دول المغرب العربي

“أوضاع مأزومة”.. البعد الاقتصادي للاحتجاجات في تونس

خرج الشعب التونسي أول أمس الأحد الموافق الخامس والعشرين من يوليو الجاري -في الذكرى 64 لإعلان الجمهورية- مطالبين بإسقاط منظومة الحكم ومحاسبة الحكومة والبرلمان وذلك احتجاجًا على تردي الأوضاع الصحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وهو ما استجاب له الرئيس التونسي “قيس سعيد” بإصدار عدد من القرارات أبرزها تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن جميع النواب، وإقالة رئيس الوزراء “هشام المشيشي” من منصبه.

ومن هذا المنطلق، يحاول هذا التقرير استعراض أهم الدوافع الاقتصادية التي أدت إلى اندلاع المظاهرات.

أزمة اقتصادية عميقة

اجتمعت العديد من العوامل لتصب مزيدًا من الوقود على الأزمة الاقتصادية في تونس، لعل أبرزها انتشار فيروس كورونا، وتدهور المؤشرات الاقتصادية، وتردي الأوضاع الاجتماعية، وهو ما يُمكن تلخيصه على النحو الآتي:

مؤشرات سلبية:

تكشف مؤشرات الاقتصاد الكلي كمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل البطالة والتضخم والدين العام عن تردي الأوضاع الاقتصادية مسببة ضغوطات على الحياة اليومية ومستوى المعيشة للمواطنين، ومؤثرة سلبًا على مسار مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي بشأن تأمين قرض يبلغ قيمته 4 مليارات دولار.

الشكل (1): معدلات النمو الاقتصادي في تونس

يتبين من الشكل السابق أن تونس استطاعت أن تحقق معدلات نمو إيجابية منذ عام 2012 وحتى 2019، مع تباطؤ النمو الاقتصادي خلال 2019 من 2.7% إلى 1%، لتسجل انكماشًا غير مسبوق منذ عام 2011 خلال العام الماضي عند 8.8%. وعن معدلات التضخم، يمكن عرضها على النحو الآتي:

الشكل (2): تطور معدلات التضخم شهريًا (%)

يتبين من الشكل السابق ارتفاع معدل التضخم في تونس بشكل ملحوظ حتى يونيو 2021 مسجلًا 5.7%، عقب استقراره خلال أبريل ومايو عند 5%، وذلك بدافع من ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل أساسي إلى جانب العديد من السلع والخدمات الأخرى، وهو ما يُمكن عرضه على النحو الآتي:

الشكل (3): تطور أسعار بعض السلع والخدمات

من الشكل السابق يتضح ارتفاع أسعار أهم السلع والخدمات في الاقتصاد التونسي؛ حيث ارتفعت أسعار التغذية والمشروبات من 6% في مايو 2021 إلى 7.2% بحلول يونيو الماضي، وكذلك الملابس والأحذية بنحو 7.3%، كما سجلت خدمات النقل ارتفاعًا قويًا بسبب عدة إجراءات –سنذكرها لاحقًا- بحوالي 3.4% في يونيو مقارنة مع 1.5% في الشهر السابق، وأخيرًا، ارتفعت أسعار خدمات المطاعم والنزل إلى 7%. وعلاوة على ذلك، شهدت معدلات البطالة ارتفاعًا خلال السنوات الماضية، يٌمكن توضحيها كما يلي:

الشكل (4): تطور معدلات البطالة السنوية (%)

يتبين مما سبق ارتفاع معدلات البطالة في تونس خلال العام الماضي إلى 16.69% مقابل 15.13% خلال 2019، بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 1.56%. ويُمكن ملاحظة أن معدل البطالة بدأ من الاقتراب من مستويات عام 2011 والذي شهد أعلى مستوياته خلال الفترة محل الدراسة.

ويُعد الدين العام  وعجز الموازنة من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي مؤخرًا، حيث:

  • صوت مجلس النواب التونسي في ديسمبر 2020 على ميزانية عام 2021 بعجز متوقع بأكثر من 7% من إجمالي الناتج المحلي تبلغ قيمته ثمانية مليارات دينار تونسي (3 مليارات دولار)، وسيبلغ إنفاق الدولة نحو 41 مليار دينار تونسي، فيما يُتوقع أن تصل الإيرادات إلى نحو 33 مليار دينار.
  • ارتفعت نسبة الدين الحكومي لإجمالي الناتج المحلي إلى مستويات تتجاوز 80% خلال العام الماضي، وهو ما يتضح من الشكل التالي:

الشكل (5): نسبة الدين الحكومي للناتج المحلي الإجمالي (%)

وانطلاقًا من البيانات السابقة، توقعت شركة البحوث الاقتصادية “Capital economics” أن ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في تونس إلى 105% بحلول عام 2025،

انتشار وباء كورونا:

أسفر فيروس كورونا عن تعميق الأزمة الاقتصادية في تونس نظرًا للإجراءات الاحترازية المتخذة على الصعيد العالمي، بدايةً من حظر التجوال وإغلاق أماكن التجمعات حتى توقف حركة السفر والطيران. وعلى إثر ذلك، كانت تونس من بين أكثر الاقتصادات تضررًا من الأزمة، ولاسيما قطاع السياحة الذي سجل انخفاضًا حادًا في الإيرادات إلى إيرادات السياحة إلى ملياري دينار تونسي في 2020 مقابل 5.68 مليار دينار في 2019، وفقا لبيانات البنك المركزي التونسي.

وقد استطاعت كورونا أن تكشف عن العديد من مواطن الضعف الموجودة في تونس في ضوء النقص الحاد في المستلزمات الطبية، وارتفاع أعداد الإصابات والوفيات إلى أرقام قياسية، ولهذا، تمت إقالة وزير الصحة “فوزي مهدي”.

قرارات حكومية استفزازية:

قررت تونس رفع أسعار الوقود ثلاث مرات منذ بداية عام 2021 وحتى الآن، أي خلال ستة أشهر. أولها كان في شهر فبراير، ثم في مارس، وأخيرًا خلال أبريل ليصل سعر لتر البنزين من 1.995 دينار تونسي إلى 2.095 دينار تونسي، وذلك بهدف مواجهة عجز الموازنة وتطبيق بعض الإصلاحات الاقتصادية لتأمين قرض صندوق النقد الدولي أو أي مساعدات خارجية.

كما تسعى تونس إلى خفض الأجور في القطاع العام إلى حدود 15% من الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2022 مقارنة مع 17.4% خلال العام الجاري، مع تشجيع الموظفين على المغادرة الطوعية مقابل حصولهم على 25% من رواتبهم، أو الحصول على نصف الراتب مقابل أيام عمل أقل.

وتخطط الحكومة للدخول في تخفيض تدريجي لحجم الدعم الذي تقدمه لمجموعة من المنتجات الاستهلاكية الأساسية خلال الفترة المقبلة، وذلك في انتظار إلغاء منظومة الدعم بالكامل خلال سنة 2024. ومن المنتظر أن يشمل رفع الدعم التدريجي المواد الغذائية في مرحلة أولى، ثم الكهرباء والغاز في مرحلة لاحقة، قبل التخلي النهائي عن منظومة الدعم، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ قررت الحكومة أوائل يونيو الجاري رفع سعر السكر الموجه للاستهلاك العائلي بنحو 22%.

تداعيات الأزمة

أسفرت جميع الأسباب السابقة في حدوث بعض التداعيات السلبية التي أثقلت عبء المواطن التونسي بشكل أساسي، وهزَّت صورة الاقتصاد التونسي في أعين العالم والمؤسسات الدولية،  وهو ما يُمكن عرضه في النقاط الآتية:

انخفاض التصنيف الائتماني:

خفضت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني في العاشر من يوليو الجاري تصنيف تونس إلى (B-) من (B) مع نظرة مستقبلية سلبية، وذلك للمرة التاسعة في 10 سنوات. وجاء هذا القرار بسبب المشهد السياسي المعقد في تونس والمعارضة الاجتماعية المترسخة مما يقيد قدرة الحكومة على سن تدابير لضبط أوضاع المالية العامة.

وقالت وكالة “فيتش”، في بيانها، إن خفض التصنيف والتوقعات السلبية، يعكسان زيادة مخاطر السيولة المالية، مع المزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي؛  إذ اعتبرت وكالة التصنيف العالمي اتفاق تونس مع صندوق النقد ضرورياً لإنقاذ الاقتصاد التونسي.

ارتفاع تكلفة عدم سداد الديون:

قامت وزارة المالية التونسية الأسبوع الماضي بتسديد 506 ملايين دولار من ديونها الخارجية, وهي أكبر دفعة هذا العام, لتبديد الشكوك حول احتمالية تخلفها عن السداد، مما أثار شكوكًا حول تأثير ذلك على تراجع احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية، مما يضر بقيمة العملة المحلية الدينار.

وجاء ذلك عقب إعلان وكالة “ستاندرد آند بورز جلوبال” للتصنيفات الائتمانية استبعاد تخلف تونس عن ديونها السيادية خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، ولكن إذا حدث ذلك فإنه سوف يكلف البنوك المحلية حوالي 7.9 مليارات دولار.

 آثار اجتماعية:

أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة وتزايد عدد المهاجرين غير النظاميين وامتداد الاحتجاجات الشعبية، حيث تشير الإحصائيات إلى انقطاع أكثر من 100 ألف تلميذ سنويًا عن الدراسة، كما هاجر 16 ألف تونسي بشكل غير نظامي إلى إيطاليا خلال عام 2020.

ختاما

يجب الإشارة إلى أهمية عدم إغفال الأسباب الاقتصادية التي ساهمت في اندلاع الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق في تونس؛ إذ إنها لعبت دورًا حاسمًا في تصاعد الغضب الشعبي ضد الحكومة في البلاد.

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى