
تطور منظومة الأمن المصري.. ونجاح استراتيجية “التحديث المتوازن”
تسعى المجتمعات حول العالم الى تثبيت دعائم الاستقرار السياسي والتنموي عبر إرساء أُسس التعاطي الفعال مع التحديات الأمنية وفرض النظام والتطبيق الجاد للقانون؛ لتقدم للمواطنين والمقيمين الحالة الأمنية المنشودة والتي تسمح لهم بضمانة أمن وسلامة أشخاصهم وممتلكاتهم.
وعرفت مصر جهود فرض الامن والنظام عبر المؤسسات الأمنية منذ فجر التاريخ، وتبلورت تلك الجهود في تأسيس مصالح وقطاعات شرطية وأمنية توفر تلك الخدمات الأمنية وما بتعلق بها من خدمات ذات طابع قانوني. حيث أفرزت التطورات التكنولوجية والمتغيرات السياسية والأمنية اقليميا جُملة من التحديات، الامر الذي استدعى تطوير هياكل المؤسسات الأمنية في مصر، وتطويرها لمواكبة هذا الاشتباك والتداخل بين أدوار تلك الأجهزة ونظائرها في المنطقة.
وقد نجحت الدولة المصرية في رفع معدلات الأداء الشرطية من خلال حزمة من البرامج الأمنية، وأصبحت المدن المصرية في صدارة التصنيفات المتعلقة بأمن المدن، ووفقاً لمؤشر جالوب للقانون والنظام للعام 2018، والصادر عن مؤسسة (جالوب) الدولية المتخصصة باستطلاعات الرأي،يشعر المواطنون في مصر بمستوى عال من الامن والاستقرار، ووصلت مصر وفقاً لاستطلاع الرأي الذي شمل (142) دولة إلى المركز الـ (16) لتتساوى مع الدنمارك وسلوفينيا ولوكسمبورج والنمسا والصين وهولندامن حيث شعور المواطنين بالثقة في الأجهزة الشرطية وإجراءات تطبيق القانون عبر المؤسسة الأمنية، بالإضافة الى اطمئنان المواطنين للسير ليلاً في تلك المدن وإذا ما تعرضوا لحادثة سرقة أم لا. وبهذه المرتبة فقد تفوقت الشرطة المصرية على نظيراتها في عدة دول مثل بريطانيا واسبانيا واليابان والولايات المتحدة وبلجيكا وإيطاليا وتركيا وروسيا.
ويأتي هذا التطور المتنامي في أداء الشرطة المصرية نتاجاً لعملية منتظمة من إعادة الهيكلة لأجهزة وقطاعات الوزارة، كذلك تفعيل أدوار المجتمع المدني وإدارات الرقابة المختلفة على آداء المنظومة الأمنية، وصولا الى صياغة برامج عمل ومبادرات فعالة في مواجهة عدد من الظواهر والمشكلات السلبية داخل المجتمع المصري كإطلاق عدة مبادرات لمواجهة الهجرة الشرعية منذ عام 2016، والبدء في تفعيل برامج عمل مشتركة مع عدد من الدول الأوربية للقضاء على تلك الظاهرة.
جهود مواجهة التهديدات الأمنية
تبذل مصر جهودا حثيثة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة التي أصبحت مهدداً للاستقرار الأمني ووازعاً لإعادة انتاج حالة الفوضى السائدة في عدة عواصم حول العالم.
وتتراوح تلك الجهود بين إعادة صياغة مفاهيم وبرامج عمل وزارة الداخلية، وتطوير وإدخال منظومات عمل متداخلة بين الوزارة وأجهزة الدولة المصرية المختلفة، كذلك التعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات الشرطية حول العالم.
ويمكن بيان تلك الجهود السابقة في تحديث منظومة عمل وزارة الداخلية حيث اتجهت مؤسسة الامن الداخلي المصرية، ممثلةً في وزارة الداخلية، نحو تطوير هياكل عملها بما يتوافق ومتطلبات المرحلة الراهنة؛ إذ فرضت التحديات الأمنية المتصاعدة والمتنوعة نمطاً غير تقليدي من التعاطي الأمني. واعتمدت الوزارة ما يُمكن وصفه باستراتيجية “التحديث المتوازن” بين مهارات رجال الشرطة وآليات تقديم الخدمات للمواطنين.
وبدأت تلك المرحلة بصورة كبيرة بعد ثورة 25يناير 2011 انطلاقا بإعادة هيكلة جهاز “مباحث أمن الدولة” وإنتاج جهاز جديد لأداء الدور ذاته باسم جهاز “الامن الوطني”، كذلك إصدار الوزارة لـ “مدونة قواعد سلوك واخلاقيات العمل الشرطي”، وصولاً الى إعادة هيكلة قطاع “مكافحة المخدرات”. ليصبح قطاعاً لـ “مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة” ويتحول الى قطاع يحوي عددا من الإدارات مثل إدارة “مكافحة المخدرات” وإدارة “مكافحة الأسلحة غير المرخصة”، بالإضافة لإدارة “مكافحة الهجرة غير الشرعية”.
وتشير التحولات الجارية في هيكل عمل وزارة الداخلية الى أن الوزارة قد أولت اهتماماً بالغ التركيز على تطوير هياكلها لتحسين درجة استجابتها للمعطيات المتجددة والتهديدات المتصاعدة والتي ترتبط بدعم وتمويل التنظيمات والأنشطة الإرهابية عبر عمليات الجريمة المنظمة العابرة للحدود. وتزامن هذا الاتجاه مع تبني الوزارة لتطوير آليات تقديم الخدمات للجماهير، وهو ما برز في تدشين المقر الجديد لـ “إدارة الجوازات والهجرة” لتيسير الخدمات والارتقاء بها الى مستوى قياسي، كذلك افتتاح مجموعة من “وحدات المرور المتنقلة” للتيسير على المواطنين، بالإضافة الى إنشاء “إدارة عامة للعمليات بقطاع الأمن” للتنسيق ومتابعة العمليات الأمنية؛ لضمان تحقيق أقصى درجات التناغم والتكامل بين عمليات مكافحة الجرائم لتعظم العائد وتوفير الموارد.
ومن بين الجهود أيضا تطوير خطط العمل المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية حيث رفعت وزارة الداخلية من مستويات التنسيق والتعاون المشترك مع المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني المصرية، عبر حزمة من الإجراءات والبرامج الهادفة لرفع كفاءة الخدمات والتيسير على المواطنين وضمانة التطبيق المنضبط لقواعد القانون ومكافحة الظواهر السلبية. وقد تمثلت أهم تلك الجهود في المشاركة بـ”اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية” التابعة لوزارة الخارجية، والتي تضم جميع الجهات والوزارات المعنية بموضوعات الهجرة. كذلك استصدار قانون “مكافحة الهجرة غير الشرعية”، رقم 82 لسنة 2016، لضمان المواجهة الفعالة لتلك الظاهرة.
والتعاون مع المؤسسات الأمنية والشرطية دولياً حيث تبذل الوزارة جهودا متواصلة لتحديث اتجاهات عملها بما يتماشى والمتغيرات على ساحة العمل الأمني دولياً، عبر ابرام عدة اتفاقيات وتوقيع عدة مذكرات تفاهم مع المؤسسات المعنية بهذا الشأن دولياً. ويُعد أبرز هذه النماذج توقيع الوزارة بروتوكولا تدريبيا مشتركا مع وزارة الداخلية الإيطالية، في 20مارس2019، فى مجال مكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية. وسيتم تمويل البروتوكول بتمويل مشترك “إيطالي أوروبي”، ويستهدف تدريب 360 من كبار كوادر الشرطة الأفريقية من 22 جنسية على أحدث أساليب مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، وإنشاء مركز لتأمين الحدود بأكاديمية الشرطة المصرية لتدريب الكوادر الأفريقية على تأمين الحدود ومنع الهجرة غير الشرعية.
وتأتي تلك الجهود استكمالا لبرامج عمل الوزارة التي حققت طفرة خلال الفترة الماضية بمجال العمل الأمني المشترك مع المؤسسات الخارجية حيث قام “مركز بحوث الشرطة”تدريبا لـ (8250) من الكوادر الأفريقية -يمثلون 49 دولة- فى مجالات مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وغسيل الأموال. كذلك تدريب (78) من الكوادر الأجنبية خلال الـ(7) سنوات الأخيرة في ذات المجال، وفقاً لتصريحات اللواء “خالد عزت” مدير مركز بحوث الشرطة.
تطوير المنظومة الأمنية المصرية … لماذا؟
تتماهي حدود العمليات المتعلقة بتطوير المنظومات الأمنية فيما يبقى تأثيرها الجمعي ملموساً بقدر بالغ لدى المواطنين، لذلك يستلزم إجراء أي تطوير وتحديث لتلك المنظومة تطبيق نموذج متكامل لتحديث كافة العمليات الأمنية المتعلقة بها دون إغفال لأي منها. وحيث صارت عمليات تطوير المنظومة الأمنية في مصر ضرورة؛ للإبقاء على ذات المستوى المتقدم من الخدمات الأمنية في مصر.
ويمكن الإشارة الى عدة محددات عامة تتبعها الوزارة لضمان فاعلية هذا التطوير وآثاره مثل ميكنة الخدمات الشرطية: حيث تسعى وزارة الداخلية الى ادخال التطبيقات الذكية في تقديم خدماتها للمواطنين؛ لضمانة تقديم الخدمة بصورة شفافة وعادلة لجميع المواطنين، وتحييد العنصر البشري عن تلك العمليات قدر الإمكان؛ لاستثماره بشكل أفضل في مواضع الخدمات التي تتطلب تدخل بشري أكبر. ومن أبرز الخدمات المميكنة الجديدة خدمات السجلات المدنية والجوازات والمرور.
ومن بين المحددات التي تتبعها الوزارة لضمان فاعلية هذا التطوير أيضا التنسيق الداخلي والخارجي حيث تستهدف الوزارة تحقيق أكبر قدر ممكن من التنسيق بين وحداتها واداراتها، بالإضافة الى التعاون مع المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية؛ للوصول بالخدمة الى المعايير العالمية، وتجنيب المواطنين والمتعاملين مع قطاعات الوزارة اية مشكلات قد تطرأ عن تلقى الخدمات. ولعل أبرز الجهات التي تطور التعاون بينها وبين الوزارة خلال الفترة الأخيرة بصورة كبيرة هو “المجلس القومي لحقوق الانسان”.
ولا يمكن اغفال عامل المتابعة والتطوير حيث تعتمد الوزارة بشكل متواصل على الاطلاع على التطورات الأمنية الخارجية وإدخال تعديلات شاملة على التدريبات القتالية والفنية التي تقدمها للعاملين بها لمواكبة أحدث المنظومات العالمية، عبر المشاركة بورش العمل والمؤتمرات وإجراء تدريبات مشتركة لتحقيق هذا الهدف.
ويبقى عنصر مهم وهو تحديث القدرات التسليحية والإدارية حيث شهدت الوزارة تحديثاً كبيراً لقدراتها التسليحية والمعدات والمهمات الخاصة بالأفراد وفقاً للكود الشرطي دولياً، بالإضافة الى إدخال تحسينات على الخدمات اللوجستية والإدارية وغيرها من الضروريات الأساسية لاضطلاع العناصر الأمنية بدورها بالشكل المطلوب.