
“زيلينسكي” في واشنطن.. هل يُدير العالم ظهره “لآمال” أوكرانيا؟
وصل الرئيس الأوكراني، “فولوديمير زيلينسكي”، بمرافقة زوجته، “أولينا زيلينسكا”، الثلاثاء 31 أغسطس، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، في إطار “زيارة عمل” بناءً على دعوى من الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وتعد الزيارة، هي الثانية من نوعها بالنسبة لزيلينسكي، الذي سبق وزار الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس السابق “دونالد ترامب” في أجواء مشحونة بالتوتر، وسط أحاديث عن المكالمة الهاتفية الشهيرة بين الرئيسين، أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
وكان الاجتماع بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني قد تم تأجيله من 31 أغسطس إلى اليوم التالي بـ 1 سبتمبر، وذلك بناءً على ارتباطات البيت الأبيض بالأحداث الجارية في أفغانستان. حيث أعلن البيت الأبيض من خلال بيان نشره “أن الوضع شفاف للغاية ويمكن تفسيره بسهولة. قرار لقاء الرؤساء في 1 سبتمبر وليس في 31 أغسطس، هو بروتوكولي تمامًا”.
لكن من اللافت للانتباه، أن هذه ليست هي المرة الأولى، التي يشهد فيها هذا اللقاء عدة تأجيلات، فقد كان من المفترض أن يتم اللقاء في نهاية يوليو الماضي، إلا أنه قد تم تأجيله إلى 19 أغسطس، قبل أن يشهد التأجيل الأخير إلى نهاية أغسطس المنصرم.
مُخرجات الزيارة
عقد الرئيس الأمريكي “بايدن” اجتماعًا مع نظيره الأوكراني، 1 سبتمبر، استمر لمدة ساعتين بما يتجاوز المدة المقررة سلفًا لهذا اللقاء، والتي كانت تتلخص في 45 دقيقة فقط.
ولم يُختتم اللقاء بمؤتمر صحفي للرئيسين كما جرت العادة في ختام كل القمم الرئاسية، بل اكتفى البيت الأبيض ببيان ختامي مشترك يعلن فيه عن نتائج اللقاء.
ونتج عن اللقاء، اتفاقية إطارية للدفاع المشترك، ومذكرة بقيمة 30 مليار دولار لبناء وحدة طاقة في محطة “خملنيتسكي” للطاقة النووية، وبيان يدعم تطلعات أوكرانيا في الانضمام لحلف الناتو.
ووفقًا لزيلينسكي، فإن بايدن دعم تطلعات أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو. فقد نقلت وسائل إعلام أوكرانية عن زيلينسكي قوله، “أشعر، وسمعت هذا من الرئيس بايدن، إنه يدعم شخصيًا أوكرانيا في حلف الناتو، لكن ما سينتج عن هذا المسار، من الصعب القول”.
وورد في البيان المشترك كذلك، أن الولايات المتحدة وأوكرانيا ستواصلان معارضة “نورد ستريم 2″، والذي يُنظر إليه على اعتباره تهديدا لأمن الطاقة في أوروبا، بينما تُصر واشنطن على عدم جواز استخدام الكرملين للطاقة كسلاح جيوسياسي.
كما أبرم وزيرا دفاع البلدين اتفاقية إطارية لتعزيز التعاون في مجالات الدفاع بين البلدين، وتتضمن بنود هذه الاتفاقية النقاط التالية؛
- التعاون الأمني الثنائي، مع الدعم الأمريكي، الذي يشمل برنامج تدريب يساعد أوكرانيا بشكل فعال على مواجهة ما تطلق عليه أوكرانيا “العدوان الروسي”.
- تنفيذ أوكرانيا للإصلاحات في قطاع الدفاع وفقًا لمبادئ ومعايير الناتو، وتنفيذ أحكام استراتيجية لتطوير صناعات الدفاع، وتنفيذ الإصلاحات من أجل تلبية احتياجات القوات المسلحة في أوكرانيا.
- تعميق التعاون في منطقة البحر الأسود، من أجل ضمان حرية الملاحة والتصدي الفعال للتهديدات والتحديات في جميع مجالات النشاط العسكري.
- تعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني.
- شراكة أوثق في مجال الاستخبارات الدفاعية.
يذكر أن الرئيس الأمريكي أصدر قرارًا، 30 أغسطس، يقضي بتخصيص ما يصل إلى 60 مليون دولار من البنتاجون كمساعدات لأوكرانيا. حيث ذُكر على لسان بايدن، من خلال مذكرة نُشرت على موقع البيت الأبيض: “من خلال السلطة المخولة لي كرئيس، وبموجب دستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية، أفوض بتوجيه 60 مليون دولار من المواد الدفاعية وخدمات وزارة الدفاع والتعليم والتدريب العسكري لأوكرانيا”.
كيف تفاعلت موسكو مع اللقاء؟
أكد المتحدث الرسمي باسم الكرملين، “ديميتري بيسكوف”، الخميس 2 سبتمبر، أن انضمام أوكرانيا الى حلف الناتو يشكل خطورة على روسيا، لأن البنية التحتية للحلف ستقترب من حدود الاتحاد الروسي. كما أعلن بيسكوف أن “مسألة تطلعات أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) واحتمال ترحيب الولايات المتحدة بهذه الرغبة، قد لفتت انتباه الكرملين”، مشيرا إلى أن “الرّئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أوضح مرارا أن اقتراب البنية التحتية العسكرية للحلف من الحدود الروسية هو أمر لا يسرنا إطلاقا”.
كما صرحت “ماريا زاخاروفا”، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية، الخميس 2 سبتمبر، إن استخدام واشنطن لكييف كسلاح مناهض لروسيا من الممكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على أوكرانيا.
نظرة تحليلية
هتفت العديد من وسائل الإعلام الأوكرانية، تأييدًا لإنجازات زيلينسكي الأخير المُتمثل في زيارته للولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، يتمحور السؤال الرئيسي حول قدر الأهمية، التي تمثلها أوكرانيا بالنسبة لواشنطن وفقًا لما تعكسه دلالات إجمالي ما حدث في هذه الزيارة؟!
نتوقف هنا عند المرحلة التحضيرية، التي سبقت الزيارة ثم رافقتها وصولاً الى يوم انعقادها بتاريخ 1 سبتمبر. ويُرجح أن تأويل التأجيلات الكثيرة لهذا اللقاء، لم تكن تعود في الأساس إلى انشغالات الرئيس الأمريكي كما أعُلن، بل إلى أن أوكرانيا ليست مُدرجة على جدول أولويات مهام عمله.
يذكر أن كييف هي الدولة التي استطاعت أن تكتسب أهميتها الدولية على مدار السنوات الأخيرة، من خلال لعبها دور “ورقة الضغط” على روسيا. لذا فإن التأجيلات الكثيرة التي سبقت الاجتماع تُلقي بظلالها على طبيعة الروابط الأمريكية الروسية، وتقود إلى تساؤلات عدة ما إذا كان بايدن يرغب في حقيقة الأمر في إثارة المزيد من المشكلات مع الروس في الوقت الراهن أم لا؟ وهل تنوي واشنطن بالفعل دعم طموحات كييف أم لا؟
هناك محطة أخرى لافتة للانتباه، قد شهدتها الزيارة كذلك، وتبعث بدلالة تشير إلى مكانة كييف لدى واشنطن. وتلك تتمثل في مخالفة البروتوكول المعمول به في البيت الأبيض، والذي يقضي بضرورة أن تُختتم أي قمة بمؤتمر صحفي يجمع بين الرئيسين.
والأكثر من كل ذلك، أن الاتفاقية الإطارية للدفاع المشترك التي تم توقيعها بين البلدين، جرى توقيعها كذلك بالمخالفة للبروتوكول، والذي كان من المفترض أنه إما يشهد بايدن وزيلينسكي على مراسم توقيع وزيري الدفاع للاتفاقية، أو أن يمتنع كليهما عن حضور الحدث. لكن ما جرى في الحقيقة، كان أن حضر زيلينسكي وحده وتوسط الوزيرين أثناء التوقيع، بينما غاب بايدن عن المشهد.
إذَا، نطرح هنا تساؤلاً آخر، حول ما تُمثله هذه الاتفاقية الإطارية من أهمية؟ أو بالأحرى كل الاتفاقيات التي أعلن عنها خلال الزيارة؟ وفي هذا الصدد يرد السياسي الأوكراني “فيكتور نيبوجينكو”، “إن هذه الوثائق ما هي إلا مجرد إعلانات إطارية فقط، وليست إنجازات ملموسة، أو حتى ضمانات أمنية”.
وتابع السياسي الأوكراني :” الولايات المتحدة منشغلة في الوقت الراهن بعلاقاتها مع أوروبا وأفغانستان والتفاعل مع روسيا والصين، ولا تعرف ما الذي ينبغي عليها أن تفعله مع أوكرانيا” ،مضيفا أن واشنطن لا تخشى فقدان مكانتها لدى أوكرانيا لكنها في الوقت نفسه لن تزيد من حجم نفوذها هناك، ويعد هذا وضعًا جديدًا يشير إلى أنه ربما تكون واشنطن قد قسمت بالفعل مجالات نفوذها مع موسكو في السر.
وعلى الرغم من التصعيد الروسي الأمريكي الذي شهدته الأشهر الأولى من ولاية بايدن، إلا أن قمته الأخيرة مع بوتين أسفرت عن انفراجة نسبية وتطبيع في عدد من الملفات، بما فيها عودة السفراء إلى البلدين، وتأكيد ضمان الاستقرار الاستراتيجي. لذا فإنه من المُرجح أن الولايات المتحدة، تقُدم لكييف دعمًا يتناسب مع مكانتها الحقيقية لديها، ودورها الأهم الذي تلعبه كـ “ورقة ضغط” على روسيا من ناحية، و”نموذج” يُبرهن على نجاح الديموقراطية الغربية من ناحية أخرى.
وربما من الأجدر القول، بأن أهم ما توصل إليه اللقاء بين “زيلينسكي” و”بايدن”، يتمثل في مجرد أنه حدث بالفعل، وأن الرئيس الاوكراني أصبح هو ثاني زعيم أوروبي بعد المستشارة الأمريكية “أنجيلا ميركل”، يزور واشنطن في خلال عهد بايدن.
وعلى الصعيد الأوكراني، من الممكن وصف هذه المفاوضات على اعتبار أنها حملة علاقات عامة تهدف إلى زيادة شعبية الرئيس الأوكراني في عيون ناخبيه، ورفع احتمالات فوزه في جولة رئاسية ثانية.
وكان “زيلينسكي” قد سُئل في الشتاء الماضي، خلال مقابلة تليفزيونية مع قناة أوكرانية محلية، حول ما إذا كان لديه أي سؤال ينوي طرحه على الرئيس الأمريكي الجديد. وعندها رد “زيلينسكي”، قائلاً، “سيدي الرئيس، لماذا أوكرانيا لا تزال غير عضو في الناتو؟”. لكن من الواضح أن الفرصة عندما أتيحت لزيلينسكي، لم يطرح السؤال بذات الطريقة، أو حتى لو طرحه فهو لم يتلق أي رد قاطع بهذا الشأن.
فبعد الاجتماع، أشار “زيلينسكي” إلى أن بايدن دعم شخصيًا تطلعات كييف في حلف الناتو، لكنه في الوقت نفسه، لم يُحدد تواريخ انضمام أوكرانيا للحلف! كما أن “جين بساكي”، المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض، في ردها على سؤال حول انضمام أوكرانيا إلى الناتو، لم تقل شيئًا ذي أهمية! واكتفت بأن أشارت إلى أن كييف ستكون قادرة على التقدم بطلب للحصول على العضوية الكاملة في الناتو بعد استيفاء عدد من الشروط، التي تم التعبير عنها مرارًا وتكرارًا. ويذكر أن تلك الشروط هي عبارة عن إصلاحات تتمثل في إرساء سيادة القانون، وتحديث قطاع الدفاع، وزيادة النمو الاقتصادي.
عند هذه النقطة، نشير إلى أن تاريخ التوترات بين موسكو وحلف الناتو هو شيء غني عن التعريف. كما أن موسكو لن تسمح بأي شكل من الأشكال بأن تتحول الباحة الخلفية لها إلى ساحة جديدة تضم ملاعب حلف الناتو بعد انضمام أوكرانيا له.
إذ أن موسكو تنظر إلى هذه التحركات باعتبارها “مساسا” بأمنها القومي، وهذه أمور تعرف واشنطن جيدًا أن الاقتراب منها سيترتب عليه مشكلات هي في غنى عنها بالوقت الراهن، لأسباب كثيرة، يأتي تدهور الأوضاع في أفغانستان على رأسها. وهو ما يفسر التوجه العام، للاكتفاء بالتلويح بفرض المزيد من العقوبات على روسيا، سواءً من الغرب أو من الولايات المتحدة، لكن في الوقت نفسه الامتناع عن فرضها مراعاة للمصالح المشتركة مع موسكو.
باحث أول بالمرصد المصري



