أفريقيا

توترات المشهد الحدودي… إثيوبيا والتصعيد في منطقة “الفشقة”

شكٌل اختطاف قائد منطقة “القلابات” العسكرية السودانية من جانب مليشيات إثيوبية على خلفية ملاحقته لعناصر من المليشيات المسلحة الإثيوبية اختطفت ثلاثة أطفال سودانيين، نقطة تفاقم وتصدع مجددة في ملف الحدود المشتركة، وذلك في ظل حالة المواجهات المتفرقة بين الجانب الإثيوبي والمليشات المسلحة التابعة له في مواجهة القوات النظامية السودانية، الأمر الذي يُمثل خطوة تصعيدية في هذا الملف الذي بدأ منذ نوفمبر 2020 على خلفية مساعي السودان لفرض سيادتها على كامل حدودها الشرقية التي قطنتها مليشيات إثيوبية قرابة عقدين ونصف من الزمن في ضوء سياسة فرض الأمر الواقع.

وشهد هذا الملف تدخلاً دولياً يستهدف إعلاء الحوار وتهدئة الأوضاع على طول خط الحدود، وأخرها تجلى في دعوة وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” للخرطوم من أجل تهدئه التوتر الحدودي مع أديس أبابا، وذلك منعاً لتفاقم الأوضاع بين الجانبين وامتداد النزاع إلى مناطق أخرى خاصة وأنه يتزامن مع تصعيد العمليات العسكرية في إقليم التيغراي.

دوافع متباينة

إن التصعيد المتكرر من جانب “أديس أبابا” على طول خط النزاع الحدودي مع السودان في منطقة “الفشقة” وأخرها ما حدث في منطقة “القلابات” المحاذية لمدينة “المتمة” الإثيوبية، يعود بالأساس لجملة من الدوافع تتمثل في الآتي:

  1. العمل على إرباك المشهد وربط ملف تسوية الحدود بالملف المائي للتعامل مع الجانب السوداني، خاصة في ضوء التحركات المتسارعة للقاهرة والخرطوم لتعرية السياسات المتعنتة والأحادية التي لطالما انتهجتها “أديس أبابا” في تعاطيها مع ملف سد النهضة، ورغبة إثيوبيا في إحداث مناوشات عسكرية متكررة للحيلولة دون تصدير صورة ذهنية عن فشلها في مواجهة القوات السودانية في تلك المنطقة.
  2. حشد وتعبئة الرأي العام الداخلي الإثيوبي حول النزاع الحدودي وذلك رغبة في اكتساب أرضية شعبية داعمة “لأبي أحمد” في هذا الملف، وذلك للتغطية على فشل الحكومة الإثيوبية في التعامل مع إقليم التيجراي الذي شهد تحركاً ديناميكياً مغايراً لما هو متوقع، خاصة بعدما فشلت حكومة “أبي أحمد” في إنهاء تلك الأزمة وحالة التمدد التي باتت سمة جوهرية لجبهة تحرير التيغراي الذي لم يعد هدفها قاصراً على الإقليم بل شهدت مؤخراً تحركات خارج الإقليم تجلت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة وذلك على أعقاب سيطرتها على الطريق الدولي الذي يربط إثيوبيا بدولة جيبوتي وتوسعاتهم الممتدة حتى وقتنا هذا.

ولعل التعويل على هذا الملف الشائك يأتي في وقت حرج للغاية في خضم العلاقات الثنائية بين البلدين في ضوء مساعيها بالاشتراك مع مصر – دولتي المصب- للتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم مع إثيوبيا يُنظم قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، في أعقاب اجتماع مجلس الأمن لمناقشة هذا الموضوع مطلع يوليو 2021.

