أفريقيا

النزاع ” العفري – الصومالي” والمستقبل الغامض لنجاح مركزية ” آبي أحمد”

جبهة أخرى تتصدع أمام فكرة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الوحدوية، ففي النزاع القديم الحديث؛ تجددت الاشتباكات بين إقليمي ” العفر ” و”الصوماليين”، وهو نزاع تاريخي يقوم على نزاع الموارد والسيطرة على الأراضي حول نهر أواش “عواش”، مع وجود بعض التدخلات الإقليمية، والتي تعمق من النزاع بين الأطراف، فتجدد النزاع غير المنتهي عقب توسيع جبهة تحرير  التيجراي لرقعة النزاع في الأراضي العفرية لقطع الطريق الاستراتيجي بين جيبوتي وأديس أبابا لمحاصرة أديس أبابا، مع رفض شعبي للقوات الفيدرالية التي تركت الإقليم للهجمات الموسعة، فأعادت النزاع مرة أخرى للسطح، فاتهم المتحدث باسم إدارة إقليم الصومال الإثيوبي، علي بيديل، جماعات مسلحة من إقليم عفر المجاور بقتل مئات المدنيين في هجوم يوم السبت 24 يوليو الجاري، في منطقة معروفة باسم جدامايتو والمعرفة باسم جابراسييسا Garba-Ciise، وهي واحدة من عدة مناطق متنازع عليها على طول الحدود بين إقليمي الصومال وعفر، ، فما هو تاريخ هذا النزاع ودلالاته؟

شكل النزاع في إقليم العفر:

 يتزامن النزاع بين العفر وقبيلة العيسى الصومالية، الممتدة في دولة جيبوتي، مع استهداف التيجراي للقوات الإثيوبية الفيدرالية في إقليم العفر، وعلى الرغم من تصريحات المتحدث باسم إقليم عفر “أحمد كلويتا” أن هجمات جبهة تحرير شعب التيجراي قد أجبرت ما يزيد عن 54 ألفاً على النزوح والفرار من منازلهم والسيطرة على ثلاثة أحياء في الإقليم هذا الأسبوع، ودعوة أبناء الإقليم لمساندة القوات لفيدرالية؛ إلا أنه تجاهل الرد على ضحايا الهجمات المتبادلة مع إقليم الصومال والتي أسفرت عن “إصابة عدد غير معلوم” من الجانبين بحسب نشرة أمنية داخلية أصدرتها الأمم المتحدة، وهي نزاعات متجددة منذ عام 2014 عقب الاتفاق على تسليم إقليم العفر ثلاث مدن تخضع لسيطرة الإقليم الصومالي، مما دفع الحكومة الصومالية للانسحاب بشكل احادي من الاتفاق عام 2019، واستعادة تلك البلديات. وكعادة الاتفاقيات الإثيوبية لم تلتزم أي أطراف بتنفيذها، نتيجة عدم التوزيع العادل للموارد وتحقيق احتياجات أبناء القوميات المختلفة.

وهو الأمر الذي يعقد الوضع في الشرق الإثيوبي ومحور التنفس الاستراتيجي للدولة الإثيوبية الحبيسة على البحر الأحمر، في ظل وقوع النزاعات على خط استراتيجي للوصول إلى ميناء جيبوتي، كما يربط الطريق العام في إقليم عفر العاصمة أديس أبابا بعاصمة إقليم العفر سمرا ومنها إلي إريتريا ويتفرع لبعض المناطق شرقًا وصولًا لجيبوتي.

وتقع تلك الاشتباكات في منطقة التماس الحدودي بين الإقليمين والتي يقطنها أغلبية قبائل العيسى الصومالية، خاصة في البلدات الثلاث التي استعادهم الإقليم الصومالي عقب الانسحاب من الاتفاقية، وهم جدامايتو أو Garba-Ciise، وعندافعو وعدييتو، والتي تتميز بوضع خاص باعتبارها ممر التجارة الإثيوبية ووجود نهر أواش، والذي يتزايد النزاع في فترات الجفاف والفيضانات حيث تعيش القبائل في تلك المنطقة على الرعي والزراعة، على الرغم من وجود قوات إثيوبية لحماية الممر الدولي؛ مما يضعنا أمام تساؤل حول قدرة الدولة الإثيوبية على مواجهة النزاعات الطائفية في البلاد.

دوافع النزاع:

تعود مخاوف إقليم العفر الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، إلى القلق من انحسار القومية مع إزاحتهم من قبل جيرانهم الصوماليين وخاصة من قبائل العيسى الصومالية وهي ثاني أكبر قبيلة بعد الأوجادين، الذين يفوقونهم بثلاثة أضعاف عددهم، فقد أضحى نمو تلك المجموعات كقوميتا الأورومو والصومال بصورة فاقت قوميات كالعفر وسيداما، مثالاً للنمو السكاني والاتساع الجغرافي، مما أثار لدى شعوب العفر الخوف من توسع الأقاليم المجاورة على حساب أراضيم مما ينذر بانحسار القومية التي قد يسهل مزجها ضمن هذا المكون الجديد، فتحاول العفر إستعادة المجد القديم من خلال استعادة سلطنة العفر، باعتبار أن فقدانهم للاستقلال والقيادة الوطنية التي ترعى مصالح أبناء الإقليم بعيداً عن المكاسب السياسية التي يفرضها النظام الحاكم هي السبب وراء انحدارهم في ظل اهمال التنمية وتدهور أحوالهم المعيشية.

وتمتد سلطنة أوسا العفر الموجود في إثيوبيا إلى جيبوتي وإريتريا والحدود مع الصومال وإقليم الأورومو، وهي قبائل نازحة من جنوب المملكة السعودية والعفر قبائل موجودة باليمن، وكان يطلق عليه المثلث العفري، ويمثل نحو خمس مساحة إثيوبيا ويتمتع بالأراضي الخصبة والموارد المتنوعة، وعلى عكس العديد من الممالك التاريخية احتفظت العفر بوجودها، إلا أن انحسارها، قد أدى للتخوف من خسارة مكوناتها، والتي كان توضح استقلال الكيان العفري واختلافه عن ثقافة ولغة وتقاليد الحبشة، وظلت سلطنة عفر معترفاً بها على مختلف عصور إثيوبيا، وكانت لها وضعيتها الخاصة في إشراف السلطان علي مرح على رعيته المسلمة في الأحوال المدنية وفض المنازاعات وتطوير الإقليم خلال عهد الامبراطور هيلاسلاسي.

وعلى الرغم من تشابه العفر والصوماليين من أنهم منحدرون من قومية “الكوشيتا”؛ إلا أن الطرفين يحاولان الإنفراد بالمنطقة، فتحاول كذلك قبائل العيسي الوصول إلى إقليم خاص بالقبائل العيساوية بالانفصال عن الإقليم وقطع أراضي من العفر على ضفاف نهر أواش، وخاصة الطرق المؤدية إلى أديس أبابا للسيطرة على الطرق التجارية واستمرار الانفتاح، وبجانب اتهام العفر لجيبوتي بدعم القبائل العيسى ومحاولة السيطرة على نهر أواش من خلال تقديم الدعم لميلشيات “جبهة تحرير العيسي” و”القورقا” التي يتزعمها حسن بوح، وهو عسكري سابق في الجيش الجيبوتي، مما يُعد ضغطاً على الحكومة المركزية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، خاصةً في ظل فقد شعب العفر كذلك الثقة في الحكومة المركزية في الحصول على التعويضات في الأراضي التي سيطرت عليها رجال الأعمال بدعوى التنمية، وفقد العديد من أبناء الأقاليم لأراضيهم، وهو الأمر الذي ينذر باتساع رقعة أحداث العنف وتحول الأمر لصراع قبلي في الشرق مع دخول مجموعات من قبائل العيسى الصومالية الجيبوتية إلى الإقليم لدعم الموالين لها من نفس العرقية، وهو ما دفع الحكومة المركزية الإثيوبية لإرسال وفد رسمي إلى جيبوتي لمناقشة استعادة الأمن في المنطقة والذي زادت التدخلات من تعميقه والوصول لتسوية سياسية مع استعادة العلاقات التي توترت مع جيبوتي مع استعادة إثيوبيا العلاقات مع إريتريا إثر اتفاقية السلام الموقعة تخوفاً من استخدام منفذ جديد من خلال إريتريا، ولكن عاود النزاع على السطح عقب سيطرة التيجراي على المناطق الحدودية وخروج القوات الفيدرالية، مما دفع القوميات لمحاولة السيطرة على الأراضي التابعة لها وفرض سياسة الأمر الواقع، تخوفاً من انقلاب الحكم في إثيوبيا.

وترجع هذه الخلافات إلى سوء التقسيم الإداري للقوميات، والتي أعطى موارد لأقليم وحرم أخرى منها، كما أهملت الحكومة الفيدرالية المتعاقبة التنمية في تلك الأقاليم وتوزيع الثروة، بل عمدت الأنظمة كنظام آبي أحمد إلى بيع فكرة التنمية التي تقوم بها الدولة من خلال السيطرة على الأراضي العفرية دون تعويضات مناسبة او انعكاس التنمية على الإقليم، بل تتزايد سوء الأحوال مع استمرار العنف والفيضانات وسوء النظام السياسي الخاضع للمزايدات السياسية.

المستقبل الغامض لتحقيق الوحدوية:

يعد النزاعات والرغبات الانفصالية لشعوب الأقاليم المختلفة، مع تزايد الحركات المسلحة وعودة بعض تلك الميلشيات التي أعادها آبي أحمد ذاته، والصراع على السلطة وسوء التقسيم الإداري للأقاليم، وعدم تحقيق رغبات شعوب الأقاليم بالرغم من تعاون بعض حكامهم مع الحزب الموحد “الازدهار” الذي أسسه آبي أحمد على أنقاض الائتلاف الحاكم، وانضمت إليه جبهة تحرير العفر، في محاولة لحصد مكسب سياسي؛ إلا أن الشعب العفري قد انقلب على الحكومة الإثيوبية بعد اهمالها له في الحصول على تعويض بأراضي الإقليم بدعوى التنمية، ولكن على النقيض قام رئيس الإقليم بالدعوى لوقوف الشعب العفري أمام وجود التيجراي، مما سيسهم في تسليح المدنيين والذي قد يشكل خطراً ليس على الحرب ضد التيجراي، ولكن في تكوين جبهات مدنية ضد القوات الفيدرالية وداعميها، وكذلك في مواجهة قبائل العيسى الصومالية المسلحة بالفعل في ظل وجود جماعات مسلحة كما ذكرنا من قبل.

وقد يؤذي هذا التشرذم في ظل الضعف الاقتصادي وتهميش بناء القوميات المختلفة وفي ظل مطامع الجواركدعم جيبوتي للصوماليين، واحتمالية سقوط الحكومة الفيدرالية أمام تقدم التيجراي ومحاولة القوميات الاحتفاظ باراضيهم أو التوسع لفرض سياسة الأمر الواقع، وفقد الثقة في الحكومة الفيدرالية الحالية وبعد سيطرة آبي أحمد على الحكم عقب فوزه في الانتخابات، إلى محاولات تهديد بزيادة العنف القائم في البلاد، ووضع الدولة الإثيوبية أمام سيناريو التفكك القائم على الحلم التاريخي للقوميات، والعودة إلى الحبشة القديمة، وشعوب الجنوب والصومال الكبرى وسلطنة العفر، وإعادة تشكيل خريطة القرن الأفريقي.

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى