
تعرف على قانون “الوكلاء الأجانب” المثير للجدل “إعلاميا” في روسيا
وقعت أكثر من 12 وسيلة إعلام روسية، الجمعة 27 أغسطس 2021، رسالة مفتوحة موجهة للرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، وآخرين من كِبار المسؤولين بالحكومة لوقف ما أطلقوا عليه “حملة القمع” التي تشنها الحكومة الروسية ضد الصحفيين، والتي يتم بموجبها إما إعلان بعض كبرى المنافذ الإعلامية في البلاد “عملاء أجانب”، أو يتم حظرهم بشكل صريح، كما حدث خلال العام الماضي.
وكان من بين هذه الوسائل الإعلامية، أسماء بارزة في عالم الصحافة الروسية، مثل “ميدوزا”، “رين تي.في”، “نوافايا جازيتا”، الموقع الاستقصائي “آي.ستوريز”، إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من المنشورات الإقليمية الأخرى، وغيرها.
نظرة على تفاصيل نص “النداء الإعلامي”
ورد بنص الرسالة، “نحن مقتنعون بأن هذه الأحداث تُعد جزءا من حملة منسقة لتدمير وسائل الإعلام الروسية المستقلة، التي كل ذنبها هو الوفاء بواجباتها المهنية بصدق تجاه قرائها. لذلك نحن نطالب بوقف هذه الحملة الآن”.
واستطردت الرسالة، “نُطالب بمراجعة قرارات إغلاق مكاتب التحرير الخاصة بزملائنا، وتحديد وضع المنظمات غير المرغوب فيها، ووكلائهم الأجانب. كما أننا نُصر على مراجعة القضايا الجنائية والإدارية ضد الصحفيين، والتحقيق في قضايا الضرب”.
وذكرت بعض المنافذ الإعلامية أنها أجُبرت على الإغلاق لأن قانون “الوكلاء الأجانب” تسبب في تدمير أعمالها. مثال على ذلك، توقفت صحيفة “في. تايمز”، وهي عبارة عن منشور صحفي كان يشكل قوامه الأساسي مجموعة من صحفيين سابقين عملوا لدى صحيفة “فيدومستي” الشهيرة، وتركوها بعد الخلاف الشهير الذي اندلع بسبب تغيير رئيس تحرير الصحفية واستبداله بآخر ذو اتجاهات موالية للحكومة.
وكانت “في. تايمز”، قد أغلقت في وقتٍ سابق من هذا العام بسبب خلافات رقابية وقعت بعد إعلانها وكيلا أجنبيا. فيما تم حظر عدد من المنصات الإعلامية الأخرى، من ضمنها المنفذ الإخباري الاستقصائي “بريكت”، والذي تم إعلانه “منظمة غير مرغوب” فيها خلال وقتٍ سابق من هذا العام.
ومن ناحية أخرى، ذكرت صحيفة “ميدوزا”، والتي كان قد تم تصنيفها باعتبارها وكيلا أجنبيا بتاريخ 23 إبريل 2021، أن اعمالها قد تضررت بالفعل بعد مرور فترة وجيزة من تصنيفها كوكيل أجنبي. فقد بدأ المعلنون يعزفون عن نشر إعلاناتهم بسبب إجبار الصحيفة على طباعة كلمة “وكيل أجنبي” بأحرف كبيرة على كل مطبوعاتها، بما في ذلك الإعلانات. نتيجة لذلك، اضطرت الصحيفة للتخلي عن إيجار مكتبها، والتعاون مع الكُتاب المستقلين، وتخفيض رواتب موظفيها بنسبة تتراوح ما بين 30-50%.
رد فعل الكرملين
وذكر “ديميتري بيسكوف”، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، تعليقا على النداء الإعلامي الأخير، أن الكرملين تابع النداءات المتعلقة بقانون العملاء الأجانب، لكنه لا يتفق مع كل الصيغ التي استخدامها في النداء، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون هناك قانون بشأن وكلاء وسائل الإعلام الأجنبية في البلاد، وأنه من الممكن النقاش حول هذا الأمر.
وقال:” لقد رأينا هذا النداء، هذا نداء عاطفي إلى حدٍ ما. نحن لا نتفق مع عبارة اضطهاد، ونتحدث عن تطبيق أحكام قانون معروف. ونعتقد أن هذا الخطاب ليس صحيحًا بشكل تام، ولكنه في الواقع نداء يستحق الاهتمام”.
ويرى “بيسكوف”، أنه من الضروري وجود قانون خاص بوكلاء الإعلام الأجانب في روسيا. ذلك بسبب وجود تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية للبلاد، مشيرا إلى أن كل بلاد العالم تقريبًا تواجه الأمر نفسه. وقال، “يوجد هناك محاولات للتدخل في عملياتنا السياسية الداخلية من الخارج، وغالبًا ما يتم استخدام المنظمات غير الحكومية والصحفيين ووسائل الإعلام خصيصًا لهذه الأغراض”.
وتابع المتحدث الرسمي قائلا:” من الضروري وجود هذا القانون”، معربا عن اعتقاده أن القانون يجب أن تتم مناقشته أولاً داخل ورش عمل، ثم مناقشته على مستوى المُشرعين وممثلي السلطة التنفيذية.
ما هو القانون الروسي محل الاعتراض؟
وقع “بوتين” على قانون “وكلاء الإعلام الأجنبي” ديسمبر 2019. وفقًا لذلك، يجب على وسائل الإعلام الروسية التي تتلقى تمويلًا أجنبيًا أن تُظهر بوضوح على منشوراتها أنها “وكيل أجنبي”، على أن يتم فرض غرامة على هذه الوسائل الإعلامية في حالة عدم وضعها لهذه العلامة التعريفية.
وفي نهاية ديسمبر 2020، وقع بوتين أيضًا قانونًا يُعترف بموجبه بالمواطنين والجمعيات العامة، غير المسجلة، والتي تشارك في النشاط السياسي وتتلقى أموالاً من الخارج باعتبارهم وكلاء أجانب. ووفقًا لذلك، يُطلب من الوكلاء الأجانب إبلاغ وزارة العدل بأنشطتهم وتقديم معلومات حول كيفية إنفاق الأموال الواردة من الخارج.
وفي ظل عالم لايزال يُعاصر حروبا أهلية واضطرابات سياسية نجمت عن “الثورات الملونة” التي أفرزتها التدخلات الأجنبية في القرار الداخلي لهذه الدول، يقود الخلاف الجاري بين بعض الصحف والمصادر الإعلامية الروسية وسلطات الدولة، إلى طرح تساؤلات عدة، حول حجم القيود التي ينبغي فرضها على الإعلام الممول من جهات خارجية؟ وهل يجوز النظر إلى هذه القواعد القانونية المنظمة لطبيعة عمل الصحف المستقلة باعتبارها “قيودا”؟ وعما إذا كان يحق لأي دولة الاطلاع على مصادر تمويل منظمات المجتمع المدني ذات الأنشطة المناوئة للسياسات الداخلية وأوجه صرفها أم لا؟ علمًا بأنه من المفترض ألا يجد الكشف عن مصادر تمويل أي منظمة “غضاضة”، إذا كانت هذه المنظمة تعمل في إطار أنشطة قانونية مشروعة!
باحث أول بالمرصد المصري



