سياسة

مكانة “جوائز الكتاب المصرية” إقليميًا

لطالما عُرفت السينما المصرية بوصفها “هوليود الشرق”، لما كان أشهر وأبرز فناني العرب يقصدونها كوجهة أساسية وقبلة فنية ينبغي على كل طامح للشهرة الواسعة والنجاح الباهر، العبور عليها أولاً وأخيرًا. لكن بإلقاء نظرة بسيطة على الحياة الثقافية المصرية، والتي بطبيعة الحال تعتبر أحد المحركات الأساسية لما يدور وراء الشاشات، من الممكن أن نرى كيف أن الوضع اليوم لا يُضاهي ذات المكانة الإقليمية التي تتمتع بها السينما المصرية لدى العرب.

فقد شهدت الحياة الثقافية في مصر بالفعل، منذ سنواتها المُبكرة، حركة نشطة قادها أعلام الفكر العربي، الذين خرجوا رأسًا من مصر وتمددت أعمالهم حتى تعدت الحدود الإقليمية وانطلقت منها عالميًا وتُرجمت الى لغات عدة. وكان هؤلاء كُتاب ومفكرون من العيار الثقيل، أمثال “توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، أنيس منصور، احسان عبد القدوس”، وغيرهم ممن تضيق السطور عن الإتيان على ذكر شيء ولو قليل من أمجادهم.

واستمرت ريادة المُفكر والمثقف والأديب المصري حتى العصر الحالي. وهو ما تشهد عليه بالفعل معظم الجوائز الأدبية المرموقة على السياق الإقليمي، والتي تُشيد جميعها بكفاءته وموهبته وتميزه.

ومن هذا المنطلق، تدور في الأذهان تساؤلات عدة، حول الدور الذي تلعبه جوائز الكِتاب الوطنية في تشجيع الموهوبين المصريين ثم العرب، والمكانة التي تحتلها مِصر في الوقت الراهن باعتبارها قبلة إقليمية للمثقفين، والدور الذي تلعبه جوائز الكتاب المصرية لثقل القوى الناعمة المصرية اقليميًا.  

نظرة على أبرز جوائز الكتب الإقليمية

تأتي الجائزة العالمية للرواية العربية الشهيرة باسم جائزة “البوكر”، باعتبارها واحدة من أهم الجوائز الأدبية المرموقة في العالم العربي، وهي جائزة سنوية تهدف لمكافأة التميز في الأدب العربي المُعاصر، ورفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب عالميًا، من خلال ترجمة الروايات الفائزة إلى لغات عدة والمساهمة في نشرها.

ويجري تنظيم هذه الجائزة تحت مظلة مؤسسة جائزة البوكر اللندنية، بينما يرعى مركز أبو ظبي للغة العربية الجائزة في الوقت الحالي، والذي يتبع دائرة الثقافة والسياحة لدى إمارة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية. وتقتصر هذه الجائزة على فرع واحد فقط من فروع الأدب، وهو مجال الرواية العربية.

تُنظم دولة الإمارات العربية كذلك عددًا من جوائز الكتاب التي حققت شهرة إقليمية واسعة بين جموع كُتاب العرب. من ضمنها، “جائزة الشيخ زايد للكتاب“، وهي جائزة مُستقلة تُمنح كل عام لصناع الثقافة من حول الوطن العربي. ونجحت منذ إطلاقها أول مرة في عام 2007، في ترك بصمة واضحة على إثراء الحياة الثقافية والأدبية والاجتماعية. وهي جائزة تشتمل على تسعة فروع، من بينها “الآداب، والترجمة، والمؤلف الشاب، والتنمية، وأدب الطفل والناشئة، الفنون والدراسات النقدية، وشخصية العام الثقافية، والنشر والتقنيات الثقافية”.

وترعى الإمارات العربية كذلك، جائزة أخرى مرموقة، تُسمى “جائزة العويس“، وتبلغ قيمتها الإجمالية 600 ألف دولار أمريكي، بواقع 120 ألف دولار في كل حقل. وتهدف الجائزة لتشجيع وتكريم الأدباء والكُتاب والمفكرين العرب، اعتزازًا بدورهم في النهوض الفكري والعلمي في مجالات الثقافة والأدب والعلم. ولقد بدأت هذه الجائزة أول مرة على يد الشاعر سلطان بن على العويس، والذي أسسها عام 1987، ثم تلي ذلك أن احتضن اتحاد كُتاب وأدباء الإمارات هذه الجائزة، وفي عام 1992، تحولت الجائزة الى مؤسسة ثقافية مستقلة تحمل اسمه، بموجب المرسوم الأميري الصادر بتاريخ 21/3/1994، والصادر من ديوان الشيخ راشد آل مكتوب نائب رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي.

كما يندرج تحت مظلة الإمارات العربية المتحدة كذلك، جائزة الشارقة للإبداع العربي، وهي جائزة موجهة للمبدعين من الإمارات وكافة أنحاء الوطن العربي، انطلقت عام 1996، وتهدف إلى تسليط الضوء على مواهب الكُتاب العرب واكتشاف المواهب التي لم يكن لها إصدارات سابقة في عددً من الميادين الأدبية؛ مثل، “القصة القصيرة، والرواية، والشعر، وأدب الطفل، والمسرح، والنقد”.

ولا نغفل كذلك عن ذكر، “جائزة الطيب صالح العالمية“، والتي تحمل اسم الكاتب والروائي السوداني الراحل، “الطيب صالح”. وهي جائزة سنوية تُمنح بالتزامن مع تاريخ ذكرى وفاته، وهي تجري تحت رعاية شركة الهاتف السودانية “زين”. وتُمنح الجائزة في ثلاثة فروع، “وهم الرواية، والقصة، الدراسات النقدية”.

أما بالنسبة للجوائز المصرية المتاحة أمام الكُتاب العرب، فتلك تتمثل في جائزتان؛ واحدة منهم هي جائزة نجيب محفوظ للأدب والتي أسستها دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1996، وتُمنح الجائزة لأفضل رواية معاصرة باللغة العربية تم نشرها خلال العامين الماضيين، ويتم ترجمة الرواية الفائزة للإنجليزية ونشرها حول العالم ضمن مطبوعات دار نشر الجامعة.

والجائزة الأخرى، هي جائزة النيل فرع المُبدعين العرب، والتي ينظمها المجلس الأعلى للثقافة وتمنح بوجه عام في ثلاثة أفرع للمُبدعين المصريين، تشتمل على “جائزة الفنون، جائزة الآداب، وجائزة العلوم الاجتماعية”. على أن تُخصص جائزة واحدة فقط من بين جوائز النيل للمُبدعين العرب في أيًا من مجالات الفنون أو الآداب أو العلوم الاجتماعية.

مكانة جوائز الكِتاب المصرية إقليميًا

تستمد الجوائز الأدبية شهرتها العابرة للحدود عادة من مدى تفاعل جماهير القُراء والكُتاب على حد سواء معها، ودرجة الترقب التي عادة ما تسبق ظهور نتائجها، وما تُثيره هذه النتائج من جدل مستمر داخل الأوساط الأدبية. علاوة على ذلك، بالطبع درجة إقبال الكُتاب والناشرون من مختلف الجنسيات على التقدم بما لديهم من أعمال للمنافسة على الجائزة.

بالنسبة لمِصر، فهي لا تملك فقط ما سلف ذكره من جوائز كتاب. بل بالعكس، تمتد جوائز الدولة المصرية للكتاب لتشتمل على ثلاث فروع رئيسية، وتلك تتباين ما بين جوائز الدولة التقديرية، والتشجيعية، وجوائز النيل. علاوة على جائزة خاصة –غير حكومية- مملوكة لمؤسسة رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، والمعنية بتنشيط الحياة الثقافية وهي جائزة ساويرس للآداب. لكن يشترط للتقدم لنيل هذه الجوائز، أن يكون المُتقدم مصري الجنسية. مما يترتب عليه انصراف جموع المثقفين العرب عنها، وعدم فاعليتها كأداة لتعزيز القوى الناعمة الأدبية المصرية إقليميًا. وهو الأمر الذي نجد أنه مغاير لعدد من جوائز الكتاب الإقليمية الأخرى، التي حققت رواجًا وشهرة عربية واسعة في أوساط المثقفين العرب خلال السنوات الأخيرة.

من الملحوظ كذلك، أن جميع هذه الجوائز المحلية سالفة الذكر، عدا جائزة ساويرس، تعاني من أزمة تسويقية كبيرة. فهي جوائز حكومية مرموقة، تحظى بكوادر لجان تحكيم لها تتألف من شخصيات أدبية وثقافية لها وزنها، لكن المأزق يكمن في افتقارها الى السياسة التسويقية الجيدة التي توازي ما تقوم به جوائز الكتب الأخرى، فتجعل من الجائزة محط أنظار الكُتاب الأنجح داخل البلاد. كما تٌعاني، من ناحية أخرى، من ذات الأزمة التسويقية سواء بالنسبة للجوائز التي تستهدف الكاتب المصري أو تتاح أمام العربي، نظرًا لافتقارها الى خطة ترجمة وتسويق الأعمال الفائزة على مستوى دولي.

مما ينتج عنه عددًا من النتائج، تبدأ من عند انتباه القلة القليلة –محليًا وإقليميًا- من الكُتاب الجديرون لهذه الجوائز، فلا يتقدم عدد كبير من الأعمال المستحقة، ويترتب على ذلك أن ينحصر الناتج النهائي في ذات الأسماء الأدبية المعروفة من دون أن تقوم الجائزة بعمل مفعولها التشجيعي والذي يهدف في الأساس لتشجيع الكتاب الواعدون وتنشيط حركة الأدب من خلال تسليط الضوء على أعمال جديدة تنتمي لوجوه أدبية جديدة. كما أنها تفتقد كذلك إلى عنصر التأثير الدولي الممتد بسبب عدم اعتمادها على استراتيجية واضحة للترجمة والتسويق في الخارج. علاوة على ذلك، وقفت شروط الجوائز المحلية في موقف الجامد الثابت الذي لم يتحرك ويتأثر بمرور الزمن، ولم يحاكي متطلبات التطور العصري. لذلك تراجعت مكانتها الحالية لما عجزت عن مواكبة التغيرات العصرية المتلاحقة.

وختاما، نجد أن جوائز الكُتب في مِصر لا ينقصها الكوادر الأدبية، ولا الكوادر التحكيمية، ولا حتى التمويل اللازم، بل إعادة تنظيم لشروط التقدم، ووضع خطط تسويقية جديدة تواءم متطلبات العصر، وإتاحة المزيد من الفرص أمام المثقفين العرب للانضمام، علاوة على ضرورة عقد بروتوكولات تعاون ثقافية مع أكبر دول العالم تضمن ترجمة الأعمال الفائزة وتوزيعها عندهم أملاً في تحقيق المزيد من التأثير الخارجي.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى