مكافحة الإرهاب

“العائدات من داعش”.. حواضن الإرهاب الجديد

أسهم التحول من عصر تنظيم “القاعدة” إلى “داعش” إلى وصول مستويات غير مسبوقة من التجنيد؛ إذ لم تتمكن أي منظمة أخرى في التاريخ الحديث من تجنيد هذه الأعداد الكبيرة من المقاتلين، ولا سيما المقاتلين الأجانب.

وتجاوزت هذه القفزة النوعية من حيث الأرقام والتوسع الجغرافي للتجنيد الجهادي، حواجز النوع الاجتماعي أيضًا. وقد أظهرت السنوات القليلة الماضية أعدادًا غير مسبوقة من “الجهاديات” اللاتي انضممن إلى تنظيم داعش مثلًا من الشرق الأوسط ومن بلدان أخرى بما في ذلك الغرب.

وتشير الإحصائيات إلى أن 41.490 من الأجانب تقريبا أصبحوا منتسبين إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام منهم حوالي 4.761، أو بين 10 % و13، من النساء و4.640 طفلًا، يتوزعون على 80 دولة، انضموا للتنظيم في العراق وسوريا بين أبريل 2013 ويونيو 2018، بحسب تقرير صدر عام 2018 عن المركز الدولي لدراسة التشدد ICSR، التابع لجامعة “كينجز كوليدج” في لندن.

وتشير التقديرات إلى أن 256 منهن فقط عدن إلى بلدانهن الأصلية وفقًا لـ “نساء غير مرئية”، ولا يزال هناك القليل من الدراسات والأدبيات الواصفة مصير حال النساء العائدات، ولا يوجد لهن إحصائية دقيقة بأعدادهن او حتى مصائرهن بعد تفكك تنظيم “داعش”. ولا تزال هناك ندرة في الأرقام عن العائدات من الجماعات المتطرفة العنيفة.

 وعادة، يميل الانطباع عن النساء المتورطات مع الحركات المتطرفة العنيفة إلى تصويرهن إما “ضحايا مكرهات” أو “مرتكبات” لأعمال العنف، لكن في الواقع، تتخطى الأدوار التي تلعبها النساء في “التطرف العنيف” هذه النظرة الثنائية البسيطة، حيث يتخذ انخراطهن في أعمال العنف المتطرف أشكالا معقدة، بما في ذلك كقائمات على التجنيد، أو كمعلمات، أو مسؤولات عن الحملات، أو ممولات، أو عرائس، أو منظمات للوجستيات، أو مؤيدات وداعمات، أو مزيج من هؤلاء.

كما قد تلد كثيرات منهن أطفالًا وينشئن أجيالًا تحمل إرثا فكريا متطرفا، حيث أوكل إليها تنظيم “داعش” مهمة إنشاء جيل محمل بالأفكار المتطرفة عن طريق الأمهات زوجات مقاتلي التنظيم الإرهابي وجاء ذلك في إطار تركيز داعش على بناء أجيال جديدة يمكن الاعتماد عليها مستقبلًا.

أسباب لجوء التنظيمات الإرهابية إلى تجنيد النساء

  • تعود أسباب تجنيد النساء إلى تعقّد الوضع في البلدان التي بها النزاعات، ممّا يستوجب الاستعانة بجميع الفئات كالنساء والأطفال. وكان أبو مصعب الزرقاوي، قائد القاعدة في العراق قد استخدم النساء في العمليات الإرهابيّة في ظلّ غياب المتطوّعين الرجال، ورغبة في الحصول على تغطية إعلامية أوسع.
  • صعوبة قيام الرجال بمهام التنظيم نتيجة الحصار الأمني المكثف وتجفيف منابع الإرهاب إذ إن جميع الإرهابيين أصبحوا مستهدفين ومعروفين لدى أجهزة الأمن.
  • الحاجة إلى الأضواء والرغبة في إحداث ضجة إعلامية كبيرة بعد خفوت ضوء تلك التنظيمات والتضييق عليها وجفاف الكثير من منابعها، وليس أدل على ذلك من كون جميع العمليات الإرهابية التي كانت النساء طرفاً فيها أحدثت ردة فعل واهتماماً إعلامياً كبيراً، بالرغم من كون تلك العمليات في كثير من أحوالها لا ترتقي إلى الحد الذي يجعلها تُحدِث تلك الضجة إذا ما كان العنصر المرتكب لها غير أنثى.
  • أنّ بروز النساء في المعسكرات يعدّ خبرا مثيرا يشدّ الجمهور الذي اعتاد “تسييج” المرأة في إطار الصور النمطيّة. فممّا لا شكّ فيه أنّ وجود النساء في ساحات الحرب أمرً مستغرب.
  • زيادة عدد النساء ضحايا ظروف التنشئة في الدول خاصة تلك الفقيرة أو الفاشلة أو التي بها صراعات إثنية وعرقية، وعليه؛ يسهل استقطابهن بمزاعم الزواج والمال والعيش الكريم.

خطر العائدات

  • مخاطر أمنية

انخراط العائدات في أعمال العنف والإرهاب، وباعتبار جزءاً منهن مقاتلات في التنظيم وفي حال عودتهن من المحتمل إما أنهن سيحاولن خلق هذه الكيانات من جديد من خلال قيامهن بعمليات تجنيد جديدة، أو يدعمن الكيانات القائمة بالفعل. بالإضافة إلى التنسيق بين أفرع التنظيمات الخارجية والمحلية، بسبب الروابط التي تشكلت وقت قتالهن مع تنظيم داعش، وانغماسهن في الأعمال المختلفة التي أوكلها التنظيم لهن، ومحاولتهن لنشر أفكار التنظيم في الدول الأم.

  • مخاطر اقتصادية

إن عودة المُقاتلات يمكن أن يترتب عليها عبئا اقتصاديا ستتحمله الدول في حال قررت تسوية أوضاعهن وأسرهن وأبنائهن، وإعادة توظيفهن وإيجاد فرص عمل مناسبة، مع توفير أدوات المراقبة الدقيقة عليهن للحيلولة دون الانخراط في اعمال إرهابية جديدة.

  • مخاطر اجتماعية

هناك الكثير من الآثار الاجتماعية السلبية المتوقعة جراء عودة المقاتلات، بسبب ما يحملونه من أفكار تكفيرية ومتطرفة، ونتيجة ما شاهدوه من معارك وعمليات قتل في أماكن التوتر، والخشية من نقل تجاربهن لآخرين. إضافة إلى خطر تنشئة جيل يحمل الإرث الفكري للمنظمات الإرهابية وبالتالي تكوين قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.

إشكاليات العودة

تنحصر إشكاليات عودة المقاتلات في التنظيمات الإرهابية في:

  • عدم وجود حَصر دقيق بأعداد العائدات وبياناتهن، لاسيما في ظل سفر العديد من النساء بصورة مباشرة إلى تركيا ومنها إلى سوريا وبالتالي يصعب حصر اعدادهن امنيًا.
  • تكتّم الأسر عن الإبلاغ عن اختفاء بناتها، وعدم وجود تنسيق كافٍ بين المنظمات الدولية وأجهزة الاستخبارات في الدول المعنية بهذا الملف، وتعمُّد بعض الدول مثل تركيا عدم إخطار الدول الأخرى بأسماء وبيانات العناصر التي تدخل أراضيها او تلك التي توجهت الى مناطق الصراع الأخرى كسوريا مثلًا.
  • صعوبة الملاحقة القانونية للعائدات، لان كثير من الدول لم تصدر القوانين اللازمة لمعاقبة العائدات، وترفض أيضاً استلام المواطنات المحتجزات في سوريا أو العراق بدعوى أنها لن تتمكن من إخضاعهم لمحاكمات.
  • صعوبة التأهيل الفكري للعناصر العائدة، نظراً للتحولات الأيديولوجية الحادة، التي طرأت على الفكر التكفيري، بالإضافة الى تعدد ايدولوجياتها، فمثلًا تنظيم داعش يحتوي على تيارات دينية مختلفة عن بعضها في الأيدولوجية والانتماء. ناهينا عن التكلفة الاقتصادية الباهظة والمدة الزمنية الطويلة المطلوبة لتأهيل العائدات واطفالهن.
  • زيادة الضغط المجتمعي على الدول، حيث هناك مطالبات من قبل الجمعيات الحقوقية وبعض المنظمات الدولية لاستقبال العائدات وإدماجهم في المجتمعات الأم، بينما يرفض العديد من الفئات المجتمعية فكرة تقبُّل العيش مع هؤلاء العائدات وإدماجهم في المجتمع مرة أخرى.
  • عدم وجود تصورات دقيقة وشاملة للتعامل مع ملف العائدات واطفالهن، مثل المحددات التي سيتم من خلالها محاسبتهن للوقوف على مدى تورطهن وهل كان ذلك بإرادتهن أم مُجبرات على ذلك وهل شاركن بعمليات إرهابية أم مجرد ضحايا. وبالنسبة لأطفالهن هل شاركوا بالعمليات الإرهابية ام لا، وكيف يتم التأكيد على هوياتهم وأوراقهم الثبوتية خاصة قد يختلف جنسيات أطفال الأم الواحدة تبعًا لاختلاف جنسيات المقاتلين التي تزوجت بهن.

التعاطي الدولي مع قضية العائدات

تفاوتت ردود أفعال الدول تجاه خاصة النساء والأطفال العائدين من داعش، وتمحورت ردود الأفعال حول:

  • السماح بعودة النساء والأطفال إلى بلادهن وخضوعهن للتحقيق والمساءلة القضائية، وهذا ما طبقته بعض الدول الأوروبية كفرنسا.
  • الخيار الأمني الذي قد تلجأ إليه بعض الدول للتخلص من ملف عودة الإرهابيات إلى بلادهن، حيث يتم تصفيتهن جسديًّا، وهو ما صرح به وزير الدفاع البريطاني لصحيفة “ديلي ميل” بشكل صريح بأن البريطانيين الذين يقاتلون مع تنظيم داعش يجب أن تُحدد مواقعهم، وأن يجري قتلهم، وعدم السماح لهم بالعودة إلى البلاد.
  • ·         بقاء الحال على ما هو عليه، حيث يتم تسكين هؤلاء النسوة مع أطفالهن في المخيمات ومراكز الإيواء على أطراف كل من سوريا والعراق، على غرار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن.
  • اعتماد مراكز تأهيل نفسية واجتماعية لإعادة تأهيل النساء اللاتي لم يثبت عليهن الضلوع في أعمال إرهابية، وإقامة مراكز تعليمية وتربوية مخصصة للأطفال ضحايا التطرف والعنف، ثم العمل على إعادة دمجهم في مجتمعاتهم الأم.

استجابات الدول بشأن العائدين

ختامًا، إن الوضع الحالي للعائدات في ظل غياب المعلومات الدقيقة عن أعدادهن ومصائرهن يفرض على الدول مضاعفة جهودها لوضع حلول غير تقليدية لتفادي المخاطر الأمنية والاجتماعية والاقتصادية ولا يتوقف ذلك على برامج التأهيل والمعالجة الاجتماعية والنفسية فقط، بل يجب أن يقترن بخطط وبرامج أخرى لتسوية الأوضاع المعيشية للعائدين في المستقبل.

المصادر

  1. العائدون من “داعش”: التصنيف، والمخاطِر، والإدماج، ماهر فرغلي، مركز الإمارات للسياسات، أكتوبر 2020.
  2. المرأة في الفكر الإرهابي، م. حسين موسى، المركز الديموقراطي العربي، ابريل 2020.
  3. نساء غير مرئية، الأبعاد الجندرية للعودة وإعادة التأهيل وإعادة الادماج بعد التطرف العنيف، ICAN،2019.
  4. Stevan Weine [Et al.], “Rapid Review to Inform the Rehabilitation and Reintegration of Child Returnees from the Islamic State”, Annals of Global Health 86(1), Jun 2020, available at: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC7304453/
  5. الأجنبيات العائدات من داعش، مرصد الأزهر، ابريل2018.
  6. عاشقات الشهادة: تشكلات الجهادية النسوية من القاعدة الى الدولة الإسلامية، حسن أو هنية ومحمد أبو رمان، الأردن،2017.
  7. نساء وأطفال “داعش” … الى أين؟، هالة فودة، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، مايو 2019.
+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

د.هالة فودة

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى