دول المغرب العربي

مصر وتونس… تشابه واختلاف التجربة

تعد تونس الدولة الأولى التي انطلقت منها الثورة في 17 يناير 2011، ثم انتقلت إلى مصر في 25 يناير 2011، تشابهت الدولتان في دوافع الثورة والرغبة في الإطاحة بأنظمة الحكم الاستبدادية بها سواء نظام بن على في تونس أو نظام مبارك في مصر. ودخلت كل منهما في مراحل مختلفة حتى وقتنا هذا.

عقب اندلاع الثورة في تونس تمكنت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة من وضع قانون انتخابي وانتخاب هيئة مدنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وتحديد موعد الانتخابات في أكتوبر 2011 على ألا تتعدى فترة سنة لصياغة دستور جديد. وقد نتج عن انتخابات 2011 صعود الإسلاميين إلى الحكم، لكنهم افتقروا إلى الخبرة في الإدارة وعرفت تلك الفترة بمرحلة الاحتقان السياسي وصلت إلى حد الاغتيالات السياسية والاعتداء على الاتحاد العام التونسي للشغل ومحاولة أخونة المجتمع التونسي، ما أدى إلى تفاقم الاحتجاجات ومنها اغتيال القيادي في الجبهة الشعبية محمد البراهمى والناشط شكري بلعيد في 2013، وقتل جنود تونسيين بجبل الشعانبى أثناء إفطارهم في شهر رمضان، ما أدى إلى تعطل أعمال المجلس التأسيسي وخروج الآلاف من التونسيين للمطالبة بحكومة تصريف أعمال، والعمل على إنهاء الدستور وتحديد موعد الانتخابات.

مرت مصر بمراحل شبيهة جزئيًا بما حدث في تونس، لكن بعد تنحي الرئيس حسنى مبارك تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أمور البلاد، وتم الخروج بإعلانين دستوريين في 13 فبراير و30 مارس 2011، وبعد ذلك تم عقد انتخابات برلمانية فاز بها حزب الحرية والعدالة ثم وصول مرشح الحزب محمد مرسى إلى الحكم في يونيو 2012، انخرطت جماعة الإخوان في النظام السياسي، وسيطرت الجماعة على مؤسسات الدولة، وتفاقمت المشكلات الاقتصادية وتصاعدت الاحتجاجات مطالبة بعزل محمد مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وصدر عن المحكمة الدستورية العليا حكم بحل البرلمان في يونيو2012 وعدم دستورية بعض المواد التي تم على أساسها انتخابات مجلس النواب، وأصدر رئيس المجلس العسكري قرارًا بحل مجلس الشعب، وتشكيل جمعية تأسيسية لوضع الدستور، لكن الرئيس محمد مرسى ألغى الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري وأصدر إعلانًا جديد في 12 أغسطس 2012، وأثار هذا الإعلان جدلًا واسعًا، لأنه يوسع سلطات الرئيس على حساب باقي السلطات.

خلال سيطرة الإخوان على الحكم تفاقمت الأزمات داخل الدولة وهو ما يجعل تونس ومصر تشتركان في هذا المسار، وتمثلت ملامحه في عدم قدرة الإخوان على الإدارة، فضلا عن رغبتهم في السيطرة على كل مؤسسات الدولة، بالرغم من طرحهم مبدأ مشاركة لا مغالبة، واستمروا بالحكم حتى يونيو 2013 وخرج المواطنين مرة أخرى مطالبين برحيل الإخوان، وتولى قيادة المرحلة الانتقالية رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور، ثم بدأ الإعلان عن خارطة طريق في 8 يوليو 2013 وتنفيذها من حيث تعديل الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في يونيو 2014. 

في الوقت الذي كانت مصر تخطو خطواتها نحو الاستقرار السياسي بعد 30 يونيو، قدم الاتحاد العام التونسي للشغل في تونس في سبتمبر 2013 واتحاد الأعراف ورابطة حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بمبادرة للحوار الوطني للخروج من الأزمة. فكان التوافق على تشكيل حكومة جديدة اتفقت عليها جميع الأطراف السياسية، ومسار آخر لإنهاء الخلافات القائمة حول الدستور، وانتخاب الهيئة العليا للانتخابات.

وفى يناير 2014 تم الانتهاء من كتابة الدستور والتصويت عليه، وبدء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في إعداد رزنامة الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفى انتخابات 2014 فاز حزب نداء تونس بـ 89 مقعد من 217، وفاز الباجي القائد السبسي رئيس حزب نداء تونس بالرئاسة بنسبة 55.68 % أمام منافسه المنصف المرزوقي، وشكل الحزب الفائز الحكومة مدعمة بأربعة أحزاب أخرى بما فيها النهضة لإعطاء الحكومة حظًا أكثر للنجاح.

مثل الاختلاف في التجربة التونسية التي تم وصفها بالتجربة الرائدة في الديمقراطية في دول الربيع العربي عن التجربة المصرية في أن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة حاولت تحقيق الوفاق بين الأطراف السياسية المختلفة يسارية أو إسلامية أو مدنية وقامت بوضع القانون الانتخابي الذي تم اعتماده في انتخابات 2001، والتزمت بمبدأ التوافق، مما أعطى التحول التونسي طابعًا مدنيًا توافقيًا. على عكس التجربة المصرية عندما سيطر الإخوان على الحكم وتولي الرئيس المخلوع محمد مرسى، حاولوا السيطرة على كل مؤسسات الدولة وإقصاء كل القوى الأخرى، ثم ثار المواطنون في 30 يونيو.

بدأ الحوار الوطني في تونس في ظل وضع اتسم بانعدام الثقة وانسداد الأفق، نظرًا للتأخير في إصدار دستور توافقي بعد أربع مسودات آخرها في يونيو 2013 وتفاقم الأزمات وانتقاد الأداء الحكومي وتردى الأوضاع الأمنية وانتشار تهديد الإرهاب، واغتيال شكري بلعيد في فبراير 2013 والنائب محمد البراهمى في يوليو 2013، واستمرار اعتصام باردو شهر مطالبين بحل المجلس واستقالة الحكومة وبدأ الحوار في يناير 2014 وتم تشكيل حكومة برئاسة المهدى جمعه، وتم التوصل إلى دستور توافقي في 2014. 

أقر دستور تونس الفصل الأول كما ورد في دستور 1959 تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها والجمهورية نظامها” وساد غموض حول هل الإسلام دين الدولة أم تونس بصفتها دولة أغلبيتها مسلمة، وحاولت الأغلبية البرلمانية إزالة اللبس بإدراج دين الدولة توضيحًا للفصل الأول ضمن فصول الدستور في النسخ الأربعة. وحول شكل النظام السياسي أرادات الأغلبية نظامًا برلمانيا، وتمثلت كل الصلاحيات في يد الحكومة المنبثقة من البرلمان، بينما فضلت المعارضة نظامًا شبه رئاسي يوازن بين السلطات، وتم اختيار النظام شبه الرئاسي مع بعض التعديلات، تم تكوين حكومات مشتركة بين الترويكا سابقًا وبين نداء تونس والنهضة.

وساهم سلوك النهضة في تونس في استمرار تجربة الإخوان، حيث اتسم سلوكها بالبراغماتية والواقعية السياسية، فلم تكن الأيديولوجيا أو الالتزام العقائدي هما المقرر لخيارات النهضة خلال المفاوضات مع باقي الفرقاء السياسيين، وهو ما عكس النظرة الاستراتيجية للجماعة من أجل الحفاظ على مكاسبها، وحماية التجربة من السقوط كما حدث في مصر. أيضا التطور الفكري والأيديولوجي لحركة النهضة والذي انعكس في خطاب قادتها وكذلك في استراتيجيتهم طيلة المرحلة الانتقالية، والذي ساهم في الحفاظ على مكان الحركة بوصفها لاعبًا رئيسًا في المعادلة السياسية. ومحاولتها احتواء التنوع الثقافي والأيديولوجي في المجتمع التونسي، وركزت في خطابها على الديمقراطية بوصفها أداة رئيسة في إدارة الصراع السياسي والاحتكام لها ولمخرجتها، لكن الرغبة أيضًا في السيطرة على كل مؤسسات الدولة ساهم في خروج المواطنين في تونس رافضين لتحركات النهضة وسلوكياتها.

وبعد تصاعد الأزمات من حيث الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا، خرج المتظاهرون في ذكرى عيد الجمهورية الـ 64، مطالبين بإسقاط المنظومة السياسية، وتدخل الرئيس قيس سعيد متخذًا عدد من التدابير الاستثنائية لضبط الأوضاع داخل الدولة من حيث رفع الحصانة عن النواب وتجميد عمل البرلمان وإعفاء المشيشى رئيس الحكومة.

تشابه الوضع هنا مع مصر في حالة السخط الشعبي تجاه الإخوان في مصر والرغبة في عزل الرئيس محمد مرسى والرفض الشعبي لسيطرة الإخوان على مؤسسات الدولة، وبدء توقيع استمارات تمرد ثم إعلان خارطة طريق واستكمال باقي الاستحقاقات الدستورية في مصر، لكن الأمور لم تتضح بعد في تونس لحين انتهاء مدة القرارات الاستثنائية المتخذة وهي 30 يومًا.

تحديات مشتركة

تواجه كل من مصر وتونس تحديات مشتركة من حيث أزمة كورونا إلا أن هناك اختلافًا في مواجهة واحتواء الأزمات، وأن ما جعل مصر في وضع آمن هو الإصلاحات التي نفذتها منذ 2016 ويتوقع أن يصل النمو إلى 5.2 % في 2021، وقد أدت السياسات الاقتصادية الاستباقية إلى حماية الاقتصاد من تبعات الأزمة، مما خفف الأثر الصحي والاجتماعي للصدمة، بينما حافظ في الوقت نفسه على الاستقرار الاقتصادي الكلي وثقة المستثمرين، لكن مازال هناك بعض التحديات أمام مصر من حيث ارتفاع الدين العام وعدم التيقن من مسار الجائحة.

بينما ألحقت الجائحة ضررًا بالغًا بتونس في ظل ارتفاع مؤشرات الأزمة الاقتصادية، وتسببت الجائحة في انكماش الناتج المحلى بنسبة 8.2 % في 2020، ويعد أكبر هبوط في تاريخ اقتصاد تونس، وبلغ معدل البطالة 16.2%، وانخفضت عائدات السياحة إلى 2 مليار دينار تونسي في 2020.

ربما تمثل هذه المؤشرات وضعًا شبيهًا بمصر عقب ثورة يناير 2011، لكن مصر حاليا تتعافى وتونس في طريقها لمواجهة هذه التحديات. على المستوى الأمني يمثل خطر الإرهاب تحديًا مشتركًا بالنسبة لكل منهما، فكان تحديًا رئيسًا أمام مصر عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013 ومازال، واليوم يمثل تحديًا أساسيًا في تونس عقب قرارات 25 يوليو 2021.

موقف داعم

منذ عقد الانتخابات الرئاسية في تونس في أكتوبر 2019، كانت مصر من أوائل المهنئين للدولة التونسية وللشعب التونسي بتنفيذ الاستحقاق الرئاسي، متمنيه للرئيس قيس سعيد السداد والتوفيق، وكانت من أوائل الدول التي سارعت بالاطمئنان على صحة الرئيس التونسي، عقب قضية الطرد المشبوه الموجه للضرر بصحة الرئيس سعيد. وقد زار الرئيس السيسي تونس مارس 2019، وشارك في القمة العربية.

ومن منطلق دور مصر المحوري كقوة متوسطة في المنطقة وداعمة لأمنه واستقراره ومساندتها لأشقائها العرب، أرسلت مصر إلى تونس في يوليو 2021 في إطار أزمة كورونا المتفاقمة طائرتين تحملان أدوية ومستلزمات طبية، أيضا خرج بيان وزارة الخارجية المصرية في إطار القرارات الأخيرة التي أتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021 مؤيدًا وداعمًا للشعب التونسي ولأمن واستقرار الدولة وهذا ليس جديدا على مصر، فدائما ما تتمثل ثوابت السياسية الخارجية المصرية في؛ الحفاظ على الدولة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وارتباط الأمن القومي المصري بأمن واستقرار هذه الدول.

أيضا ساندت تونس مصر في أزمة السد الإثيوبي وباعتبارها عضو غير دائم في مجلس الأمن، كانت تونس من أوائل الدول الداعمة للموقف المصري والسوداني في ملف السد الإثيوبي، وتقدمت بمشروع للمجلس للتوصل لاتفاق ملزم بين الدول الثلاث حول تشغيل السد خلال ستة أشهر. وأعلن الرئيس قيس سعيد خلال زيارته إلى مصر في الفترة من 9-11 أبريل 2021 أن الأمن القومي المصري جزء لا يتجزأ من الأمن القومي التونسي. 

فالعلاقات المصرية التونسية؛ هي علاقات تاريخية وراسخة وليست وليدة اللحظة، وقد شهدت توافقًا وتميزت بالإيجابية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وخلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حيث دعمت مصر الحركة الوطنية التونسية وكفاحها ضد الاحتلال الفرنسي، كما تبنت مصر القضية التونسية في مجلس الأمن آنذاك. وهناك توافق بين الدولتين حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تمس أمن البلدين خاصة، والأمن العربي عامة، ومنها: مكافحة الإرهاب والقضية الفلسطينية والملف الليبي. كل من مصر وتونس عضوين في اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار الليبي، ووقعا في السابق مع الجزائر إعلان تونس الوزاري لدعم التسوية السياسية في ليبيا في فبراير 2017. 

أيضا حظيت العلاقات بين الدولتين باهتمام على المستوى الاقتصادي حيث بلغ التبادل التجاري بين مصر وتونس 572.3 مليون دولار في 2019 وفقا لمكتب التمثيل التجاري المصري في تونس. وتمثل الاستثمارات المصرية في تونس ما يقرب من 2.5 مليون دولار، وقد بلغت الاستثمارات التونسية في مصر ما يقرب من 35 مليون دولار في قطاعات السياحة والصناعات الغذائية والاتصالات في عام 2019.

ختاما؛ يمكن القول إن تونس صدرت ثورتها إلى مصر، واستلهمت تصحيح مسار الثورة على غرار التجربة المصرية من حيث رفض تغول تيار الإسلام السياسي في الحكم ومحاولة استعادة الدولة وتصحيح مسار ثورتها وتحقيق الاستقرار والتنمية بها، بما جعل هناك تشابهًا ملحوظًا في بعض الخطوات والمراحل واختلاف في البعض الآخر.

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى