
في صالح “طالبان”: ماذا يعني صعود “داعش خراسان” بعد سقوط كابول؟
يحمل الهجوم الإرهابي الذي وقع بالقرب من محيط مطار كابول الدولي في أفغانستان ظهر يوم الخميس 26 أغسطس ؛ دلالاتٍ عدة بعد أن أشارت مصادر أمريكية إلى أن التنظيم الإرهابي المعروف باسم “داعش خراسان” هو المسؤول عنه. فالأخير قد أعاد الإعلان عن نفسه مرة أخرى بعد هذا الهجوم على الرغم من عدم تبنيه له حتى الآن، وذلك بعد سنوات من هزيمته في العراق وسوريا.
ولكن ظهور هذا التنظيم بقوة على الأراضي الأفغانية بعد انسحاب القوات الأمريكية يعني في الواقع إيجاد تحولاتٍ في مستقبل المشهد الأفغاني الداخلي وعلاقات القوى الإقليمية والدولية به.
البقاء للأقوى … صراع “الطالبانيين” ضد “الدواعش” في أرض الأفغان
يشير الهجوم الأخير إلى أن “داعش” أفغانستان قد بدأت بالفعل صراعاً على السلطة مع “طالبان” بعد مواجهات سابقة استمرت لسنوات منذ بروز التنظيم داخل الأراضي الأفغانية عام 2015. فقد تعرضت “داعش خراسان” إلى ضربات موجعة من قِبل “طالبان” خلال السنوات السابقة أدت إلى إضعافها وإلحاق الهزيمة بها، إذ أن “طالبان” وتوابعها يملكون قدراً أكبر من القوة والمعدات والنفوذ مقارنة بـ”داعش” الجديدة على المشهد الأفغاني نسبياً.
ولكن يبدو أن التنظيم قد بدأ يعزز من تحركاته داخل أفغانستان في محاولة منه للسيطرة على أكبر قدرٍ من الرقعة الجغرافية داخل أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي. وقد طرح رئيس أركان الجيش الأمريكي، الجنرال مارك ميلي، مؤخراً هذه الاحتمالية بقوة عند إشارته إلى أن التنظيمات الإرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” في أفغانستان يمكنها أن تعيد بناء شبكاتها بسرعة داخل أراضي الأفغان.
وفي ظل اندماج حركة “طالبان” وشبكة “حقاني” في تنظيم واحد، على الرغم من بعض الاستقلالية للشبكة، ومع ولاء تنظيم “القاعدة” في أفغانستان إلى “طالبان” منذ عشرات الأعوام، سيتحول المشهد الأفغاني إذاً خلال الأيام المقبلة إلى صراع بين “الطالبانيين” و”الدواعش” في أفغانستان.
ويكمن خطر آخر فيما يتعلق بالصراع بين الطرفين، ألا وهو الانتماء السابق لعدد لا بأس به من عناصر “داعش خراسان” لـ”طالبان” الباكستانية والأفغانية، وكونهم الأعضاء الأكثر تطرفاً داخل الحركة. ويعني هذا أن لديهم معلومات حساسة حول مناطق تمركز الحركة وأنشطتها داخل أفغانستان يستطيعون من خلالها توجيه ضربات دقيقة إليها أو إحداث انشقاقاتٍ داخلها وضم عناصر جديدة لهم من بينها.
وهذا ما تحاول الحركة حالياً تحقيقه، حيث أكد مسؤولون أمريكيون مؤخراً أن التنظيم “يستغل الاضطرابات التي أدت إلى انهيار الحكومة المدعومة من الغرب هذا الشهر لتوسيع قاعدته وتكثيف عمليات التجنيد بين عناصر طالبان الساخطين” عليها في أفغانستان.
وعلى أي حال، ليس من اليسير لـ “داعش خراسان” هزيمة “طالبان”؛ للعديد من الأسباب لعل من أبرزها:
- القوة والإمكانات اللوجستية الواسعة التي تتمتع بها “طالبان”.
- اعتماد “طالبان” بشكل عميق على الولاء القبلي بين قومية البشتون التي تشكل الأكثرية في أفغانستان.
- ومن ناحية أخرى، لا يستطيع “داعش” أفغانستان هزيمة “طالبان” بسهولة؛ لأنه سيضطر إلى الدخول في صراع مع فصائل أشد تطرفاً داخل الحركة أو موالية لها مثل “القاعدة” وشبكة “حقاني” التي تتسم عناصرها بالشراسة في القتال والتي قيل إن هجماتها ضد القوات الأمريكية والغربية كانت الأعنف خلال السنوات الماضية.
وعلى صعيد آخر، يُرجح ألا يستطيع تنظيم “داعش” كسب المعركة ضد “طالبان”؛ لأن السكان المحليين والمواطنين في أفغانستان، خاصة الشيعة، سيرون أن مخاطر حكم “طالبان” أقل حدة من “داعش”، ما يعني أنهم ربما يوالون “طالبان” لحين الخلاص من تهديدات “داعش”.
الشيعة الأفغان ما بين “طالبان” و”داعش”
من المفارقة أنه على الرغم من قلق شيعة أفغانستان من حكم “طالبان”، إلا أن ظهور تنظيم” داعش خراسان” بقوة في الساحة الأفغانية خلال الفترة القادمة من الممكن أن يضطرهم إلى التعاون مع “طالبان”، وربما انخراط بعضهم في صفوفها تحت أي مسمى، وذلك من أجل القتال ضد “داعش”. إذ أن الأخيرة ستصبح في حالة نموها أكثر تهديداً لهم، لأنها تعتمد بالأساس على مهاجمة الشيعة من أجل إحياء النعرات الطائفية وضمان انضمام العناصر الأكثر تطرفاً إليها.
هل ستدعم دولٌ خارجية “طالبان” لقتال “داعش خراسان”؟
على الرغم من قلق دول في الإقليم وخارجه من سيطرة “طالبان” على كابول، إلا أن صعود تنظيم “داعش خراسان” ربما يخلق تغييراً في هذا المسار. إذ أن هذه الدول سترى أن تهديد “الدواعش” أخطر من “الطالبانيين”، ما يمكن أن يستدعي معه “تعاوناً” مع “طالبان” ضد تنظيم “داعش”. ومن المرجح أن تكون على رأس هذه الدول الجارة إيران التي تتوجس كثيراً من مخاطر هذا التنظيم الإرهابي عليها. حيث إنه، وكما سبق القول، يركز التنظيم على مهاجمة المسلمين الشيعة سواء في أفغانستان أو إيران، كما كان عليه الأمر في العراق وسورية. ويُرجح أن يخلق هذا تنسيقاً إيرانياً “طالبانياً” أكبر وذا طبيعة خاصة بدءً من يوم الهجوم على مطار كابول الدولي.
وليست إيران وحدها، بل إن دولاً أخرى سيكون من صالحها إعاقة نمو تنظيم “داعش خراسان” في أفغانستان والمنطقة خلال الفترة المقبلة وعلى رأسهم باكستان التي نفذ التنظيم وخطط لهجمات بها كان من أبرزها مجزرة دموية بشعة وقعت في إقليم بلوشستان الباكستاني أوائل يناير الماضي.
ويُعتقد أنها بادرة وإشارة للأمر نفسه حينما صرح قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكينزي، يوم الخميس 26 أغسطس الجاري بأن “طالبان” وواشنطن لديهما “هدف مشترك” في أفغانستان بشأن مهمة عملية الإجلاء وذلك بعد ساعات من هجوم مطار كابول الذي أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن انتحارياً من “داعش خراسان” هو الذي قام به. وما يعزز ذلك، هو ترجيح ماكينزي أن “طالبان” لم تسمح بوقوع الحادث، ما يعني إمكان وجود ولو بعضاً من الثقة بين واشنطن و”طالبان” مستقبلاً.
وعلى المنوال نفسه، ستدعم الدول الأوروبية والصين جهود مكافحة “داعش” في المنطقة وفي أفغانستان. إذ أن الصين قد بدأت بالفعل حواراً مع “طالبان” من أجل الحفاظ على مصالحها وعدم تهديد الحركة لها من الناحية الأمنية والاقتصادية. وبما أن “داعش” أفغانستان سيشكل تهديداً للصين، فإن بكين، مثل الدول الأخرى، لن تجد مفراً من التعاون مع “طالبان” من أجل العمل المشترك ضد “داعش”.
هل يقود هجومُ مطار كابول العالمَ بوتيرة أسرع للاعتراف بـ”طالبان”؟
ربما تكون هذه نتيجة للعوامل سالفة الذكر. فظهور “داعش” كخطر داهم على الاستقرار في أفغانستان ودول الجوار علاوة على تهديدهم لشيعة المنطقة، بعدما بدت العديد من الدول مستعدة للاعتراف بحكم “طالبان” في أفغانستان شريطة ضمان الاستقرار والأمن واحترام الحريات واتخاذها مسلكاً أقل تطرفاً، ربما يدفع دولاً في الإقليم وخارجه للاعتراف بحكم “طالبان” في أفغانستان. حيث إن الحركة ربما تبدو في نظر بعض هذه الدول أقل تطرفاً من “داعش”. وعلى هذا، فإنهم سيرونها البديل الأقل حدة وتطرفاً مقارنة بـ”داعش”، ويمكن لها عن طريق التنسيق المشترك أن تحفظ لهم مصالحهم.
باحث بالمرصد المصري



