القضية الفلسطينية

القمة الثلاثية في القاهرة.. رؤى متوافقة وتأكيد استمرار الدعم المصري الأردني لفلسطين

استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم بقصر الاتحادية كلًا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، والملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية. وعقدت المباحثات بين الأطراف الثلاثة بهدف تنسيق الرؤى والمواقف بشأن آخر مستجدات القضية الفلسطينية، وبذل الجهود لتحريك عملية السلام في القضية التي تعد أساسًا للاستقرار في المنطقة.

وتم التأكيد خلال القمة المصرية الأردنية الفلسطينية على المواقف الثابتة من دعم القضية الفلسطينية ورفض أي تحركات من شأنها المساس بثوابتها، أو إحداث أي تغيير أحادي على الأرض من شأنه المساس بحقوق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وطالبت القمة بضرورة تكاتف جميع الجهود للعمل على إحياء عملية السلام واستئناف المفاوضات وفق مرجعيات الشرعية الدولية، مع الأخذ في الاعتبار التبعات الجسيمة من عدم حل القضية الفلسطينية على أمن واستقرار المنطقة بالكامل.

مخرجات القمة المصرية الأردنية الفلسطينية

أكد الرئيس السيسي تقدير مصر البالغ للعلاقات التاريخية على المستويين الرسمي والشعبي مع كل من الأردن وفلسطين، مشددًا على أهمية العمل لضمان حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. في هذا الإطار، استعرض الرئيس السيسي رؤية مصر الهادفة لإحياء عملية السلام، وتثبيت التهدئة في قطاع غزة، وكذا إعادة إعمار القطاع، مع التأكيد في هذا الصدد على أن تحقيق آمال الشعب الفلسطيني في الدولة المستقلة لن يتأتى إلا من خلال توحيد الصف وإنهاء الانقسام الذي طال أمده بين الضفة الغربية وقطاع غزة. 

وخلال القمة، توجه الزعيمان الفلسطيني والأردني بالشكر إلى الرئيس السيسي على المبادرة بعقد هذه القمة المهمة، والتي تأتي في توقيت حيوي في أعقاب الأحداث الأخيرة، مع الإشادة في هذا الخصوص بالجهود المصرية المخلصة والحثيثة تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدين على ما تمثله أعمال هذه القمة من فرصة سانحة للنقاش وتبادل وجهات النظر حول السبيل الأمثل لدفع العملية السلمية، وكيفية إعادة وضع قضية الشعب الفلسطيني على قمة أولويات المجتمع الدولي مجددًا.

وقد أكد السيسي استمرار مصر في جهودها الدؤوبة في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق الوثيق مع الأشقاء الفلسطينيين، بهدف مساعدة الشعب الفلسطيني على استعادة حقوقه المشروعة وفق مرجعيات الشرعية الدولية. وشدد على أهمية تكاتف الجهود خلال المرحلة المقبلة من أجل دعم الموقف الفلسطيني للتوصل للتسوية السياسية، والدفع نحو استئناف المفاوضات، بالإضافة إلى تثبيت الهدنة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك بالتوازي مع العمل على تحقيق وحدة الصف الفلسطيني من خلال إتمام عملية المصالحة والتوافق بين جميع القوى والفصائل الفلسطينية، ودعم السلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة، فضلًا عن تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية والاقتصادية بالقطاع.

من جانبه، أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن تقديره لجهود مصر الحثيثة ومساعيها المقدرة في دعم القضية الفلسطينية، مشيدًا بدور مصر التاريخي في هذا الصدد وما يتميز به من ثبات واستمرارية بهدف التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، والذي تجلى مؤخرًا في الدور المصري الفاعل والرئيسي في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وما تبعه من مبادرة السيد الرئيس لإعادة إعمار غزة، مؤكدًا ما تعكسه تلك التحركات من عمق وخصوصية العلاقات المصرية الفلسطينية في ضوء الروابط العميقة بين الشعبين المصري والفلسطيني، وشدد على ضرورة التشاور والتنسيق المتواصل مع الرئيس المصري بشأن مجمل الأوضاع الفلسطينية ومحددات الموقف الفلسطيني للتسوية.

