
د. محمد حسين أبو الحسن يكتب: «على إثيوبيا السلام»!
تتوالى فضائح رئيس الوزراء الإثيوبي آبى أحمد، انقلب السحر على الساحر، بنجاح قوات جبهة تحرير تيجراي المعارضة في اكتساح قوات الجيش الإثيوبي، وتوالى سقوط المدن بأيدي الجبهة، حتى إنها سيطرت على مدينة لاليبيلا المقدسة في إقليم أمهرة، وتمددت إلى إقليم عفر، وقطعت الطريق الرابط بين جيبوتي وإثيوبيا، منفذها الوحيد إلى العالم، وأمام هذا الانكشاف الاستراتيجي دعا آبى أحمد جميع المواطنين الذين بلغوا سن الرشد إلى الالتحاق بالجيش، لمواجهة جبهة تيجراى، وما سماه مكائد الأيدي الأجنبية، غير أن العنف لن يستولد إلا عنفا مضادا، بدأ تطور نوعى لوقائع الحرب الأهلية، بإعلان جيش تحرير أورومو التحالف عسكريا مع جبهة تيجراي, لمحاصرة حكومة أديس أبابا وإسقاطها، وأكد كومسا ديريبا زعيم جيش أورومو أن المحادثات جارية مع جماعات أخرى من المعارضة المسلحة؛ للانخراط في القتال ضد الحكومة الفيدرالية. ولو نجح هذا التحالف في توسيع دائرة الحريق، فقل على إثيوبيا السلام، فهي بلد شديد الهشاشة والتنوع الاثني والثقافي، يحمل بذور التفكك، تخوض عرقياته صراعات دامية على خلفية مطامع ومظالم تاريخية، ويلهث متعجلا إلى نقطة الانصهار والانهيار.
انزلقت إثيوبيا إلى أزمة سياسية وإنسانية حادة تهدد بقاءها، إذ تفيد تقارير بأن مجموعات عِرقية في عدة أقاليم تسعى لتعبئة ميليشيات للمشاركة بالمعارك التي تدور رحاها في تيجراي والمناطق المحيطة، وتشير تقارير المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة إلى أن المذابح والعنف الجنسي هما السمة الغالبة على الحرب التي يشنها الجيش الإثيوبي بالتحالف مع إريتريا. وإلى جانب مقتل عشرات الآلاف تحدق المجاعة بعدة ملايين، حيث تقطع قوات آبى أحمد طريق المساعدات الإنسانية إلى تيجراى، لذلك تقاتل قوات الجبهة لكسر الحصار، بمواجهة الجيش النظامي، ليس فقط بقوة السلاح، ولكن أيضا باستغلال الغضب الشعبي الجارف؛ كثير من أبناء تيجراى والأورومو والعفر وقمبيلا وبنى شنقول، وحتى الأمهرة المتحالفين مع رئيس الوزراء الإثيوبي، فقدوا ثقتهم بالحزب الحاكم وهو حزب فاسد واستبدادي، المفارقة أن اسمه الازدهار أو الانصهار، وهو عنوان كتاب لآبى أحمد، وقد يكون اسما على مسمي!.
فظائع حكومة آبى أحمد كالمجازر والتطهير العرقي والاعتداءات الجنسية في تيجراى وغيرها تدفع الشباب إلى الانغماس في المعارك كالفيضان، بحسب وصف هيلى مريم برهان. أما جيتاشيو رضا، المتحدث باسم جبهة تيجراى، الذي كان ذات يوم حليفا لآبى أحمد ومدافعا عن الدولة الإثيوبية، فإنه يخطط حاليا لإجراء استفتاء على استقلال تيجراى، مؤكدا أنه لا شيء يُمكنه أن ينقذ الدولة الإثيوبية، باستثناء معجزة، وأنا عادة لا أؤمن بالمعجزات.
بدد رئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على نوبل السلام كل الآمال المعقودة عليه، لحل المشكلات الداخلية مع الفسيفساء العرقية، وكذلك مع دول الجوار، وبالأخص أزمة سد النهضة مع مصر والسودان، يبعث السلوك الإثيوبي على الحيرة، دولة تمر بحرب أهلية ضروس، ومع ذلك تتصرف إزاء دولتي المصب بمنتهى الصلف والتعنت، وكأنها تستند إلى نظام مستقر؛ متجاهلة الظرف الحرج الذى تمر به وموازين القوى التي لا تصب في مصلحتها.
الأحمق عدو نفسه، والمراهقة السياسية لم تكن أبدا حلا لأوجاع المجتمعات، لم يتورع رئيس الوزراء الإثيوبي عن الأنانية والغدر والجهل بالتاريخ وبالمواثيق الدولية والظلم والتعدي على حقوق الآخرين، وارتكاب جرائم يندى لها جبين الإنسانية ضد شعبه، كارتكاب المذابح واستخدام الفوسفور الأبيض؛ لذلك قد يلحق آبى أحمد بمصير عمر البشير أو القذافي وإدريس ديبي. وقد بادرت إدارة بايدن بفرض عقوبات على الحكومة الإثيوبية، ومن قبلها الاتحاد الأوروبي، غير أن رد الفعل الدولي لا يزال فاترا باهتا، تعرقله حسابات ومصالح، بينما يولغ آبى أحمد في دماء شعبه قتلا وإبادة جماعية، ويتمنع عن الاتفاق مع مصر والسودان حول السد، أما الاتحاد الإفريقي فإن تعاميه عما يجرى حول أسواره من جرائم مروعة، يضع علامات استفهام وتعجب وخيبة، حول الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية التي توارت بالحجاب، مع أن انفجار الأوضاع في إثيوبيا يضع منطقة شرق أفريقيا بأكملها فوق بركان هائج، ومن ثمّ شدد إدوارد كيسى الأستاذ بكلية الدراسات العالمية بجامعة جنوب فلوريدا الأمريكية على ضرورة تحرك المجتمع الدولي والأفارقة، وإظهار العصا الغليظة لآبى أحمد؛ لمنع انزلاق إثيوبيا إلى هوة الإبادة الجماعية، كما حدث في رواندا من قبل. لكن يبدو أن الأوان قد فات!.
نقلا عن صحيفة “الأهرام” في عددها الصادر اليوم الأربعاء


