
المغرب … هل يسير قطار “المصباح” على سكة “النهضة”؟
على بعد شهر واحد فقط من الانتخابات التشريعية والبلدية في المغرب، المقرر عقدها في الثامن من سبتمبر المقبل، مُني الحزب الرئيسي في الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب “حزب العدالة والتنمية”، بهزيمة ثقيلة في انتخابات الغرف المهنية التي تمت الجمعة الماضية، مسجلاً تراجعًا قياسيًا مقارنة بالنتائج التي حققها في انتخابات الغرف المهنية عام 2015.
فهل تشير هذا الهزيمة إلى بدء تحرك الحزب ذو التوجه الإسلامي على نفس المسار الحالي لأحزاب الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وآخرها حركة النهضة في تونس، أم أن هذه النتائج لا تعتبر بالضرورة مؤشر على خسارة الحزب للانتخابات التشريعية المقبلة، في ظل اختلاف المعطيات والخصائص بين العملية الانتخابية للغرف المهنية، والانتخابات البلدية والتشريعية؟
هزيمة ثقيلة وتصويت “عقابي”
في انتخابات الغرف المهنية عام 2015، حاز حزب العدالة والتنمية على 196 مقعد نقابي، لكن في انتخابات هذا العام انخفض هذا العدد بشكل حاد ليصل إلى 49 مقعد نقابي فقط، أي حوالي 2.5 بالمائة من مجموع المقاعد النقابية، ليتذيل الحزب بهذه النتيجة قائمة الأحزاب الكبيرة المشاركة في هذه الانتخابات. تصدر انتخابات هذا العام حزب “التجمع الوطني للأحرار” ذو التوجه الليبرالي المائل لتيار يمين الوسط، حيث تمكن من مضاعفة حصيلته من المقاعد النقابية، من 326 مقعد عام 2015 إلى 638 مقعد هذا العام، وتلاه في الترتيب حزب الأصالة والمعاصرة المنتمي لتيار وسط اليسار وهو الشريك الرئيسي لحزب العدالة والتنمية في الائتلاف الحكومي، وحاز على 363 مقعد نقابي، علمًا أنه كان في صدارة الترتيب في انتخابات 2015.
حزب الاستقلال يميني التوجه، حل في المركز الثالث في هذه الانتخابات بحصوله على 360 مقعد نقابي، بزيادة قدرها تسعة مقاعد عن حصيلته في انتخابات 2015. وفي المركز الرابع جاء الحزب الأمازيغي “الحركة الشعبية” بحصوله على 160 مقعد نقابي، تلاه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ 146 مقعد، ثم حزب الاتحاد الدستوري ليبرالي التوجه بـ 90 مقعد، وحزب التقدم والاشتراكية اليساري بـ 82 مقعد، ثم جاء بعد ذلك حزب العدالة والتنمية، ومن ثم الأحزاب الأصغر حجمًا التي حصلت مجتمعة على 71 مقعد نقابي، بجانب حصول المرشحين المستقلين على 271 مقعد. جدير بالذكر أن انتخابات الغرف المهنية المغربية لهذا العام ترشح فيها اثني عشر ألف مترشح، للتنافس على 2230 مقعد في نقابات الغرف المهنية التجارية والصناعية والخدمية، وكذلك الصناعات التقليدية والصيد البحري والزراعة.
بنظرة عامة لهذه النتائج يمكن القول انها كانت متوقعة إلى حد كبير، فقد كانت نتائج كافة الأحزاب متوافقة مع حجم قوتها السياسية الحالي في مجلس النواب عدا حزب العدالة والتنمية، الذي حل في المركز السادس في انتخابات 2015 النقابية، في حين حصل على المركز الثامن في انتخابات هذا العام، وهذا يعود بشكل أساسي إلى عدة أسباب رئيسية:
1- الفشل الداخلي: فشل الحزب الذي يتصدر المشهد السياسي في البلاد منذ نحو عشر سنوات، في توسيع دائرة نفوذه وشعبيته لتشمل قطاعات شعبية مغربية غير مؤدلجة أو ليس لها توجهات إيديولوجية معينة، مثل طائفة التجار والمهنيين والحرفيين وهي قلب الطبقة المتوسطة المغربية، وهذا الفشل إن أضفنا إليه الضعف العام لأداء الحكومة التي يهيمن عليها الحزب، وكذا تراجع شعبية الحكومة الحالية ومن ورائها الحزب نتيجة الإصرار على اتخاذ إجراءات مالية تمس الطبقة الوسطى، خاصة فيما يتعلق بأنظمة المعاشات والتعاقدات الوظيفية.
2- الانقسامات الحادة: تراجع حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات كان له ارتباط وثيق بضعف أداءه السياسي على المستوى الحزبي، حيث بدأ يعاني انقسامات حادة في بنيته القيادية، ارتبطت هذه الانقسامات بشكل أساسي باختلاف الرؤى الداخلية حول السياسة الاقتصادية للحكومة، وكذلك بسبب ملفات خلافية أخرى، منها ملف استئناف العلاقات مع إسرائيل، الذي أثار ردود فعل حادة داخل الحزب، نظرًا لأن صاحب هذا القرار كان رئيس الوزراء الحالي سعد الدين العثماني، الذي ينتمي إلى الحزب وشغل سابقًا منصب أمينه العام، وكذلك ملف القانون الذي أعدته وزارة الداخلية المغربية لتقنين زراعة القنب الهندي.
هذه الانقسامات أسفرت خلال الأشهر القليلة الماضية عن سلسلة من الاستقالات لقياديين في الحزب، اعتراضًا منهم على الأوضاع التنظيمية الداخلية في الحزب، منهم بعض قيادات الصف الأول، مثل مصطفى الرميد وإدريس الأزمي، بجانب أعضاء بارزين مثل عضو المجلس الوطني للحزب أحمد اشطيبات، والقيادية إيمان صبير، الرئيسة السابقة للمجلس البلدي لمدينة المحمدية، وكذلك النائبة البرلمانية السابقة وإحدى الشخصيات النسائية البارزة في الحزب إعتماد الزاهيدي.
اللافت هنا ان هذه الخلافات تحولت إلى ما يشبه “حملات إقصائية”، تقوم من خلالها قيادة الحزب بتهميش الوجوه الحزبية التي تعارض النهج الذي تتم إدارة الاستراتيجية الانتخابية للحزب، وعدم ترشيح هذه الوجوه لتمثيل الحزب في الانتخابات البلدية والتشريعية المقبلة، مثل النائبة البرلمانية آمنة ماء العينين، وعدة قيادات حزبية بارزة مثل المقرئ أبوزيد الإدريسي وإدريس الأزمي الإدريسي. وقد دفعت هذه الحملات قيادات بارزة أخرى إلى الاعتذار عن عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، مثل الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران، والقيادي البارز عبد اللطيف سودو، نائب عمدة مدينة سلا.
3- تصاعد الأداء الحزبي المنافس: إذا ما وضعنا جانبًا حقيقة أن أداء الأحزاب المغربية في انتخابات الغرف المهنية، مرتبط بشكل أساسي بحجم القوة البرلمانية التي تمتلكها، إلا أن بات ملحوظًا أن ديناميات جديدة بدأت في التشكل في الأحزاب المنافسة لحزب العدالة والتنمية، خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو أحد الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي الحالي، وتبوأ موقع الصدارة في انتخابات الغرف المهنية وهو ما يعتبر مؤشر مهم على تصاعد شعبيته. يتشارك معه في هذا التصاعد الشعبي حزب الاستقلال وحزب الحركة الشعبية، ويبدو من ترشيحات حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية المقبلة، التي ارتكزت على ترشيح وزراء سابقين ورؤساء بلديات بجانب قيادات الصف الأول، واقع استشعار الحزب لخطورة تصاعد شعبية هذه الأحزاب.
اتضح هذا بشكل أكبر من خلال إقدام رئيس الحزب سعد الدين العثماني، على تغيير دائرة ترشحه في الانتخابات التشريعية المقبلة من الدائرة المحلية في مدينة المحمدية – وهي الدائرة التي خاض فيها الانتخابات التشريعية عام 2016 – إلى دائرة الرباط المحيط التابعة للعاصمة. المفارقة هنا أن العثماني كان قد أعلن في تصريح صحفي سابق، إنه لن يقوم بالترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة، وأنه سيفسح المجال بشكل أكبر للمرشحين من شباب الحزب، وهذا التناقض يمكن اعتباره سببًا آخر من أسباب تصاعد الخلافات الداخلية في هذا الحزب، وهو ما سيؤثر بشكل أو بأخر على أدائه في الانتخابات المقبلة.
4- السياق الإقليمي: يمكن وضع هذه الهزيمة الانتخابية القاسية لحزب العدالة والتنمية المغربي في سياق المشهد السياسي الإقليمي الذي بدأت إرهاصاته بشكل واضح عام 2013، وفيه دخلت الجماعات السياسية المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين في سلسلة من الانتكاسات المتواصلة، وهذا السياق بالقطع سيؤثر على أداء الحزب المغربي في المرحلة المقبلة، خاصة في حالة ما إذا تطور المشهد التونسي بشكل أكثر دراماتيكية ضد حركة النهضة.
إذن بالنظر لما تقدم، هل بالفعل تؤشر نتائج انتخابات الغرف المهنية لهزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية المقبلة؟ حقيقة الأمر أن هذه النتائج أدت إلى تقلص فرص الحزب في التواجد بشكل مؤثر في تشكيلة مجلس المستشارين المغربي المقبل، الذي يعد الغرفة الثانية من البرلمان المغربي، ويتكون من 120 عضوًا. يتم انتخابهم بتقسيم معين، حيث يتم انتخاب 20 عضو من جانب أعضاء الغرف المهنية، وثمانية أعضاء من جانب المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلاً (الاتحاد العام لمقاولات المغرب)، و20 عضوًا يتم انتخابهم من جانب النقابات وممثلي العمال (المأجورين)، و72 عضوًا يتم انتخابهم من جانب ممثلي (الجماعات الترابية)، وهم أعضاء المجالس البلدية ومجالس النواحي والأقاليم.
حزب العدالة والبناء خسر فعليًا مكونين أساسيين من مكونات هذه المعادلة، الأول هو الغرف المهنية، والثاني هو ممثلي العمال (المأجورين)، وذلك بعد أن حقق الحزب نتائج متواضعة في انتخابات اختيار ممثليهم التي تمت في يونيو الماضي. لذلك يمكن القول إن تمثيل الحزب في مجلس المستشارين المقبل سيكون ضعيف بشكل ملحوظ، وهو ما يقلص الخيارات الانتخابية أمام الحزب، ويجعل الانتخابات التشريعية المقبلة معركته الأساسية والنهائية. بعض المحللين يقعوا في خطأ كبير يعتبروا فيه أن النتائج السيئة في انتخابات الغرف المهنية، تؤشر بالضرورة على حدوث نتائج مماثلة في الانتخابات التشريعية، لكن واقع الحال يقول إن هذا المنطق لا يكون دائمًا صحيحًا.
فإذا عدنا إلى نتائج انتخابات الغرف المهنية عام 2015، سنجد أن حزب العدالة والتنمية حصل على المركز السادس فيها، لكنه تحصل على المركز الأول في الانتخابات التشريعية التي تمت في العام التالي، وهذا يعود إلى حقيقة أن الانتخابات التشريعية والبلدية تحكمها اعتبارات سياسية وتوازنات تختلف عن الاعتبارات التي تحكم الانتخابات النقابية والمهنية، ففي الثانية يغيب العامل الأيديولوجي والحزبي بشكل واضح، في حين يكون هذا العامل حاضرًا بقوة في الأولى، ناهيك عن خبرة حزب العدالة والتنمية على مستوى الانتخابات التشريعية، وحقيقة أن التنافس هو على أكثر من 15 مليون صوت انتخابي، وهو رقم أكبر بكثير من عدد المقترعين الذين يحق لهم التصويت في انتخابات الغرف المهنية.
إذن خلاصة القول، أن الضرر الذي أصاب شعبية ونفوذ حزب العدالة والتنمية في المغرب نتيجة أدائه المتواضع في انتخابات الغرف المهنية كان مهمًا ومؤثرًا، خاصة على المدى القصير، وسيؤدي إلى تقلص قوة الحزب على المستوى السياسي والتشريعي، لكن تأثير هذا الوضع على أداء الحزب في الانتخابات التشريعية المقبلة يبقى رهن بعوامل أخرى، أهمها قدرة الحزب على تشكيل ائتلاف انتخابي واسع وفعال من عدمها ، خاصة وأن التعديلات التي تمت على القوانين الانتخابية، واعتماد “القاسم الانتخابي” في توزيع الترشيح في الدوائر الانتخابية المختلفة بين الأحزاب، تمنع بشكل كامل هيمنة حزب واحد على المشهد الانتخابي، وبالتالي قد يستطيع الحزب في حالة ما إذا تمكن من عقد تسويات حزبية سياسية مع أحزاب أخرى، أن ينجو من التعرض لهزيمة انتخابية واضحة المعالم في الانتخابات المقبلة، لكن الأكيد ان حزب العدالة والتنمية بات في مرحلة الهبوط التدريجي بعد عشر سنوات من الصعود.
باحث أول بالمرصد المصري



