أثار الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان العديد من التساؤلات ليس فقط حول المستقبل الضبابي لأفغانستان تحت حكومة طالبان، ودورها الجديد في استراتيجيات الفواعل الإقليمية والدولية في الرقعة الممتدة من غرب الصين وصولًا لبحر قزوين وجنوب القوقاز؛ وإنما حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في منطقة آسيا الوسطى التي استأثرت بأضواء الاهتمام العالمي مؤخرًا، كونها محرك للأحداث العالمية لا تقل في الوزن والتأثير عن الشرق الأوسط؛ بل تتخطاه نتيجة مثولها كـنقطة تماس للقوى الإقليمية والدولية الآسيوية: تضم منطقة آسيا الوسطى 5 جمهوريات (كازاخستان – أوزباكستان – تركمانستان –قيرغيزستان – طاجيكستان).
وتتوسط هذه الجمهوريات الخمس المتراصة أفقيًا، كل من الصين وروسيا وإيران وباكستان والهند. ما جعلها تطل على محصلات الاستراتيجيات العظمى لهذه الفواعل الرامية إلى تثبيت مناطق النفوذ في مصفوفة (باكستان – الهند)، والتوسع انطلاقًا من أدبيات حضارية واقتصادية وعقائدية في فضاءات أمنية واقتصادية تتعدى دوائر النفوذ التقليدي في مصفوفة (الصين – روسيا – إيران). بيد أن المصفوفة الأخيرة تشكل غالبية الهواجس الأمنية الأمريكية حيال المنطقة الممتدة جنوب شرق آسيا وصولًا إلى الشرق الأوسط، ما أضاف للموقع الجغرافي لآسيا الوسطى قيمة أخرى مضافة تتمثل في كونها منطقة عازلة تحد من تطور الصراع بين قوى الشرق والغرب منذ القرن التاسع عشر إلى اشتباك وصدام مباشر.
- الاحتياط الكبير من النفط والغاز والمعادن: حيث يبلغ حجم الغاز الطبيعي بها 34% من الاحتياطي العالمي، فيما تصل احتياطات النفط بها 27% من الاحتياط العالمي.
- تركيبة الشبكة الاجتماعية المعقد: إذ يشكل المسلمون أكثر من 90% من إجمالي سكان آسيا الوسطى، هذا علاوة على الخريطة الديمغرافية المعقدة لعرقيات الشعوب، حيث صاغ الاتحاد السوفيتي الحدود السياسية للجمهوريات الخمس بشكل تعسفي لم يُراعِ خصوصية الجانب القبلي والعرقي لهذه الشعوب، ما أدى إلى وجود حالة من التنافر وخاصة بين أعراق “الأوزبك والطاجيك والتركمان والقيرغيز والكازاخ والتتر والإيغور” داخل الدولة الواحدة.
ما أبقى على محفزات قوية للاقتتال الأهلي، جراء بعض السياسات الحكومية التي تتعارض مع مصالح هذه الأعراق وتغذي مشاعر الفصل العنصري والتهميش داخل جسم الدولة كلِ على حدة. وتجدر الإشارة إلى لوجود نزعة “إسلاموية” لقطاعات عريضة من شعوب هذه الجمهورية عبّرت عنها عشرات من الجماعات والأحزاب الإسلامية التي جنحت للعنف كوسيلة للتعبير عن مظالمها التاريخية، ومن أبرزها “الحركة الإسلامية الأوزبكية – حزب التحرير الإسلامي – حزب النهضة الإسلامية”، وترجع خطورة هذه الحركات إلى أنها أفرزت بالفعل كيانات عسكرية ترفع راية “الجهاد” ووصلت للميدان السوري “كالحزب الإسلامي التركستاني” الذي يعد أحد أشرس التنظيمات الإرهابية في إدلب السورية بتاريخ حافل من الهجمات والمعارك الدموية. وتبوأ مرتبة رفيعة في السيطرة على مسار تدفق وتشغيل العناصر الإيغورية للميدان السوري.
من هذه النقاط الثلاث السابقة، تبرز أهمية منطقة آسيا الوسطى للولايات المتحدة، كمحرك للأحداث العالمية ومنطقة تشرف على “البطن الرخوة الروسية” وتشكل لبكين بوابة عبور طريقها للهيمنة العالمية “مبادرة الحزام والطريق”. وعلى قدر ما تُشكل المنطقة بوضعها الحالي فرصًا ذهبية لبكين وموسكو، فإنها تُمثِّل بيئة باعثة على التهديدات والمخاطر تطال الكتلة الغربية وواشنطن سواء بملفات الهجرة أو تصاعد النشاط الإرهابي، وخاصة بعد التغييرات التكتيكية التي أُضيفت على استراتيجية الأمن القومي الأمريكي بقدوم جو بايدن وفريقه للبيت الأبيض، حيث:
- أكدت الوثيقة أن مصير الولايات المتحدة أصبح مرتبطًا بشكل أكبر مما مضى بالأحداث التي تقع خارجها. وأكدت أن واشنطن لن تترد عن استخدام القوة عند الحاجة، لحماية مصالحها.
- حددت الوثيقة الصين كونها “خصمًا رئيسًا محتمل” بوصفها تشكل خطرًا على استقرار النظام العالمي.
- تضمنت الوثيقة دعم الولايات المتحدة لجيران الصين والشركاء التجاريين في الدفاع عن حقوقهم في جعل الخيارات السياسية المستقلة خالية من الإكراه.
ومع اعتبار الصين كونها “التحدي الأكبر” للولايات المتحدة، كما أظهرت وثيقة الأمن القومي المنشورة في مارس الماضي، أسست إدارة بايدن فريق عمل في البنتاجون حول الصين، مخصص لصوغ السياسات الدفاعية الرامية لاحتواء صعود الصين ولاسيما في منطقة الباسيفيك. ولما ارتبطت منطقة آسيا الوسطى بديناميات الصعود الصيني كونها بوابة عبور بل انطلاق مبادرة الحزام والطريق، تعاظمت التساؤلات حول إذا ما كانت الولايات المتحدة ستترك المنطقة فارغة من أي نقاط ارتكاز عسكرية لها بعدما سحبت كامل قواتها من أفغانستان التي كانت بمثابة أكبر نقطة ارتكاز عسكري للقوة الأمريكية في آسيا بعد منطقة الخليج. وللإجابة على هذا التساؤل الخاص بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى بعد مرحلة أفغانستان، ينبغي أولًا الوقوف على تجارب الولايات المتحدة في إيجاد نقطة ارتكاز عسكرية لها في تلك المنطقة الهامة، كمؤشر للقياس والتنبؤ بسلوك واشنطن.
مهام لوجستية.. وجود عسكري أمريكي “خجول”
كان لدى الولايات المتحدة قاعدتان عسكريتان في آسيا الوسطى (أوزباكستان – قيرغيستان)، وكلاهما أنشئ في أعقاب انهيار برجي التجارة العالمي في أحداث سبتمبر 2001.
القاعدة الأولي: كارشي خان آباد – أوزباكستان، وهي منشأة بناها الاتحاد السوفيتي في موقع في أوزبكستان على بعد 145 كيلومترًا شمال الحدود الأفغانية، وكانت تستخدمها الولايات المتحدة في مهام النقل والإمداد والتموين، إذ لم تكن مهام قتالية بالدرجة الأولي، وانتهى الوجود الأمريكي من هذه القاعدة بين 2004-2005.
القاعدة الثانية: قاعدة مطار ماناس – قيرغيستان، حيث ذكرت تقارير أن أوزباكستان طلبت سحب القوات الأمريكية في العام 2005، بناءً على طلب من الرئيس إسلام كريموف، بعدما استشعر خطر الإطاحة به من خلال مخططات الثورات الملونة وخاصة بعدما وقف وراءها الولايات المتحدة ومنظمات المجتمع المدني. لتنتقل القوات الأمريكية بعدها إلى قاعدة مطار ماناس في قيرغيزستان، بعد تفاهمات ضمنية بين الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. وانتهى الوجود العسكري الأمريكي من قيرغيزستان في العام 2015، بعد فترة من الاضطرابات السياسية التي عصفت بالبلاد (ثورتين وحادثة انقلاب).
وتجدر الإشارة إلى تزامن إنهاء التواجد العسكري الأمريكي من محطة “قيرغيزستان” مع انهاء المهمة القتالية الأمريكية رسميًا من أفغانستان في 28 ديسمبر العام 2014، بعد انسحاب معظم القوات المقاتلة والانتقال إلى مرحلة الحرب “بكوادر أفغانية”، وبقاء عدة آلاف من الجنود الأمريكيين تركزت مهمتهم على تدريب القوات الأفغانية ومكافحة الإرهاب حتى انسحاب آخر جندي من القوات الفرقة 82 المحمولة جوًا يوم 31 أغسطس الماضي.
“ثالوث مقترح”.. رحلة البحث عن قاعدة عسكرية أمريكية
وفي بيانه الأخير، الثلاثاء الماضي، 31 أغسطس، عدّ الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن الجسر الجوي الذي مكّن من إجلاء أكثر من 120 شخص من أفغانستان، “نجاحًا استثنائيًا. وتوعد تنظيم “داعش – خراسان” بمزيد من الرد على هجماته التي استهدفت مطار كابول منذ 26 أغسطس الماضي، مضيفًا، أن الولايات المتحدة ستواصل الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان ودول أخرى.
ومن غير المرجح إيفاء الرئيس الأمريكي بتعهداته التي تعد مزيجًا من التزامات العديد من المؤسسات الأمريكية “البنتاغون – الخارجية – الاستخبارات”، من دون إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في الدول المجاورة. وبالنظر لدول جوار أفغانستان، نجد أن آسيا الوسطى تمثل الخيار الأمثل لدى القيادة العسكرية الأمريكية.
فمن مصفوفة الدول الست التي تتشارك حدودها مع أفغانستان، “إيران وباكستان والصين وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان”. يمكن استبعاد إيران والصين على الفور، وباكستان تعتمد بشكل كبير على الصين الآن بحيث لا يمكنها الشروع في مثل هذه الخطوة وخاصة مع الأخذ في الاعتبار تنامي مسار العلاقات الامريكية الهندية. من غير المحتمل أن يكون لدى تركمانستان أي نية للابتعاد عن مسارها الانعزالي في الوقت الحالي.
وعليه، يظهر “يظهر الثالوث” المرشح وبقوة ليكون ضمن صدارة مشهد محاولات الولايات المتحدة لتثبيت نقطة ارتكاز عسكرية، ورفع مستوى التنسيق الأمني بما يتيح معالجة التهديدات الأمنية بعد تحول أفغانستان لمركز جذب للتنظيمات المسلحة والإرهابية في العالم، وهو كالآتي (طاجيكستان – قيرغيزستان – أوزباكستان). وتجدر أهمية بضرورة تفنيد فرص ومعوقات إنشاء نقطة ارتكاز عسكرية أمريكية في كل دولة، كالآتي:
- طاجيكستان:
طاجيكستان دولة عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي منظمة حكومية دولية وحلف عسكري، يضم كل من (أرمينيا – روسيا – روسيا البيضاء – كازاخستان – قيرغيزستان)، وتهمين روسيا على هذه المنطقة وتدير تفاعلاتها الأمنية. كما لدى روسيا قاعدة عسكرية في طاجيكستان، تتيح لها تشغيل تشكيلات قتالية برية وجوية ولكن بصورة أقل من القدرة التشغيلية للقاعدة الروسية في سوريا “اللاذقية”. ولم يمنع الرئيس الطاجيكي “إمام على رحمن” الصين من بناء نقطة عسكرية لها في البلاد، على الحدود مع أفغانستان. وبالرغم من ذلك، لدى طاجيكستان بعض تجارب التعاون العسكري مع الأمريكيين. فبعد 11 سبتمبر، مُنحت طائرات سلاح الجو الأمريكي الإذن بالتزود بالوقود في قاعدة بالقرب من العاصمة دوشانبي. اليوم تخضع القوات الخاصة الطاجيكية للتدريب في الولايات المتحدة.
وفي مارس الماضي، بدأت واشنطن مسارًا للتقارب مع دوشانبي في أفغانستان. حيث عقدت محادثات ثلاثية عبر الانترنت بين طاجيكستان وأفغانستان والولايات المتحدة، وفي مايو الماضي زار المبعوث الأمريكي الخاص للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد، طاجيكستان.
إلا أن الرد الروسي جاء سريعًا على الاهتمام الأمريكي بطاجيكستان حيث اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الطاجيكي وناقش معه تعزيز العلاقات الثنائية. تبع ذلك اتفاقات بشأن إنشاء نظام دفاع جوي إقليمي موحد للبلدين وتعزيز أجزاء من الحدود الطاجيكية الأفغانية، ووعد باستئناف الرحلات الجوية المنتظمة بين موسكو ودوشانبي. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الطاجيكي كان الرئيس الأجنبي الوحيد الذي تمت دعوته إلى موكب يوم النصر في 9 مايو في موسكو.
ويعتمد الاقتصاد الطاجيكي بشكل كبير على التحويلات من المواطنين الطاجيك العاملين في روسيا (22٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وعادة ما يزيد عن 30٪ قبل الوباء)، والقروض الصينية (52٪ من إجمالي الاقتراض الخارجي وأكثر من 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي).
- قيرغيزستان:
تعتمد قيرغيزستان بشكل كبير على الصين وروسيا في احتياجاتها الأمنية والاقتصادية. وتشكل تحويلات العمال المهاجرين في روسيا حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وديون قيرغيزستان للصين أكبر من ربع الناتج المحلي الإجمالي. وهي أيضًا جزء من منظمة معاهدة الأمن الجماعي -وعضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي– وتستضيف قاعدة عسكرية روسية على أراضيها.
ومن الصعب على الولايات المتحدة بناء علاقة طويلة الأمد مع قيرغيزستان، لأن الصراع المستمر بين النخب السياسية في البلاد يؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها وحتى الانقلابات. وسيجعل عدم الاستقرار هذا من الصعب على واشنطن ضمان أمن قواتها إذا تمكنت من فتح قاعدة هناك.
- أوزباكستان:
منذ وصول الرئيس شوكت ميرزيوييف إلى السلطة في عام 2016، أعيد إحياء العلاقات العسكرية بين أوزبكستان والولايات المتحدة. في عام 2018، زار الزعيم الأوزبكي واشنطن، حيث وقع أول خطة تعاون عسكري على الإطلاق مع الولايات المتحدة. منذ ذلك الحين، زاد عدد التدريبات العسكرية المشتركة، وأتيحت الفرصة للضباط الأوزبكيين للتدريب في الولايات المتحدة ودول الناتو.
وانبرت أوزباكستان في سياسة إيجابية نشطة لحل معضلة الصراع في أفغانستان حيث أطلقت طشقند في عام 2018، مؤتمرًا يضم أكثر من عشرين دولة ومنظمة. وفي مايو 2020، عقدت واشنطن وطشقند وكابول أول حوار ثلاثي. وهي كذلك أقل اعتمادًا على روسيا والصين من جيرانها، لكنها ليست عضوًا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وليس لديها أي قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها.
مستخلصات تحليلية
- أوزباكستان الأوفر حظًا، تعد أوزباكستان أوفر الدول حظًا بالنسبة لطموحات واشنطن في تثبيت نقاط ارتكاز عسكرية، أو رفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي بما يمكن واشنطن من الوقوف على مقربة مما يدور من تفاعلات أمنية وسياسية داخل أفغانستان وفي دائرة محيطها، والتحكم في الأجسام والهياكل الإرهابية التي قد يفرزها تحول أفغانستان لإمارة إسلامية تُحكم من خلال حركة طالبان ذات الصلات الوثيقة بتنظيم القاعدة. وما يدعم ذلك انعدام وجود أية قواعد عسكرية لروسيا والصين هناك.
- مجال المقاومة الصينية الروسية للوجود العسكري الأمريكي يتسع: مكنّ تشاركهم التنافس والعداء مع الولايات المتحدة من تنسيق موقف كل من الصين وروسيا بشكل أكثر تكاملية في العديد من الملفات الإقليمية والدولية. فبغض النظر عما آل إليه الوضع في أفغانستان. فإن الثنائي يتحرك في آسيا الوسطى بنسق تكاملي، فالصين تستخدم قدراتها الاقتصادية، فيما تكمل روسيا الإطار بالعمل ضمن تلبية الاحتياجات الأمنية، وأحيانًا إداراتها. ومن شواهد ذلك:
- المناورات الصينية الروسية: حيث أجرت الصين وروسيا مناورات عسكرية ضخمة بمشاركة 10 آلاف جندي من القوات البرية والجوية لدى الجانبين، مطلع أغسطس الماضي، عبر إنشاء مركز قيادة مشترك أجري التدريب بداخله، بحيث تشمل المناورات الاستطلاع المشترك والإنذار المبكر، والهجمات الإلكترونية والمعلوماتية، وتنفيذ الضربات المشتركة والتدريب عل عمليات مكافحة الإرهاب ودعم الأمن الإقليمي.
- التصريحات الصينية الروسية المناوئة للوجود العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى: حيث قال وزير الخارجية الروسي أن بلاده ليست مستعدة لرؤية عسكريين أمريكيين ينتشرون في دول آسيا الوسطى بعد انسحابهم من أفغانستان، 24 أغسطس الماضي. وحذر وزير الخارجية الصيني، واشنطن، في مايو الماضي، من انسحاب غير مسؤول وغير منظم للقوات الأجنبية في أفغانستان، وانتقدت الصين دور الولايات المتحدة في قيرغيزستان ودعمها لمنظمات المجتمع المدني وتدخلها في شؤون البلاد.
- المناورات الروسية مع طاجيكستان وأوزباكستان: حيث أجرت روسيا مناورات مشتركة مع كل من طاجيكستان وأوزباكستان قرب الحدود مع أفغانستان، مطلع أغسطس الماضي. فيما نفذت روسيا مناورات عسكرية مع طاجكستان منفردةً في منتصف أغسطس، انطلاقًا من القاعدة العسكرية الروسية 201 الموجودة في طاجيكستان.
- محاولات روسية لتقييد الانخراط العسكري الأمريكي: حيث أفادت صحيفة وول ستريت جورنال” نقلا عن مسؤولين رفيعي المستوى في كل من روسيا والولايات المتحدة، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن طلب من بوتين خلال لقائهما في جنيف في يونيو الماضي، السماح بنشر قوات أمريكية في دول آسيا الوسطى بعد انسحابها من أفغانستان، لكن الجانب الروسي لم يوافق على ذلك. فيما تواردت تقارير تفيد بتقديم عرض روسي “سخي” للولايات المتحدة مقابل هذا الرفض، وأشارت صحيفة “كوميرسانت” الروسية إلى أن موسكو عرضت على الولايات المتحدة استخدام القواعد العسكرية لها في طاجيكستان وقيرغيزستان، للسيطرة على الوضع في أفغانستان. وظهرت مسيرة أمريكية في سماء كابول بعد إتمام عملية الانسحاب الكامل، فيما لم يتبين موقع إقلاعها، إذ تحتاج المسيرات لقاعدة أرضية قريبة من مسرح العمليات.
- بنية تحتية عسكرية قوية لروسيا في آسيا الوسطى: بقواعد عسكرية لها في كل من كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، تتمكن موسكو من ضبط وقائع الميدان في هذه المنطقة وتوفر لها ميزة الوصول السهل لأفغانستان، ومن ناحية أخرى تجعل المحاولات الامريكية لتثبيت نقطة عسكرية لها في هذه المنطقة متواضعة ومحفوفة بالمخاطر، تمامًا كحال أي خطط عسكرية روسية للتواجد بصورة دائمة شرق الفرات في سوريا. ما يعطي هامش حركة أكثر للصين للتحرك بالأدوات الاقتصادية، إلا أن تلك التكاملية في العلاقة بين موسكو وبكين لم تخلُ من التنافس المحموم بينهما، لكن أيًا من ذلك لم يؤثر على خريطة الانتشار العسكري الروسي في آسيا الوسطى. بل وفر لها ميزة معالجة التهديدات الأمنية المنبثقة عن تفعيل مسارات تدفق للعناصر الإرهابية من داخل أفغانستان باتجاه البطن الروسية الرخوة، او من خارجها.
ختامًا، قد يؤدي تعطل المساعي الأمريكية لإيجاد نقطة ارتكاز عسكري جديدة لها؛ إلى اتساع رقعة عدم الاستقرار في آسيا الوسطى نتيجة لزيادة مُرجحة في النشاطات الإرهابية -التي تجيء بالوكالة-؛ وتفاقم مشكلات اللاجئين والقضايا الحدودية العالقة بين الجمهوريات الخمس. بيد أن القدرات الصينية الروسية في مكافحة الإرهاب آخذة في التصاعد لمواجهة التحديات الأمنية تلك، لكنها لم تثبت بعد فعاليتها في مواجهة اضطراب أمني محتمل قد يستهدف نقطتين حرجتين في آسيا الوسطى، الأولى إقليم شينجيانغ –موطن الإيغور– أو ما يُعرف بتركستان الشرقية، والثانية في البطن الروسية الرخوة.
حيث تواجه الأجهزة الأمنية الروسية منذ أشهر عدة خلايا نائمة لتنظيم داعش في قيرغيزستان، وتتخوف موسكو من إمكانية نقل العناصر القوقازية من إدلب إلى تخوم شمال أفغانستان. وعليه فإن أوزباكستان التي بدت كأوفر حظًا للأمريكيين كمنصة انطلاق عسكرية محتملة؛ تمثل فقط أقصى ما يمكن أن تصل إليه واشنطن على رقعة الجغرافيا السياسية التي تبدو وكأنها مقبلة على طقس عاصف يعيد للأذهان الذاكرة التاريخية لموجات التهديد التي انطلقت من سهول آسيا الوسطى باتجاه الغرب لتعصف بالإمبراطوريات حتى وصلت إلى شرق أوروبا ابتداءً من طوفان جنكيز خان.