مصر

“المخلفات الإلكترونية”.. خطر بيئي أم “استثمار أخضر”

في مطلع العام الحالي، منحت وزارة البيئة ملف المخلفات الإلكترونية أولوية خاصة، حيث بدأت في اتخاذ خطوات جادة لجمعها وتدويرها لتدخل ضمن المشروعات الاستثمارية الجديدة التي ستدعم الاقتصاد الوطني بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بعد أن تسبب التطور التكنولوجي السريع للأجهزة الالكترونية والهواتف المحمولة، في تراكم النفايات الإلكترونية التي تحتوي على معادن ومواد كيميائية سامة تضر الإنسان والبيئة معا.

وتقدر كمية المخلفات الإلكترونية المنتجة في مصر سنويا بنحو 88 ألف طن سنويا، بحسب إحصائيات وزارة البيئة، ما يمثل تحديا كبيرا في التعامل معها وإدارتها بطريقة سليمة خصوصا في ظل التحول الرقمي الذي تشهده مصر حاليا في جميع المجالات والتوسع في استخدام ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء والذي من المتوقع أن ينتج عنه أضعاف المخلفات الإلكترونية التي تتولد الآن.

لذا ، بدأت وزارة البيئة المصرية في إعداد الأدلة الإرشادية حول أفضل المسارات البيئية لجمع ونقل وتخزين وتدوير والتخلص الآمن من المخلفات الالكترونية، وتطوير الدليل حول الإدارة المستدامة والتخلص الآمن من المخلفات الإلكترونية يستهدف إعادة توجيه تدفقها بشكل غير رسمي إلى مصانع تدوير رسمية بالإضافة إلى دعم مصانع إعادة التدوير، حيث بلغ عدد مصانع تدوير النفايات الإلكترونية 7 مصانع حاليا فيما يجري دمج 5 مصانع جديدة.

المخلفات الإلكترونية

تشمل المخلفات الإلكترونية جميع بنود المعدات الكهربائية والإلكترونية وأجزائها التي تم التخلص منها دون النية في إعادة استعمالها، وتشمل أي جهاز منزلي أو تجاري يتضمن مكونات كهربائية تعمل بالكهرباء أو بالبطارية، ويتضمن تعريف المخلفات الإلكترونية ست فئات هي:

  1. معدات التبادل الحراري أو ما تسمى بمعدات التبريد، والتجميد، وتشمل الثلاجات والمجمدات، ومكيفات الهواء، ومضخات الحرارة.
  2. شاشات العرض وتشمل أجهزة التليفزيون، والشاشات، وأجهزة الحاسب الآلي او الكمبيوتر على اختلاف أنواعها.
  3. المصابيح وتشمل مصابيح الفلورسنت، ومصابيح التفريغ عالية الكثافة، ومصابيح LED.
  4. الأجهزة الكهربائية الكبيرة وتشمل الغسالات، ومجففات الملابس، وغسالات الصحون، والمواقد الكهربائية، وآلات الطباعة الكبيرة، ومعدات النسخ، والألواح الكهروضوئية.
  5. الأجهزة الكهربائية الصغيرة وتشمل المكانس الكهربائية، ومعدات التهوية، والغلايات الكهربائية، وأجهزة الحلاقة الكهربائية، والآلات الحاسبة، وكاميرات الفيديو، وأجهزة الراديو، والأدوات الكهربائية والإلكترونية الصغيرة، والأجهزة الطبية الصغيرة.
  6. أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصغيرة، وتشمل الهواتف المتنقلة، والأنظمة العالمية لتحديد المواقع (GPS)، وحاسبات الجيب، والحواسيب الشخصية، والطابعات.

ولكل منتج من فئات المخلفات الإلكترونية صفات مختلفة وفقًا لعمره الافتراضي: مما يعني أن لكل فئة  معينة كميات مختلفة من المخلفات والقيمة الاقتصادية لمكوناتها فضلًا عن الآثار البيئية والصحية المحتملة إذا أعيد تدويرها بشكل غير مناسب، وتبعًا لذلك تختلف عمليات الجمع وتقنية إعادة التدوير وفقًا لكل فئة.

إعادة تدوير المخلفات الالكترونية

تتكون الإلكترونيات عادةً من مواد قابلة لإعادة التدوير بسهولة مثل البلاستيك والزجاج، فضلاً عن كميات صغيرة من المواد السامة مثل الرصاص والكوبالت والسيليكون والزئبق والزرنيخ.
عند إعادة التدوير بشكل صحيح، يتم فصل المواد القابلة لإعادة التدوير بسهولة وإعادة استخدامها، في حين تتم إعادة تدوير المواد السامة من خلال عمليات متخصصة أو التخلص منها بشكل أمن.

كما تحتوي العديد من الأجهزة الإلكترونية على بطاريات ليثيوم أيون كمصدر للطاقة، وتُعد المواد الموجودة في هذه البطاريات قابلة للاشتعال بشكل خطير، حيث أثارت حرائق في مراكز القمامة وإعادة التدوير في جميع أنحاء العالم، لذا من المهم إدارتها بشكل صحيح، خاصة في الأجهزة الإلكترونية الأكثر استخدامًا مثل الهواتف المحمولة.

وتعد عملية إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية من العمليات ذات تكلفة عالية ، إلا أنها توفر مزايا عديدة، ومنها:

  • توفير الطاقة، حيث إن الطاقة المستخدمة في عمليات إعادة التدوير أقل بكثير من الطاقة المستخدمة في عمليات التنقيب عن المعادن، فعلى سبيل المثال: إعادة تدوير الألومنيوم توفر 95% من الطاقة المستخدمة لتصنيع الألومنيوم من المادة الخام، وإعادة تدوير البلاستيك توفر نحو 70% من الطاقة المستخدمة في حالة استخدام خامات أساسية، وإعادة تدوير الحديد توفر نحو 60% من الطاقة المستخدمة للتنقيب على الحديد الخام.
  • الحد من المخاطر الصحية والبيئية للمخلفات الإلكترونية نظرًا لاحتوائها على مواد سامة غير متحللة مثل الزئبق والزرنيخ.
  • المساهمة في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة لظاهرة تغير المناخ والحفاظ علي البيئة

المخلفات الإلكترونية عالميا

وفقًا لتقرير مرصد الأمم المتحدة العالمي للمخلفات الإلكترونية لعام 2020، تم توليد 53,6 مليون طن متري من المخلفات الإلكترونية على مستوى العالم في عام 2019، وهي أكبر كمية تم توليدها على الإطلاق، وتمثل ارتفاعًا بنسبة 21% خلال خمس سنوات فقط كما في الشكل رقم (1) . وبلغ متوسط نصيب الفرد من المخلفات الإلكترونية التي تم التخلص منها خلال عام 2019 نحو 7.3 كجم لكل فرد مقابل 6.4 كجم لكل فرد خلال عام 2014.

شكل (1) : تطور كمية المخلفات الإلكترونية في الفترة (2014-2019 )

وتتكون النفايات الإلكترونية في عام 2019 ، من ثلاث فئات رئيسية هي  الأجهزة الكهربائية الصغيرة (17.4 مليون طن)، والأجهزة الكهربائية الكبيرة (13.1 مليون طن)، ومعدات التبادل الحراري (10.8 مليون طن).

وجاءت قارة آسيا في مقدمة القارات كأكبر منتج  لكمية المخلفات الإلكترونية في عام 2019، بنحو 24,9 مليون طن متري، تليها الأمريكتان (13.1 مليون طن متري)، ثم أوروبا (12 مليون طن متري) . في حين جاءت أوروبا في المرتبة الأولى عالميًّا من حيث متوسط نصيب الفرد من المخلفات الإلكترونية، حيث بلغ نصيب الفرد 16.2 كجم لكل فرد، تليها أوقيانوسيا في المرتبة الثانية (16.1 كجم لكل فرد)، ثم الأميركتان (13.3 كجم لكل فرد)،  وعلي مستوي الدول؛ جاءت الصين في المقدمة ، حيث قامت بتوليد نحو 10.1 مليون طن خلال عام 2019، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 6.9 مليون طن. وفقا لتقرير منظمة العالمية . كما هو موضح في الشكل رقم (2).

شكل (2) : ترتيب الدول في انتاج المخلفات الإلكترونية عالميا خلال عام 2019 بالمليون طن

إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية

تُعد أوروبا هي أعلى القارات التي لديها أعلى بيانات رسمية موثقة لجمع المخلفات الإلكترونية وإعادة تدويرها (42.5٪) وذلك خلال عام 2019، تليها آسيا في المرتبة الثانية بنسبة 11.7٪، ثم الأمريكتان بنسبة 9.4%، وأوقيانوسيا 8.8٪، بينما احتلت إفريقيا المرتبة الأخيرة بنسبة 0.9٪.

ومن المتوقع أن يصل حجم المخلفات الإلكترونية العالمية التي سيتم التخلص منها إلى 74.7 مليون طن متري بحلول عام 2030، أي ما يقرب من ضعف المخلفات الإلكترونية في 16 عامًا فقط، بما يعني أن المخلفات الإلكترونية هي الأسرع نموًّا من بين المخلفات المنزلية على الصعيد العالمي، ومن المتوقع أيضا أن يرتفع متوسط نصيب الفرد من المخلفات الإلكترونية ليصل إلى 9.0 كجم لكل فرد خلال عام 2030 مقابل 7.5 كجم لكل فرد خلال عام 2020. كما موضح في الشكل رقم (3) .

شكل (3) : توقع انتاج المخلفات الإلكترونية عالميا خلال (2020- 2030)

المخلفات الإلكترونية في مصر

حسب احصائيات وزارة البيئة، تقدر كمية المخلفات الإلكترونية المنتجة في مصر سنويا بنحو 88 ألف طن سنويا، وقد وقعت مصر على اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود،  ما يعد قانونا مُلزما للدولة لتطبيقه، وأضافت المجموعة الدولية في إطار معاهدة ستوكهولم، تسع مواد إلى قائمة المواد الكيميائية التي يجب الحد من استخدامها بهدف تقليص مضار بعض النفايات الكيمائية مثل الرصاص أو تلك المترتبة عن النانو تكنولوجيا، أو المستخدمة في صناعة الآلات الإلكترونية.

كما أن هناك أكثر من 40 ألف منشأة صناعية تابعة لاتحاد الصناعات تعمل في مجال تدوير المخلفات الإلكترونية، لافتا إلى أن الهدف الرئيسي الذي سعت له مصر حين وقعت على اتفاقية بازل الدولية هو إنشاء وحدات على أعلى مستوى لإعادة تدوير المخلفات الإلكترونية في كافة المحافظات، بالإضافة إلي برامج للتدريب على تجميع وإعادة تدوير المخلفات ونشر حملات للتوعية البيئية في مجال حصر وتجميع المخلفات الإلكترونية من المحافظات.

المخلفات الإلكترونية وتحقيق التنمية المستدامة

إن الحجم المتزايد لمخلفات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية واستخدام ممارسات الحرق أو مكبات المخلفات غير الملائمة والخطرة لمعالجتها والتخلص منها تشكل تحديات كبيرة على صحة الإنسان، وسعيًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، والتي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2015، فإن إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية ستسهم في تحقيق العديد من تلك الأهداف، ولا سيما الأهداف المتعلقة بالبيئة والصحة، كما سيكون لها تأثير على النمو الاقتصادي، وعليه فإن التعامل الصحيح مع المخلفات الإلكترونية وتحسين أساليب تجميعها وإعادة تدويرها سيكون له بُعدين وهما:

البعد البيئي: ويتمثل في خفض معدلات التلوث في التربة والهواء والماء – المحافظة على الموارد الطبيعية وتقليل الطلب عليها كواد أولية في الانتاج، ترشيد الطاقة من خلال عمليات إعادة التدوير، استعادة المعادن الموجودة في المخلفات مما يقلل من عمليات التعدين واستهلاك الطاقة

البعد الاقتصادي: ويتمثل في توفير فرص عمل  وخفض معدلات البطالة  من خلال اعادة تدوير المخلفات محليا دون الحاجة إلى تصديرها ، تحقيق مكاسب اقتصادية وتحويل أزمة تخزين أو التخلص من المخلفات إلى ثروة حقيقة ذات عائد اقتصادي ، وتوفير من تكاليف المواد الخام اللازمة للتصنيع مرة أخرى ، الاستثمار في البنية التحتية من خلال التوجه نحو المدن الخضراء واستخدام التكنولوجيا والتصدي للمخاطر الناجمة عن المخلفات الالكترونية، وهذا بدوره يسهم في تحقيق مفهوم الاقتصاد الدائري القائم على حسن استغلال الموارد المتاحة واعادة تدويرها وتحقيق أقصى استفادة منها .

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى