مراكز أخرى

مركز أبحاث الخارجية الإيرانية: أفغانستان ستصبح “جهنم” تركيا وأردوغان يريد محاصرة طهران

عرض – علي عاطف

بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي الجاري من أفغانستان والمقرر اكتماله في 31 أغسطس 2021 ومع سعي تركيا للتمركز وإبقاء قواتٍ لها على الأراضي الأفغانية، نشر موقع “الديبلوماسية الإيرانية” التابع لوزارة الخارجية في العاصمة طهران مقالاً يوم 14 يوليو الجاري تحت عنوان “خطة أردوغان المعادية لإيران في أفغانستان”(*) شدد فيه على أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يسعى من خلال الانخراط في المشهد الأفغاني إلى استكمال خطة “تهديد ومحاصرة إيران إستراتيجياً” ومهاجمة مصالحها.

وناقشت المادة البحثية الإيرانية كيف أن أردوغان يريد مواصلة “حصار” طهران بعد أن تواجد عسكرياً في الدول المحيطة بها من سوريا إلى شمال العراق إلى الحدود الشمالية لإيران في آذربيجان وأرمينيا وحتى تركمانستان خلال السنوات الماضية.

أردوغان “واهم” وسياسته الخارجية خلال العقد الماضي لم تنجح

ويبدأ المقال بالتأكيد على أن أفغانستان تندرج ضمن المناطق الرئيسية المصدرة للعنف والنزاعات على مستوى العالم. وعلى الجانب الآخر، ينتقد المركز الإيراني توجهات السياسيين الأتراك بشكل عام والتي يصفها بأنها “سبب رئيس للتوتر والحروب الواسعة” دولياً، محذراً أنقرة هذه المرة من التواجد في أفغانستان قائلاً إن الأخيرة سوف تكون “جهنم” لها.

يرى الموقع البحثي الوزاري الإيراني أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، تريد إخراج نفسها من “جهنم” أفغانستان، حسب وصف المقال، بينما باتت الأخيرة تتحول إلى ساحة للتنافس من قِبل القوى الدولية والإقليمية كالصين وإيران وتركيا بعد خروج واشنطن.

ويصف المقال سعي حكومة أردوغان إلى لعب دور على الساحة الدولية عامة والإحلال محل الولايات المتحدة في أفغانستان خاصة من خلال التواجد العسكري في مطار العاصمة كابل بأنه “وهم”، إذ أن سياسة حكومة أردوغان الخارجية غير عملية وخيالية ويمكن التأكد من نهجها هذا من خلال إلقاء النظر في عدة نماذج خلال السنوات العشر الأخيرة سواء في ليبيا والعراق وسوريا وأذربيجان.

أما الآن، فترمي حكومة أردوغان إلى “التدخل واستعراض القوة” في أفغانستان.

أردوغان ومحاولة حصار إيران في أفغانستان

(خريطة توضح الدول المجاورة لإيران، المصدر: جوجل)

يوضح الموقع التابع للخارجية الإيرانية أن سياسة حكومة الرئيس التركي أردوغان خلال العقد الماضي تمركزت حول “استعراض القوة والسعي لإظهار تركيا كلاعب دولي جديد” وذلك من خلال التدخل المصحوب باستخدام العنف في الدول المجاورة كالعراق وسوريا وآذربيجان وحتى في شمال أفريقيا وخاصة في ليبيا.

ويضيف المركز أن سياسة أردوغان المرتقبة وتدخله في أفغانستان ما بعد الانسحاب الأمريكي تجئ في هذا الإطار وضمن رغبته في “إثبات قوته دولياً أمام جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين ومن بينهم إيران، روسيا، الصين، والاتحاد الأوروبي”.

ويشدد المقال على أن السياسيين الأتراك يخططون منذ سنوات لمحاصرة إيران “إستراتيجياً” ويعمل أردوغان على “استعراض” القوة أمام طهران واستكمال هذه السياسة التوسعية التي ربما تصل إلى إيران من جانب الحدود مع باكستان. وحسب رؤية المقال، تتناقض هذه السياسة التركية مع نظيرتها الإيرانية “التي كانت تركز دائماً على خروج الولايات المتحدة والناتو من أفغانستان”.

ويبرز المقال أسفاً من أن ما أسماها “سياسة المواجهة الإيرانية” مع قوات الحلفاء في أفغانستان قد انتهت حتى الآن لصالح “المنافس الإقليمي (لإيران) وهي تركيا التي أدعى رئيس جمهوريتها، رجب طيب أردوغان، أنه وبعد الانتهاء من مسألة الانسحاب، فإن تركيا هي فقط الدولة الجديرة بالثقة من أجل الإدارة المناسبة للوضع القائم” على حد زعم أردوغان. ووصف المقال أدعاء أردوغان هذا بأنه “وهم كبير” ينطوي على نوايا “احتلال”.

ويشدد الموقع الإيراني على أن هدف حكومة أردوغان من التواجد في أفغانستان، والذي يأتي في إطار السياسة الخارجية الكلية لأنقرة تجاه طهران، هو إتمام المرحلة الأخيرة من “الحصار الجغرافي لإيران وفتح خط التوتر والنار في الجهات الأربعة الحدودية” لطهران وهو ما ترمي إليه أيضاً من خلال إيصال نشاطها إلى باكستان كي تختتم هذه المرحلة، حسبما يرى المقال.

ليست كلها سلبيات …الحضور التركي في أفغانستان سيقلل من الضغط الأمني والعسكري على إيران   

 على الرغم من التحديات التي ذكرها الموقع التحليلي الإيراني، إلا أنه أشار إلى أن التواجد العسكري التركي على الأراضي الأفغانية سوف يشكل من زاوية أخرى فرصة لإيران.

يقول الموقع إن انسحاب الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلنطي (الناتو) من أفغانستان من الطبيعي أن ينتج عنه “ضغط حاد” على جيران أفغانستان وأن يكلفهم تبعات هائلة. “ولكن تواجد الحكومة التركية في أفغانستان وقبول القوات التركية في أفغانستان أن تحل محل قوات الولايات المتحدة والناتو يمكن أن يرفع الضغط العسكري، والأمني والحمل الثقيل للتكاليف الاقتصادية عن كاهل جيران أفغانستان”.

الوضع الاقتصادي المتردي في تركيا أحد دوافع أردوغان للتواجد في أفغانستان

ويستطرد الموقع قائلاً إن إحدى الدوافع وراء الحضور التركي المتوقع في أفغانستان، وقبلها في دول أخرى، هو صرف الأنظار عن الوضع الاقتصادي السيء محلياً في أنقرة، خاصة بعدما أدت التوترات السياسية والمجتمعية في تركيا إلى إضعاف حكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية. وفي هذا الإطار، لجأت أنقرة خلال السنوات الأخيرة “من أجل تضليل الرأي العام” إلى سياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو ما قاد إلى ضعف الاقتصاد التركي بشدة، ونستطيع مشاهدته في الانخفاض الشديد في قيمة العملة (الليرة) أمام الدولار الأمريكي.  

ما هي شروط إيران لقبول الدور التركي في أفغانستان؟

ويرى الموقع أن التواجد التركي في أفغانستان يجب أن يتم بالتشاور وموافقة جيران كابل مثل إيران، باكستان، الصين، أوزبكستان، طاجيكستان، وروسيا؛ وذلك من أجل منع ظهور توترات إقليمية جديدة. ومع ذلك، يشترط الموقع عدة أمور على تركيا؛ كي يكون دورُها إيجابياً ومقبولاً من جانب طهران:

  • ضمان عدم قتل الشيعة وقبائل (الهزارة) الشيعية أيضاً في أفغانستان.
  • ضمان حق إيران المائي في نهر هيرمند.
  • احترام اللغة والثقافة الفارسية في أفغانستان.
  • صون المزايا التجارية والاقتصادية الإيرانية في أفغانستان.
  • منع إثارة النزعات القومية والطائفية في أفغانستان.

 ويشير الموقع إلى أنه إذا التزمت تركيا بهذه الشروط في أفغانستان فإن دورها سيكون في صالح إيران في هذه الحالة “لأنه في النهاية سيواجه هذا المنافس الأساسي لإيران في المنطقة نفس نهاية القوى الكبرى” في أفغانستان. ويشدد المقال على أن تركيا لن تكون حرة في دخول أو خروج قواتها من أفغانستان، ولكن التطورات اللاحقة ومختلف الجماعات المسلحة في أفغانستان هي التي ستحدد هذه الأمور بالنسبة لتركيا.

وينتقد المقال تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، حينما قال إن الحكومة الأفغانية في كابل موافقة على إدارة أنقرة لمطار كابل وأنها، تركيا، ستظل هناك إلى الوقت التي تظل الحكومة الأفغانية في حاجة إليها، واصفاً هذا الحديث بأنه “مبالغة في التبسيط كوميدية” وكأنه لا يعلم حقيقة الضعف التي تعاني منها الحكومة المركزية في أفغانستان أمام الجماعات الإرهابية.

(وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو)

ويستطرد الموقع قائلاً إن التواجد التركي في أفغانستان لن ينحصر في النشاط العسكري مستقبلاً، بل إن أنقرة سوف تحاول تعزيز مصالحها التجارية والاقتصادية في ذلك البلد. وعلى أي حال، يشير المقال إلى أن الحضور العسكري التركي في أفغانستان سيقود إلى انهيار الاقتصاد التركي، زوال حكومة أردوغان، وإضعاف تركيا بشكل كبير إقليمياً وعالمياً أمام القوى الإقليمية مثل إيران والمملكة العربية السعودية.

أردوغان يريد فتح “أبواب جهنم” أمام تركيا

يحذر الموقع من أن التواجد العسكري لأية دولة داخل أفغانستان ليس بالأمر اليسير، قائلاً إن التاريخ يوضح لنا أن محاولة حكومة أردوغان التواجد في أفغانستان يعني أنه يريد فتح أبواب جهنم أمام تركيا وأمامه هو شخصياً.

ويدعو الموقع تركيا إلى الاستفادة في هذا الصدد من التجارب التاريخية، مضيفاً أن أردوغان الذي يدعي امتلاكه دوراً عالمياً يبدو عاجزاً عن التعلم. واستشهد المقال هنا بمقولةٍ للسياسي الألماني الشهر “أوتو فون بسمارك” (1815-1898) حين قال :”إن الأحمق فقط هو من يتعلم من أخطائه وليس من أخطاء الآخرين”، موضحاً أن هذا المثل ينطبق على أردوغان لأنه بدلاً من التعلم من تجارب الذين انخرطوا في أفغانستان في السابق يريد أن يتعلم من هزيمته الحتمية هناك لاحقاً.

أفغانستان ستكون نهاية للمرحلة الأردوغانية في تركيا   

بناءً على ماسبق، يتوقع المقال أن يضع التدخل التركي في أفغانستان نهاية لسياسة أردوغان القائمة على التدخل في الخارج خلال العقد الماضي، كما يرى أنه سيفرز نتائج إيجابية للدول الواقعة غرب إيران من حيث وضعه نهاية لطريقة الحكم الأردوغانية “الكاذبة” في الإقليم.

وينتقد المقال رغبة أردوغان في التدخل في أفغانستان قائلاً إنه يريد تكرار نفس تجربة ليبيا وسوريا والعراق في أفغانستان، مشيراً إلى أن هذه التجارب لم تكن ناجحة في هذه الدول وستنتهي في أفغانستان بـ”هزيمة كبرى فادحة”. إذ يشير الموقع إلى أن البروز المتجدد مرة أخرى لحركة “طالبان” وتهديدها لتركيا مؤخراً بأن ترحل من أفغانستان يعني أن الطرفين سوف يواجهان بعضهما البعض مستقبلاً، ما يمكن أن يؤدي إلى “الإضعاف الشديد وزوال وانهيار حكومة أردوغان في تركيا وعزلة هذه الدولة على المستوى الإقليمي والدولي”.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى