
“الاصطدام بالعوائق لا تخطيها” … سدود أديس أبابا ما بين “التنمية والسياسة”
على عكس ما يتبادر إلى ذهن البعض، لم تكن التوجهات الإثيوبية نحو بناء سدود متعددة الأغراض وليد السنوات الأخيرة، بل كانت هذه التوجهات تلح على صانع القرار في أديس أبابا منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لكن كانت هذه التوجهات على شكل مراحل متتابعة، لكل منها أهداف تتنوع ما بين الجوانب الاقتصادية والتنموية والبيئية، وصولا إلى الجوانب السياسية والجيوستراتيجية التي من خلالها تتحول هذه السدود إلى أدوات ضغط سياسي على دول أخرى.
التعجل في تنفيذ هذه التوجهات خلال العقود الماضية، ادى إلى نشوء تعقيدات وآثار سلبية واضحة في الداخل الإثيوبي والخارج، خاصة فيما يتعلق بالجوانب البيئية والسكانية، وكذلك علاقة أديس أبابا بمحيطها الإقليمي والدولي، ناهيك عن المعضلات الفنية والتمويلية التي ظهرت خلال مسار طويل من بناء السدود والخزانات المائية، والتي بلغ عددها نحو 31 سدا وخزانا .
الخمسينيات والستينيات … بداية السدود الإثيوبية

بدأ التفكير الإثيوبي في إنشاء سدود مائية بشكل موسع منذ ثلاثينيات القرن الماضي، بهدف رئيسي وهو توليد الطاقة الكهرومائية، وتنظيم تدفق مياه الفيضانات وضمان وصول إمدادات مياه الشرب بشكل مستمر إلى العاصمة أديس أبابا”. تركيز أديس أبابا في البداية كان منصباً على نهر “أكاكي” الذي ينبع من شمال غرب العاصمة، متجهاً نحو الجنوب، ومن ثم يصعد في اتجاه الشمال الشرقي.
أسست إثيوبيا على هذا النهر سدين، الأول على المدخل الشمالي لبحيرة “أبا صمويل” جنوبي العاصمة، وهو السد الكهرومائي الأول في تاريخ إثيوبيا، وتمت تسميته “هابتاموا أبيرا”، وبدأ العمل عليه عام 1932، وتشغيله بشكل فعلي عام 1941، وبلغ ارتفاعه نحو 22 مترا، وقدرة التوليد الخاصة به نحو 6.6 ميجا وات.
عانى هذا السد الذي تم تعديل بدنه عام 1954 نتيجة لمشاكل في التصميم، من مشاكل فنية عديدة خلال العقود الماضية، أهمها نسبة الترسيب العالية حول بدن السد، ناهيك عن توقف محطة التوليد الخاصة به عن العمل مطلع سبعينيات القرن الماضي، وظلت خارج الخدمة طيلة عقود إلى أن قامت شركة “هوادونج” الصينية عام 2012، بتوقيع عقد مع الحكومة الإثيوبية لإعادة تأهيل هذه المحطة، بقيمة 14 مليون دولار أمريكي، وتم إعادة تشغيلها بشكل كامل في ديسمبر 2016.
السد الثاني الذي أقامته إثيوبيا على هذا النهر كان سد “جيفرسا”، الذي تم تدشينه عام 1955، في موقع يقع شمال غرب العاصمة على بعد نحو 18 كيلو مترا، وتقع هذه المنطقة فعلياً في إقليم “أوروميا”، لكن تتولى هيئة المياه والصرف الصحي في العاصمة إدارة وتشغيل هذا السد، الذي من خلاله تم تكوين خزان رئيسي لمياه الشرب، عن طريق تجميع مياه نهر “جيفرسا” أحد روافد نهر “أكاكي” في نطاق يبلغ عرضه 10 كيلو متر، ويمتد بين سلسلة جبال “إنتوتو” و”ويتشاشا“.

خلال ستينيات القرن الماضي، تحول اهتمام أديس أبابا في بناء السدود إلى نهر “أواش” وروافده، وهو أحد الأنهار الرئيسية في البلاد، والشريان الرئيسي في حوض “مثلث عفر” المائي، حيث ينبع من منطقة تقع جنوبي جبل “ورقا”، في منطقة “ووريدا” التابعة لمقاطعة “شيوا” الغربية في إقليم اوروميا غربي العاصمة، ومن ثم يمر جنوباً وشرقاُ حتى يصب في بحيرة “غارغوري” التي ترتبط ببحيرة “أبي” الواقعة على الحدود بين إثيوبيا وجيبوتي.
أسست إثيوبيا خلال هذه الفترة سدين أساسيين، الأول هو سد “كوكا” في منطقة “شيوا” الشرقية، على المدخل الشمالي للبحيرة التي تحمل نفس الاسم، على بعد نحو 75 كيلو مترا من العاصمة، وهو ثاني سد كهرومائي يتم تدشينه في البلاد، وبلغ طول هيكله الخرساني 458 متر، وارتفاعه 47 مترا.
تولت عمليات التشييد والتجهيز الكهرومائي بشكل أساسي ثلاث شركات إيطالية، وبدأت عمليات البناء في ديسمبر 1957، وانتهت رسمياً في مايو 1960، وبدأت عمليات توليد الطاقة الكهربائية في أغسطس من نفس العام. استهدفت إثيوبيا من بناء هذا السد – بجانب توليد الطاقة الكهربائية بمعدل نحو 110 جيجاوات في الساعة سنوياً – التحكم في مياه الفيضانات الموسمية، وتكوين ظروف مناسبة لتحسين قطاع الصيد النهري، وذلك باستغلال خزان “كليلة” الذي تكون من بناء هذا السد، والممتد على مساحة 180 كيلو مترا مربعا.
السد الثاني الذي تم تدشينه خلال هذه الفترة على نهر “أواش” كان سد “ليجيدادي”، الذي تم افتتاحه عام 1967، على نهر “سندافا” أحد روافد نهر “اواش” قرب التخوم الشرقية للعاصمة، وهذا المشروع كان مخصصاً بشكل كامل لتوفير مياه الشرب للعاصمة، حيث أضاف إلى العاصمة نحو خمسة أضعاف حجم المياه التي وفرها سد “جيفرسا”. وقاد عاني هذا السد من معدلات ترسيب متوسطة، في حين عاني سد “كوكا” ومازال من تزايد مطرد في معدلات الترسيب.
السبعينيات … بداية اتساع دائرة السدود الإثيوبية، وظهور المعضلات
منذ بداية سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن، لوحظ توسع دائرة السدود الإثيوبية، لتشمل كافة الأحواض النهرية الموجودة على أراضي البلاد، حيث شملت بجانب حوض “مثلث عفر”، نهر “أباي” وهي التسمية الإثيوبية لنهر “النيل الأزرق”، بجانب نهر “شيبيل” الجنوبي، وبحيرة “توركانا”، التي كانت شاهد أساسي على مدى الأضرار التي تسببت فيها السياسات الإثيوبية المتسرعة في بناء السدود بشكل عام.

خلال تلك الفترة، عاد التفكير الإثيوبي مرة اخرى إلى فكرة السدود الكهرومائية، فشيدت عام 1973 السد الثالث من هذا النوع لكن هذه المرة على أحد روافد حوض النيل الأزرق، وهو نهر “فينشا”، وتمت تسمية هذا السد على نفس اسم النهر، الذي يقع قرب مدينة تحمل نفس الاسم. تصميم هذا السد كان مكرس لتوليد الطاقة الكهرومائية، بقدرة مائة ميجا وات، عن طريق توربينات يتم تشغيلها بتدفق المياه من بحيرة “شومين” شمال غرب إقليم “اوروميا” نحو نهر “فينشا”، وهو تصميم لا يؤدي إلى حجز دائم للمياه، بل يسمح بتنظيم تمريرها لتشغيل التوربينات، كما انه وفر القدرة على استغلال المياه بشكل أمثل لأغراض أخرى منها الري ومياه الشرب.
فترة ثمانينيات القرن الماضي شهدت تشييد سدين بمساعدة الاتحاد السوفيتي، الأول سد صغير للري ومياه الشرب يسمى سد “انجريب”، وقد بدأ تشغيله عام 1986، ويقع على مجرى نهر “ليسيير انجريب” الذي ينبع من شمالي مدينة “جوندر” في إقليم أمهرة، ويصب في بحيرة “تانا” بحوض النيل الأزرق.

السد الثاني هو السد الكهرومائي الرابع في إثيوبيا وهو سد “ميلكا واكينا”، الذي تم الانتهاء من تشييده عام 1989، في بداية مسار نهر “شيبيل” الذي ينبع من جبال “بالي” جنوب شرق البلاد ويصب شمال شرق مدينة “كيسمايو” الصومالية. بلغ ارتفاع هذا السد 42 مترا، وزود بمحطة توليد كهرومائية بلغت قدرتها 153 ميجاوات، وقد كانت تجربة الصومال مع هذا السد، المؤشر الأول على بدء تضرر دول الجوار من السياسات المائية الإثيوبية.

ففي فبراير 2007، فوجئ المزارعون في الصومال بجفاف كامل مجرى نهر “شيبيل”، وتأكيد رئيس الحكومة المحلية في إقليم “الصومال” الإثيوبي عبدي محمود عمر، أن حكومته قامت عمداً بإيقاف التدفقات المائية الصادرة من سد “ميلكا واكينا”، بهدف توفير المياه اللازمة لري الأراضي في الإقليم، وهنا اتضح للمزارعين في الصومال فداحة قرار قبولهم بتشييد السد الإثيوبي دون الاتفاق بشكل ملزم وواضح على حجم التدفقات المائية المسموح بها من إثيوبيا في اتجاه الصومال، علماً أن هذه المشكلة لم تظهر الا بعد ان بدأت موجات متتالية من الجفاف الشديد والممتد تضرب هذه المنطقة منذ عام 2007، وهي موجة لم يسبق أن حدثت منذ تشييد السد الإثيوبي عام 1989.

ما بين منتصف الثمانينيات وأواخر التسعينيات من القرن الماضي، شيدت إثيوبيا أربعة سدود كانت مخصصة جميعاً للري وتخزين مياه الشرب، أولها كان في حوض نهر “السوباط”، وهو سد “ألويرو”، بمنطقة “أبوبو” في إقليم “جامبيلا” أقصى غرب البلاد قرب الحدود مع جنوب السودان، وأستهدف هذا السد تحسين عمليات الري خاصة بعد موجة المجاعة التي ضربت البلاد منتصف الثمانينيات.
انتهت عمليات إنشاء هذا السد أواخر عام 1985، بسعة مائية بلغت 74.6 مليون متر مكعب. السد الثاني الذي تم تشييده في هذه الفترة هو سد “ميدمار”، الذي تم تشغيله عام 1996، لتنظيم مياه الشرب ومياه الري الواردة إلى بحيرة “ميدمار” الواقعة شمال شرق مدينة “إكسوم” في إقليم “تيجراي” أقصى شمال البلاد. في نفس العام تم تشييد سدود اخرى للري، لكن في نطاق حوض “مثلث عفر” المائي، وهو سد “ووديشا بليبلا” شرقي العاصمة، وسد “داير” شمال شرق العاصمة، والذي تم إعداده ليكون بمثابة خزان لمياه الشرب، وتم افتتاحه عام 1999.
سدود إثيوبيا الكهرومائية … ومأساة بحيرة توركانا

دخلت إثيوبيا في مرحلة جديدة كلياً في مجال بناء السدود، بمجرد وصول رئيس الوزراء السابق ميليس زيناوي إلى سدة الحكم في أديس أبابا، حيث أطلق زيناوي سلسلة من مشاريع بناء السدود الكهرومائية، ضمن خطة الطاقة الوطنية للبلاد، التي تم إعلانها عام 2003، والتي تستهدف بجانب زيادة معدلات توليد الطاقة الكهربائية وضخها في الشبكة الداخلية الإثيوبية، تصدير الطاقة الكهربائية إلى دول أفريقية مجاورة مثل كينيا وجيبوتي. من أهم هذه السدود سد “تيكيزي” على النهر الرابط بين إقليم تيجراي وأمهرة شمالي البلاد، والذي تم الانتهاء من بنائه في فبراير 2009، وبدء توليد الكهرباء عام 2010، وتكلف نحو 360 مليون دولار، وتستطيع التوربينات الأربع المزود بها ان تولد طاقة كهربائية تصل إلى 300 ميجاوات.
المشروع اللافت للنظر الذي دشنه زيناوي كان يتعلق بشكل أساسي بإعادة استئناف بعض المشاريع التي كانت قد توقفت نتيجة صعوبات في التمويل، حيث وضعت أديس أبابا نصب أعينها استغلال نهر “أومو” وروافده في إقليم “أوروميا”، في بناء سلسلة من السدود الكهرومائية، التي اتضح بعد ذلك أن لها تأثيراً مدمراً متعدد الأبعاد على بحيرة “توركانا” التي يقع الجزء الأكبر منها في كينيا.
السد الأول الذي تم إنشاؤه على هذا النهر هو سد “جليجل جيب” الصخري، الذي يقع على بعد نحو 57 كيلو مترا شمال شرق مدينة “جيما” في إقليم أوروميا، وقد خططت أديس أبابا لبنائه بهدف توليد الطاقة الكهرومائية والتحكم في مياه الفيضان. كان العمل في بناء هذا السد قد بدء عام 1988، لكن توقف عام 1994 لمشاكل في التمويل، وتم استئناف العمل في السد مرة أخرى، حيث تم إتمامه بشكل كامل عام 2004، وبدأ توليد الطاقة الكهرومائية منه بالفعل بقدرة 184 ميجا وات.
آلية العمل في هذا السد تتلخص في القيام بتحويل المياه من السد عبر نفق طوله نحو عشرة كيلومترات، باتجاه محطة توليد الطاقة الكهرومائية تحت الأرض، ثم تصريف المياه مرة اخرى باتجاه مجرى نهر اومو، ومن ثم بعد مسافة نحو 2 كيلو متر، تدخل المياه مرة أخرى في نفق يبلغ طوله 26 كيلو مترا إلى محطة ثانية لتوليد الطاقة الكهرومائية، تمت تسميتها “جليجل جيب 2″، وقد بدء بناء هذه المحطة التي تبلغ طاقتها الإجمالية 420 ميجا وات في مارس 2005، بواسطة شركة “ساليني” الإيطالية، وواجهت عمليات إنشاء هذه المحطة والسد الملحق بها مجموعة من المشاكل، منها تسبب مشاكل هندسية وتقنية في تأخير افتتاح المحطة عن الموعد الذي كان مقرراً، حيث تم افتتاحها في يناير 2010، بدلاً من أواخر عام 2007. حتى بعد تشغيل المحطة، أنهار قسم من النفق الناقل للمياه إلى المحطة، ما أدى إلى توقف عمليات تشغيلها إلى أواخر عام 2010.
المرحلة الثالثة من السدود المقامة على نهر أومو كانت هي الأكثر جدلاً، حيث بدأت شركة “ساليني” الإيطالية في أنشاء سد “جليجل جيب 3” الكهرومائي عام 2005، باستثمارات بلغت 1.7 مليار دولار، وقد تم إتمام بناء هذا السد ومحطة الطاقة الكهرومائية الملحقة به عام 2017، علماً أن هذه المحطة تبلغ قدرتها الإجمالية 1780ميجا وات، وسعة خزان السد تصل إلى 11.75 مليار متر مكعب. التأثيرات السلبية لهذا السد على بحيرة توركانا التي تقع في المثلث الحدودي بين إثيوبيا وكينيا كانت من أبرز الدلائل على عدم اكتراث أديس أبابا بأية محاذير بيئية أو أي أضرار تلحق بالدول المجاورة لها من جراء تشييد مثل هذه السدود، ناهيك عن انتهاكها لمجموعة كبيرة من القوانين الدولية، مثل إعلان الأمم المتحدة بشأن الشعوب الأصلية، واتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
بحيرة توركانا، يتم تغذيتها بنسبة 90 بالمائة من تدفقات الفيضانات الموسمية لنهر أومو، وتعد هذه البحيرة هي أكبر بحيرة صحراوية على مستوى العالم، ويقطن في حوضها أكثر من مليون شخص، خاصة في الوادي الجنوبي للنهر. تبلغ مساحة حوض توركانا 131 ألف كيلو متر مربع، وتستوطنه عشر مجموعات إثنية، تعد من المكونات الأساسية للأمم الجنوبية الإثيوبية، مثل (مرسي، بودي، مووجوجي، كارا، هامر، باشادا، نيانجاتوم، داساناش). طبيعة هذه البحيرة المتنوعة جعلتها مصدر معيشة وعمل لفئات عديدة ما بين المزارعين والرعاة والصيادين، بجانب أهمية هذه البحيرة على المستوى السياحي، ففي مطلع سبعينيات القرن الماضي، تم على الشاطئ الشمالي للبحيرة إنشاء حديقة “سيبيلوي” الوطنية، وفي عام 1983 تم تصنيف الجزر الجنوبية والوسطى للبحيرة كمنتزهات وطنية بسبب تنوع الحياة البرية فيها، وتم في ما بعد وتحديداُ عام 1997، تسجيل المتنزهات الموجودة في هذه البحيرة كمواقع للتراث العالمي من جانب منظمة اليونسكو.

منذ أن بدأت عمليات ملء خزان سد “جليجل جيب 3″، بدأ منسوب المياه في البحيرة في الانخفاض، حيث انخفض لحظياً بمقدار 2 متر، وبدأ هذا المنسوب منذ ذلك التوقيت في الانخفاض التدريجي، حيث تشير بعض الدراسات الدولية إلى أن انخفاض مستوى مياه البحيرة سوف يصل قريباً إلى 40 مترا، وستتقلص مساحتها بنحو 8 كيلو مترات. وجود السدود الإثيوبية أعلى نهر أومو ساهم بشكل أساسي في منع تدفق مياه الفيضانات على البحيرة، وهذا أدى إلى تأثيرات سلبية مباشرة على مستوى مياه السد، وتأثيرات غير مباشر على الحياة البرية والأرصدة السمكية التي تعتمد عليها المجتمعات المحلية، حيث تزايدت نسبة الملوحة في مياه البحيرة بشكل كبير، وتقلص تدفق العوالق التي تتغذي عليها أسماك البحيرة، ناهيك عن تأثر نحو مائة ألف مزارع بتناقص مياه البحيرة، خاصة أن هذا التناقص أدى أيضاً إلى تأثر عمليات الرعي لأن الحشائش اللازمة لتغذية قطعان الماشية كانت تنبت بشكل دوري بفعل تدفق الفيضان على البحيرة.
يضاف إلى هذه التأثيرات السلبية، تأثير نقص المياه على حالة الغابة النهرية الوحيدة المتبقية في الأراضي الجافة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي الغابة الموجودة في حوض توركانا، حيث يعتمد بقاء هذه الغابة على الفيضانات الموسمية لنهر أومو، وتشير التقديرات إلى أن استمرار منع مياه الفيضانات من التدفق إلى البحيرة، سيؤدي إلى جفاف 290 كيلومترا مربعا من الغابات. مستوى المياه في نهر أومو يعد أمر حيوي بالنسبة لإعادة ملء خزانات المياه الجوفية في حوض توركانا، التي ستفرغ خلال السنوات المقبلة إذا ما استمرت معدلات تناقص مياه البحيرة، وهذا سيؤدي أيضاً إلى إزدياد تآكل ضفاف النهر، ما يتسبب في زيادة تدفق الرواسب ، وفقدان التربة الصالحة للزراعة على طول ضفاف النهر.
مجموعة عمل الموارد الأفريقية (ARWG)، وهي مجموعة تطوعية مكونة من ثمانية مستشارين من جميع أنحاء العالم، قامت من جهتها بتقييم الأثر البيئي لهذا السد على بحيرة توركانا، وتضمنت النتائج التي توصلت إليها حتمية انخفاض مستوى البحيرة بنسبة تتراوح بين 57 و60 بالمائة، وهذا سيؤثر على الحياة البرية ودورة الحياة في حوض توركانا، حتى لو تم الأفراج بعد ذلك عن المياه المخزنة في بحيرة السد، لتكون بمثابة “فيضان صناعي”، وهذا يعود إلى أن المواسم الزراعية والحيوانية ترتبط بشكل أساسي بمواسم الفيضان الطبيعي. يضاف إلى ذلك ان إثيوبيا كانت قد أعلنت انها ستسمح بتمرير الفيضان إلى داخل البحيرة عام 2016، لتعويض النقص الذي حدث خلال ملء خزان السد عام 2015، لكن هذا لم يحدث.
الآثار السلبية للسد تعدت البيئة لتشمل سكان المناطق المتاخمة لخزان السد، فقد احتجت بعض القبائل الموجودة في هذه المناطق مثل “مرسي” و”بودي” عام 2015، على عمليات الإخلاء والترحيل القسري لهم من بعض الأراضي القريبة من السد، وقد أسفرت هذه الاحتجاجات عن عشرات القتلى، وكان السبب الرئيسي فيها ان رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي تعد حينها أن تشييد السدود على نهر أومو سوف يجعل هذه المنطقة تعيش في رخاء تام، لكن فوجئ السكان المحليون ان الحكومة الإثيوبية قامت بتأخير أراضي المنطقة من القبائل، ومنحتها لشركات أجنبية من أجل بناء مزارع كبيرة لقصب السكر والقطن، وهذه الأخيرة تعد من أسباب تناقص المياه الواردة إلى بحيرة توركانا، نظراً لأن هذا النوع من المحاصيل يستهلك كميات كبيرة من المياه. يضاف هذا كله إلى ما أثاره بعض المهندسين الإثيوبيين المستقلين، حول أن الدراسات السيزمية الخاصة بالسد لم تكن وافية او دقيقة، وأن السد الثالث سيعاني من تسرب نسبته تتراوح بين 50 و75 بالمائة من المياه الموجودة في خزانه، بسبب الكسور المتعددة في صخور البازلت الموجودة في أساسات السد، وكذلك الأنشطة الزلزالية التي تم رصدها في موقع السد.
أذن وبالنظر إلى تجربة إثيوبيا فيما يتعلق ببحيرة توركانا الكينية، وقبلها نهر “شيبيل” الصومالي، نستطيع أن نجزم بأن سياسة أديس أبابا في ما يتعلق ببناء السدود، هي سياسة متعجلة ومتهورة، لا تضع للقانون الدولي او مصالح الدول المجاورة وزن أو قيمة، بل لا تضع أهمية حتى للبحوث السيزمية ودراسات الجدوى الاقتصادية، فالمهم بالنسبة لها هو حجز المياه من أجل استخدامها في الري وتوليد الكهرباء، واستخدام السدود في حد ذاتها كأدوات للضغط والابتزاز السياسي.
مصادر
باحث أول بالمرصد المصري



