استعادة خان شيخون..إدلب تقترب من النظام السوري
تمكنت القوات السورية في مساء الأحد 18 أغسطس الجاري، من دخول مدينة خان شيخون الاستراتيجية جنوب محافظة إدلب، والواقعة على الطريق الدولي بين حلب ودمشق، للمرة الأولى منذ أن فقد النظام السوري السيطرة عليها في عام 2014.
معارك عنيفة دارت بين القوات السورية والفصائل المسلحة في خان شيخون، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقًا”، تابعها قصف جوي سوري بإسناد روسي، واستطاعت فيها القوات السورية استعادة عدة مناطق من النصرة وبقية الفصائل، وتثبيت نقاط ارتكاز فيها.
وذلك بعد أن فقدت السيطرة عليها في 2014، بعد معارك ضارية بلغت أوج شدتها في إبريل 2014، انتهت بإعلان “الجيش السوري الحر” في 27 مايو 2014 سيطرته على أكبر حاجز في جنوب محافظة إدلب، وإعلانمدينة خان شيخون “محررة”، والسيطرة على كامل الطريق الدولي بين حماة وحلب.
خان شيخون خطوة على الطريق
السيطرة على خان شيخون جاءت ضمن حرب ضروس تشهدها محافظة إدلب منذ ثلاثة أشهر، مع سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة على المحافظة، وتوقيع عدة جماعات مسلحة اتفاق مع النصرة، يعطيها سيطرة كاملة على المحافظة، مما أشعل الأوضاع هناك، وقضى تمامًا على اتفاق خفض التصعيد الذي وقعته كل من روسيا وتركيا في سبتمبر من عام 2018.
وبذلك أصبحت إدلب هي المعقل الأخير للإرهابيين داخل سوريا، بعد أن تم القضاء على تنظيم داعش في آخر معاقله في قرية الباغوز على يد قوات سوريا الديمقراطية في مارس الماضي، وقد بدت بوادر تراجع الإرهابيين في إدلب مع إعلان جبهة النصرة عن إعادة تمركز قواتها داخل إدلب، وسط تقارير تشير إلى انسحاب الفصائل المسلحة من خان شيخون ومناطق ريف حماة تزامنًا مع دخول القوات السورية.
ولذلك تعد استعادة إدلب بالنسبة للنظام السوري هي المفتاح الذي سيمكّنه من القضاء على كافة التنظيمات المسلحة، واستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية.
مأزق تركي
لم تغفل الأعين التركية أبدًا منطقة الشمال السوري وما تمثله من تهديد لها في ظل وجود قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًا، والتي تسعى إلى إقامة دولة كردية، أو على أقل تقدير منطقة حكم ذاتي، بالإضافة إلى سعي أنقرة لإقامة منطقة آمنة تحقق من خلالها التغلغل داخل الأراضي السورية بعمق تريده أكثر من 30 كم، وتتخلص معه من عبء اللاجئين السوريين لديها.
ولذلك كثّفت تركيا من تواجدها العسكري في شمال سوريا، وخاصة في منطقة شرق الفرات، فطرحت أنقرة نفسها كطرف أساسي في الأزمة السورية، ولا سيّما بعد أن وقعت اتفاق خفض التصعيد مع موسكو.
وتعد استعادة النظام السوري لمدينة خان شيخون عائقًا أمام استمرار هذا التواجد العسكري التركي في شمال سوريا، إذ اعتبرته أنقرة نقضًا لاتفاق خفض التصعيد، ومنعًا لها من السيطرة على نقاط المراقبة التابعة لها وفق الاتفاق.
وقد جاء الرد السوري على ذلك واضحًا بعدما قصفت الطائرات السورية في 19 أغسطس الجاري رتلًا عسكريًا تركيا خلال توجهه إلى نقطة مراقبة في إدلب، فما تقوم به تركيا هو احتلال لسوريا على حد وصف مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أمام مجلس الأمن. وهو ما علقّت عليه تركيا على لسان وزير خارجيتها مولود جاويشأوغلو بأنه يتعارض مع الاتفاقات السارية والتعاون والحوار بينها وبين روسيا، وأن على “النظام السوري ألا يلعب بالنار”.
ولكنّ النار التركية ستواجهها النار الروسية التي حذّرت اليوم على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف، من أي اعتداء قد يقع على جنودها في إدلب السورية، مشيرًا إلى وجود أفراد من الجيش الروسي متمركزين في محافظة إدلب، وإن موسكو تتابع الوضع عن كثب، وسيتم التصدي بقوة لأي هجمات في منطقة خفض التصعيد بإدلب.
وبذلك باتت اتفاقية خفض التصعيد بين موسكو وأنقرة على شفى حفرة، باعتراف روسيا الرسمي بوجود قواتها في إدلب، ومشاركتها في إنهاء الوجود العسكري التركي هناك، بالإضافة إلى المساهمة الروسية الفعّالة في قلب موازين القوى في معارك إدلب لصالح القوات السورية عبر استخدام أسلحة روسية متطورة، مما يطرح احتمالية الصدام العسكري بين سوريا وروسيا من جهة وتركيا من الجهة الأخرى.
ولم يعد أمام تركيا إلا خيارين، الأول هو الوقوف بجانب الإرهابيين من النصرة وأحرار الشام والفصائل المسلحة الأخرى المقاتلة تحت المظلة التركية، وإرسال قوات للدفاع عنهم، والثاني هو الذهاب إلى موسكو والبحث عن حل سياسي مع الإدارة الروسية، تتعهد تركيا من خلاله بنزع سلاح هذه الفصائل وخروجها، وتسوية أوضاع المقاتلين السوريين في إطار عفو سوري عام.
خيارات أمريكية صعبة
كان القرار الأمريكي المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا مثار تساؤل ولغط كبيرين حول إمكانية استمرار الدعم الأمريكي المقدم إلى قوات سوريا الديمقراطية، خاصة مع طلب الولايات المتحدة من عدة دول مشاركة في التحالف الدولي ضد داعش مثل ألمانيا وفرنسا لتعويض هذه القوات وهذا الدعم.
وتُعدُّ السيطرة السورية على مدينة خان شيخون واحتمالية امتداد السيطرة إلى بقية إدلب ومناطق الشمال السوري، تهديدًا مباشرًا لقوات سوريا الديمقراطية العدو بالنسبة للنظامين السوري والتركي على السواء، وبالتالي تُطرح تساؤلات حول الدور الأمريكي في هذا الصراع.
كما أن الاتفاق الأمريكي التركي الأخير على إقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا، يخدم أهداف كلًّا من واشنطن وأنقرة، بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، فتهدئة الأجواء في إدلب تجنّب تركيا ودول أوروبا موجات جديدة من نزوح السوريين قد تصل إلى مليون لاجئ.
والسيطرة السورية الروسية المحتملة على إدلب، بعد خان شيخون، يجعل الولايات المتحدة أمام خيارين صعبين، الأول هو أن تتخلى عن اتفاقها مع تركيا ودعمها لها، وتترك أنقرة تواجه مصيرها وحدها في سوريا، أو تضع واشنطن نفسها في مواجهة مباشرة مع موسكو على الأرض السورية. وما زاد من تعقيد المشهد ما نشرته السفارة الأمريكية في سوريا على موقع تويتر من تنديد باستهداف الرتل العسكري التركي، واعتباره استمرارًا “للجرائم الوحشية للنظام السوري”.