
“الوقاية بالتمكين”.. مصر “نموذجًا”
تمثل العوامل الاجتماعية والاقتصادية، مثل الفقر وعدم المساواة والبطالة، ظروفًا مواتية للتطرف العنيف، وعندما تتفاقم هذه العوامل أو تنشأ عن عوامل أخرى، يزيد الضعف تجاه التطرف. أيضًا يمكن أن يؤدي عدم تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا إلى المساهمة في دفع النساء والفتيات للانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة بحثًا عن الكرامة وتحقيق الذات.
ويشكل العنف ضد المرأة عاملًا آخر في تجنيد النساء والفتيات في سياقات الدول النامية مثل نيجيريا، وسياقات الدول المتطورة مثل مجتمعات الأقليات المسلمة في أوروبا وامريكا الشمالية. أيضًا انعدام أو ضعف برامج الحماية الاجتماعية الموجه للفئات الأكثر احتياجا وعلى رأسها المرأة المعيلة والفقيرة، بالإضافة الى إهمال تحقيق التمكين الاجتماعي الشامل للمرأة يجعلها فريسة سهلة للجذب من قبل الجماعات المتطرفة. وتستمر هذه العوامل في دفع النساء والفتيات نحو التطرف إلى أن تواجه المجتمعات واقع العنف وعدم المساواة القائم على أساس النوع الاجتماعي.
فالمجموعات المتطرفة العنيفة، على الرغم من بغضها للنساء، إلا انها توفر للنساء والفتيات أشكال السلطة والامتيازات غير المتاحة في حياتهن كما حدث للاتي انضممن لكتيبة الخنساء في تنظيم داعش مثلا، أيضًا تلك الجماعات تُقدم نفسها بديلا قابلا للتطبيق ومجتمعا يوفر الاحترام والانتماء، فضلًا عن الفرص الاقتصادية في بعض الحالات. وتؤدي الأمية الدينية التي غالبًا ما تكون مفرطة لدي النساء إلى سهولة تأثرهن بالروايات الأيدولوجية للجماعات المتطرفة العنيفة.
وبنظرة سريعة في مؤشر الإرهاب العالمي، نجد أن الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب تُعاني فيها المرأة من التهميش والعنف وانعدام التمكين وكل أشكال التمييز بين الجنسين. وقد اعتبر تقرير 2020 أن الدول الأكثر تأثراَ بالهجمات الإرهابية، هي: أفغانستان ثم العراق ثم نيجيريا ثم سوريا ثم الصومال ثم اليمن ثم باكستان ثم الهند ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية ثم الفلبين، وهي الدول التي تعاني فيها المرأة من كافة أنواع العنصرية والعنف خاصة العنف البدني كالخطف، والتحرش، والاغتصاب، والختان، والاتجار بالبشر.
وكان السبب الأساسي في ذلك هو أن المسؤولين غضوا الطرف عن المرأة وعملوا على إقصائها وإبعادها. الأمر الذي يفرض على المؤسسات إعادة النظر في تعزيز المساواة بين الجنسين، والنظر في حقوق المرأة باعتبارها حقوقًا إنسانية بوجه عام وهو ما أثبته إعلان بكين لعام 1995، وكذلك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 الذي أكد على أهمية دور المرأة وتمثيلها في عملية صنع القرار، ودورها الداعم في منع النزاعات. وقد أكدت الأحداث والظروف على أن سياسات مكافحة الإرهاب لابد وأن تقوم على أساس سيادة القانون مع احترام حقوق الإنسان كما أن مشاركة المرأة في وضع هذه السياسات وتنفيذها أمر حتمي لضمان نجاحها. كما أن التخطيط لمعالجة خطر الإرهاب المتشدد يجب أن يبدأ في الأساس من الأسرة حيث إن الأفكار المتطرفة غالباً ما تبدأ عند الأبناء من سن مبكرة، وتتبلور بين سن 12 – 20 عام، وهنا تتعاظم مشاركة المرأة الأم المؤثرة والإيجابية في هذا الشأن لدرء أخطار الفكر المتطرف لدى الأبناء. وهو ما يتطلب توفير قدر عالٍ من التعليم والخدمات الصحية والحماية الاجتماعية للمرأة. بالإضافة الى تحقيق التمكين الشامل لها وكفالة حريتها في التعبير عن رأيها واحتياجاتها.
