
العلاقات الإيرانية الأفغانية في ظل سيطرة “طالبان”.. مصالح حتمية يُحيطها “التوجس”
في أعقاب مع ما شَهِدَته الأيام الأخيرة من سيطرة حركة “طالبان” على العاصمة الأفغانية كابول، بعد تقدُّم الحركة عسكريا في أبرز الولايات الأفغانية، وما ترتب على ذلك من اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وهروب الرئيس الأفغاني “أشرف غني” إلى خارج البلاد؛ تبَنَّت إيران موقفاً رسمياً ضبابياً تجاه سيطرة الحركة على أفغانستان، وذلك على الرغم من متابعتها للتطورات التي شهدتها جارتها الشرقية بترقب.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ما حدث لم يُفاجئ طهران، إذ عملت على مدار أعوام، “استعدادا” للحظة سقوط أفغانستان في أيدي طالبان، و “زودت” عناصر الحركة بالأسلحة والمال، ما خلق علاقة مرنة بين القادة الإيرانيين وقادة الحركة في أفغانستان.
وارتكزت إيران في علاقتها مع طالبان على بُعدين بالأساس، أولهما ضمان الحفاظ على علاقات أمنية واقتصادية قوية، وثانيهما توسيع النفوذ الإيراني في أفغانستان وإعادة النظر في تقييم الحركة، في ضوء اعتبارها حليفا في مشروع تقليص الوجود الأمريكي في المنطقة والذي يعد واحداً من الأهداف الاستراتيجية التي يتبناها النظام الإيراني.
ومن اللافت للنظر ما حملته ردود الأفعال الإيرانية على سيطرة “طالبان” على المشهد في أفغانستان، من تباين في المواقف الأولية بين مؤيد لتقدم الحركة “نكاية” في الولايات المتحدة بوصفها الخصم الأول للنظام الإيراني، وبين رافض لحُكم الحركة، وآخر محذّر لخطر محتمل من نفوذ الحركة على الأمن القومي الإيراني.
إذ عبرت التصريحات الرسمية عن ترحيب إيران غير المباشر بسيطرة “طالبان” على أفغانستان، وجاء الرئيس الإيراني الجديد المنتمي للتيار المتشدد، إبراهيم رئيسي، على رأس المسؤولين الإيرانيين المعبرين عن الفريق المرحب بتقدم طالبان، حيث وصف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بالفرصة التي ستعمل على استعادة الحياة والأمن والسلام في أفغانستان، كما عبر عن تطلع بلاده للمشهد الأفغاني المقبل بعبارات دبلوماسية من قبيل أن “إيران ستعمل من أجل الاستقرار الذي هو حاجة أفغانستان الأولى، وكدولة جارة وشقيقة تدعو جميع الفصائل الأفغانية للتوصل إلى اتفاق وإجماع وطني”.
وعلى الرغم من العداء التاريخي بين “طهران” و “طالبان”، إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت تقارباً بينهما، نظراً للعديد من العوامل والتي يأتي على رأسها الأهمية ” الجيوستراتيجية الأمنية” لكابول بالنسبة لطهران، حيث تبلغ الحدود المشتركة بين الدولتين نحو 920 كيلومترًا، فضلاً عن الامتدادات الإثنية عبر حدودهما، كما تُعد أفغانستان بمثابة المعبر التجاري للبضائع الإيرانية المتجهة إلى دول وسط آسيا في الوقت التي تواجه فيه عقوبات دولية بسبب برنامجها النووي، هذا بالإضافة إلى اعتماد إيران على “نهر هلمند” المشترك بين الدولتين، خاصة في ظل ما تواجهه من أزمة في المياه. ليس ذلك فحسب، بل هناك اعتبارات أمنية تحكم العلاقات بين طهران وكابول ينبع أساسها من متاخمة أفغانستان لأكثر أقاليم إيران إثارة للاضطرابات في الداخل، وهو إقليم “سيستان بلوشستان” ذي الأغلبية السنية، والذي يتسم بطبيعة جبلية وعرة جعلت منه ملاذًا لحركات “المقاومة السنية” التي تشكل خطراً عليها.
لقد دفعت التطورات الأخيرة بضرورة إلقاء الضوء على كيفية استعداد طهران للوضع الجديد في أفغانستان، وما هي المصالح الإيرانية التي تحرص على الحفاظ عليها في الأراضي الأفغانية، فضلاً عن السيناريوهات المستقبلية للعلاقات بين الدولتين في ظل سيطرة حركة طالبان على الحكم و في الوقت الذي تواجه فيه طهران ضغوطات متزايدة بسبب ملفها النووي و سياساتها التوسعية.
استراتيجية إيران للتعامل مع “طالبان” في ظل الوضع الجديد
مع بدء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، راقبت إيران الوضع بقلق في الداخل الأفغاني، خاصة مع تزامن هذا الانسحاب مع استعادة طالبان السيطرة على مناطق واسعة من بينها المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين.
ومنذ ذلك الحين، بدأت إيران، التي تعادي طالبان منذ عقود، في تغيير لهجتها تجاه الحركة. وعلى الرغم من عدم إعلان إيران عن رفض سيطرة طالبان على كابول، إلا أنها تخشى توابع ذلك وما يمكن أن يمثله من تهديد على المصالح الإيرانية، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي.
ومن هذا المنطلق، اتبعت إيران استراتيجية متعددة المسارات في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة واستعدت لكافة السيناريوهات، بما في ذلك تولي طالبان السلطة، و لذلك سعت للعب دور مؤثر في المشهد السياسي الأفغاني، إذ أبلغت ممثلين عن حركة طالبان والحكومة بأنها على استعداد للمساعدة في حل الأزمة بأفغانستان، وبالفعل استضافت في يوليو 2021 محادثات سلام بين وفود أفغانية، بما في ذلك مسؤولو طالبان؛ في الوقت ذاته، كانت مستمرة في تقديم الدعم سراً لمقاتلي طالبان الذين يحاربون القوات الأمريكية.
كما سعى النظام الإيراني طيلة السنوات التي شهدت وجود القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان إلى التغلغل في الداخل الأفغاني لمواجهة المصالح الأمريكية وضمان نفوذ إيران في الأراضي الأفغانية، ومن المرجح أن تستمر إيران في تعزيز نفوذها واستغلال الفراغ الأمني المترتب على الانسحاب الأمريكي للتوغل في أفغانستان والحصول على ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها لتقوية موقفها في المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي مع القوى الكبرى.
كيف استعدت إيران لسيطرة “طالبان” على السلطة في أفغانستان؟
- تأهب عسكري على الحدود: في يوليو الماضي، عززت طهران انتشارها العسكري على الحدود الأفغانية، ونقل الحرس الثوري الإيراني والقوات الخاصة “آرتش”، المعدات إلى الحدود، شملت دبابات القتال الرئيسية وناقلات الجنود المدرعة وأنظمة المراقبة، بالإضافة إلى ذلك، أفادت بعض التقارير أن القوات الجوية وضعت بعض طائراتها المقاتلة الموجودة في الجهة الشرقية من البلاد في حالة تأهب قصوى.
في الشهر نفسه، زار قائد الجيش الإيراني، عبد الرحيم موسوي، مدينة “تايباد” بمحافظة “خراسان رضوي” شمال شرقي إيران ونقطة الصفر الحدودية بين إيران وأفغانستان، وتفقد الوحدات العسكرية التابعة للجيش الموجودة على الحدود، وفي أعقاب ذلك أكدت الحكومة الإيرانية أن هناك استعداداً من قبل جميع الأجهزة المعنية، وتم التخطيط لسيناريوهات مختلفة تجاه التحركات الأخيرة في أفغانستان، كما تم اتخاذ التدابير اللازمة بشأن حراسة الحدود.
- تسليح أقلية الهزارة الشيعية: في إطار الاستعدادات الإيرانية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، عملت إيران على مدار أعوام، على تسليح قومية “الهزارة” الشيعية داخل أفغانستان سراً، استعدادا لمرحلة ما بعد الانسحاب.
- وتُعد “الهزارة” جماعة عرقية أفغانية، تشغل المرتفعات الوسطى والشمالية من أفغانستان وتتبع المذهب الشيعي ويتحدث أفرادها الفارسية، وتقدر أعدادهم بحوالى مليون نسمة، بينما تعتبر مناطقهم من أكثر مناطق أفغانستان خصوبة، وتقع بين مناطق هندوكوش وبابا ووادي هلمند.
وقد عملت طهران على تشكيل فصائل مسلحة في أفغانستان من أقلية الهزارة، ونجحت في تحويل حي “داشتي بارشي” في العاصمة الأفغانية كابول، الذي يقطنه الهزارة، إلى ما يشبه المعسكر المغلق. واعترفت إيران رسميا بعلاقتها بتلك الميليشيات، فبعد سلسلة من المواقف الرسمية التي صدرت عن الحكومة الشرعية الأفغانية بشأنها واعتبارها تدخلا إيرانيا في الشؤون الداخلية، صرح وزير الخارجية الإيراني السابق “محمد جواد ظريف” قائلا إن “عددهم لا يتجاوز 5 آلاف مقاتل، وهم جزء من مجهود مكافحة الإرهاب، ومستعدون للتعاون مع الحكومة الأفغانية”.
- حشد ميليشيات موالية لإيران داخل أفغانستان: شكلت إيران، عديدا من الفصائل المسلحة داخل أفغانستان مثل ميليشيات “فدائي بابا مزاري”، الذين تقدر أعدادهم بالآلاف، ويتم دعهم من خلال صناديق مالية تابعة للمزارات الدينية لشراء الأسلحة، وتتكون الميليشيا من لواء “الفاطميون” الذين تم استدعاؤهم من سوريا، مع لواء “الزينبيون” والذين تم إرسالهم إلى غرب باكستان ليشكلوا قوة دعم خلفية للميليشيات الموالية لإيران في أفغانستان.
- دعم النازحين الأفغان : فور الإعلان عن سيطرة “طالبان” على السلطة في أفغانستان، سارعت إيران في إقامة مخيمات مؤقتة للاجئين على طول الحدود مع أفغانستان استعدادًا لاستقبال لآلاف المدنيين الذين يتوقع أن يفروا بعد الوضع الجديد، وأوضحت طهران إنها تتأهب لإيواء المدنيين الأفغان الفارين من بلادهم في ثلاث مقاطعات حدودية، لكنها شددت على ضرورة عودتهم عندما تصبح الأوضاع آمنة.
يجدير بالذكر أن إيران كانت وجهة جذابة للمواطنين الأفغان الباحثين عن عمل خلال العقود الأخيرة، خاصة وأن أجورهم تعتبر زهيدة مقارنة مع ما يتقاضاه المواطنون الإيرانيون، ويبلغ عددهم نحو 3,5 مليون أفغاني قاموا بالدخول بعد بالدخول بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979. وبسبب ما شهده الاقتصاد الإيراني من أزمات قاسية في السنوات الأخيرة، أجبرت طهران على دفع الكثير من اللاجئين للعودة إلى ديارهم.
التغلغل الإيراني في أفغانستان .. عقود من دعم الإرهاب
خلال العشر سنوات الأخيرة تحديداً، دعمت إيران، مقاتلي طالبان في أفغانستان عسكرياُ ومادياُ، وقد تم رصد العديد من المعدات الإيرانية داخل أفغانستان. ففي عام 2011، رصدت القوات البريطانية، شحنة تشمل ٤٨ صاروخا في مقاطعة نمرزو جنوب أفغانستان، واتهمت آنذاك الحكومة البريطانية إيران علنا بالعمل على زعزعة استقرار أفغانستان، وأكدت أن طهران تزود حركة طالبان بالأسلحة، وأعلن وزيرالخارجية البريطاني “ويليام هيج” ضبط شحنة الأسلحة الإيرانية التي كانت في طريقها إلى حركة طالبان في أفغانستان، واعتبر في بيان رسمي أن سلوك إيران غير مقبول على الإطلاق.
في إطار مزيد من الدلائل حول تورط إيران مع طالبان، فقد تم اغتيال الزعيم السابق لطالبان في أفغانستان، الملا أختر منصور، أثناء طريقه إلى باكستان من إيران حين قتل في مايو 2016، وقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز“، في عام 2017، تقريراً مطولاً عن النفوذ الإيرانيّ في أفغانستان الذي وصل إلى داخل طالبان.
ورد بالتقرير أن إيران، أمدت الحركة بالأسلحة والأموال والتدريب كما قدمت الملاذ لقادة طالبان، مشيرا إلى أن اغتيال الولايات المتحدة زعيم طالبان، الملا “أختر منصور” كان بهدف خلقَ شرخ بين إيران والحركة، بحسب ما ذكر القائد السابق لقوى التحالف في أفغانستان الجنرال “جون نيكلسون”.
وأشارت تصريحات بعض المسئولين الإيرانيين عن العلاقة ما بين طهران وطالبان، إذ صرح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف بشكل غير مباشر إلى حتمية مشاركة طهران في صياغة الحالة السياسية المقبلة في أفغانستان مع تقدم طالبان، لافتا إلى أن إيران ستواصل جهودها لتحقيق المصالحة بين الأطراف الأفغانية. فضلاً عن ذلك، أثارت تصريح آخر ظريف جدلًا واسعًا بين الساسة والنشطاء الأفغان، حيث تحدث عن دعم طهران لتشكيل ما أطلق عليه “دولة إسلامية شاملة” في أفغانستان بقيادة طالبان، وذلك خلال لقاء جمع ظريف بمسؤول رفيع بالحركة بالعاصمة طهران. ووصل الهجوم الأفغاني على تصريح ظريف واتهامه بالتدخل في الشأن الداخلي لأفغانستان، وكشفت تصريحاته عن وجود دعم إيراني شامل لحركة طالبان، وأثارت الشكوك في عقد صفقة غير معلنة بين طهران والحركة تهدف إلى سيطرة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان، ومن ثم تشكيلها بنية نظام حاكم قريب إلى حد ما من النظام في طهران.
في السياق ذاته، أعلن زعيم السُنة في إيران، الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي (المعروف بمولوي عبدالحميد)، صراحة عن ترحيبه بما حققته حركة طالبان من تقدم سياسي وعسكري في إطار سيطرتها على أفغانستان، معتبرًا أن ما حققته الحركة”انتصار لافتاً”. وأضاف في بيان نشره موقعه الرسمي،: “أنني أؤكد للعالم أن طالبان اليوم ليسوا طالبان قبل 20 عامًا، كما أن الانتصار الكبير واللافت لطالبان، الذي جاء نتيجة الجهاد والاستشهاد والصبر على طريق الحق ضد المحتلين المعتدين، والحكومة الفاشلة، والغارقة في الفساد، يستحق التهنئة للإمارة الإسلامية.”
“المصالح الإيرانية” أساس التقارب مع طالبان
حماية الأمن القومي لإيران وتعزيز النفوذ الإيراني:
إن أكثر ما يقلق إيران هو تحول أفغانستان لساحة نفوذ للجماعات الإرهابية ، وعلى رأسها “داعش”، خاصة وأن العديد من الجماعات المتطرفة الأخرى المتحالفة مع طالبان ترى فيها عدوا، ومن المرجح أن تبحث تلك الجماعات عن أهداف جديدة بعد التخلص من الأميركيين، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر في الصين وروسيا، لكن إيران، بحكم العداء والقرب الجغرافي، تعد الأكثر عرضة للخطر. لذلك تهدف إيران إلى قطع الطريق أمام الجماعات الإيرانية السنية المسلحة فى سيستان وبلوشستان، والتى كانت تربطها علاقات بطالبان، وخاصة جماعة “جندالله ” البلوشية.
فضلاً عن ذلك، فإنه من مصلحة إيران إبقاء أفغانستان دولة ضعيفة هشة، بحيث تتوفر لديها الفرصة لممارسة أكبر قدر من النفوذ، وتعزيز دورها الإقليمي بالإضافة إلى استخدام أفغانستان كورقة ضغط في المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي لتقوية موقفها وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها والتي أثرت على كافة القطاعات في الداخل الإيراني.
الحفاظ على المصالح المائية:
يتمثل أحد الأسباب الرئيسية للدعم الإيراني لطالبان في حاجتها للمياه التي تتدفق إلى البلاد عبر الحدود. إذ تشكل سيطرة طالبان على ولاية هلمند، خطراً حقيقياً على الأمن المائي لإيران، حيث أن هناك سلسلة من السدود التي تسمح بالسيطرة على ناتج نهر هلمند، الذي يصب في منطقة سيستان الإيرانية. لذلك، فإن إيران تواجه خطراً متزايداً، خاصة مع نقص إمدادات المياه ومواجهتها لخطر الجفاف.
يذكر أن إيران ، شهدت سلسلة من المظاهرات، مؤخرا بسبب النقص الحاد في المياه وانقطاع التيار الكهربائي، وهي أكبر المشكلات التي تعاني منها. فضلاً عن ذلك، حذرت هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية، في أبريل الماضي، من “جفاف غير مسبوق” خاصة مع انخفاض مستويات هطول الأمطار. كما تهدف إيران أيضاً إلى وقف استكمال بناء سد “بخشباد” الأفغانى، والذى يحرم إيران من المياه فى ظل ما تواجهة الدولة الإيرانية من شح في مصادر المياه.
مصالح اقتصادية:
تحمل المصالح الاقتصادية لإيران في أفغانستان أهمية كبرى تدفع بضرورة خلق علاقات جيدة مع طالبان، فقد استغلت إيران الوضع المتدهور في أفغانستان على مدار أعوام، ووقعت مع الجانب الأفغاني على العديد من الاتفاقيات الاقتصادية في مجالات التجارة والطاقة والكهرباء، فحصلت على امتيازات في مجال بناء وصيانة محولات الكهرباء وتوربينات محطات الطاقة في البلاد، كما ساهمت استضافة إيران للنازحين الأفغان في جعلها رافدًا مهمًا في تحويلات العمالة لرؤوس الأموال الأفغانية، بالإضافة إلى ذلك، تحرص إيران للحفاظ على مشروع “ميناء جابهار” الرابط بين إيران وأفغانستان والهند، والمهدد بالفشل في ظل سيطرة طالبان على أفغانستان.
الحد من تهريب المخدرات :
من ضمن التهديدات لمصالح إيران التي يرجح أن تبرز مع بسط “طالبان” سيطرتها على أفغانستان، هي أزمة تهريب المخدرات التي تعد المصدر الرئيسي لإيرادات الحركة، وتستخدم الحركة إيران كممر جيد لتصدير المخدرات إلى الأسواق الغربية. وبحسب وزارة الخارجية الأميركية فإن أفغانستان هي مصدر حوالى 84 في المئة من إمدادات الأفيون العالمية في 2020، وتقدر الأمم المتحدة أن عائدات زراعة وصناعة وتهريب المخدرات شكلت نحو 60 في المئة من تمويل حركة طالبان.
على صعيد مواز، تمتلك إيران أحد أعلى معدلات الإدمان على المخدرات في العالم، ومن المرجح أن تزيد سيطرة طالبان من صادراتها من المخدرات لتأمين مزيد من الأسلحة وتعزيز قوتها. لذلك ستعمل إيران على ضمان حماية حدودها للحد من تهريب الحركة للمخدرات.
مستقبل العلاقة بين إيران و طالبان.. تعاون أم صدام
بالتزامن مع التقدُّم السريع لحركة “طالبان” على الأراضي الأفغانية، حشدت إيران قواتها على الحدود الشرقية، ولم يكُن من الواضح ما إذا كان الهدف من ذلك دفاعياً أو هجومياً. لكن بالنظر للمشهد بعد سيطرة الحركة على أفغانستان، يمكن رسم “سيناريوهين” للعلاقات بين طهران و طالبان، تتمثل في الآتي:
- سعي الجانبين إلى مزيد من التقارب والتعاون بهدف الحفاظ على المصالح، إذ يتوقع أن تسعى طالبان إلى تأمين شرعيتها من طهران بعد وصولها إلى الحكم، بينما تسعى إيران إلى توسيع نفوذها في أفغانستان بما يخدم مصالحها و يعزز من دورها كقوى إقليمية ويحميها من استغلال الجماعات المعادية من الوضع المتدهور الذي تعاني منها أفغانستان والحيلولة دون تحويل طالبان إلى تهديد لها؛ وهو السيناريو الأرجح.
- – رفض إيران لحركة طالبان، حيث يتحفظ قطاع داخل الحكومة الإيرانية حيال الحركة ويرى أن هناك ضرورة للتعامل معها بحذر، خاصة في ضوء توجهاتها الأيديولوجية، وقربها من قوى إقليمية تعتبر منافسة لإيران، وفي ظل التداعيات الأمنية الناجمة عن هيمنة الحركة على جارتها الشرقية و مايمكن أن يترتب على ذلك من تهديدات للمصالح الإيرانية.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



