العالم

“عمالة الأطفال” .. التقديرات العالمية لعام 2020، الاتجاهات والطريق إلى الأمام

عرض-الاء برانية

أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بالتعاون مع منظمة العمل الدولية في يونيو 2021، تقريرًا، بعنوان ” عمالة الأطفال: التقديرات العالمية لعام 2020، الاتجاهات والطريق الي الأمام” والذي يصف الخصائص الرئيسية لعمالة الأطفال ويقف على أهم المؤشرات والحلول.

يذكر أن تقرير تقديرات عمالة الأطفال تصدره منظمة العمل الدولية بانتظام كل أربع سنوات منذ عام 2000 وحتى عام 2020، وهو تقرير يستند على بيانات من المسوح الأسرية الوطنية لأطفال تتراوح أعمارهم من 5-17 عاما.

بداية مقلقة

حذر التقرير في بدايته من توقف تحقيق تقدم عالمي في إنهاء ظاهرة عمالة الأطفال لأول مرة منذ 20 عامًا. دون اتخاذ أي تدابير عاجلة للتخفيف من الأزمة بل على النقيض فان أزمة “كوفيد-19” أدت إلى زيادة الفجوة ودفع ملايين الأطفال إلى سوق العمل.

ورأى التقرير أن تلك النتائج تشكل اختبارًا مهمًا لواقع تلبية الالتزام الدولي بإنهاء عمالة الأطفال بحلول عام 2025، مرجحا، حال لم تُحشد الإرادة والموارد للعمل على نطاق غير مسبوق، امتداد الجدول الزمني لإنهاء عمالة الأطفال لسنوات عديدة مستقبلا.

أعداد عمالة الأطفال حسب تقرير “يونيسيف من 2000-2020

التقديرات والاتجاهات العالمية

 تشير أحدث التقديرات العالمية حسب التقرير، إلى أن هناك 160 مليون طفل ” ما يقرب من 63 مليون من الإناث و97 مليون من الذكور” مصنفين كعمالة أطفال على مستوى العالم عام 2020، وهو ما يمثل طفلا من كل عشرة أطفال. وما يقرب من نصف هذا العدد من الأطفال أي حوالي ” 79 مليون طفل” يعملون بأعمال خطرة تعرض صحتهم وسلامتهم وتطورهم الأخلاقي للخطر.

79 مليون طفل يعملون أعمال خطيرة ” تقرير اليونيسيف”

يذكر أن التقدم العالمي ضد عمالة الأطفال ظل في حالة ركود منذ عام 2016. وظلت النسبة المئوية في عمالة الأطفال دون تغيير خلال فترة الأربع سنوات المنصرمة بينما زاد العدد المطلق لعمالة الأطفال بأكثر من 8 ملايين وبالمثل، فإن النسبة المئوية للأطفال الذين يعملون في أعمال خطرة لم تتغير تقريبًا ولكنها ارتفعت بالأرقام المطلقة بمقدار 6.5 ملايين طفل.

وحسب المناطق فهناك بعض التقدم فيما يخص مكافحة عمالة الأطفال في آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي، حيث اتجهت عمالة الأطفال إلى الانخفاض في تلك المناطق من حيث النسبة المئوية والقيمة المطلقة على مدار الأربع سنوات المنصرمة.

وفيما يتعلق بمنطقة افريقيا جنوب الصحراء، ذكر التقرير أن احراز تقدم مماثل في تلك المنطقة هو أمر بعيد المنال، حيث شهدت تلك المنطقة زيادة في كل من عدد ونسبة عمالة الأطفال ولم يحدث اختراق لتلك المنطقة منذ عام 2012 وحتى الآن.

وأوضح التقرير أن معدل انتشار عمالة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى،  ثلاثة أضعاف نظيره في شمال أفريقيا وغرب آسيا ، وهناك ما يقرب من 87 مليون طفل في عمالة الأطفال في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحدها.

من هم فئات عمالة الأطفال ؟

صنف التقرير عمالة الأطفال حسب السن، وتوضح نتائج التقديرات العالمية أن من بين 160 مليون طفل عامل، هناك 89.3 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 – 11 عامًا ، و 35.6 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 12 -14 عاما ، و 35 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 15 -17.

معدلات الذكور للإناث في عمالة الأطفال ” تقرير اليونيسيف”

وعلى الرغم من انخفاض عمالة الأطفال على مدى السنوات الأربع الماضية بين الفئة التي تتراوح أعمارها بين 12-17، من حيث النسبة المئوية والقيمة المطلقة ، واستمرار الاتجاه التنازلي المستمر الذي شوهد في التقديرات السابقة. الا أن عمالة الأطفال بين الفئة التي تتراوح أعمارها بين 5 -11 عامًا ، ظلت بالارتفاع حيث بلغت 16.8 مليون طفل في عام 2020. وتهدد أزمة كوفيد-19 بمزيد من تراجع نسب مكافحة عمالة الأطفال ما لم يتم اتخاذ تدابير تخفيف عاجلة. حيث يشير التقرير إلى أن هناك  8.9 مليون طفل إضافي سيكونون ضمن عمالة الأطفال بحلول نهاية عام 2022 نتيجة تزايد الفقر الناتج عن الوباء.

ومن التقديرات العالمية الأخرى التي ذكرها التقرير ان في عام 2020 كانت نسبة الذكور العاملين أعلى من الإناث جميع الأعمار. حيث  يعمل 11.2 % من الذكور مقابل 7.8 %من الإناث. 

وبالأرقام المطلقة ، يفوق عدد الذكور في عمالة الأطفال عن عدد الإناث بمقدار 34 مليونا. ولكن عند التوسع في تعريف عمالة الأطفال ليشمل الأعمال المنزلية لمدة 21 ساعة أو أكثر اسبوعيًا، تقل الفجوة بين الجنسين في الفئة التي تتراوح أعمارهم بين 5 – 14 عامًا من 2.8 % إلى 1.6 %. وهو بمقدار النصف تقريبًا.

وتختلف مجالات العمل للأطفال فهم تقريبَا يتخللون جميع المجالات سواء في التعدين أو صيد الأسماك او الخدمات المنزلية او في الصناعة  ولكن يمكن القول بأن عمالة الأطفال تكون أكثر شيوعًا في المناطق الريفية. فهناك 122.7 مليون طفل ريفي في عامل مقابل 37.3 مليون طفل في المناطق الحضرية. وهناك حوالي  70 % من جميع الأطفال العاملين، أي ما مجموعه 112 مليون طفل، يعملون في مجال الزراعة. مما يؤكد أن الزراعة هي نقطة دخول رئيسية إلى عمالة الأطفال.

70% من عمالة الاطفال في مجال الزراعة ” تقرير اليونيسيف”

تلك المجالات المختلفة من الأعمال لها خطورة على الأطفال وتشمل المخاطر الشائعة في التعرض للأسمدة غير العضوية والمبيدات الحشرية وغيرها من الكيماويات الزراعية الخطرة بجانب الأعمال التي تمثل مشقة جسدية للأطفال من خلال حمل الأشياء الثقيلة  لفترات طويلة و الوقوف والانحناء المتكرر والتعرض لدرجات حرارة قصوى و من بين أمور أخرى مثل العمل في المنازل الذي قد يعرض الأطفال على وجه الخصوص للاعتداء الجسدي واللفظي والجنسي والانخراط في أنشطة غير مشروعة.

معدلات الاطفال في مجالات العمل المختلفة ” تقرير اليونيسيف”

وقد أشار التقرير إلى انه كثيرا ما ترتبط عمالة الأطفال بخروج الأطفال من المدرسة. حيث يتم استبعاد نسبة كبيرة من الأطفال الصغار في عمالة الأطفال من المدرسة على الرغم من وقوعهم ضمن النطاق العمري للتعليم الإلزامي. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من ربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 – 11 عامًا وأكثر من ثلث الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12-14 عامًا هم خارج المدرسة. مما  يحد بشدة من احتمالات حصولهم على عمل  ومستوى معيشي لائق في الشباب والبلوغ.

طفل من كل ثلاث اطفال عاملين يصبح متسربًا من التعليم ” تقرير اليونيسيف”

ما الذي يعيق التقدم في الحد من عمالة الأطفال ؟

يُعد الفقر وتدني مستوى المعيشة من أهم معوقات الحد من عمالة الأطفال وبرهن التقرير بمثال افريقيا جنوب الصحراء والتي لا يزال 40% من السكان بها يعيشون في فقر مدقع لذلك يصعب اختراق الظاهرة وحلها في تلك المنطقة، اما عن المعوقات الأخرى فتمثلت في النمو السكاني المطرد والذي ينتج عنه انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي للدولة وبالتالي انخفاض مستوي المعيشة مما يؤدي إلى التسرب من التعليم ونقص مظلة الحماية الاجتماعية ما يعرض المزيد من الأطفال لممارسة الاعمال المختلفة ومنها الأعمال الخطرة التي تضر بصحتهم وسلامتهم.

الطريق إلى الأمام

وبعد تلك التقديرات الخطرة يرى التقرير بأن هناك حاجة إلى خطوات فورية لتجنب التخلف الحادث بعد أزمة كوفيد-19 التي لا تزال مستمرة، ومن الواضح أن الوباء يزيد يومًا بعد يوم من خطر عمالة الأطفال، وخاصة بعد الارتفاع الحاد في مؤشر الفقر الذي زاد من اعتماد الاسر في الاعتماد على دخل أطفالها من العمل واغلاق المدارس الذي حرم الأسر من البديل المنطقي لإرسال الأطفال إلى العمل. وللحد من هذه المخاطر هناك بعض التدابير الواجب اتخاذها مثل:

  • توسيع نطاق الحماية الاجتماعية للأطفال وأسرهم للتخفيف من حدة الفقر وعدم اليقين الاقتصادي الذي يدعم عمالة الأطفال.
  • عمل حملات العودة إلى المدرسة والتعليم العلاجي المكثف لإعادة الأطفال إلى الفصول الدراسية ومساعدتهم على تعويض ما فقدوه من التعلم بمجرد وصولهم.
  • ضمان تعليم مجاني وعالي الجودة على الأقل حتى الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل لتوفير بديل عملي لعمالة الأطفال وإتاحة الفرصة للأطفال في مستقبل أفضل.
  • ضمان تسجيل ولادة كل طفل بحيث يكون للأطفال هوية قانونية ويمكَنهم ذلك التمتع بحقوقهم منذ الولادة.
  • تعزيز سبل العيش الريفية الملائمة، من خلال الدعم والتنويع الاقتصادي والاستثمار في أساسيات البنية التحتية والخدمات.
  • ضمان وجود القوانين واللوائح اللازمة لحماية الأطفال، مدعومة بآليات الإنفاذ وأنظمة الحماية.
  • معالجة الأعراف والتمييز الجنسي الذي يزيد من مخاطر عمالة الأطفال، وخاصة بالنسبة للفتيات ، فيما يتعلق بالعمل المنزلي والأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر.
  • إيلاء اهتمام خاص لمواجهة المخاطر المتزايدة لعمل الأطفال في الأزمات والنزاعات والكوارث المتزايدة. وان تؤخذ عمالة الأطفال عين الاعتبار في جميع مراحل العمل الإنساني بدءًا من الاستعداد للأزمات وخطط الطوارئ الي الاستجابات الإنسانية لجهود إعادة الاعمار والتعافي بعد الازمة.
  • اجراء حوار اجتماعي بين الحكومات ومنظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال لتطوير سياسات مناسبة ومتجاوبة لمعالجة عمالة الأطفال وما يتصل بها.
  • اعتماد الحكومات استراتيجيات إبداعية لتعبئة الموارد لتوسيع حيزها المالي. بالنظر إلى عجز الميزانية الناتج عن الوباء

كاتب

د.آلاء برانية

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى