
يحدث في إفريقيا: هجوم جهادي في بوركينا فاسو، وتداعيات ما يحدث في أفغانستان على أفريقيا
إعداد- هايدي الشافعي
شهدت القارة الأفريقية العديد من الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية، بعضها داخلي، والبعض الآخر ناتج عن تأثير قوى خارجية، أبرزها إعلان الحداد في بوركينا فاسو عقب هجوم جهادي جديد في ظل سحب تشاد لنصف قواتها من المنطقة، بالإضافة إلى استمرار سلسلة الخطف التي بليت بها نيجيريا في ظل انشغال الرئيس “بوخاري” بحفل الزفاف الملكي، هذا إلى جانب إستيلاء طالبان على الحكم في أفغانستان الذي سيكون له تأثير مباشر وسلبي على القارة الإفريقية. وفي هذا الصدد نقدم عرضا موجزا للقضايا المختارة:
حداد وطني في بوركينا فاسو على قتلى هجوم جهادي

أعلن رئيس بوركينا فاسو روش مارك كريستيان كابوري الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام من يوم الخميس19 أغسطس حتى السبت 21 أغسطس، بعد أن قتل متشددون مشتبه بهم 47 شخصًا، بينهم 30 مدنياً، في أحدث هجوم بشمال البلاد، وتشير بعض التقديرات إلى وصول رقم الضحايا إلى 85 قتيلا بينهم 60 مدنيا.
وقالت وزارة الاتصالات إن الهجوم الذي وقع يوم الأربعاء بالقرب من بلدة جورجاجاجي أسفر عن مقتل 14 جنديا وثلاثة متطوعين من الميليشيات بالإضافة إلى 30 مدنيا. وفي معركة بالأسلحة النارية أعقبت ذلك، قتلت قوات الأمن نحو 80 متشددا وهروب البقية، بينما أصيب 19 شخصا آخرون، وفقا لحكومة بوركينا فاسو، ولا تزال عمليات الإنقاذ والإغاثة مستمرة.
وتركزت الغارات والكمائن في الشمال والشرق بالقرب من الحدود مع مالي والنيجر، وكلاهما واجه أيضًا عنفًا مميتًا من قبل الجهاديين، وهي بؤرة للعنف الجهادي في منطقة الساحل الأوسع بغرب إفريقيا.
وهذا هو ثالث هجوم كبير على جنود من بوركينا فاسو خلال الأسبوعين الماضيين، حيث أسفر الهجوم الذي وقع في 4 أغسطس بالقرب من حدود النيجر عن مقتل 30 شخصًا، من بينهم 11 مدنياً. وتكافح بوركينا فاسو منذ عام 2015 ضد هجمات متكررة ومميتة بشكل متزايد من قبل الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة. وفي أوائل يونيو، قتل مسلحون ما لا يقل عن 132 شخصًا، من بينهم أطفال، في قرية الصلحان شمال شرق البلاد، مما يمثل الهجوم الأكثر دموية في بوركينا فاسو في تاريخ التمرد.
أسفرت هذه الهجمات إلى جانب أعمال العنف الطائفي عن مقتل أكثر من 1400 شخص وإجبار 1.3 مليون على الفرار من ديارهم، وفقًا للتقديرات الرسمية

في غضون ذلك، وفي عكس الاتجاه، أصدرت حكومة تشاد قرارا يوم السبت 21 أغسطس بسحب نصف قواتها البالغ قوامها 1200 جندي الذين يقاتلون مسلحين إسلاميين في المنطقة الثلاثية الحدودية بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكانت تشاد قد نشرت جنودها في فبراير لدعم قتال إقليمي تدعمه فرنسا مع مسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة وداعش الذين زعزعوا استقرار منطقة الساحل بغرب إفريقيا في السنوات الأخيرة.
وقال الجنرال “عظيم برماندوا أغونا”، متحدثًا باسم المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، إن قرار سحب 600 من هؤلاء الجنود جاء بالاتفاق مع حلفاء تشاد في الساحل، وأن القوات التشادية التي تم استدعائها ستتم إعادة انتشارها في مكان آخر دون الخوض في مزيد من التفاصيل، وفي وقت سابق، قال مصدر عسكري إن 600 جندي سيرسلون إلى الحدود الشمالية لتشاد مع ليبيا والسودان لنزع أسلحة المتمردين الذين يسعون للعودة للمشاركة في المحادثات التي دعا إليها ديبي المقرر إجراؤها نهاية العام.
جاء هذا السحب للقوات التشادية بعد خطوة مماثلة من فرنسا التي أعلنت أيضًا مؤخرا إنها تخطط لتقليص وجودها في منطقة الساحل إلى حوالي نصف الجنود هناك البالغ عددهم 5100 بنهاية عام 2021، لتصبح بذلك منطقة الساحل أرض مفتوحة للجماعات المتشددة ما لم يتم تدارك الأمر سريعا.
مسلحون يختطفون 75 شخصا، و”حفل زفاف ملكي” في نيجيريا
شن مسلحون هجوما يوم الجمعة 20 أغسطس وخطفوا 75 شخصا على الأقل من قرية في شمال غرب نيجيريا في أحدث حلقة في سلسلة من عمليات الخطف التي ابتليت بها غرب البلاد، حيث تسببت سلسلة عمليات الخطف في إحباط جهود جميع قوات الأمن لوقف الجرائم، التي غالبا ما تُنفذ من أجل الحصول على فدية، وشكلت تحديا لحكومة الرئيس محمد بخاري.
ويقول السكان، إن أكثر من 80 شخصًا خطفوا على أيدي المسلحين، وبدأ الهجوم بعد ظهر الجمعة واستمر حتى الساعات الأولى من صباح السبت، حيث كان الخاطفون ينتقلون من منزل إلى منزل ويخطفون الأطفال وكبار السن.

في غضون ذلك، وبينما كان المسلحون يشنون هجومهم الذي استمر لساعات طويلة، كان الرئيس النيجيري يحتفل بزفاف ابنه الوحيد، الذي أقيم في القصر في بيشي، حيث عقد “يوسف بوخاري” قرانه على “زهرة ناصر بايرو” وهي إبنة زعيم ديني بارز، بحضور أعضاء من النخبة النيجيرية وشخصيات من غرب إفريقيا لحضور حفل الزفاف. وتواصلت الأجواء الاحتفالية من يوم الجمعة إلى وقت متأخر من يوم السبت، عندما يتم رسمياً تتويج والد العروس ناصر أدو بايرو أميراً لبيتشي.
تأثير ما يحدث في أفغانستان على أفريقيا

ما حدث في أفغانستان من سيطرة طالبان على الحكم يمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أشارت العديد من التقارير وحذر كثير من الخبراء في مواقع مختلفة من أن ما حدث يمثل نكسة كبيرة للبلدان في إفريقيا، لم يكن من الممكن أبداً أن تأتي في وقت أسوأ من هذا، حيث تصارع القارة ارتفاع معدلات الإصابة بـ Covid-19، وزيادة انعدام الأمن الغذائي الناجمة عن مزيج من الجفاف والتضخم بالإضافة إلى تنامي عدم الاستقرار السياسي في بعض البلدان، وتحتاج البلدان الأفريقية، الآن أكثر من أي وقت مضى، إلى المشاركة الكاملة من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، لتعزيز تعافيها من الأزمات الصحية والاقتصادية، ولكن إذا كان من الصعب وضع القضايا الأفريقية على جدول الأعمال في واشنطن قبل هذه الأزمة، فسيكون ذلك شبه مستحيل الآن.
وعلى هذا، يمكن أن ينتقل التأثير إلى القارة الافريقية من خلال 3 قنوات رئيسية هي:
أولا: التأثير على تواجد الولايات المتحدة في أفريقيا

فمن المتوقع أن تؤثر الأحداث المتصاعدة في أفغانستان على علاقة الولايات المتحدة بالقارة الافريقي، وذلك من خلال:
- سحب انتباه إدارة بايدن عن إفريقيا
تجاهل الرئيسان أوباما وترامب القارة الأفريقية إلى حد كبير، وهو أمر قالت إدارة بايدن إنها تريد تغييره، وبالفعل كان هناك إشارات قوية على إمكانية تحقيق ذلك، حيث يتمتع العديد من المعينين الرئيسيين من قبل الرئيس بخلفيات سياسية أفريقية قوية، وتم تعيين مبعوث خاص للقرن الأفريقي، كما استضافت مراكز الفكر المزيد من المنتديات وكان هناك شعور بأن بوصلة الولايات المتحدة قد اتجهت نحو افريقيا، أما الآن في ظل التطورات في أفغانستان، فإن بقاء البوصلة في اتجاه القارة أصبح محل شك، على الأقل خلال الأسابيع القليلة القادمة، فمن الصعب تصور أن القضايا الأفريقية، على الرغم من أهميتها، ستُدرج سواء على قائمة أولويات بايدن اليومية أو قائمة أولويات الوزير بلينكن.
- مدى فعالية التدخلات العسكرية
يفتح الباب أما نقاد سياسات الولايات المتحدة للتشكيك في حكمة الاعتماد على واشنطن لحمايتهم، حيث ظلت الولايات المتحدة في أفغانستان لمدة 20 عامًا، وأنفقت تريليوني دولار، ثم تركت البلاد في أيدي منظمة إرهابية، وما يثير السخرية أكثر هو تصريحات الرئيس الامريكي جو بايدن الذي صرح بأن “مهمتهم في أفغانستان لم يكن من المفترض أبدًا أن تكون بناء دولة”، ما يوضح بجلاء أن تطلعات العديد من الأفارقة الذين يأملون في أن تصل نداءاتهم واستغاثتهم إلى الولايات المتحدة لمساعدتهم في مواجهة الحروب والصراعات والارهاب، لا تلقى آذانًا صاغية، كما إن عدم فعالية التدخلات العسكرية الذي أكده فشل الولايات المتحدة في أفغانستان، يجب أن يؤدي إلى إعادة التفكير في جدوى هذه التدخلات في إفريقيا، فإذا لم يكن هدف واشنطن هو بناء دولة، فإن الأساس المنطقي لاستمرار وجود قواتهم في أفريقيا، سيكون مثير للجدل في أحسن الأحوال.
ولكن من جهة أخرى، مع عودة أفغانستان إلى اللعب مرة أخرى كمركز للجماعات الإرهابية الدولية، فمن المحتمل أن تكثف الولايات المتحدة مشاركتها في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل ونيجيريا والصومال وحتى في جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث هبطت القوات الخاصة الأمريكية يوم الجمعة لمساعدة الحكومة في محاربة المسلحين الإسلاميين.
نقطة أخيرة يجب مراعاتها هنا كنتيجة لسلوك واشنطن، من المرجح أن تحاول الصين الاستفادة مما حدث في أفغانستان لتصوير نفسها كشريك أكثر موثوقية للقارة الأفريقية.
ثانيا: استضافة اللاجئين الأفغان

يفر آلاف الأفغان من البلاد بعد أن أعلن مقاتلو طالبان يوم الأحد أنهم دخلوا كابول وسيطروا على القصر الرئاسي، وفي هذا الاطار، وافقت حكومة أوغندا على استضافة 2000 لاجئ أفغاني مؤقتًا بناءً على طلب الولايات المتحدة، وقامت المفوضية بتأمين الفنادق الإمبراطورية في عنتيبي كمركز عبور لهم أولاً ليتم فحصهم، وأكد مسؤولون أوغنديون أن البلاد ستستقبل 145 شخصا تم إجلاؤهم من أفغانستان يوم الأحد، لكن مسؤولين آخرين قالوا في ذلك الوقت إن الأمر لا يزال قيد المناقشة.
في سياق متصل، أوضحت وزيرة الإغاثة والتأهب للكوارث واللاجئين الأوغندية، أن الوافدين من أفغانستان معظمهم من النساء والأطفال، وإنهم لن يبقوا في أوغندا إلى الأبد، مضيفة أن الدولة الواقعة في شرق إفريقيا ستستخدم كنقطة عبور قبل نقلهم إلى الولايات المتحدة.
ثالثا: التأثير على التمدد الارهابي في افريقيا
أثار استيلاء طالبان السريع على أفغانستان مخاوف من أنه قد يشجع الجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى في جميع أنحاء العالم، خاصة في أفريقيا، فمع سقوط أفغانستان في أيدي حركة طالبان، سارعت الجماعات المتشددة التي تشن حركات تمرد في إفريقيا للاحتفاء بما تم بإعتباره نصرة للإسلام، وخطوة نحو تعزيز قدرات الجماعات المتشددة للوصول للحكم في مختلف أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال كتبت حركة الشباب الصومالية احتفالا بإستيلاء طالبان على السلطة “الله أكبر”، بينما استخدم “إياد أغ غالي” زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة والناشطة في منطقة الساحل الإفريقي، رسالته العامة الأولى منذ عام 2019 لتهنئة طالبان، ما يثير مخاوف من أن تصبح سيطرة طالبان على أفغانستان مُلهماً للجماعات المتشددة في إفريقيا.
في هذا السياق، نجد أن “الصومال” ومنطقة الساحل الأفريقي وخاصة “مالي”، ربما يكونوا هما الأقرب لتكرار أحداث أفغانستان، خاصة في ظل التشابه بين حركة طالبان وحركة الشباب الصومالية اللتان تتسمان بالمرونة الكبيرة سواء في الفاعلية في إنجاز العمليات الإرهابية أو إعادة التموضع والانتشار، فضلا عن إن معظم قادة الشباب الحالي والسابق تدربوا فعليًا في أفغانستان، بالاضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه كل من الصومال ومالي، وعدم قدرة الحكومة فيهما من السيطرة على أجزاء من أراضيها.
بالإضافة لذلك، نجد أن العامل الدولي لعب دوراً مؤثراً في كلا البلدين على نحو سلبي، حيث انسحبت فرنسا من الانخراط في مالي، بعد أن مارست تدخلاً عسكرياً امتد لسبع سنوات تقريباً في عملية تعرف بـ”البرخان” بدأت عام 2013، حيث أعلنت فرنسا في شهر يونيو، سحب قواتها، وخفضت أعدادها إلى 2500-3000 بحلول أوائل عام 2022، مع عملية إغلاق قواعدها في شمال مالي المقرر أن تبدأ بحلول نهاية عام 2021، كما انسحبت واشنطن أيضاً من الصومال نهائياً في نهاية فترة دونالد ترمب، والتأثير الأسوء هو ما تسببت فيه القوى الأجنبية من زيادة التعاطف مع التنظيمات الإرهابية على اعتبار أنها مقاومة ضد الغازي الأجنبي.
وبالتالي يبدو أن إمكانية سقوط دول تحت مطرقة الضغوط الإرهابية واردة بقوة، وهو أمر له انعكاسات السلبية على القارة بأكملها، وبالرغم من انه قد لا تكون أيديولوجية حركة الشباب، وبوكو حرام والجماعات المتطرفة الأخرى العاملة في أجزاء من إفريقيا على مستوى واحد مع طالبان، ولكن بالنسبة للعديد من الخبراء، فإن انتصار طالبان يمكن أن يحفزهم على الاستمرار، وبالتالي يجب على الحكومات الأفريقية أن تنتبه حتى لا تكون بلادهم هي الضحية التالية.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



