دول المشرق العربي

الرجل الثاني في “حزب الله”.. لماذا يُعد هاشم صفي الدين الأوفر حظاً لخلافة “حسن نصر الله”

حينما تحدث الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، في خطابه بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لخروج الجيش الإسرائيلي من لبنان في 25 مايو عام 2000، بدأت الأسئلة تُثار حول طبيعة حالته الصحية. فقد بدا أن “نصر الله” يعاني حالة إعياء في ظل تكرار السعال والنحافة التي بدا عليها، ما جعل وسائل الإعلام داخل وخارج لبنان تركز كثيراً على تدهور حالته الصحية.

وتضاربت التقارير في هذا الصدد وتمحورت حول شكوك تتعلق بإصابته بفيروس كورونا بعد تكرار سعاله وتحدثه بصوت خافت بشكل ملحوظ لم يكن معتاداً، حتى أن بعض وسائل الإعلام أطلقت على الخطاب “خطاب السعال”.

ومنذ ذلك الحين، برزت بقوة على السطح قضية من يحل محل حسن نصر الله حال وفاته أو عجزه عن قيادة الحزب. وشرع الكثيرون في التنبؤ بهُوية خليفة نصر الله في الحزب، الذي يُعد أحد أهم الوكلاء الإيرانيين في المنطقة منذ تأسيسه عام 1982. وعلى أرض الواقع، تحكم تولي بديل لنصر الله عدةُ عواملَ تكون في الغالب إيران والحرس الثوري هم أبرز المتحكمين بها.

“كورونا” أم “التهاب رئوي”؟ … الحالة الصحية لأمين “حزب الله”

في البداية، ينبغي التأكيد على أن جزءا كبيراً من الاهتمام والتركيز الذي انصب على الخطاب الأخير للأمين العام لـ “حزب الله” تمحور حول حالته الصحية، على النقيض من المعمول به وهو تداول خطاباته النارية حول المنطقة والتطورات مع إسرائيل.

وينبع هذا الاهتمام من المنصب الذي يشغله “نصر الله”، 60 عاماً، منذ 16 فبراير 1992 عندما تولي زعامة أحد أهم وكلاء طهران خارج إيران وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، ما جعل بالإمكان وصفه بأنه أحد أهم رجالاتها في الخارج، إلى جانب آخرين كان من بينهم النائب السابق لرئيس هيئة “الحشد الشعبي” العراقي أبو مهدي المهندس الذي قُتل العام الماضي والقائد العسكري السابق لـ”حزب الله” عماد مغنية الذي قتل هو الآخر في انفجار بالعاصمة السورية دمشق في فبراير 2008.  

أما في ظل تضارب المعلومات والتقارير حول حالة نصر الله الصحية بعد خطابه في مايو الماضي، فقد ظهر “جواد حسن نصر الله”، نجل الأمين العام للحزب، يوم الأربعاء 2 يونيو لينفي إصابة والده بفيروس كورونا قائلاً إن حالته “جيدة في ظل شائعات تتحدث عن مرضه”. وقالت مصادر مقربة من “نصر الله” إن الأخير خضع إلى “معاينة مباشرة من الطبيب المختص، وأنه لم تكن هناك أية حاجة للاستعانة بمستشفى”.

وكشفت صحيفة “الجمهورية” اللبنانية بعد أيام أن مسؤولاً اتصل بحسن نصر الله وأكد أن حالة الأمين العام لـ “حزب الله” جيدة، مضيفاً أنه، أي المسؤول، “شعر بأن صوته جيد، وشدد على ضرورة إهمال الشائعات التي تخرج من هنا أو هناك للتشويش”.   

  وأضافت المصادر أنه “اتصل أطباءٌ، وأحدُهم من أمريكا، ليعطوا آراءهم في الحالة، وكان هناك تقاطعٌ عند الجزم بأن نصر الله مصاب بتحسس طبيعي والتهاب رئوي، وأن الطقس الجاف سيساعده في الشفاء إلى جانب المضادات الحيوية”، مشيرة إلى أن هذه “ليست المرة الأولى التي يعاني فيها نصر الله من هذا التحسس وتفاعلاته”.

ومن زاوية أخرى، قال المسؤول الثقافي لحزب الله في منطقة البقاع اللبنانية، فيصل شكر، إن صحة نصر الله جيدة وأنه “يتعافى من التحسس الربيعي الذي ألم به مؤخراً، ولا صحة للشائعات” حول إصابته بكورونا، وذلك حسبما أوردت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية.

ولكن وعلى أي حال، فكما يرتب المتنفذون في طهران لخليفة يتم تنصيبه بعد المرشد الحالي، علي خامنئي، فإن هؤلاء أنفسهم أو من هم تابعون لهم يخططون أيضاً لتنصيب شخص آخرَ حال رحيل “نصر الله” أو حدوث تطورات تعجزه عن زعامة الحزب مستقبلاً. 

“ابن خاله”، من هو الشخص المرجح لتولي زعامة “حزب الله” بعد أمينه العام الحالي؟

تصف أغلب التقارير ووسائل الإعلام المعنية الرئيس الحالي للمجلس التنفيذي لـ”حزب الله” في لبنان، هاشم صفي الدين، بأنه الشخصية المحتمل أن تخلف حسن نصر الله في منصبه حاله رحيله أو مرضه الشديد. وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية هي المعنية أكثر بهذا الشأن.

فعقب خطاب “نصر الله” المُشار إليه في مايو، نشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية تقريرا مفصلاً حول رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، وصفته خلاله بأنه الأمين العام المقبل لـ”حزب الله”. وتضمنت تقارير الإعلام الإسرائيلي تكهنات تقود جميعها إلى أن هاشم صفي الدين هو من سيتزعم الحزب بعد نصر الله.

ورجح الموقع العبري الشهير “واللا” من جانبه تولية صفي الدين، المولود عام 1964 في بلدة “دير قانون النهر” بمنطقة صور في محافظة الجنوب اللبنانية، هذا المنصب، حيث إنه بالأساس عضو في مجلس شورى الحزب ومجلس القرار الذي يحدد من يتولى منصب الأمين العام.

يقول “واللا” في تقرير له نُشر يوم الجمعة 4 يونيو 2021 إن “الشائعات والأخبار التي غمرت شبكات التواصل الاجتماعي (حول نصر الله)، بما في ذلك واتساب، ليل الاثنين/ الثلاثاء أثارت فرحة كبيرة في إسرائيل.. فنصف الأخبار الواردة من لبنان حول توزيع الخبز والماء كزكاة لصحة حسن نصر الله أثارت ذلك على الفور دراما صغيرة هنا، في وقت يشتاق الكثيرون في إسرائيل إلى سماع أخبار تفيد بأن الرجل يحتضر في حالة موت سريري”.

وعلى أية حال لم تأت التوقعات من فراغ، خاصة وأن الآراء حتى أعوام مضت كانت تنصب حول احتمال تعيين نائب نصر الله، نعيم قاسم، زعامة الحزب خلفاً له.

وكانت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قد أدرجتا في عام 2017 صفي الدين على القائمة السوداء للإرهاب، على خلفية مسؤوليته عن عمليات لصالح “حزب الله”. 

اختارته طهران … لماذا هاشم صفي الدين وليس نعيم قاسم؟

تجتمع لدى صفي الدين، مواليد عام 1964، بعض العوامل التي ترجح توليه زعامة “حزب الله” في لبنان حال رحيل حسن نصر الله، ومن أبرزها ما يلي:

  • نفوذ متجذر داخل الحزب وعلاقاتٌ وثيقة بإيران:

يتمتع صفي الدين، مقارنة بالعديد من الشخصيات البارزة الأخرى في “حزب الله” اللبناني، بعلاقات قوية مع النظام في طهران، إضافة إلى تشعب وقوة علاقاته داخل الحزب نفسه بداية من الأمين العام الحالي “حسن نصر الله” الذي يُعد صفي ابن خالته، مروراً بجناحه العسكري، وحتى الأفراد المسؤولين عن الأنشطة الاجتماعية للحزب.

كان صفي الدين يقيم حتى عام 1994 بمدينة قم الدينية الشهيرة الواقعة جنوبي العاصمة طهران، ثم انتقل في العام نفسه، وبطلب إيراني، من هناك إلى العاصمة اللبنانية بيروت من أجل تولي مركز في الحزب، حتى تدرج فوصل إلى رئاسة المجلس التنفيذي.

ومن موقعه في المجلس التنفيذي، الذي يُعد العمود الفقري المالي للحزب، توطدت العلاقات بين صفي الدين وطهران وباقي أفرع الحزب. إذ أن هذا المجلس يدير بالأساس مجموعة ضخمة من الاستثمارات الاقتصادية تُقدر أحياناً بمليارات الدولارات، حسب بعض التقارير المعنية، والتي قام بها الحزب من أجل ضمان الدعم المالي الذي أراد له ألا يخضع لأعين المراقبين. ومن بين هذه الاستثمارات إشرافه على إعادة إعمار الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت بعد حرب يونيو 2006، التي تُعرف في لبنان بحرب “تموز”.

وعلى الرغم من انتشار هذه الاستثمارات الكبيرة في عدد من الدول حول العالم، إلا أنها في الواقع تتم في حالة تكتم وسرية شديدة؛ لأن الحزب بالأساس مصنف على قوائم الإرهاب في عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الاتحاد الأوروبي الذي يصنف الجناح العسكري للحزب على لائحة الإرهاب. ولكن على أي حال، عمل هذا المنصبُ على تقوية علاقات صفي الدين مع إيران، وذلك إلى جانب أن هذا المنصب هو عملياً يُعد الثاني في صفوف الحزب وليس منصب نائب الأمين العام الذي يشغله نعيم قاسم.

وكان المجلس التنفيذي يدير سابقاً العمل العسكري لـ “حزب الله” قبل أن يتم إنشاءُ ما يسمى بـ “المجلس الجهادي” الذي انفصل لاحقاً عن المجلس.

ويملك هاشم صفي الدين في الوقت نفسه عضوية في مجلس شورى الحزب، المتنفذ الأصلي فيه وفي قرارته، ما جعله بالنهاية مشرفاً ومطلعاً على جميع الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لـ “حزب الله”.

إذاً، فكل هذا النفوذ جعل من صفي الدين فعلياً الرجل الثاني في الحزب، والشخص الأقرب لتولي زعامته بعد حسن نصر الله.

  •  زواج نجل هاشم بابنة القائد السابق لفيلق القدس الإيراني:  

ما يُعد مؤشراً إضافياً على كون صفي الدين الأوفر حظاً ليحل محل “حسن نصر الله” مستقبلاً هي حالة المصاهرة بينه وبين قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني. وهذه المصاهرة في جميع الأحوال تعكس تقارب العلاقة بين الحرس الثوري وهاشم صفي الدين نفسه.

فقد تم الإعلان العام الماضي عن زواج رضا هاشم صفي الدين، نجل رئيس المجلس التنفيذي لـ”حزب الله”، بزينب سليماني بعد حوالي 6 أشهر من مقتل الأخير في غارة جوية في 3 يناير بالقرب من مطار بغداد الدولي. إن هذا يُضاعف من فرص تولي صفي الدين منصب الأمين العام للحزب بعد “نصر الله”.

وكانت ابنة القائد العسكري السابق في الحزب “عماد مغنية” هي أول من أعلنت خبر الزواج منتصف عام 2020، وربما يكون لذلك هدفٌ غير معلن وهو توطيد العلاقات في المستقبل “ربما في عهد صفي الدين” بين الحزب وإيران، خاصة وأن توقيت الزواج كان غير مألوف لدى العائلات الإيرانية بوجه عام والتي تتجنب الزيجات قبل مرور الذكرى السنوية الأولى لحالة الوفاة.

وربما يحمل هذا الإعلان رسالة ضمنية أخرى تخص مستقبل الصراع بين إسرائيل والحزب، حيث يجب ملاحظة أن عماد مغنية ونجله “جهاد”، الذي قُتل عام 2015، كانا قد قُتلا عن طريق عمليات إسرائيلية بالأساس.    

ختاما

على الرغم من أن هاشم صفي الدين يُعد الخيار الأبرز أمام طهران ليكون زعيماً لـ”حزب الله” اللبناني حال رحيل أو عجز حسن نصر الله، إلا أن هناك شخصيات أخرى تظل على القائمة على الرغم من تدني فرص وصولها إلى زعامة الحزب. ومن بين هذه الشخصيات يجئ رئيس تشكيل الأمن الخارجي التابع للحزب “طلال حمية“.

يؤكد موقع “المكافآت من أجدل العدالة” الأمريكي أن طلال، مواليد 1952، يقوم بتنسيق العمل بين خلايا مختلفة حول العالم تابعة للحزب الذي صنفته واشنطن على قائمة الإرهاب. واتهم هذا التشكيل الذي يتزعمه طلال بالوقوف وراء اختطاف طائرة “تي دبليو ايه” الرحلة رقم 847 في 14 يونيو 1985 والتي كانت متجهة من العاصمة اليونانية أثينا إلى نظيرتها روما، إضافة لعمليات إرهابية أخرى حول العالم.

وليس عضو ما يُسمى بـ “المجلس الجهادي” داخل الحزب “فؤاد شكر” ببعيد عن احتمالية إحلاله محل حسن نصر الله. إذ أن شكر، مواليد 1962، عضو في الهيئة العسكرية العليا في الحزب وتولى قيادة قوات “حزب الله” في بعض المناطق بالخارج خلال السنوات الماضية، كما أن عضويته بالهيئة وقدم انضمامه للحزب منذ ثمانينيات القرن الماضي تدفع بفرص توليه أيضاً.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى