
“معدلات النمو والبطالة والتضخم والدين الخارجي” ..أبرز التحديات الاقتصادية أمام الحكومة الانتقالية بالسودان
انطلقت حركة الاحتجاجات في السودان لمدة ستة أشهر ربداية من 19 ديسمبر 2018 ضد حكومة الرئيس السابق “عمر البشير” من مطالب اقتصادية في الأساس نتيجة تردي الأحوال المعيشية وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، ولم يستطع “البشير” قمع الحركة برغم استخدامه المُفرط للقوة، وهو ما أسفر عن تدخل الجيش في 11 ابريل 2019 لخلعه وبدء مرحلة انتقالية بقيادة مجلس عسكري ليمهد الوضع لحكومة انتقالية تتوالى زمام الأمور في البلاد، وهو ما يُشك على التحقق عقب توافق الأطراف السياسية السودانية المُختلفة على تولي الدكتور عبد الله حمدوك، رئاسة هذه الحكومة الانتقالية، في ظل وضع اقتصادي مترد فعليا، وهو ما يضع الرجل وحكومته في وضع صعب للغاية.
ونرصد هنا التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة الانتقالية السودانية الجديدة من خلال تسليط الضوء على أهم مؤشرات الاقتصاد السوداني.
أولا المؤشرات الكُلية
تُظهر المؤشرات الكُلية للاقتصاد السوداني حجم التحدي الكبير الذي يواجه الحكومة الجديدة، إذ تُحاصره مُعدلات نمو سالبة ومُعدلات بطالة وتضخم في اتجاه صعودي نستعرض كُلًا منها على حدة فيما يلي:
- مُعدلات النمو:
نما الاقتصاد السوداني في المتوسط بمعدل 4.7% خلال الفترة من 1990-2018، وكانت الفترة ما بين 2013-2017 قد شهدت استقرار هذه المُعدلات فبلغت أقصاها عام 2015 عند مُعدل 4.9%، لكنه ما لبس أن تراجع في عام 2018 لينكمش بمُعدل -2.3% الأمر الذي يعني تراجع للنشاط الاقتصادي بوجه عام على مستوى البلاد،ويتوقع صندوق النقد الدولي استمرار الانكماش خلال الأعوام الثلاثة القادمة وحتى عام 2021 وعدم عودة الاقتصاد للنمو مرة أخرى قبل عام،وهو ما ينعكس على جميع المُؤشرات الاقتصادية الأخرى بالسلب وأخصها مُعدلات التضخم والبطالة، 2022، ويوضح الشكل التالي مُعدلات النمو خلال الفترة ما بين 1990-2022.

- معدلات البطالة:
استقرت مُعدلات البطالة في السودان في المتوسط خلال الفترة ما بين 1991-2018 عند 15%، لكنها اتجهت إلى الانخفاض مُنذ 2008 لتبلغ 12.9% في عام 2018، ورغم أن هذه النسب في الأساس مُرتفعة، إلا أن الأخطر هو مُعدلات البطالة بين الشباب التي بلغت في المتوسط خلال نفس الفترة 29.7%، وظلت دون تغيُر ملموس مُنذ عام 2009 إذ انحصرت ما بين 26 و27% من إجمالي الشباب في المُجتمع، الأمر الذي يعني أن ثلث الشباب السوداني عاطل عن العمل، وقد شكل المُحرك الأساسي للاحتجاجات ضد حكومة البشير، وسيظل يُشكل عنصرًا فاعلًا في احتجاجات جديدة إذا لم يتم استيعابه وبسرعة داخل القطاعات المُختلفة للاقتصاد السوداني، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع مُعدلات البطالة لأرقام قياسية عقب الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد لتصل إلى أعلى مُعدلاتها على الإطلاق خلال عام 2019م بمُعدل 21.4% وألا تتجه إلى الانخفاض قبل عام 2022 لتبلغ 19.8%، ويوضح الشكل التالي تطور مُعدلات البطالة في السودان خلال الفترة محل النظر:

- معدلات التضخم:
كانت مُعدلات التضخم قبل عام 1998 قد بلغت مُعدلات أعلى من 100%، لكنها ما لبثت أن استقرت في عند مُعدلات أدنى من 15% خلال مُعظم سنوات الفترة 1999-2011، ثم شهدت ارتفاعات متوالية خلال الفترة 2012-2017 لتبلغ في بعض السنوات مُعدلات أعلى من 35%، ثم حل عام 2018 لتبلغ خلاله 63% وهو ما سبب الاحتجاجات التي أطاحت بحكومة البشير في الأساس، ولكن الإطاحة به لن تؤدي إلى تحسن الأحوال حيث يتوقع صندوق النقد الدولي استمرار التضخم عند مُعدلات عند 50% خلال عام 2019، ثم اتجاهها إلى ارتفاع لأعلى من 55% حتى تصل مُعدلات 66% عند عام 2022، وهو ما يضع مزيدًا من الضغوط على كاهل الحكومة الحالية التي ستواجه مُعدلات تضخم مُرتفعة في ظل مُعدلات بطالة مُتدنية واقتصاد في حالة انكماش، يوضح الشكل التالي مُعدلات التضخم خلال الفترة محل النظر:

ثانيًا – مؤشرات القطاع الخارجي
نكتفي هنا بالتعرض لاثنين من أهم مؤشرات هذا القطاع كالتالي:
- الدين الخارجي:
شهد الدين الخارجي السوداني انخفاضًا ملحوظًا نسبة للدخل القومي الإجمالي مُنذ عام 2005، إذ كان قد بلغ فيما قبل ذلك مُعدلات أعلى من 100% بلغت أقصاها عام 1992 عند مُعدل 251%، لكن فيما بعد عام 2005 اتجهت إلى الانخفاض في العموم إذ انخفضت من 71.5% خلال ذلك العام لتصل عام 2017 إلى مُعدل 20.2%. لكن هذه المُعدلات سوف تتجه إلى الارتفاع خلال الفترة المُقبلة خاصة في ظل الانكماش الذي من المتوقع أن يقع فيه الاقتصاد السوداني، مما سيدفع الحكومة للاقتراض من الخارج بغرض الانفاق الجاري أولًا لسد حاجات الشعب السوداني ومحاولة السيطرة على مُعدلات التضخم، ثم الانفاق الاستثماري بغرض دفع مُعدلات النمو الاقتصادي، ويوضح الشكل التالي تطور مُعدلات الدين الخارجي كنسبة من الدخل القومي الإجمالي خلال فترة البحث:

- الاستثمار الأجنبي المُباشر:
شهدت مُعدلات الاستثمار الأجنبي المُباشر أقصاها خلال الفترة ما بين 1998-2012 بمُعدلات بلغت في بعض الأعوام أعلى من 7% وبمتوسط يدور حول مُعدل 4%، لكنها ما لبثت أن شهدت انخفاضًا كبيرًا في السنوات ما بين 2013-2017 بمُعدل يدور حول 1.5% وهو ما سبب للاقتصاد السوداني مشاكل ارتفاع البطالة وتباطؤ مُعدلات النمو، وفي ظل الوضع الحالي ستشهد مُعدلات تدفق الاستثمار الأجنبي المُباشر انخفاضًا كبيرًا نتيجة سوء الأحوال الأمنية والاقتصادية مما سيُزيد من التحديات أمام الحكومة السودانية الانتقالية، خاصة في ظل الأحوال الاقتصادية السابق الإشارة إليها، ويوضح الشكل التالي تطور الاستثمارات الأجنبية المُباشرة خلال فترة الدراسة:

يعني ما سبق أن الأحوال الاقتصادية السودانية لن تتجه إلى التحسن بمُجرد إزاحة نظام البشير، بل تواجه الحكومة السودانية الجديدة تحديا كبيرا للنهوض بالاقتصاد السوداني في ظل أحوال أمنية مضطربة ومؤشرات ضعيفة وإقليم مُضطرب.