
هل تصبح “سادك” ملاذا لمكافحة الإرهاب في شمال موزمبيق؟
في 23 يونيو الماضي، بعد كثير من المناقشات، وافقت الدول الأعضاء الستة عشر في مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي “سادك SADC” وهي منظمة حكومية دولية مسؤولة عن التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني، على تفويض “بعثة القوة الاحتياطية لمكافحة الإرهاب وأعمال التطرف العنيف” في “كابو ديلجادو” شمال موزمبيق اعتمادا على توصيات الفريق الفني المنتشر في موزمبيق عقب القمة التي عقدت في العاصمة “مابوتو”، أبريل 2021، والتي نصحت بارسال قوة عسكرية مشتركة قوامها 3000 فرد.
وتشكلت تلك القوة العسكرية، التي تضم ثلاث كتائب مشاة خفيفة قوام كل منها 630 جنديًا، وسربين من القوات الخاصة يتكون كل منهما من 70 جنديًا؛ وطائرتين //هليكوبتر// هجوميتين، وطائرتين //هليكوبتر// مسلحتين؛ وسفينتي “خفر” سطحيتين؛ وغواصة واحدة وطائرة مراقبة بحرية إضافة إلى دعم “لوجيستي” آخر، فيما يندرج هذا الانتشار في إطار ميثاق الدفاع المشترك للجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي.
بالإضافة إلى موافقة مجلس وزراء مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي “سادك” على ميزانية قدرها 12 مليون دولار أمريكي لبدء تشغيل القوة الاحتياطية لـ “سادك” التي ستدعم موزمبيق في حربها ضد الإرهاب في مقاطعة “كابو ديلجادو” الشمالية، بالإضافة إلى مساهمة قدرها سبعة ملايين دولار من الدول الأعضاء.
الإرهاب في شمال موزمبيق
عند ذكر الإرهاب في “كابو ديلجادو” الشمالية، يشار إلى “حركة الشباب” التي قد نشأت من طائفة إسلامية أخرى تسمى “أنصار السنة” عام 2007 وأصبحت عنيفة بشكل متزايد على مدار العقد الذي تلاه، وبخاصة منذ ما يقرب من أربع سنوات؛ وتحديدًا أكتوبر 2017.
فقد شنت الجماعة المحلية، والمعروفة باسم //حركة الشباب الموزمبيقية// (لا صلة لها بحركة الشباب في الصومال)، هجمات في مقاطعة “كابو ديلجادو”، مطاردةً الحكومة المركزية وكذلك السكان المحليين، وتميزت بمستويات شديدة من العنف، حيث نجد أن الغارات الجهادية، التي نفذتها الحركة، أودت بحياة ما يقرب من 3000 شخص في السنوات الثلاث والنصف الماضية وتشريد ما يقرب من 800 ألف شخص من منازلهم.
يذكر أن حركة “الشباب”، أقسمت على الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2019، ومنذ أغسطس 2020، سيطر المقاتلون على مدينة “موسيمبوا دا برايا” الساحلية الرئيسية، بينما شنوا في مارس 2021 هجومًا منسقا على مدينة “بالما”.
ونهب المقاتلون المرتبطون بـ”داعش”، المدن وسيطروا على الطرق الرئيسية، ودمروا البنية التحتية وقطعوا رؤوس المدنيين، وأجبروا السكان المحليين على الانضمام إلى صفوفهم. ونظرًا لتزايد عنفوان إرهابها، صنفتها حكومة الولايات المتحدة مؤخرًا على أنها منظمة إرهابية أجنبية، ومع ذلك لازالت حركة الشباب أقوى وأكثر إرهابًا، ولديها قدرة متزايدة على احتلال الأراضي والسيطرة عليها، كما أصبح لديها هالة من الجاذبية للجهاديين خارج موزمبيق للانضمام إليها.
هل تعد مجموعة – سادك – طوق النجاة لموزمبيق؟
لاقى إعلان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، ترحيبًا من قبل العديد من المراقبين المحليين والدوليين، خوفاً من تزايد توسع حركة “الشباب” وزعزعتها لاستقرار المنطقة، حيث يوفر إعلان “سادك” الذي طال انتظاره فرصة مناسبة للتفكير في فعالية وأوجه قصور نهج مكافحة الإرهاب الذي اتبعته سلطات موزامبيق حتى الآن، وإمكانية هذا التدخل الإقليمي للتصدي لانتشار التطرف العنيف في البلاد، حيث لم تمنع الاستجابة الأولية لقوات أمن موزمبيق، ولا الاعتماد على المتعاقدين العسكريين الخاصين، من انتشار نفوذ حركة الشباب وتصعيد العنف.
ويُنظر إلى انتشار مجموعة “سادك” في موزمبيق على أنها نقطة تحول حقيقية وليس مجرد حل افتراضي بسبب:
- عجز حكومة موزمبيق على التصدي للإرهاب: فلم تستطع الحكومة الموزمبيقية التي اتسمت بنقص التنسيق بين قوات الأمن، والتجاوزات العنيفة واستراتيجية المراوغة منع تصعيد الصراع ومكافحة الإرهاب، لذلك يمكن القول إن بدء التدخل الإقليمي لمجموعة “سادك” يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح. كما لم تثبت عمليات الشركات العسكرية الخاصة التي استدعتها الحكومة في “كابو ديلجادو” أنها غير قادرة على احتواء العنف المتطرف فحسب، بل أدت إلى تفاقم انعدام الشفافية في استجابة الدولة وأدت إلى مزاعم خطيرة بوقوع انتهاكات، الأمر الذي أدى إلى زيادة الاحتقان بين الحكومة المركزية وسكان الشمال المتضررين.
- فشل التدخلات الدولية: تنبع أهمية تدخل الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقيفي شمال موزمبيق من أنها يمكن أن تشكل سابقة مهمة لطريق بديل للمضي قدمًا في مكافحة الإرهاب، خاصة بعدما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، واستعدت فرنسا لإنهاء عملية “برخان” لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأمر الذي قد يمكّن من وجود تدخلات عسكرية دولية بقيادة الغرب، وإذا تم التنسيق والتعاون بين هذه التدخلات الدولية والقوة الاحتياطية لمجموعة “سادك” فسيتحقق الاستقرار أكثر من أي وقت مضى في مواجهة الإرهاب في شمال موزمبيق.
موافقة اضطرارية
حتى وقت قريب، رفضت “مابوتو” المساعدة العسكرية الأجنبية بسبب حسابات سياسية وعرقية؛ حيث يخشى الرئيس الموزمبيقي “فيليبي نيوسي” أن يمكّن الدعم الكبير المتعدد الأطراف، المقاطعات من التدخل لتقديم مطالب سياسية لا ترغب موزمبيق في قبولها: مثل وضع ترتيب أكثر إنصافًا لتقاسم السلطة مع قوى المعارضة؛ فيشعر حزب جبهة “تحرير موزمبيق” الحاكم بزعامة نيوسي بالقلق أيضًا من أن التدخل في مكافحة الإرهاب قد يهدد مكانه في السلطة من خلال تفاقم التحديات الأمنية وتوازن القوى العرقية شمال موزمبيق.
وفي سياق متصل، نجد أن حكومة موزمبيق عمومًا لا تثق في عديد من جيرانها، متهمةً تنزانيا برعاية حركة الشباب الإرهابية، كما تعاني توترا متزايدا في العلاقات مع زيمبابوي بسبب النزاع الحدودي، وهناك دوافع أخرى لعرقلة أي مهمة دولية في شمال موزمبيق؛ فلطالما كانت “كابو ديلجادو” مركزًا مهمًا للاتجار غير المشروع، وخاصة الهيروين، بين جنوب آسيا والقارة الأفريقية. ويُعتقد أن هذه التجارة مهمة للغاية للعديد من الأشخاص في الدائرة المقربة للرئيس، لذا فإن التدخل العسكري الأجنبي قد يعرض الحكومة للتدقيق الخارجي.
وعلى جانب آخر، ولأنها غير قادرة على مواجهة التهديد الذي تشكله حركة “الشباب” وحدها، ونظرًا لقلقها من أي تدخلات دولية، فضلت “مابوتو” تجنيد الشركات العسكرية الخاصة، ففي سبتمبر 2019 وصل حوالي 200 عميل من مجموعة “فاغنر Wagner” الروسية إلى موزمبيق لتوفير التدريب والدعم القتالي للقوات الموزمبيقية في كابو ديلجادو، لكن تدخلهم لم يدم طويلًا؛ بسبب معاناتها من العديد من الضحايا في الأشهر الأولى من الانتشار، فاضطرت المجموعة إلى الانسحاب من المقاطعة بعد خسائر كبيرة في نوفمبر 2019، وبعد انسحاب مجموعة “فاغنر” المرتبطة بالكرملين حافظت “مابوتو” على استراتيجية استخدام الشركات العسكرية الخاصة وتحولت في أبريل 2020 إلى المجموعة “ديك Dyck” للاستشارات العسكرية بجنوب إفريقيا، وعلى الرغم من تحقيق المجموعة نجاحات وخاصةً في فترة هجوم بالما، إلا أن الشركة شهدت نهاية عقدها في أبريل 2021.
علمًا بأن قبول الرئيس الموزمبيقي بإشراك شركات خاصة مسلحة كشركتي “فاغنر” الروسية و”ديك” الجنوب أفريقية يثير الجدل، فكيف يتردد في طلب عون مجموعة “سادك”؟ في حين يلجأ لشركات المرتزقة الخاصة! هذا بالإضافة إلى التماسه العون العسكري من الولايات المُتحدة، البرتغال، رواندا وفرنسا وهو ما تم بالفعل في أوائل عام 2021 حيث قبلت مابوتو بنشر مهام تدريب عسكرية برتغالية وأمريكية صغيرة، وهذا كله يتناقض مع مبدأ السيادة الذي طالما يتمسك به فيليبي نيوسي رئيس موزمبيق.
ونظرًا لتطور عنف حركة “الشباب” الموزمبيقية الذي مزق “كابو ديلجادو”، ولأن الحركة أقوى وأكثر تعقيدًا، وإدراك الحكومة الموزمبيقية لقدرتها المحدودة على مواجهة الحركة، إضافة إلى أن تعاون حكومة موزمبيق مع شركتي المرتزقة “فاغنر” و”ديك” حتى الآن لم يؤد إلى انخفاض في وتيرة الهجمات والهجمات المُضادة.
كل هذا إلى جانب التجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان في “كابو ديلجادو” والتي كشف عنها تقرير منظمة العفو الدولية من تورط مجموعة “ديك” وكذلك القوات الحكومية والمسلحين، في عمليات القتل غير المشروع للمدنيين، وبعد مناقشات ومراوغات تمت الموافقة على تدخل مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي لمكافحة الإرهاب في شمال موزمبيق.
ختاما
يمكن القول إن القوة الاحتياطية لمجموعة “سادك” تعد تطورا جديدا في مواجهة التطرف العنيف الذي ابتليت به شمال موزمبيق منذ ما يقرب من أربع سنوات، إذ ينظر إليها بأنها ستكون قوة رادعة في التغلب على التحديات التي واجهتها القوات الموزمبيقية والشركات العسكرية الخاصة حتى الآن.
وفي النهاية يتعين على مجموعة “سادك” أن تواجه عددا من التحديات واجهتها القوات الموزمبيقية والشركات العسكرية الخاصة حتى الآن، مثل الخبرة المحدودة للقوات المحلية في حملات مكافحة الإرهاب، والقضايا المرتبطة ببيئة العمليات المعقدة للغاية في المقاطعة، والحاجة إلى ضمان حماية المدنيين، واحترام حقوق الإنسان، بالإضافة إلى التغلب على القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي غذت ظهور العنف المتطرف واستمراره في “كابو ديلجادو”.