“كتائب الظل” .. أذرع البشير تهدد مسار العملية السياسية في السودان
تنظيم مواز ، تنظيم سري، دولة داخل الدولة أو “كتائب الظل” جميعها مسميات لمفهوم واحد يصف كيف تتمكن جماعات الإسلام السياسي من الاستمرار والتعايش في مجتمعات غالبًا ما تضيق بها.
وفي اللحظة التي تصل فيها تلك الجماعات للحكم ترسم طريقها جيدًا، لإدراكها بطريقة أو بأخرى أنها ربما لا تستمر وحتى إن استمرت فقد لا تستمر طويلاً وتأسيسًا على ذلك تخلق لها أذرعًا خفية في معظم الأحيان، لأن العلنية منها سرعان ما يتم اكتشافها وتنقضي صلاحيتها سريعا،والمثال الأكثر حضورًا اليوم هو “كتائب الظل” التي كشفت عن نفسها وظهرت في المشهد السوداني بعد إسقاط البشير .
كتائب الظل “كيف ومتى”؟
مجموعات شكلت قوات أمن سرية تابع لنظام “عمر البشير”، والهدف من ظهورها في المشهد الثوري القيام بعمليات سرية ونشر الاضطرابات، وتلك العناصر تم دمجها في الأجهزة الأمنية السودانية منذ سبعينيات القرن الماضي بعد التصالح مع نظام “جعفر النميري”وضمن النهج الذي تسير عليه جماعة الإخوان لخلق قوى موازية لأذرع الدولة ضمانًا لاستمرارها في الحكم أو عودتها إليه إذا ساءت الأوضاع. وحسب بعض الآراء فإن تواجد هذه الكتائب يعني أن نظام “عمر البشير” لم يسقط بعد.
وشملت مهام تلك الكتائب في البداية جمع المعلومات ثم تطور الأمر لأن تمارس مهام أكثر حساسية مثل تجنيد اعضاء جدد واختراق الأحزاب السياسية.
رجل الظل..اعتراف صريح بوجود “الكتائب”:
“علي عثمان محمد طه” نائب “عمر البشير ” كان من أبرز من قادوا تلك الكتائب واعترفوا صراحة بوجودها في الفترة التي سبقت سقوط نظام “عمر البشير” لحماية أركانه من التهاوي. وفي يناير الماضي، حذر عثمان طه في حوار مباشر على إحدى القنوات السودانية من محاولة الانقلاب على البشير، بقوله إن من يعتقد أن الجيش سيتدخل لإسقاط النظام فهو واهم، لأن هناك كتائب ظل تحمي (البشير) ومستعدة للدفاع عنه ويذكر أن “عثمان طه” يقبع الآن في سجن كوبر تحت حراسة مشددة.
كان عثمان طه أبرزهم وتوالى عليها أيضًا أسماء عدة يميزها جميعًا شدة قربها من نظام البشير. وتمول تلك الجماعات من صفقات السلاح وغسيل الأموال.وعن مصير تلك الكتائب فإنه وفق قرار المجلس العسكري الانتقالي سيتم حل أجهزة الأمن والمخابرات وإعادة هيكلتها،إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن تلك الجماعات في طريقها للزوال لأنها وصلت إلى قدر من التغلغل يصعب معه أن يتم اجتثاث جذورها ولو حتى بحل جذري. وتكمن خطورتها في أنها تمارس مهامًا تسعى من خلالها إلى تقويض العملية الثورية بأكملها.
الترابي..رائد التجربة وخصوصية الحالة السودانية:
يعتبر “حسن الترابي” صاحب النفوذ الطاغي في التسعينيات من المؤسسين لهذه الكتائب، وقد أدارها في فترة نفذت فيها عددًا من العمليات المشبوهة، وتكمن خصوصية الحالة السودانية في أن الثورة في السودان تجابه بمعضلتين، الأول الدولة العميقة أما الثاني فهو التنظيم الموازي الذي سعى لإرساء قواعده الانقلاب العسكري عندما وصل للحكم في السوادن لتخوفه الدائم وهاجسه المستمر من أن تنتزع منهم الكراسي بنفس الطريقة التي انتزعوها بها. وعمومًا فإن كتائب الظل لم تعمل في الفترة السابقة ولن تعمل في الفترة القادمة بمفردها إذ أنه يصطف بجانبها كيانات أخرى مثل جهاز الأمن الشعبي وأفراده من الضباط والموظفين الذين سيبذلون جهودًا مضنية لإفشال الثورة.
وكعادة تلك التنظيمات التي تعمل خفاءًا فهي تحاول زرع الفتنة بين المتظاهرين والمجلس العسكري الانتقالي وترويج الشائعات لضرب الثقة مستغلة إمكانيات الدولة العميقة في السودان والتي هي دولة أمنية بالأساس. ولذلك فقد كانت المهمة الأولى للمجلس لعسكري الانتقالي القضاء على مفاصل الدولة الموازية.
أين هي الكتائب الآن
في الفترة التي تلت إسقاط “عمر البشير” اختفت أغلب قيادات الإخوان واتخذوا من بعض المزارع على أطراف العاصمة السودانية مخابئ لهم، فيما تمكن البعض الآخر من الهرب إلى خارج البلاد ، وعلى الرغم من ذلك فقد قاومت الكتائب حتى اللحظة الأخيرة تحركات الجيش لإنهاء حكم البشير وربما كان هذا المحرك والدافع الأساسي للمجلس العسكري الانتقالي للتوصل إلى صيغة اتفاق سياسي يكون للتيار المدني حصة كبيرة فيه اتقاءًا لشرور محاولة انقضاض رجال الظل على السلطة وإعادة إنتاج المشهد ما قبل الثورة من جديد.
المحافظة على الاتفاق السياسي تقطع الطريق:
في فترة سابقة أكدت «قوى الحرية والتغيير» في السودان، وجود محاولات لإعادة جرّ البلاد لدائرة العنف، واتهمت نظام البشير وكتائبه بالتورط في هذه المحاولات، فيما توعد “البرهان” رئيس المجلس السيادي حاليًا بمحاسبة كل من تورطوا في زعزعة الأمن وإراقة الدماء ومع أهمية التأكيدات والتحذيرات ، يبقى الحفاظ على ما تم التوصل إليه من اتفاق سياسي وإعلان دستوري هو الأهم في الحفاظ على مكتسبات ثورة السودان والضامن الوحيد لعدم تصدر جماعة الإخوان للمشهد .