![](https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2019/08/أقباط.jpg)
أقباط السودان من التعايش الحذر إلى صدارة المشهد ” ترانيم أشعلت الثورة ضد البشير”
“الجنوب إذا ما قرر الانفصال فإنه لا دين سيسود في الشمال سوى الإسلام ولا دستور سوى الشريعة” كانت تلك كلمات البشير في خطابه الذي ألقاه بمدينة ” القضاريف” شرق السودان.
ولثلاثة عقود قضاها السودان تحت حكم الحركة الإسلامية المتطرف، تم تنحية أقباط السودان عن المشهدين السياسي والاجتماعي حتى اختيرت “رجاء نيكولا عبد المسيح” عضوًا في المجلس السيادي السوادني في خطوة غير مسبوقة نقلت مسيحيي السودان من العزلة إلى صدارة المشهد.
المجلس السيادي السوداني الجديد جاء بعد ثورة أزاحت حكم البشير وجماعته وشكل على أساس معايير تضمن شمول المجلس لأوسع طيف من مكونات المجتمع في السودان اجتماعيا وجغرافيا وحتى دينيا،. ويتكون من 11 عضوًا منهم سيدتان إحداهما قبطية وهو العنصر اللافت في تشكيل المجلس والذي يؤكد بما لا يترك مجالُا للشك أن السودان ماض في طريقه نحو عهد جديد.
وحسب وثيقة دستور السودان المؤقت لعام 1955 تم إعلان المجلس السيادي ليصبح بمثابة السلطة الدستورية العليا في السودان، وقد ضمت المجالس السيادية السودانية منذ إنشائها مسيحيين ولكنها اقتصرت على الذكور فقط ومن جنوب السودان.
من جامعة القاهرة إلى المجلس السيادي
ظهرت توقعات بأن تتولى ” رجاءعبد المسيح” رئاسة السودان في الجزء الثاني من الفترة الانتقالية “ليس فقط كمسيحية بل أيضا كامرأة، والسيدة رجاء نيكولا عبد المسيح،العضو الحادى عشر لمجلس السيادة من مواليد أم درمان حاصلة علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1980، وعينت في وزارة العدل عام 1982 وتدرجت في الهيكل الوظيفي حتي تم ترقيتها لمنصب مستشارة في عام 2005.وعملت عبد المسيح بعدد من الإدارات ومثلت وزارة العدل في مفوضية مراعاة حقوق غير المسلمين.
نظرة على الأقباط في السودان
حسب تقديرات غير رسمية ،يشكل الأقباط في السودان نحو 1% من عدد السكان بتعداد بلغ حسب بعض المصادر 500 ألف مسيحي، ويتركزون في مناطق الخرطوم،أم درمان،وعطبرة التي انطلقت منها ثورة السودان في ديسمبر الماضي. وفي الفترة التي حكمت فيها الحركة الإسلامية السودان اضطر عدد كبير من أقباط السودان إلى مغادرة وطنهم واختاروا مصر وطنًا بديلًا لهم خوفًا من راديكالية الإسلام السياسي.
وينتمي أغلب المسيحيين السودانيين إلى الطائفة الأرثوذكسية ويتركزون في المنطقة الشمالية وقد طلبوا من البطريركية المصرية تعيين رجال دين لهم ليتمكنوا من إقامة شعائرهم. وتنتمي أعداد منهم إلى طائفة الكاثوليك والطائفة الإنجيلية. وعلى مدار سنوات حُكم البشير عاش مسيحيو السودان ويلات كثيرة كان أبرزها استهداف الأجهزة الأمنية شريحة «المقتدرين ماليًا أو النشطاء» اعتقادًا بأنه «لو تحكمت السلطات في المال؛ ستتحكم في الكنيسة»، أدت الممارسات التعسفية إلى أن فضل القطاع الأكبر منهم البحث عن وطن بديل وجدوه في مصر .
ويغيب أي إحصاء رسمي لعدد المسيحيين السودانيين الذين انتقلوا خارج بلادهم أو عددهم داخل مصر، بينما تشير بعض التقديرات إلى أن عدد السودانيين عمومًا داخل مصر يتراوح ما بين مليوني سوداني إلى 5 مليون، يعيش أغلبهم في منطقة وسط القاهرة والإسكندرية ومحافظة أسوان الجنوبية. بينما المسجلين بشكل رسمي لدى مفوضية اللاجئين هم 37 ألف فقط.
جرجس أولى ضحايا انقلاب البشير
عقب انقلاب ما سمي بالإنقاذ الوطني في 1989 بستة أشهر، ألقت السلطات السودانية القبض على مساعد طيار في الخطوط الجوية السودانية بتهمة حيازة النقد الأجنبي وتهريبه خارج البلاد وبعد عدة أسابيع من محاكمته أمام محكمة خاصة نفذ فيه حكم الإعدام في فبراير 1990 داخل سجن كوبر وهو نفس السجن الذي يقبع فيه “البشير” حاليًا، ولم يكن لجرجس من جرم سوى أنه مسيحي ووالده قس!
وبإعدامه ظهرت الرسائل محملة بمعان مقصودة، وكان الحكم مقدمة لتلاعب النظام السوداني طويلاً بالورقة الطائفية والعرقية لتمزيق المجتمع السوداني، وتمهيداً لإشعال صراعات مسلحة ستحصد أرواح ملايين الضحايا، وتشرد ملايين من السودانيين في دول الجوار.
وشكلت ورقة الطائفية التي طالما لوح بها نظام البشير محركًا لآلاف المسيحيين للنزول في مسيرات احتجاجية تُطالب بإسقاط نظام الحكم الإسلامي، وتصدر الخطوط الأمامية في الانتفاضة الأخيرة سعياً إلى حكم يلتزم بمعايير العدل والمساواة والنزاهة
ترانيم أشعلت اعتصام القيادة
في ميادين الثورة السودانية ظهر الأقباط بقوة، مقاطع مصورة عديدة أظهرت ترانيمهم وصلواتهم وهي تشعل حماس المتظاهرين والمعتصمين في اعتصام القيادة العامة. وعلى الرغم من أن الكنائس السودانية لم تعلن موقفًا واضحًا من الحراك السوادني إلا أن مشاركة الأقباط مع جموع الشعب أثبتت أن للتلاحم الوطني وجوه كثيرة.
ويبدو أن مشاعر القلق التي سيطرت على أقباط الشمال آخذة في الانحسار بعد الحراك السوادني الذي ألقى حجرًا في المياه الراكدة التي خلفتها اتفاقية السلام الشامل، بعد تخوفات سيطرت على الأقباط من أن الحقوق التي كفلتها اتفاقية السلام الشامل قد ذهبت أدراج الرياح بعد انفصال جنوب السودان.
ثالث أسوأ دولة من حيث الحريات الدينية
في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2014 السنوي عن حرية التدين والمعتقد، حل السودان ثالث أسوأ دولة من حيث الحريات الدينية.
وقد بدأت أولى موجات نزوح مسيحي السودان عام 1983، مع إعلان النظام الحاكم آنذاك تطبيق الشريعة الإسلامية وفقًا لتعريفهم الضيق والمحدود لها وبعد مرورأكثر من عقدين وتحديدًا عام 2013، نشطت من جديد موجات النزوح مسيحيو السودان للخارج، بعدما وقعت هجمات حكومية على مقار شركات مملوكة لمسيحيين بالتزامن مع تحريض من جانب الإعلامي الحكومي للسودانيين بوصفهم «عملاء مدعومين من قوى خارجية، يهددون استقرار الوطن، وأملاكهم حازوها من الاستعمار»، وقد ظل نظام المؤتمر الوطني يستخدم ورقة المسيحيين بالسودان من خلال تمثيلهم شكلياً في السلطة تجنبًا للضغوط الخارجية.
كما تعمد لنظام السابق خلق تشوهات نفسية كبيرة لتثبيت أيديولوجيته، وصبغ الحرب في الجنوب بالصبغة الدينية، وسياسياً لم يصل أقباط السودان لمنصب الوزير إلا مرتين فقط وهو أعلى منصب سياسي يتقلدوه في وزارتي الزراعة والصحة.
انقلاب على موروثات البشير
وضعت القوى العسكرية والمدنية عقب ثورة السودان التي أطاحت بنظام الحكم الإسلامي القضاء على إرث البشير هدفًا نصب أعينها، وعملت جاهدة لتحقيقه فتوصلت إلى اتفاق سياسي وإعلان دستوري بعد مرور أشهر على إسقاط “عمر البشير”، ليتم توقيع الاتفاقين في “فرح سوداني” بحضور مصري قوي تمثيلًا للاتحاد الأفريقي.. قوى مدنية وعسكرية متوافق عليها تم تمثيلها في الاتفاقين، فترة انتقالية يديرها الطرفين بالتناوب وامرأة مسيحية من شمال السودان عضو للمجلس السيادي في بادرة هي الأولى من نوعها، كلها أدلة على الطريق تشير لمن يتبعها بأن السودان قرر الانقلاب على موروثات الحكم الإسلامي والانتقال لعصر مدينة الدولة.