“وقف المعارف” .. ذراع أردوغان الدولية لتقويض المؤسسات التعليمية ل”غولن”
في إطار تحرك النظام التركي خارجيا رغبة في توسيع دائرة الإسلاميين التابعين له ونشرا لإيديولوجية ذلك الحزب وإقصاء المعارضة بكافة صورها، أنشأت تركيا مؤسسة عرفت باسم ” المعارف” وذلك لتقديم الخدمات التعليمية والتدريبية في داخل تركيا وخارجها عبر فتح عديد من المؤسسات والمدارس التعليمية وتقديم المنح الدراسية المختلفة، بحيث تصبح- مؤسسة المعارف- وفقا للنظام الحاكم الممثل الرئيسي لتركيا كدولة في الخارج في مجال التعليم وأن تكون وسيلة وأداة قوية تتصدى لحركة “خدمة” التابعة لفتح الله جولن.
خلفيات وأهداف التأسيس
تعود فكرة “مؤسسة وقف المعارف التركية” إلى عام 2016 حين قام حزب العدالة والتنمية– الحزب الحاكم- بتمرير قانون إنشاء “وقف معارف”، داخل البرلمان لتكون مهمته إقامة المدارس في دول العالم، ومطاردة حركة “الخدمة” التابعة، مستغلاً بذلك المستجدات التي طرأت على الساحة السياسية الداخلية.
وتقوم فكرة ” وقف المعارف” على تمرير أفكار من بينها العثمانية الجديدة وفكرة العرق المتفوق (العثمانية الجديدة والقومية الطورانية) رغبة في تصدير الأيديولوجية الأردوغانية القائمة على خليط من الإسلامية الراديكالية والقومية التركية إلى دول العالم.
تأتي الفكرة في أعقاب محاولة انقلاب يوليو 2016 الذي تزعمه المعارض فتح الله جولن ضد النظام الحاكم، وما تبعها من سياسات إقصائية وتشدديه تجاه معارضي النظام، ومع إخفاق الأداة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين) في نشر الأفكار والإيديولوجية الأردوغانية في عدد من دول المنطقة والعالم، سعى أردوغان لخلق بدائل تمحو ذلك الفشل ويستعيد من خلالها إحكام سيطرته ونشر نفوذه خارجيا مستخدما بذلك القوى الناعمة.
كما تأتي في سياق تقويض حركة “خدمة” التابعة للمعارض فتح الله جولن، وعلى خلفية ذلك أسندت تركيا لتلك المؤسسة مهمة إدارة المدارس والمؤسسات التعليمية ذات الصلة بـــ “حركة خدمة” التي أسسها جولن عام 1995 واهتمت بشكل كبير بمجال التعليم في آسيا وعدد من دول العالم.
وترتهن الفكرة أيضا لذلك النمط من السياسات للعمل كذراع للنظام الحاكم خارجيا لتكوين جماعة ضغط تساهم في نشر أفكاره المختلفة خلف عباءة تقديم الخدمات التعليمية وذلك كجزء من الحملة التبشيرية وجمع جيل جديد من الناشطين الإسلاميين لتبعية أردوغان ودعمه خارجيا، كما يستخدم ذلك النمط من الأذرع الخبيثة للنظام الحكام في الترويج للأهداف السياسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دول العالم.
تمدد وانتشار الفكرة
سعى حزب العدالة والتنمية إلى تدعيم تلك الفكرة والعمل على نشرها في العديد من دول العالم تحقيقا للأهداف التي أشرنا إليها آنفا، وتحقيقا لذلك فقد ضخت الدولة التركية منذ تأسيس تلك الفكرة عام 2016 حوالي 723 مليون ليرة من خزينة الدولة فضلاً عن 19 مليون دولار في شكل تبرعات.
وبلغ عدد المدارس التابعة لمؤسسة “وقف المعارف التركية” حول العالم نحو 300 مدرسة وجامعتين و30 سكن طلابي، وذلك وفقاً لما ذكره، عضو مجلس الأمناء للمؤسسة، جهاد داميرلي، خلال مشاركته في تخريج دفعة جديدة في السودان في الخامس والعشرين من فبراير الماضي، وتقوم المؤسسة حالياً بتعليم نحو 30000 طالب، وتستهدف المؤسسة للانتشار في عدد 193 دولة وفقاً لتوجيهات أردوغان لإدارة المؤسسة.
ومن الملاحظ من خريطة الغزو التعليمي لتلك المؤسسة تنفيذاً للأهداف المذكورة أعلاه، فإن غالبية تلك المدارس تقع في الدائرتين العربية والإفريقية حيث تتواجد في نحو 15 دولة إفريقية ونحو ثلاث دول عربية وعدد من الدول الآسيوية والأوروبية، وذلك وفقاً لما ذكره رئيس وقف المعارف التركية، بيرون أقغون خلال تصريح له في نهاية ديسمبر لعام 2017.
وعلى الرغم من ذلك الانتشار إلا أن هناك عددا من الدول التي عارضت تدشين مثل تلك المدراس داخل أراضيها، ويأتي في هذا المقام تونس التي شهدت جدلاً واسعاً في نوفمبر لعام 2017 حول تأسيس إحدى المدارس التابعة لمؤسسة وقف المعارف التركية تحمل اسم “المعارف”، ففي حين وافق المدير العام للتعليم الثانوي بوزارة التربية على فتح تلك المدرسة والذي جاء طبقاً للقانون، فإن مديرة المكتبة الوطنية الحكومية- التابعة لوزارة الثقافة-، رجاء بن سلامة، انتقدت ذلك واعتبرت أن تلك المدرسة ستمثل تهديداً حقيقياً للمدرسة العمومية.
في حين نجد أن فرنسا رفضت بشكل صريح في مايو الماضي إقامة مثل تلك المدارس على أراضيها من قَبل عدد من أعضاء البرلمان الفرنسي إلى جانب وزير التعليم الفرنسي، جين مايكل بلانكوير، والذي قال قرار افتتاح مدرسة ثانوية تابعة لتركيا، أمر غير مقبول.