وقد شهدت المباحثات مناقشة مستجدات الموقف في الأراضي الفلسطينية، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي. وعكس النقاش خلال المباحثات مدى التقارب في وجهات النظر بين كل من مصر والأردن وفلسطين حيال مجمل القضايا، كما أكدت على المواقف الثابتة لمصر والأردن من دعم دولة فلسطين إزاء أية تحركات أو إجراءات من شأنها المساس بثوابت القضية الفلسطينية. وأكد القادة خلال القمة أن السلام العادل والشامل الدائم يشكل خيارًا استراتيجيًا وضرورة للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

وتضمن البيان الختامي للقمة المحاور الآتية:

  • التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية والموقف المصري الأردني الثابت فيما يخص دعم الشعب الفلسطيني الشقيق وحقوقه العادلة، وفي مقدمتها حقه في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
  • تناولت القمة الاتصالات والتحركات الأخيرة التي قامت بها البلدان الثلاثة على المستويين الإقليمي والدولي، وتم التأكيد على أن هذا السلام العادل والشامل الدائم يشكل خيارًا استراتيجيًا وضرورة للأمن والسلم الإقليميين والدوليين يجب أن تتكاتف جميع الجهود لتحقيقه.
  • التأكيد على ضرورة بلورة تصور لتفعيل الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، والعمل مع الأشقاء والشركاء لإحياء عملية السلام، وفقًا للمرجعيات الدولية.
  • رفض الإجراءات الإسرائيلية اللا شرعية التي تقوض حل الدولتين وتهدد فرص تحقيق السلام في المنطقة بما فيها بناء المستوطنات وتوسعتها في الضفة الغربية المحتلة وبما فيها القدس الشرقية ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، مع التشديد على ضرورة احترام حق أهالي الشيخ جراح في منازلهم.
  •  التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية ورفض جميع الممارسات التي تستهدف المساس بهذا الوضع، والتأكيد على أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس ودورها في حماية هذه المقدسات وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية.
  • ضرورة وقف الممارسات الإسرائيلية التي أدت للتصعيد الأخير وضرورة الحفاظ على التهدئة بصورة شاملة.
  • ترحيب فلسطيني – أردني بالجهود المصرية لتثبيت التهدئة وإعادة الإعمار في قطاع غزة.
  • دعوة المجتمع الدولي لتخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزة من خلال المشاركة في جهود الإعمار.
  • أهمية الاستمرار في العمل على تحقيق المصالحة الفلسطينية وأهمية تجاوب جميع الأطراف مع الجهود المصرية.
  • اتفاق ثلاثي على عقد القمة القادمة في المملكة الأردنية الهاشمية في وقت يحدد لاحقًا.

أهداف القمة الثلاثية

يأتي توقيت انعقاد القمة في وقت تواصل فيه مصر تحركاتها بشكل مكثف وتعمل على عدة مسارات متزامنة في سبيل دعم القضية الفلسطينية، إذ تُعد دعوة الرئيس السيسي لعقد القمة في إطار الجهود المصرية الحثيثة لتحريك العملية السلمية وضمان الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، فضلًا عن سعي مصر لاستئناف المفاوضات وتوحيد الصف الفلسطيني، بالتزامن مع تثبيت الهدنة.

وبشكل عام، فإن القاهرة وعمان تعدّان داعمين أساسيين للقضية الفلسطينية على جميع الأصعدة، وتاريخيًا كانت كلا الدولتين لاعبًا مؤثرًا في جميع المراحل التي مرت بها تلك القضية. لذلك، يكمن الهدف الرئيسي في التواصل مع الأردن ومصر، إلى خطة التحرك القادمة، في ظل تطابق المواقف لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فضلًا عن تنسيق المواقف قبيل انطلاق اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورية التي من المقرر أن تبدأ في الشهر الجاري.

وفي هذا السياق، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، قبل انعقاد القمة، أن الفلسطينيين يتطلعون إلى القمة الثلاثية الفلسطينية المصرية الأردنية في القاهرة، لحث الإدارة الأمريكية على الوفاء بوعودها بالحفاظ على مبدأ حل الدولتين، مؤكدًا أنه في سبيل تحقيق ذلك، فهناك ضرورة لاتخاذ عدة خطوات عملية تضع حدًا للسياسة الاستيطانية العنصرية، التي تتواصل في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية خاصة مدينة القدس، والعمل على فتح مسار سياسي يفضي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحق العودة للاجئين.

السياق والدلالات

عُقدت القمة الثلاثية في القاهرة في ظل تحركات عديدة شهدتها المنطقة خلال الشهر الأخير، كانت مصر لاعبًا أساسيًا في معظمها، لذلك فمن الجدير بالانتباه إلى سياق انعقاد القمة وربط التطورات التي من شأنها أن تؤثر على الملف الفلسطيني، ويمكن حصر أهم التحركات ذات الصلة في الآتي:

  1. اجتماع عباس – جانتس

في لقاء هو الأول من نوعه منذ عشر سنوات، اجتمع وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس والرئيس الفلسطيني، محمود عباس في رام الله.  وجاء اللقاء وسط استمرار موقف جانتس الرافض لوجود عملية سياسية مع الفلسطينيين. وحسبما صرح جانتس، فإن الاجتماع كان يهدف إلى مناقشة القضايا السياسة والأمنية والاقتصادية.

ويرجح أن يكون اللقاء قد تم بتشجيع من الإدارة الأمريكية، خاصة وأنه تم عقده بعد أيام من لقاء الرئيس جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي نقتالي بينيت في واشنطن، وتم التأكيد فيه على الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل، في الوقت الذي لم تُذكر فيه القضية الفلسطينية – أو لم يتم الإعلان عما تم تداوله بمعنى أدق. 

لذلك، يمكن اعتبار اجتماع جانتس مع عباس بمثابة تتويج للجهود الأمريكية خلال الفترة الماضية، تجاه إيجاد أرضية للحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكذلك يأتي في إطار إجراءات بناء الثقة المرتبطة بالقضايا الاقتصادية، والعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية التي تأتي ضمن اهتمامات الإدارة الأمريكية، لتثبيت عوامل الاستقرار بالمنطقة.

  1. اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير

قبل يومين من انعقاد القمة، ترأس الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، اجتماعًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث وضع الأعضاء في صورة التحركات والتطورات الخاصة بالأوضاع الفلسطينية واللقاءات والاتصالات التي أجراها مع عدد من القادة العرب، والتي كان آخرها لقاؤه مع الملك عبد الله الثاني في عمان، لبحث آخر المستجدات السياسية والتنسيق الدائم بين الجانبين الفلسطيني والأردني في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك الاتفاق على اجتماع القمة الثلاثية الفلسطينية الأردنية المصرية المتفق على عقدها في القاهرة.

وأكد عباس أهمية هذه القمة الثلاثية لتوحيد الرؤية للتعامل مع التحركات السياسية والإقليمية والدولية لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967، وتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.

وأطلع الرئيس الفلسطيني، اللجنة التنفيذية على اجتماعه في مدينة رام الله بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس، والذي تركز على ضرورة الالتزام بالشرعية الدولية وحل الدولتين “رغم معرفتنا بأن وضع الحكومة الإسرائيلية الحالية غير ناضج لعملية سلام جدية.

واستعرضت اللجنة التنفيذية الأوضاع الداخلية في الساحة الفلسطينية، فأكدت أهمية وسرعة تعميق الحوار الوطني بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز وحدتها وفق العمل الديمقراطي واحترام الرأي والرأي الآخر، والالتزام بالحريات العامة وفق النظام والقانون، والالتزام بالبرنامج الوطني، وأكدت اللجنة التنفيذية أهمية الإسراع في إجراء انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تأجلت لحين انتزاع إجرائها في الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة عام 1967، وفي مقدمتها القدس دون أية عراقيل من جانب الاحتلال الإسرائيلي.

  1. زيارة نفتالي بينيت المرتقبة لمصر

في 18 أغسطس، التقى للمرة الأولى، رئيس جهاز المخابرات المصري عباس كامل برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت،  وتحدث معه عن الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية للعلاقات الإسرائيلية المصرية، وتم خلال اللقاء بحث ملف الوساطة المصرية بشأن الأوضاع الأمنية إزاء قطاع غزة. وفي أعقاب الزيارة، تم الإعلان عن دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة مصر بصورة رسمية، خلال الأسابيع المقبلة. وبالتأكيد، يعد تحريك ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي من أهم الملفات التي سيتناولها اللقاء.

  1. زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية إلى القاهرة ورام الله وتل أبيب 

شهد الشهر الجاري أيضًا زيارة “وليام بيرنز”، مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة الأمريكية (سى آى إيه) لرام الله، في أعقاب زيارته لتل أبيب. وتوجه بعد ذلك إلى القاهرة للقاء الرئيس السيسي ورئيس جهاز المخابرات اللواء/ عباس كامل.

ويأتي ذلك في إطار محاولات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للتواصل مع القيادة الفلسطينية؛ بغية التعرف على توجهاتها وخياراتها المستقبلية، فضلًا عن سعيها لدفع العلاقات بين الجانب الإسرائيلي والفلسطينيين، ذلك بالإضافة إلى سعي الإدارة الأمريكية لإحداث تقدم في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل يضمن الاستقرار في المنطقة لتعزيز ما تتبناه رؤية الإدارة الديمقراطية التي تستند إلى ضرورة تسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ودعم العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين.
إجمالًا، يمكن القول إن توقيت انعقاد القمة الثلاثية هو توقيت شديد الخصوصية، يشهد تحركات مكثفة على كافة الأصعدة، تتعدد فيه ساحات النشاط، وتلعب فيه مصر دورًا فاعلًا أساسيًا لضبط المعادلة الإقليمية استنادًا إلى توطيد العلاقات العربية – العربية، والتنسيق مع القوى المختلفة، الإقليمية والدولية، بهدف تقديم كل الدعم للأشقاء الفلسطينيين ولدفع الجهود في سبيل إحراز تقدم حقيقي في القضية يُمكِّن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة، انطلاقًا من التزامها التاريخي بدعم القضية ولإدراكها مركزية القضية ودورها في استقرار المنطقة ككل.

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى