الصحافة الدولية

تحديات متتالية تواجه حكومة “جونسون”

بدأ رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” في اتخاذ عدد من الخطوات الاستباقية، بالإضافة إلى إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول خطة الخروج منه، علاوة على اعتزامه بالقيام بجولة أوروبية لتقارب وجهات النظر مع الشركاء الأوروبيين وخاصة ألمانيا وفرنسا، تمهيدًا للتوافق على خطة الخروج في المعاد المحدد في 31 أكتوبر المقبل بعد ثلاث سنوات من الاستفتاء في 2016. 

 إجراءات حكومة “جونسون” للخروج من الاتحاد

في سياق إصرار الحكومة على الخروج بدأت باتخاذ عدد من التحركات داخليًا وخارجيًا استعدادًا لتحقيق إدارة الشعب البريطاني، التي فشلت فيه الحكومة السابقة بقيادة “تيريزا ماي” التي لم تستطيع تحقيق التوازن ما بين المملكة والاتحاد. 

على الصعيد الداخلي:كلف “جونسون” “مايكل جوف” وزير شئون مجلس الوزراء البريطاني بوضع استراتيجية استباقية لتأهيل الحكومة والشركات البريطانية والمستثمرين إلى التجهيز لإمكانية الخروج من الاتحاد بدون اتفاق، علاوة على تخصيص جزء من الميزانية لتمويل عدد من الحملات الترويجية للإمكانية الخروج من الاتحاد لضمان تأهب الأفراد والشركات لذلك، بالإضافة إلى تكوين ما يعرف بـ “مجلس الحرب”، مُؤلف من ستة وزراء، لبحث البدائل المتاحة بأي آلية للخروج من الاتحاد . 

كما وقع “ستيفن باركلي” وزير شئون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي على قرار بإلغاء القوانين المتعلقة بتنظيم العمل مع المجموعة الأوروبية التي أُصدرت في عام 1972، باسم “قانون المجتمعات الأوروبية”التي جعلت المملكة عضوًا فيما بعد في الاتحاد الأوروبي. وسيسري القرار مع خروج المملكة في 31 أكتوبر، تمهيدًا لإعادة هيكلة العلاقات بين لندن وبروكسل، علاوة على الاستعداد الفعلي للخروج . 

على الصعيد الخارجي: سعى “جونسون” إلى إعادة التفاوض مع الاتحاد حول عدد من الملفات الشائكة المتعلقة بخطة الخروج؛ حيث قام بإرسال رسالة إلى “دونالد توسك” رئيس الاتحاد الأوروبي يعرب فيها عن انتقاده لـ “شبكة الأمان” الخاصة بتحديد العلاقات المستقبلية ما بين آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا التي اتفقت عليها حكومة “ماي” مع بروكسل.مُقدمًا ترتيبات بديلة عن “شبكة الأمان”، إبان الفترة الانتقالية في مرحلة ما بعد البريكست.

هذا بجانب “جونسون” أهمية التوافق مع الشركاء الأوروبيين، لكي يستطيع تحقيق الخروج بشكل منظم، وعليه فقد بدأ جولته الأوروبية قُبيل قمة مجموعة السبع الصناعية، لعرض خطته حول الخروج. فمن المقرر أن يصل اليوم إلى ألمانيا للتشاور حول الملف البريكست، وعدد من الملفات الأخرى، ثم سيتجه نحو فرنسا للحوار مع الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” الذي يقود مشروع الوحدة الأوروبية، والمتشدد تجاه ملف البريكست.

“شبكة الأمان” في خطة البريكست

يعد “جونسون” من أهم الوزراء في حكومة “ماي” الذي انتقدوا خطة الخروج، وقام بتقديم استقالته نتيجة رفضه لعدد من البنود منها التي تجلت في الاتفاق الحدودي الخاص بآيرلندا الشمالية، ومع توليه الحكومة أعلن انتقاده لها مرة ثانية، موضحًا أن “شبكة الأمان” تتعارض مع قيم الديمقراطية، والسيادة البريطانية، وتمنع بلاده من إبرام اتفاقيات للتجارة بشكل مستقل عن الاتحاد. 

لذا فقد أوضح إنه سيتعهد بوضع ترتيبات بديلة للاتفاق السابق، قبل نهاية الفترة الانتقالية، كما إنه مستعد لاتخاذ مجموعة من التدابير الجديدة لبناء الثقة ما بين لندن وبروكسل تأتي في مقدمتها عدم وضع نقاط تفتيش أو مراقبة على الحدود بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية. قائلًا إن “المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي اتفقا مسبقًا على ‘آليات بديلة’ يمكن أن تكون جزءًا من الحل،مُقترحًا استبدال شبكة الأمان بـ”التزامات” لإيجاد ترتيبات بديلة” في أسرع وقت في إطار الاتفاق المستقبلي” .

والجدير بالذكر؛ أن الاتفاق الذي توافقت علية “ماي” ينص على “استمرار تواجد آيرلندا الشمالية ضمن المنطقة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي، لمنع انتهاك اتفاقيات السلام المبرمة في أواخر التسعينيات، ما بينها وبين جمهورية آيرلندا لوقف عمليات العنف وعدم الاستقرار على الحدود بينهم” . 

في المقابل أعلن الاتحاد الأوروبي رفضه لمقترح “جونسون” المتعلق بإلغاء خطة “شبكة أمان”، لإنه لم يطرح بديلًا عمليًا يسمح بإدارة المرحلة المستقبلية بينهم. كما إنه هذه الترتيبات غير مُلزمة، ولا يوجد ضمانات تؤكد جدية يمكن تنفيذها بنهاية المرحلة الانتقالية. الأمر الذي اعتبرته الحكومة البريطانية سببًا سيساهم في عدم التوصل إلى اتفاق مًرضي للجانبين . 

“حرية التنقل المتبادلة” في خطة “جونسون”

سعت حكومة “ماي” إلى إدارة المرحلة الانتقالية خاصة فيما يتعلق بملف التنقل المتبادل بين المملكة ودول الاتحاد؛ حيث اتفقت على السماح للمواطنين الأوروبيين بالتوجه نحو المملكة دون إجراءات خاصة فيما يتعلق بالعمل أو الدراسة. الأمر الذي عارضته حكومة “جونسون” وبدأت في تقيده من خلال الإعلان عن عدد من التدابير الأكثر حزمًا تمثلت في إعلان الحكومة إنهاء قواعد حرية التنقل المتبادلة مع خروج المملكة في المعاد المحدد، دون فترة انتقالية. 

وفيما يتعلق بالسكان الاتحاد المتواجدين في المملكة التي يبلغ عددهم أكثر من 3 ملايين، أوضحت الحكومة أن “مواطني الاتحاد يمكنهم البقاء، ولكن لابد من التسجيل في برنامج يسمى “خطة التسوية في الاتحاد الأوروبي”، لكي يضمن لهم البقاء للعمل أو الدراسة، وتمكنهم من الحصول على المزايا العامة والرعايا الصحية.

كما أوضحت الحكومة أن هناك نطاق للتقدم للتسجيل في البرنامج مُمتد إلى ديسمبر2020، طالما كانوا مُقيمين في المملكة بالتزامن مع موعد الخروج في أكتوبر 2019. وفيما يتعلق بمواطني الاتحاد فيمكنهم زيارة المملكة لقضاء رحلات قصيرة. ولكنها لم توضح التفاصيل الخاصة بالهجرة لكونها قيد التشكل، وسيتم الإعلان عنها “قريبًا” . 

وبالرغم من ذلك أكد “جونسون” على أهمية أن تكون بريطانيا قوة عظمى علمية، مُعلنًا عن خطة لجذب “أفضل العقول” من خلال الإسراع في إصدار التأشيرات، وذلك في أغسطس 2019. والجدير بالذكر؛ أن الحكومة البريطانية منحت أكثر من مليون أوروبي، وضع “المُقيم الدائم” للعيش في البلاد بعد خروج بريطانيا، وذلك في يوليو 2019. 

إجمالًا؛ يصر رئيس الوزراء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد، رغم كل التحديات المتعاقبة الأمر الذي يُنذر بكارثة اقتصادية واجتماعية فضلاً عن اتساع هوة الخلاف مع الشركاء الأوروبيين، فمعظم سياساته في إدارة الملف رغم إنها تمهد للخروج إلا إنها غير عملية، كما إن الاتحاد الأوروبي غير متوافق بشأنها. 

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

آية عبد العزيز

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى