، وزارة التعاون الدولي.
- آفاق وتحديات استراتيجية التنمية المستدامة في مصر، الهيئة العامة للاستعلامات.
- وزيرة التخطيط: انخفاض معدلات الفقر إلى 28.5% في 2021/2022، الأهرام.
- س و ج. ما أهمية منتدى مصر للتعاون الدولي والهدف منه، اليوم السابع.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



