
لبنانيو الجنوب يقطعون الطريق على صواريخ حزب الله.. نهاية طالت وأوشكت
تبدع لبنان في هندسة الفراغ السياسي فتبقيه فارغًا على وجه التحديد، هذا الفراغ هو المسبب الرئيسي والمفرز الأول والأخير لكل الحروب بالوكالة التي خاضتها لبنان ولكل الخسائر التي تكبدها هذا الشعب، ولكن، وكيل الحرب في لبنان ربما يتكئ الآن فيعيد حساباته، ذلك أن الوضع المتردي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي الذي يعيشه اللبنانيون ويعانون منه يوميًا جعلهم رافضين لممارسات حزب الله التي تدفع باللبنانيين لمغامرات لا ناقة لهم فيها ولا جمل خصوصًا وأن القطاع الأعرض منهم قد أصبح يدرك لا محالة أن الحزب ضلع أساسي في عرقلة التشكيل الحكومي الذي يخلف لهم حالة الفراغ هذه، وبطبيعة الحال لا يمكننا الجزم بأن الرفض لممارسات الحزب هو وليد التراشق الأخير بالصواريخ لأن الرفض يمكن أن يكون قد وجد قبل ذلك بكثير ولكن شجاعة التعبير عنه لم تظهر إلا الآن.
سابقة الأولى من نوعها
كان أبرز انعكاس على ذلك ما قام به السكان المحليون في قرية ” شويا” الحدودية عندما قاموا باعتراض راجمة صواريخ تابعة لحزب الله ورفضوا مرورها أو استخدام أراضيهم كقاعدة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، في حالة من التململ الواضح وقد ظهر في مقطع الفيديو الذي تم تداوله تعالي صيحات الأهالي وهم ينددون بمرور العربة ويشيرون لراكبيها بأنهم يتبعون حزب الله.
وكما سبقت الإشارة فإنه لا يمكن الجزم بأن الضجر والتململ من ممارسات الحزب أمر وليد اللحظة، ولكن يمكن الجزم بكل تأكيد بأن واقعة اعتراض الراجمة الحادثة الأولى من نوعها والتي تضمنت أيضًا احتجاز عناصر من الحزب قبل أن يتم إطلاق سراحهم فيما بعد، أجبرت حزب الله على الاعتراف بأنه من يقوم بإطلاق الصواريخ بدلًا من نسب الأمر إلى مجموعات فلسطينية كما جرت العادة.
ترسانة السلاح المنسية
في هذا التوقيت حاول الحزب غسل صورته عندما برر ما تم تداوله إعلاميًا بأنه مجرد تخوف لدى المواطنين من إطلاق الصواريخ من مناطق سكنية، كما زاد الحزب على ذلك أن مقاتلي الحزب تم اعتراضهم أثناء عودتهم وليس أثناء ذهابهم، وبغض النظر عن صحة هذه التبريرات من خطئها فإن الواضح بجلاء أن الحزب قلق من تمرد اللبنانيين على مقاتليه وخصوصًا في الجنوب.
وتشير التحليلات إلى أن منطقة ” حاصبيا” والتي تقع فيها القرية التي شهدت الواقعة تغلب عليها الأغلبية الدرزية مما يؤكد أن الدروز لن يسمحوا باستخدام أراضيهم ولن يرضوا بأن يصبحوا دروعًا بشرية لعناصر حزب الله الذي يقوم بدور وظيفي في كسب النقاط لإيران، وما تفعله في بحر العرب بالوكالة وهو مؤشر خطير يجب أن يضعه الحزب في الاعتبار لأنه لو انتقل لكل المناطق ذات الأغلبية الدرزية سيشكل الأمر تحد حقيقي لممارسات الحزب الأمنية. على جانب آخر فإن قيام اللبنانيين باعتراض العربة التابعة للحزب يعيد إلى الواجهة مسألة ترسانة الأسلحة التي يمتلكها حزب الله والتي تقوض سلطات الدولة اللبنانية وتقوض سلطات الجيش اللبناني.
المرفأ وتشتيت الانتباه
بات الحزب يدرك أن محاولته لإعادة اكتساب الشعبية عن طريق تلك المحاولة من التنفيس على الحدود لم تجد نفعًا وأنه يفقد بالفعل الحاضنة السياسية والشعبية في عموم لبنان وعلى وجه التحديد في منطقة الجنوب التي تحتضن النسبة الأكبر من المسلمين الشيعة في لبنان، ويزداد الأمر سوءًا في ذكرى الانفجار الذي هز بيروت والذي تشير كل أصابع الاتهام إلى الحزب. واليوم يتضح أن حالة الرفض ليست لضرب الصواريخ في حد ذاتها ولكن للمنظمة التي يقوم عليها حزب الله وتقوم عليها ممارساته بشكل إجمالي.
وفي هذا الإطار أعلن الجيش الإسرائيلي أنه لا يرغب في تصعيد الأمور على الحدود رغم أنه قام باعتراض جميع الصواريخ التي أطلقها الحزب بسهولة، ولكن الجانب الإسرائيلي يدرك في نفس الوقت أن حزب الله يمتلك صواريخ دقيقة وفي حال استمر في الهجوم فسوف يصيب مواقع حساسة داخل إسرائيل. ولكن ما هو ظاهر أن قيام الحزب حتى الآن بإطلاق الصواريخ على مناطق غير مأهولة داخل إسرائيل يؤكد على أن الحزب يسعى لكسب النقاط والتأكيد على أنه من يحكم الجنوب وأنه لا توجد رغبة لديه في التصعيد.
ورغم المرارة التي يعيشها اللبنانيون بسبب ممارسات حزب الله وتردي أوضاعهم الاقتصادية والسياسية، فإن التحرك الأخير في القرية الدرزية يشير بما لا يدع مجالًا للشك أن ورقة التوت الأخيرة قد سقطت عن الحزب بعد مرور عقدين من الزمن، استطاع فيهما التدخل في قرارات الدولة اللبنانية والتأثير عليها بشكل سلبي للغاية، وكانت المرة الأولى التي ظهرت فيها حالة الغضب الشعبي من هذا التدخل عندما هتف اللبنانيون في تظاهرات 2019 ” كلن يعني كلن، ونصر الله واحد منن” وكانت التظاهرات طرف الخيط الذي أمسك به اللبنانيون وتمسكوا به حتى تمكنوا من اعتراض معدات حزب الله ومقاتليه علنًا.
الطريق الوعر واستنساخ التجارب
لم تخلق الطرق الوعرة لتسيرها الشعوب على مدار تاريخها، ولكن هذا ما حدث ويحدث وسيحدث في لبنان لفترة لا يمكن وصفها بالـ” قصيرة”، وإذا شئنا التركيز على الطريق الذي يسيره لبنان اليوم فهو بين أحداث متعددة منها ما شهدها الجنوب من أيام، وتبادل إطلاق الصواريخ بين حزب الله وإسرائيل إضافة لتراجع الأوضاع الاقتصادية وحالة الفراغ السياسي المستمر، كلها أمور صبت المزيد من الزيت على الأوضاع الإقليمية القابلة للاشتعال في أي لحظة.
كما أنها على جانب آخر تربط مصير لبنان بمصير أحداث سياسية خارجية يتصدرها الملف النووي الإيراني ومصير المفاوضات بين طهران والقوى الغربية، والأبرز هنا هو طهران التي يدفع لبنان في سبيلها أكثر مما تدفعه طهران نفسها، فالضربات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان استهدفت مواقع تتبع ميليشيات إيران داخل لبنان حيث راهنت تل أبيب على أن حزب الله لن يبادر بالرد في استنساخ لتجربة إسرائيل في سوريا، وهو ما بدا بوضوح أن حزب الله يرفضه مؤكدًا أنه جاهز للانخراط في أي معركة تتورط فيها إيران أو تبدأها، خاصة وأن مجلس الأمن الدولي بصدد عقد جلسة تخصص لمناقشة القرار رقم 1701 لبحث التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب.
يبقى هنا أن نشير إلى أن الانعكاس الأكثر خطورة لما حدث في الجنوب من اشتباك لأهالي قرية شويا المنتمين للـ ” الدروز” مع عناصر من حزب الله سيلقي بظلاله على أمور أخرى قد تلعب على وتر الانقسام الطائفي فقد لحق باعتراض طريق العربة التابعة لحزب الله اعتراض آخر وقطع طريق على بعض المشايخ التابعين للدروز في طريق البقاع، وهو ما ينذر بتجدد الخلاف بين عشائر العرب والحزب في الجنوب.
لا توأمة بين هويتين!
لما كانت نعوت الوطنية والإسلامية لا تسير على قدم المساواة فقد واجه حزب الله بواجهته ” الشيعية” رفضًا شعبيًا داخل لبنان منذ الثمانينات، إلا أن تبني الإيرانيين والسوريين له بهدف استخدامه لتحقيق مصالحهم داخل لبنان وطدت من دعائمه خصوصًا في ظل تخلي الدولة اللبنانية عن الكثير من مهامها ولا شك أن الفراغ الذي تخلفه الحكومات هو نقطة انطلاق كل الجماعات الإسلامية.
كما أن احتكاره وحده للسلاح جعل اللبنانيين يشعرون بالتهديد طوال الوقت لأنه ليس من الطبيعي أن تحتكر جهة غير الدولة” داخل الدولة” السلاح فيما يعاني الجيش الوطني من نقصه الأمر الذي كان له أكبر الأثر في إشعال بذور الانقسام الطائفي – فلماذا تحتكر تلك الطائفة السلاح دون غيرها؟
ولذلك، لا نبالغ إذا قلنا إن حزب الله بات معزولًا بالفعل ولا يقف وراءه إلا عناصره نفسهم الذين يحظون كل الدعم من إيران، ويصطف إلى جانبهم بعض المبالغين من أصحاب الفرضيات والأطروحات اليسارية التي يضيق أفقها على أصحابهم، فيتناسون أنه هناك اتجاه يمكن أن يكتسب صفة العالمية فيما يتعلق بحظر الحزب ووضعه على قوائم الإرهاب.
وفي كل مرة تسقط فيها ورقة التوت عن الحزب يراهن فيها على الدعم الإيراني وهو نفس السبب في سقوط الورقة! فلا الحروب بالوكالة أصبحت مقبولة ولا التغطية على ممارسات إيران في بحر العرب باتت تنطلي على أحد، ومن هنا تتسع النظرة لتشمل التعامل مع الميليشيات التابعة لإيران في العراق والتي فقدت هي الأخرى الأرضية والشعبية ليس من عموم العراقيين ولكن من شيعتها!
وتشير التطورات الحالية إلى فقد إيران هيبتها ومن ورائها الميليشيات التابعة لها، وآن للبنان أن يتخلص من الهيمنة الإيرانية المرعبة وسيطرة حزبها على مفاصل الدولة بدعوى المقاومة، وصحيح أن لبنان يعاني الكثير من المشاكل منها المحاصصة والطائفية وتأثير الأطراف الخارجية إلا أن كل هذه المشاكل ليست سوى رأس جبل الجليد، أما جبل الجليد نفسه فهو ذلك الحزب ” حزب الله”.
باحث أول بالمرصد المصري