الوقاية بالتمكين.. مصر نموذجًا
لم تدخر الحكومة المصرية جهدًا في ملف تمكين المرأة، بل وحققت تقدم ملحوظ في مؤشر تحقيق المساواة بين الجنسين حيث يشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2020 إلى تموضع مصر في المركز 134 على مستوى المؤشر العام من إجمالي 153 دولة شملها التقرير، ولكن هناك تباين في المؤشرات التفصيلية ففي مؤشر التعليم وصلت مصر إلى المركز 102 في معدل تقليل الفجوة بين الجنسين، وجاء ذلك نتيجة للسياسات التعليمية الحديثة التي تم إطلاقها في منظومة التعليم الجديد، بالإضافة الى الجامعات التكنولوجية والمعاهد الفنية العليا والجامعات الأهلية التي تم إنشائها لتوفير فرص متكافئة للجميع بغض النظر عن النوع.
وفى مؤشر الصحة تقدمت مصر إلى المركز 85 في تأكيد على الأثر الإيجابي لجهود الدولة والمجتمع المدني المتمثلة في المبادرات الصحية العديدة التي استهدفت المرأة والطفل، وفيما يخص بمؤشر التمكين السياسي فقد احتلت مصر المستوى 103 اما التمكين الاقتصادي جاءت مصر في المستوى 140 بما يشير إلى وجود متطلبات أساسية لتقليل الفجوة بين الجنسين مثل سن التشريعات والسياسات الداعمة لتحقيق التكافؤ المطلوب في فرص العمل ومستويات الدخول.
سياسات الحكومة المصرية الداعمة للمرأة:
العديد من السياسات والخطوات اتخذتها الحكومة المصرية لدعم وتمكين المرأة في كافة المحاور وعلى المستويين التشريعي والتنفيذي وكانت البداية في إقرار الدستور المصري تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل وأولى اهتمامًا خاصًا بالمرأة حيث أرسى أسس للمساواة الكاملة بين المرأة والرجل، من خلال 20 مادة تخص المرأة بشكل مباشر أو غير مباشر. بالإضافة الى سن بعض القوانين الجديدة وإدخال التعديلات على قوانين أخرى لكفالة حق المرأة في العيش بكرامة.
- القوانين والتشريعات
- تم تعديل قانون العقوبات (2015) المادتان 306 (أ) و306(ب) لتشديد عقوبة التعرض لأنثى واستحداث مادة جديدة للتحرش الجنسي.
- تم تعديل قانون العقوبات (2016) المادة 242 بتشديد عقوبة ختان الإناث ورفع الجريمة من جنحة إلى جناية عقوبتها من خمس إلى سبع سنوات، وتصل إلى 15 سنة إذا اسفرت الواقعة عن عاهة مستديمة أو وفاه.
- تم استحداث مادة جديدة لعقاب طالب الختان إذا تم الختان بناءً على طلبه، وكل من اشترك في إجراء العملية سواء كان طبيبًا أو غيره.
- تعديل القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث حيث تضمن تعديل القانون إضافة المادة 49 التي كفلت بمعاقبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة تصل الى مائة ألف جنيه، لكل من امتنع عمدا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث. وهو الحق المنهوب الذي عانت منه المرأة لسنوات طويلة خاصة في المناطق الريفية والصعيد بسبب العادات والتقاليد الموروثة بعدم توريثها.
- تعديل قانون رقم 58 لسنة 1937، المعروف بقانون (النفقة والمتعة)
- تم تعديل المادة 293 من قانون العقوبات والمتعلقة بالنفقة والمتعة: ليلزم الممتنع عن دفع النفقة 5 آلاف جنيه وتعليق استفادة المحكوم عليه من بعض الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية والهيئات العامة، ووحدات القطاع العام وقطاع الأعمال العام والجهات التي تؤدي خدمات مرافق عامة حتى أدائه ما تجمد في ذمته لصالح المحكوم له وبنك ناصر الاجتماعي.
- تم تشريع قانون رقم 201 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 141 لسنة 2014 بتنظيم نشاط التمويل متناهي الصغر، وتكمن أهمية القانون في دعم المشروعات الصغيرة وتوفير فرص عمل للنساء، خاصة وأن عدد المستفيدين من القانون 3.2 مليون مواطن أغلبهم من السيدات المعيلات بنسبة 63%.
- التمكين السياسي للمرأة وتعزيز أدوارها القيادية، من خلال تحفيز المشاركة السياسية للمرأة بكافة أشكالها، بما في ذلك التمثيل النيابي على المستويين الوطني والمحلي، ومنع التمييز ضد المرأة في تقلد المناصب القيادية في المؤسسات التنفيذية والقضائية وتهيئة النساء للنجاح في المناصب. حيث:
- شهدت الفترة الماضية زيادة نسبة الوزيرات في مجلس الوزراء من 6% في عام 2015 إلى 20% في عام 2017، ثم إلى 25% في عام 2018، وهو أعلى تمثيل على الإطلاق للمرأة في مجلس الوزراء بمصر.

- زيادة نسبة النساء اللائي يشغلن منصب نائب الوزير من 17% في عام 2017 إلى 27% في عام 2018، وزادت نسبة النساء في منصب نائب محافظ 31% في عام 2019.
- زيادة في نسبة النساء في البرلمان المصري من 2% في عام 2013 إلى 15% في عام 2018، والتي تمثل أعلى تمثيل للمرأة على الإطلاق في البرلمان المصري، منذ إعطاء المرأة حق الترشح لأول مرة بالانتخابات عام 1957، وحصلت المرأة المصرية على نسبة 25% من البرلمان في التعديلات الدستورية الجديدة في 2019، ومن المستهدف ان تصل الى 35% عام وفقًا لإستراتيجية2030.
- تم تعيين مستشارة للأمن القومي لرئيس الجمهورية في (2014) وتعيين مساعدة لوزير العدل لشؤون المرأة والطفل في (2015)، وتعيين المرأة ذات الإعاقة والمرأة الريفية في المجلس القومي للمرأة في (2016)، وتعيين أول سيدة محافظ في محافظة البحيرة في (2017) وفى دمياط (2018)، وتعيين نائبة لرئيس البنك المركزي المصري، وتعيين أول قاضية منصة محكمة الجنايات في مصر، وتعيين رئيسة للمحكمة الاقتصادية في (2018).
- تعيين ما يقرب من 79 معاونًا للنيابة الادارية من النساء بموجب القرار 239 لسنة 2020
- التمكين الاقتصادي، وذلك من خلال تنمية قدرات المرأة لتوسيع خيارات العمل أمامها، وزيادة مشاركتها في قوة العمل، وتحقيق تكافؤ الفرص في توظيف النساء في كافة القطاعات، وتقلد المناصب الرئيسية في الهيئات والشركات العامة، حيث:
- وصلت نسبة تمثيل السيدات في مجالس إدارة البنوك إلى 12% في عام 2019 مقارنة بنحو10% في 2018.
- وصلت نسبة السيدات اللاتي تمتلكن حسابات بنكية إلى 27% وفقاً لأحدث الدراسات الحكومية بعد أن كانت 14% فقط في عام 2014، كما حصلت المرأة المصرية على 51% من إجمالي القروض الموجهة إلى الأعمال متناهية الصغر، ولم تتخطى نسبة السيدات التي تخلفن عن سداد القروض نسبة 1 %.
- فيما يتعلق بأزمة كورونا، اتخذت الحكومة نحو 21 إجراء لمساندة المرأة خصوصًا في مجال الحماية الاقتصادية للمرأة، والرعاية غير مدفوعة الأجر، ومناهضة العنف ضد المرأة، مما مكن مصر – وفقًا لتقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرامج الأمم المتحدة الإنمائي- للوصول إلى المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا في مساندة المرأة في مواجهة كورونا.
- بالإضافة الى تفعيل وحدة تكافؤ الفرص بالوزارة؛ لإعداد قواعد البيانات عن العاملين بالوزارة والأجهزة التابعة لها وتصنيفهم حسب النوع وتحليلها، فضلًا عن توثيق البيانات والمعلومات والدراسات والبحوث التي تعكس واقع المرأة العاملة بالوزارة.
- التمكين الاجتماعي، من خلال تهيئة الفرص لمشاركة اجتماعية أكبر للمرأة وتوسيع قدراتها على الاختيار، ومنع الممارسات التي تكرس التمييز ضد المرأة او التي تضر بها، سواء في المجال العام او داخل الأسرة والتمكين الاجتماعي من خلال مساعدة النساء من أجل الحصول على حقوقهن في المجالات المختلفة، وتوفير خدمات التعليم والصحة للمرأة المسنة والمعاقة وتمكين الشابات وزيادة مشاركتهن الاجتماعية. وقد أطلقت مصر استراتيجية الصحة الإنجابية (2015)، وجائزة ختم المساواة بين الجنسين وبذلك تعتبر مصر الثاني على مستوى العالم التي تطلق جائزة ختم المساواة بين الجنسين للمؤسسات الخاصة والعامة للاعتراف بالأداء المتميز لتلك المنظمات وتحقيق نتائج ملموسة في المساواة بين الجنسين.
- الحماية، اهتمت الدولة بحماية المرأة من خلال القضاء على الظواهر السلبية التي تهدد حياتها وسلامتها وكرامتها، وتحول بينها وبين المشاركة الفعالة في كافة المجالات، بما في ذلك كافة أشكال العنف ضد المرأة، (بما في ذلك التحرش والزواج المبكر والزواج القسري والاتجار في البشر وختان الاناث)، وحمايتهن من الأخطار البيئية التي قد تؤثر بالسلب عليها من الناحية الاجتماعية او الاقتصادية. وقد أطلقت مصر استراتيجية مكافحة العنف ضد المرأة (2015)، واستراتيجية مكافحة تشويه الأعضاء التناسلية (الختان، 2016)، أطلقت أول دراسة عن تكلفة عنف النوع الاجتماعي وتعد مصر أول دولة عربية تجري هذا المسح (2015).
المصادر
- نساء غير مرئية، الأبعاد الجندرية للعودة وإعادة التأهيل وإعادة الادماج بعد التطرف العنيف، ICAN،2019.
- استراتيجية تمكين المرأة 2030، الهيئة العامة للاستعلامات، أكتوبر 2019.
- 3- المرأة المصرية (2014-2019) التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمرأة في مصر، الهيئة العامة للاستعلامات، 2020
- نحو المساواة بين الجنسين: مؤشر جديد للإصلاحات القانونية لمساعدة التمكين الاقتصادي للمرأة، مدونات البنك الدولي، 2019.
- المساواة بين الجنسين: السياسات ومقترحات التفعيل، سماح فراج، فبراير 2021.
- Global Gender Gap Report 2020, Available on https://docs.euromedwomen.foundation/files/ermwf-documents/9063_6.2.globalgendergapreport2020(eng).pdf
- 7- 2020 … عام تتجدد فيه الإنجازات في ملف المرأة في ظل التحديات التي واجهتها الدولة، إيمان بيبرس، يناير 2021.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