  • تقويض المساعي السودانية الرامية لبسط سيادتها على كامل أراضيها داخل إقليم الفشقة، ودحض الرسائل المختلفة التي حملتها زيارة رئيس أركان الجيش السوداني الفريق أول ركن “محمد عثمان الحسين” في تلك المنطقة والتأكيدات الخاصة باستمرارية القوات السودانية داخل تلك المنطقة كأحد أعمال السيادة التي تمارسها الخرطوم، ولعل هذا الأمر يتزامن مع تصريحات وزيرة الخارجية السودانية “مريم الصادق” حول رفضها لوجود قوات إثيوبية في العمق الاستراتيجية السودانية.
  • خلط الأوراق وإطالة الأزمة وذلك لتغير معالم المنطقة الجغرافية والعدول عن التوافقات السابقة حول العلامات الحدودية القانونية، والإخلال بالتفاهمات الخاصة بالاعتراف بالحدود المتفق عليها، وذلك بغية تبني موقفاً مستجداً للتعامل مع ذلك الملف على أساس تفاوض جديد على تلك الحدود، وهو ما الأمر الذي يعتبر محل رفض جذري لدى السودان.

تداعيات محتملة

ثٌم هناك مجموعة من التداعيات الناجمة جراء حالة التصعيد المسلح من الطرف الإثيوبي على القوات السودانية المتواجدة على الشريط الحدودي بمنطقة الفشقة تكمن في الآتي:

  • غلق الحدود: يمثل تكرار الهجمات التي تشنها المليشيات المسلحة الإثيوبية والمدعومة من الجيش الإثيوبي، تعقيداً متراكماً للمشهد وتصدعاً مستمراً في خضم العلاقات الثنائية بين البلدين، ولعل أولى التداعيات الناجمة عن ذلك برز في غلق المعبر الحدودي بين السودان وإثيوبيا من جانب السلطات السودانية، وهو ما يزيد الأمر تعقيداً خاصة وأن السودان قد اتخذت إجراءات مماثلة في غلق الحدود مع أديس أبابا بعدما شهدت تصعيداً عسكرياً وحرباً داخل إقليم التيغيراي.
  • عرقلة المساعي الدبلوماسية والسياسية: فضلاً عن السابق؛ فإن ذلك التصعيد من شأنه عرقلة أي مساعي لحل النزاع الحدودي بسبل سلمية تحول دون الانخراط العسكري المتكرر وتقر خلالها إثيوبيا بالحدود القانونية والرسمية للسودان، وهنا يمكن القول بأن الوفود العسكرية والسياسية المشتركة بين الجانبين المُشكلة في العشرين من يونيو 2021 والرامية لحلحلة الأمة واحتوائها والعمل على تهدئة الأوضاع الأمنية على الشريطة الحدودي وترحيل الخلافات الحدودية للقيادة السياسية للبلدين، قد باء بالفشل على ضوء الهجمات المتكررة من جانب الميليشيات الإثيوبية التي تدعمها القوات النظامية بأديس أبابا، مما يعزز من فرضية استمرارية النزاع لمدى طويل.
  • اضطرابات أمنية متلاحقة: إن حالة المناوشات العسكرية على الشريط الحدودي سيلعب دوراً سلبياً على الاستقرار الأمني على الحدود، وهو ما سُيكلف الدولتين أعباء مضاعفة من أجل إقرار الأمن على طول الحدود للحيلولة دون تمرير المرتزقة والعناصر المسلحة وكذلك الجرائم العابرة للحدود.

ختاماً؛

يبقى التصعيد المسلح من جانب المليشيات الإثيوبية المدعومة من الحكومة المركزية، نقطة تصدع مضاعفة للعلاقات الثنائية بين البلدين، يحول دون التوصل لتفاهمات حول النزاع الحدودي، ويعكس بصورة أساسية التعنت الإثيوبي المستمر وسياسة فرض الأمر الواقع في تعاطيها مع الملفات المشتركة مع القوى الإقليمية، وهو ما يُقلص من فرص أديس أبابا في دورها الإقليمي، ويلعب دوراً ضاغطاً على الجيش والحكومة الإثيوبية أمام الرأي العام الداخلي خاصة في ظل تعدد جبهات المواجهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى