
“ذي إيكونوميست”: كيف يمكن أن يعزز استيلاء طالبان على أفغانستان نشاط الجماعات الإرهابية في العالم؟
عرض – منى قشطة
نشرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية تقريرًا بعنوان “كيف يمكن أن يعزز استيلاء طالبان على السلطة حركات التمرد الجهادية الأخرى في جميع أنحاء العالم؟” قالت فيه إنه بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول سارعت بعض الأطراف إلى التواصل مع الملا عبد الغني برادر الزعيم الأعلى لطالبان، ومنهم إسماعيل هنية زعيم حركة حماس حيث تواصل معه تليفونيًا لتهنئته بالانتصار على الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وقال “إن ذلك سيكون مقدمة لسقوط كل قوات الاحتلال وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين”. وهو مارد علية برادر بتمني النصر والتمكين لحماس.
وقد تزامنت مثل هذه المجاملات الدبلوماسية مع احتفالات أقامتها الجماعات الجهادية الأخرى. ففي محافظة إدلب السورية، التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وهي جماعة يُعتقد أن لها صلات بتنظيم القاعدة الذي شن هجمات 11 سبتمبر 2001، عمت الاحتفالات الشوارع. يأتي هذا بالتزامن مع الإعلان عن ثلاثة أيام من الاحتفال في مناطق جنوب الصومال التي تسيطر عليها حركة الشباب وهي إحدى فروع تنظيم القاعدة. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، قام الجهاديون من جميع أنحاء العالم بالاحتفال بانتصار طالبان.
طالبان نموذج مُلهم للجماعات الجهادية
استعرض التقرير بداية الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر 2001 حينما كان أسامة بن لادن-العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر- يعيش هناك تحت حماية طالبان، التي كانت تُزود أتباع القاعدة بمرافق التدريب. وطالبت أمريكا طالبان بتسليم بن لادن، لكنهم رفضوا، وفي غضون أسابيع، أُسقط حكم طالبان في أفغانستان على يد المقاومة الأفغانية في كابول بمساعدة القوات الجوية والبرية الأمريكية.
قُتل أسامة بن لادن في باكستان، التي فر إليها في عام 2011 عبر طائرات بدون طيار أو قوات خاصة، وبعد وفاة ابن لادن أصبح أيمن الظواهري زعيمًا لتنظيم القاعدة. ووفقا للتقرير لم يُشاهد الظواهري منذ ما يقرب من عام، إما بسبب خوفه من الموت أو أنه قد مات بالفعل، فعلى الرغم من احتفال أتباع القاعدة مثل حركة الشباب بانتصار طالبان، لم يُعقب تنظيم القاعدة المركزي بكلمة واحدة على انتصار الحركة.
وذكر التقرير أن الإسلام الجهادي العنيف الذي قاده الظواهري لم يُهزم، فلا لايزال حلفاء القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى ينشطون في صراعات ليس فقط في باكستان والشرق الأوسط ولكن عبر منطقة الساحل الأفريقي وفي الهند وإندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين. وتركز معظم هذه الجماعات على استهداف ” العدو القريب” أكثر من “العدو البعيد” –أمريكا وحلفائها الغربيين- وهو ما يتسبب في تفاقم المعاناة الإنسانية للشعوب وخلق حالة من عدم الاستقرار في تلك المناطق.
وأشار التقرير إلى أن القدرة على شن اعتداءات مثل تلك التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر قد تم تقليصها، لكن الجماعات الجهادية تستمر في شن هجماتها في أمريكا وأوروبا من خلال عمليات “الذئاب المنفردة”. وقد تستخدم الحرب ضد الإرهاب كذريعة، لجميع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان – وعلى الأخص في غرب الصين، حيث يتم استخدامها كمبرر للقمع المنهجي للإيجور والجماعات المسلمة الأخرى.
ومع انتشار الأيديولوجية الجهادية على نطاق واسع، أرسلت الدول الغربية جنودًا ومستشارين وأموالًا إلى العديد من الأماكن، وأصبحت مكافحة الإرهاب و”مكافحة التطرف العنيف” صناعات عالمية، ففي عام 2020، كان لدى أمريكا 7000 جندي نشط متمركزين في أكثر من عشرة بلدان أفريقية، بالإضافة إلى مهام تدريبية في 40 دولة أخرى.
ووفقًا للتقرير، تُمثل عودة طالبان إلى السلطة بلا شك أكثر اللحظات نجاحًا للجهاديين، منذ أن نجح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في إنشاء خلافة له في غرب العراق وشرق سوريا في عام 2014. وفى هذا الصدد يقول ديفيد كيلكولين، (جندي سابق وخبير في مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية لقوة الدفاع الأسترالية): “الجميع يقول، يا إلهي، إذا كان هؤلاء الأشخاص قادرين على فعل ذلك، فهل يمكننا ذلك أيضًا”. وتقول مينا اللامي، التي تتابع وسائل الإعلام التي يستخدمها الإسلاميون العنيفون وغير العنيفين على حد سواء لرصد بي بي سي: “إنهم منبهرون ومدهشون ومندهشون لما حققته طالبان”. وسيعتمد ما يعنيه ذلك عمليًا على كيفية سير الأمور في أفغانستان، ومدى تحول المعنويات إلى نصر على الأرض، وكيفية استجابة الدول التي يستهدفها الجهاديون.
ولكن رغم الاشتراك في الأصول والأهداف والأفكار بين الجماعات الجهادية إلا ان هذا لم يجعلها جبهة موحدة، وهو ما يفسر انشقاق عناصر من مقاتلي تنظيم القاعدة في العراق وتأسيس تنظيم داعش، والذي دخل فرعة الأفغاني في حرب مريرة مع طالبان في شرق أفغانستان منذ سنوات. وكانت ولاية داعش الأفغانية واحدة من الجماعات الإسلامية القليلة التي لم تعرب عن إعجابها بعد سقوط كابول، وبدلًا من ذلك وصفت طالبان بأنها تابعة للولايات المتحدة. وسخرت النشرة الإخبارية للجماعة في صحيفة النبأ- وهي صحيفة أسبوعية رسمية يصدرها ديوان الإعلام المركزي التابع لتنظيم داعش- من الحركة قائلة إن “دعم الإسلام لا يمر عبر فنادق قطر ولا سفارات روسيا والصين وإيران”، في إشارة إلى مكاتب طالبان السياسية في الدوحة.
احتمالات عودة تنظيم القاعدة إلى أفغانستان
وفيما يتعلق بعلاقة طالبان بالتنظيمات الجهادية الأخرى، يخشى السيد “كيلكولين” من أن تسمح طالبان مرة أخرى لأفغانستان بأن تصبح قاعدة للجهاديين الآخرين، فعلى الرغم من أن طالبان وعدت بالتنصل من علاقتها بتنظيم القاعدة في مفاوضات السلام مع الولايات المتحدة عام 2020، إلا أن تقديرات الولايات المتحدة تقول إن هناك ما بين 400 و600 من أعضاء القاعدة توفر لهم طالبان الحماية في أفغانستان.
ويدير سراج الدين حقاني، نائب زعيم طالبان، “شبكة حقاني” وهي أكثر الفصائل المتشددة ضمن طالبان، والتي كانت بمثابة صلة بين الظواهري وطالبان، وكان أعضاء فرع حقاني من طالبان بارزين في تسيير دوريات في كابول منذ سقوطها في أيدي مسلحي الحركة.
ووفقًا للتقرير لا تعنى هذه الروابط أن تنظيم القاعدة سيتمكن بسهولة من القيام بعملياته، فمن غير المرجح أن تسمح طالبان الآن لأي شخص بالتخطيط لهجمات على الولايات المتحدة وأوروبا، وفى هذا يقول أسفانديار مير من جامعة ستانفورد: “في الوقت الحالي، فإن نشاط القاعدة لايزال منخفض بناء على تعليمات من حركة طالبان”. لكن تغيير النظام الأفغاني قد ينشر الجهاد إلى أهداف أقرب.
وفى باكستان شنت حركة “طالبان باكستان”، حربًا شرسة هناك منذ عام 2007 حتى حوالي عام 2014، عندما تم دحر معظمهم إلى أفغانستان. وبعد أن تمكنت الحركة من تضميد جراحها واستعادة تجميع صفوفها التي ينتمي العديد من أعضائها إلى القاعدة، عادت أنشطتها مؤخرًا، حيث بلغ عدد الهجمات في باكستان 120 هجومًا العام الماضي و26 هجومًا الشهر الماضي. ووفقًا للتقرير شجعت عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان بالفعل “طالبان باكستان” وقد ترى في نظيرتها الأفغانية خير داعم لها.
لطالما دعمت الحكومة الباكستانية طالبان بطرق مختلفة، ورحبت بضعف التدخل الهندي في أفغانستان، وقد يحصل المسلحون الذين تدعمهم باكستان في كشمير التي تسيطر عليها الهند على دعم من المقاتلين الأفغان الذين يعودون إلى منطقة هندو كوش، حيث قال عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني، في لقاء تلفزيوني بتاريخ 23 أغسطس 2021: إن “طالبان يقولون إنهم معنا وسيأتون ويحررون كشمير من أجلنا”.
ويقول “آرون زيلين” من معهد واشنطن، “إن التدفق المباشر للعتاد أو الجنود من أفغانستان إلى نزاعات خارج جنوب آسيا يبدو أقل احتمالًا. ففي حين أن أفرع تنظيم القاعدة في إفريقيا والشرق الأوسط أسسها رجال قاتلوا في أفغانستان، إلا أن روابطهم أقل مع هذا البلد اليوم لأن السفر من وإلى أفغانستان أصعب مما كان عليه في التسعينيات”. ومع ذلك حتى لو لم يؤد التباعد الجغرافي إلى دعم مباشر من طالبان، فإن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان سيكون بمثابة دفعة معنوية هائلة للجهاديين حسبما أشار التقرير.
ما حدث في أفغانستان قد يتكرر مرة أخرى في منطقة الساحل الإفريقية أو في الصومال، حيث أكد الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، أن قوات بلادة المنخرطة في العملية برخان لن تظل هُناك إلى الأبد، وأعلن الرئيس الأمريكي السابق، “دونالد ترامب”، انسحاب معظم القوات الأمريكية من الصومال كما تم إيقاف ضربات الطائرات بدون طيار على الرغم من أنها بدأت مرة أخرى في يوليو. وفى سياق متصل، سحبت إثيوبيا جنودها من الصومال بعد اندلاع حرب أهلية في التيجراي وهو ما يعزز من احتمالية تكرار سيناريو كابول في مقديشيو، حيث تستخدم حركة الشباب المجاهدين بالصومال تكتيكات مُشابهه لتلك التي تتبعها طالبان.
وذكر التقرير أن الجماعات الإرهابية غالبًا ما تحاول استغلال فشل الحكومات في تقديم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين لتقدم نفسها كبديل لتلك الحكومات يعمل على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وهو ما يجعلها تحظى بالتحريب والقبول في بادئ الأمر، لكنهم سرعان ما يظهرون وجههم المتشدد، حيث منع النساء من السفر واضطهاد الأقليات الدينية.
وتستطيع الجماعات الإرهابية جمع المزيد من الإيرادات بطرق غير مشروعة مثل فرض الضرائب على بعض الصناعات، ونهب البنوك، وإدارة عمليات الابتزاز على الشركات وأخذ الرهائن، لكن الأموال التي يتم جمعها عن طريق النهب قد تتوقف مع وقف تدفق العملات الأجنبية. وقد تواجه طالبان نفس المصير في أفغانستان حيث كانت تفرض الضرائب على العاملين في المدارس والأطباء في المقاطعات التي استولت عليها وهؤلاء كانوا يتقاضون رواتبهم من قبل حكومة كابول المركزية- وبالتالي من المانحين الأجانب- ومع تدهور الاقتصاد الأفغاني وتجميد الأصول الأفغانية في الولايات المتحدة قد تجف مصادر الإيرادات التي تحصل عليها الحركة وهو ما قد يثير استياء مقاتليها.
باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع



