مقالات رأي

كيف تُغير المُسيَّرات قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟

ليس هناك عامل بإمكانه أن يكون عنصر تغيير جذري في معادلات القوة في منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة أكثر من المُسَّيرات، هذه المركبات الصغيرة والزهيدة التكلفة والسهلة التصنيع التي من الممكن أن تصبح السلاح الذي ستستخدمه الدول والتنظيمات التي تعمل خارج إطار الدولة في صراعات المنطقة المتعددة والمزمنة. والسؤال الذي يواجه الجميع الآن هو، ما العمل؟

في الثالث من نوفمبر 2002 فوجئ العالم بخبر أذاعته وكالة أنباء آسوشيتد برس الأمريكية عن مقتل قايد سالم سنان الحارثي الذي كانت تتهمه الولايات المتحدة الأمريكية بأنه الرأس المدبر للهجوم على المدمرة “يو. اس. كول” في ميناء عدن قبل عامين من ذلك التاريخ وراح ضحيته 17 جنديًا أمريكيًا. كان خبر مقتل الحارثي وخمسة من مرافقيه بهجوم بصواريخ “هيلفاير” على سيارتهم أثناء تنقلهم في منطقة قريبة من مأرب أمرًا مثيرًا لتساؤلات عديدة؛ كونه لم يترافق مع ما يؤكد وجود طلعات جوية أمريكية وقتها نفذت الهجوم.

في الأيام القليلة التالية اتضح أن الهجوم تم تنفيذه بواسطة طائرة مُسَّيرة (Predator drone) كانت المعلومات المتداولة أنها قيد التطوير من قبل الصناعات العسكرية الأمريكية. وسيدخل مقتل الحارثي ومجموعته التاريخ كونه ربما كان أول عملية من نوعها تجري بواسطة هذا النوع من الأسلحة، والذي أصبح بعد عشرين عامًا تقريبًا أكثر أنواع الأسلحة رعبًا في صراعات وحروب الشرق الأوسط.

وبعد توقف دام عدة سنوات بسبب الاعتراضات حول مشروعية استخدام المُسَّيرات في حرب غير نظامية، عادت الولايات المتحدة عام 2009 إلى إطلاق هذا النوع من الطائرات، وجعلتها في السنوات اللاحقة السلاح الأهم في الحرب ضد الإرهاب التي كانت تشنها في اليمن. استخدمت الولايات المتحدة الطائرات المُسَّيرة والتي كانت تطلقها من قواعد في جيبوتي، أو من السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر بكثافة في الحرب التي شنتها على عناصر القاعدة في اليمن حتى أنها وفق إحصائيات كشفت عنها مؤسسة “نيو أمريكا” (New America) البحثية قتلت نحو ألف شخص من المشتبه بكونهم إرهابيين، أو من المدنيين بين عامي 2002 و2018 وخلال فترة ثلاثة رؤساء هم جورج بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب.

منذ ذلك الوقت اتجهت أنظار الحكومات والمخططين العسكريين وأقطاب الصناعات العسكرية وشركات صنع الطائرات وشركات تقنيات الحاسوب والاتصالات إلى هذا الميدان، فخصصت ووضعت وتوضع الخطط للتوسع في صناعة المُسَّيرات، والعمل على إدماجها في منظومات العمل العسكري والاستخباري، وبدأ استخدامها في مجالات مختلفة ابتداءً من التصوير والمسح والمراقبة الجوية وجمع المعلومات وتحديد الأهداف إلى حمل الصواريخ وإطلاقها في عمليات نوعية بسبب ما تحمله من إمكانيات في تحقيق عنصر المباغتة والجرأة والمناورة بالسلاح. وشجعت كذلك التطورات الهائلة التي حصلت في هذا الميدان على البدء بتطبيقات مدنية واسعة النطاق للمُسَّيرات، وخاصة في عمليات البحث والإنقاذ والتفتيش والمراقبة الأمنية والتصوير الجوي.

ومثلما يجري الأمر عادة، تطور استخدام هذه الآلة للأغراض المدنية حيث يتم الاستفادة منها في نشاطات تتعلق بالبيئة والطقس وإدارة المرور بالمدن وكذلك في الأعمال التجارية مثل توصيل الطلبات والبضائع صغيرة الحجم. وقد اتسع حجم السوق في هذه المجالات حتى بلغ عدد المُسَّيرات ذات الاستخدام المدني في الولايات المتحدة وحدها نحو 873,567 في مايو عام 2021 بسوق كان يدر في السنة السابقة من الأرباح ما بلغ نحو 11 مليار دولار على الشركات المصنعة سواء لإنتاج المُسَّيرات للسوق المحلي، أو لأغراض التصدير. أما تقديرات السوق العالمي فهي تشير إلى إمكانية أن تصل مبيعات المُسَّيرات عام 2026 بحدود 58.4 مليار دولار بنسبة نمو سنوي تبلغ 16% خلال الأعوام الخمسة القادمة.

جاء التوسع العالمي سريعًا وكبيرًا حيث انضمت دول عديدة أولًا إلى ميدان البحث والتطوير (research &development) وفي الهندسة العكسية (reverse engineering) وبعد ذلك في التصنيع الفعلي للمُسَّيرات. بينما اجتمعت معظم الدول الأوروبية للعمل تحت برنامج موحد باسم (EuroOn) لتطوير نماذج أوروبية من المُسَّيرات، فقد بدأت دول أخرى كروسيا وباكستان والهند وتركيا وإيران وتايوان برامج طموحة للانضمام لنادي الدول المنتجة لهذا النوع من المركبات الطائرة. وفي حين قررت إسرائيل إعادة النظر في برنامجها القديم في هذا المجال وقامت ببذل جهود حثيثة لتطوير أنواع متقدمة من المُسَّيرات، فإن الصين بدأت تحتل سريعًا مكانة كبيرة في مجالات التطوير والإنتاج والتصدير على مستوى واسع.

تعود فكرة المركبة الطائرة إلى نهاية القرن التاسع عشر حينما لجأت بعض الجيوش الأوروبية إلى إرسال البالونات الهوائية، أو المناطيد غير المأهولة والمحمولة بقنابل لإلقائها على مواقع العدو، وهي ما أصبحت سلاحًا مألوفًا بعد أن تم تطويره نهاية الحرب العالمية الأولى. لكن الفضل يعود إلى الحرب العالمية الثانية حين تم تطوير أنواع من الطائرات بدون طيار تعمل بتوجيه لا سلكي من قبل الحلفاء والألمان، حيث اشتركت في إلقاء القنابل على جبهات القتال المتقابلة. إلا أن التطور الأبرز جاء بعد إسقاط السوفييت طائرة يو. تو الأمريكية عام 1960 فوق أراضيهم حيث بدأت الولايات المتحدة برنامجًا مكثفا لإنتاج هذا النوع من الطائرات غير المأهولة، وتمكنت من استخدام بعض نماذجها الأولية في حربها في فيتنام.

مع التطورات التي طرأت على صناعة هذه الآلة تم إطلاق تسمية المركبة الطائرة غير المأهولة، أو التي لا يديرها طيار (Unmanned aerial vehicle) أو (UAV) أما المركبة المخصصة للأغراض العسكرية فقد سميت (Unmanned combat aerial vehicle) أو (UCAV). أما عبارة (drone) المستخدمة على نطاق واسع فتعني الطنين وهو الصوت الذي عرفت به الطائرة عند استخدامها في المراحل الأولى حتى أن سكان غزة الذين تعرضوا لهجمات هذه الطائرات الإسرائيلية منذ وقت مبكر أطلقوا عليها “الطنانة”، هذا قبل أن تستقر التسمية العربية على “المُسَّيرة”، وهو تعبير يجمع بين طبيعة الحركة، وبين قيادتها من الخارج، أي كونها غير مأهولة.

يتكون سلاح المُسَّيرات عادة من وحدتين، الأولى هي الطائرة ذاتها والثانية هي المحطة الأرضية التي تتولى التحكم والسيطرة واستلام البيانات والصور وتقديم الدعم الأرضي. تتعدد أنواع المُسَّيرات ابتداء من النوع البسيط والصغير على هيئة طائرة هليكوبتر بمروحة واحدة، أو مرواح متعددة إلى طائرات ذات أجنحة ثابتة وبأحجام وتصميمات متنوعة. وفي حين تتولى المحطات الأرضية مهمات متنوعة في التحكم بالطائرة وتوجيهها وقيادتها بواسطة الأجهزة والمعدات التكنولوجية فإن هناك مسيرات يجري برمجتها كليا كي تتمكن من التحكم ذاتيًا بكل العمليات التي تقوم بها وبالمهمات التي تؤديها.

الشرق الأوسط: أكبر ترسانة للمسيرات في العالم

تعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق في العالم التي تختزن المُسَّيرات، وهي كذلك تضم أبرز منتجيها، إضافة إلى أن العديد منها شهدت استخدامًا لهذه الآلة القتالية الجديدة في صراعاتها الداخلية والبينية. وفي حين تحتل إسرائيل وإيران وتركيا موقعًا متقدمًا في الإنتاج والاستخدام، فإن القوات الأجنبية المتمركزة في المنطقة كالأساطيل والقوات الأمريكية والروسية هي المصدر الآخر لهذه الترسانة الضخمة، في حين تقوم معظم دول المنطقة الأخرى إما بتخزين هذا النوع من السلاح أو تقييم موقفها منه.

  • إسرائيل

بدأت إسرائيل بإنتاج واستخدام (UAV) في وقت مبكر حيث تسجل الوثائق الأمريكية والإسرائيلية أنها استخدمتها في فترة حرب الاستنزاف على الجانب المصري لمراقبة جبهة قناة السويس والاستعدادات لرد العدوان بعد حرب عام 1967، واستخدمت بعد ذلك أنواعًا مطورة منها في حرب أكتوبر 1973. وعملت إسرائيل على تطوير واستخدام أنواع من هذا السلاح كي تستخدمه في لبنان وفي غزة في عمليات متنوعة استهدفت اغتيال قادة في حزب الله اللبناني أو في حركتي حماس والجهاد في غزة.

في الحروب التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006 وعلى غزة عدة مرات بعد ذلك استخدمت إسرائيل المسيرات على نطاق واسع في عمليات هجومية ودفاعية كان لها الأثر الكبير في تدمير قدرات الطرف الآخر. ويُعتقد أيضًا أن إسرائيل تستخدم المسيرات لأغراض تجسسية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وجيرانها العرب، إضافة إلى وجود تقارير عن استخدامها هذا النوع من المركبات في عمليات سرية خاصة تستهدف بها البرنامج النووي الإيراني.

تمتلك إسرائيل برنامجًا واسعًا لإنتاج المُسَّيرات التي بدأتها بطراز (DJI Mavic) وبعد ذلك سلسلة (Matrice) التي استخدمت في مهمات التجسس والاستطلاع. لكن تقرير التوازن العسكري الشهير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في ستوكهولم الذي يسجل بأن إسرائيل هي رائدة في صناعة المسيرات على المستوى الدولي يشير إلى طرازات أخرى منها (IAI Heron (Machatz-1) وهي مسيرة بإمكانها الطيران لمدة 52 ساعة بدون توقف ولمسافة قد تتجاوز 10 كليو مترات. وهناك أنواع أخرى منها نسخة متقدمة تدعى (Heron TP) و(Hermes 450 UAV) و (Hermes 900 UAV) التي تستطيع حمل عبوة بوزن يصل إلى 300 كيلو جرامًا.

وبالإضافة إلى ترسانة المُسَّيرات التي تمتلكها، فإن لإسرائيل منظومة متقدمة مضادة للمُسَّيرات المعادية تعمل بالتكامل مع منظومة الدفاع الجوي ومع القبة الحديدية المجهزة لمعالجة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى المهاجمة. وتتضمن هذه المنظومة التي طورتها مؤسسة الصناعات الجوية الفضائية الإسرائيلية بالتعاون مع الصناعات العسكرية الأمريكية تقنيات متعددة لمعالجة الحالات المختلفة ومنها حماية القوات والأرتال أثناء العمليات. وبحسب المعلومات المسربة فان المنظومة الإسرائيلية المطورة تعمل على التقاط إشارات التهديد الذي تشكله المُسَّيرات المعادية على مسافة عدة كيلومترات، وأن المنظومة تستخدم إشارات الاقتراب بالعمل مع الرادارات لتحديد المكان الفعلي لمُسَّيرة ومن ثم استخدام المجسات التي تعمل بالأشعة فوق الحمراء لتأكيد وجودها. أما في المرحلة الأخيرة فتستخدم آليات قبة المسيرات (Drone Dome) بهدف التشويش على المُسَّيرة العدو بغية إيقافها وفي حالة عدم التوقف يجري مهاجماتها بموجات الليزر قصيرة المدى لإسقاطها. وكانت آخر مرة تستخدم فيها هذه التقنيات في 27 أبريل الماضي أثناء العمليات ضد غزة عندما أسقطت مسيرة لحزب الله شمال إسرائيل كانت تسعى لاختراق الأجواء الإسرائيلية.

وتعد إسرائيل واحدة من أكبر الدول المصدرة للمُسَّيرات في العالم بأنواعها المختلفة المدنية والعسكرية، فيبلغ عدد عملاء الشركات الإسرائيلية في العالم نحو 100 عميل لا تكشف إسرائيل عن أسمائهم، وبلغ حجم مبيعاتها 12 مليار دولار عام 2019 مع تقديرات بمضاعفة هذا الرقم خلال العقد القادم.

  • تركيا

ينظر إلى تركيا بوصفها واحدة من ثمانية دول صنعت واستخدمت المُسَّيرات بكثافة في حروبها أو في الصراعات التي تورطت بها خارج تركيا خلال السنوات الأخيرة، في إطار السياسة التي اتبعها الرئيس رجب طيب أردوغان في التدخل النشط في أزمات المنطقة وزيادة النفوذ التركي فيها. كانت انقره قد بدأت إنتاج سلسلة الطائرة المسيرة طراز Anka بداية العقد الأول من هذا القرن لأغراض المراقبة والتصوير وجمع المعلومات، قبل أن تطور طراز (Anka B) منها عام 2012 للعمليات القتالية. لكن تطوير المُسَّيرة (Bayraktar TB2)، أو (بيرقدار TB2) من قبل شركة أخرى بمساعدة شركات بريطانية قدمت تقنيات متقدمة كان حدثًا بارزًا لأنها سرعان ما حازت سمعة كبيرة عالميًا وخاصة بعد استخدامها، وأدخلت تركيا في صف الدول المتقدمة في هذه الصناعة.

تتميز (بيرقدار TB2) بحمولتها التي تبلغ 150 كيلو غرامًا وقدرتها على التحليق لفترة 25 ساعة متواصلة بالطيران على ارتفاعات عالية تصل إلى 20,000 أو 27,000 قدم، ويمكنها الوصول إلى ارتفاعات متوسطة كما يتم التحكم بها من قبل طاقم ارضي بما في ذلك توجيه واستخدام الأسلحة التي تحملها. وصنفت هذه المُسَّيرة دوليا ضمن الطائرات العسكرية التكتيكية، أي التي تستخدم لأغراض المراقبة وتتمتع بإمكانية الاستكشاف والتصوير وكذلك العمل على تزويد مقرات العمليات بمعلومات مباشرة ترصدها كاميراتها خلال مهمتها بالأجواء. 

أما عن ميزاتها التسليحية فهي سلاح هجومي للتدمير المباشر للأهداف في الظروف الليلية والنهارية وهي قادرة على مواجهة التهديدات المحددة بذخائر وصواريخ محمولة على متنها. وكان سلجوق بيرقدار شقيق خالوق بيرقدار رئيس الشركة المصنعة والمهندس المسؤول عن البرنامج قد ادعى أن بإمكان المُسَّيرة التركية أن تخترق أجهزة الرادار وأن تطير لساعات طويلة متجاوزة أنظمة الدفاع الجوي، وبإمكانها أيضًا أن تشترك مع القوات البرية في تشكيلات قتالية بشكل منفرد، أو على شكل مجموعات ساندة للقوات.

استخدمت المُسَّيرات التركية على نطاق واسع في ضرب عناصر حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وفي مناطق شمال العراق وأوقعت فيه خسائر كبيرة وشلت تحركاته إلى حد كبير. ولعبت هذه المُسَّيرة دورًا كبيرًا في دعم الجيش التركي وحلفائه من الجماعات السورية عند اجتياح تركيا للأراضي السورية عام 2014. واستُخدمت أيضًا في أذربيجان حيث عُدّت عنصرًا حاسمًا في مساعدة أذربيجان في كسب الحرب ضد أرمينيا بداية هذا العام في منطقة ناجورنو قره باغ. وشهدت ساحات القتال في ليبيا استخدامًا واسع النطاق للمُسَّيرة (بيرقدار TB2) لدعم قوات حكومة الوفاق الوطني في المعارك التي جرت عام 2019 مع الجيش الوطني الليبي، فلعبت دورًا كبيرًا في صالح قوات الوفاق.

وتطمح تركيا أن تصبح مسيراتها التي تقول إنها دخلت مرحلة تطوير جديدة تنتهي نهاية العام منافسة من ناحية التقنية والسعر مع مسيرات أخرى وخاصة الأمريكية والصينية والإسرائيلية. ويعتقد أن تركيا زودت فعلًا عددًا من الدول مثل قطر وأوكرانيا بمسيرات من طراز (بيرقدار TB2)، ودول أخرى وقّعت عقودًا لشرائها مثل صربيا وبولندا والمغرب، في حين سجلت تقارير عن طلبات للشراء تقدمت بها دول أخرى مثل السعودية وباكستان.

  • إيران

تعد إيران من الدول الناشطة في مجال إنتاج الطائرات بدون طيار منذ زمن ليس بالقريب، فوفقًا للرواية الإيرانية صناعة هذا النوع من المُسَّيرات تعود لسنوات قبل وصول الإسلاميين للسلطة عام 1979 والذين ساهموا فيما بعد في تطوير بعض النماذج البسيطة التي استخدمت لأغراض الاستطلاع في الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988.

لكن يعرف عن إيران أنها بدأت إنتاج المُسَّيرات من نوع (UAV) عام 2005 عندما أطلقت شركة الصناعات الجوية الإيرانية المُسَّيرة التي أطلقت عليها أجهزة المراقبة الغربية اسم (HESA-100 UAV) والتي تم تطويرها فيما بعد إلى طراز شاهد بعدة نماذج منها (123Shahed) وبعدها إلى (Shahed 129) والتي أشار بعض التقارير إلى قيام إيران بتطويرها اعتمادًا على مُسَّيرات أمريكية من طراز MQ9 وMQ1 شادو وسكان إيجل، وRQ-170 ومُسَّيرة إسرائيلية من طراز (Hermes 450) تم إسقاطها جميعًا فوق الأراضي الإيرانية في أوقات غير معروفة.

لا تستند مراكز الأبحاث كثيرًا على التصريحات الإيرانية في تقييمها لبرنامجها التسليحي من صناعاتها المحلية ومنها المُسَّيرات والتي تتهمها بالمبالغة وإثارة الصخب من أجل الدعاية، لكن عموما فان التحليلات تشير إلى قيام إيران بتطوير نسخ متعددة من الطائرات بدون طيار والتي يتكون منها أسطولها من المُسَّيرات عرفت أشهرها بـ (أبابيل) و(صاعقة) و(تلاش) و(مهاجر).

وإضافة إلى قيامها بمهمات الاستطلاع وجمع المعلومات المعهودة فإن بعض أنواع المُسَّيرات الإيرانية صممت للقيام بمهمات قتالية من خلال تحميلها بمتفجرات كي تقوم بمهمات انتحارية، كما بينت عدة مشاهد للمركبة تم بثها على التلفزيون الرسمي لمناورات للحرس الثوري. وكان أشهر عملية نسبت للمسيرات الإيرانية هي الهجوم على منشئات البترول السعودية في بقيق في سبتمبر عام 2019 هذا إضافة إلى الأعداد الكبيرة التي أطلقتها جماعة الحوثي في اليمن ضد السعودية، أو تلك التي أطلقتها المليشيات الشيعية ضد القواعد والمؤسسات الأمريكية في العراق.

وإذا كانت هذه الدول الثلاث تشكل الأطراف الأساسية التي تصنع وتستخدم المُسَّيرات، فإن أطرفًا أخرى في المنطقة كالقوات الأمريكية المنتشرة في مناطق واسعة من الشرق الأوسط تمتلك ترسانة كبيرة من هذه المركبات، واستخدمتها في عمليات نوعية وخاصة في عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد في 3 يناير 2020 والتي يعتقد أن الجيش الأمريكي استخدم فيها مُسَّيرة من طراز (MQ-9 Reaper) أطلقت عدة صواريخ على موكب سليماني أثناء مغادرته مطار بغداد. 

أما روسيا فإنها تحتفظ بعدة منظومات من المُسَّيرات في سوريا تستخدمها في أغراض المراقبة وأيضًا في تقديم الدعم لعمليات القوات الروسية في المناطق السورية ولقوات الحكومة السورية، وخاصة في تحديد مواقع القصف الجوي وتقييم النتائج. ونظرًا لعدم توفر مُسّيرات قتالية متقدمة من النوع الذي يحمل الصواريخ والأسلحة لديها وكذلك اعتماد الاستراتيجية الروسية على القصف الجوي، فإن استخدام المُسَّيرات لأغراض قتالية من قبل الروس في سوريا بقي محدودًا. 

ووفقًا لتقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في ستوكهولم فإن المُسَّيرات تنتشر -ولو على نحو ضيق- في دول أخرى في المنطقة مثل الجزائر ومصر والعراق والأردن والسعودية والإمارات والمغرب وقطر. وفي حين أن تقارير وردت عن استخدام تنظيم داعش الإرهابي للمُسَّيرات في معركة تحرير الموصل عام 2016 إلا أن بعض الجماعات التي يمكن وصفها بانها (Non-state actors)، أو الفواعل خارج إطار الدولة، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن والمليشيات العراقية المدعومة من إيران أصبحت من بين الأطراف الأساسية التي تمتلك المسيرات وتستخدمها في صراعات المنطقة.

سباق تسلح جديد بالمُسَّيرات هذه المرة

في الوقت الذي يواجه فيه الشرق الأوسط مرحلة جديدة من عدم الاستقرار وحالة من السيولة الناشئة عن استمرار الصراعات فيه وازدياد التدخلات الخارجية في دوله، فان الأنظار تتجه إلى الدول الرئيسية في المنطقة والتي بقيت متماسكة في وجه التيارات التي تسعى إلى زعزعة التوازن الإقليمي لرؤية استجابتها للتحديات الأمنية الجديدة التي تواجهها ومن بينها هذا السلاح المتنامي والذي أصبح يشكل عمودًا فقريًا في برامج التسلح وفي استراتيجيات الدفاع والحرب، وخاصة مع ازدياد دور الفواعل خارج إطار الدولة الذين ينشطون على مساحة واسعة من الإقليم ويلجؤون إلى استخدام المُسَّيرات في حروبهم. 

في آخر مواجهة أمريكية مع المليشيات المدعومة من إيران قامت القاذفات الأمريكية بالهجوم على مقرات لهذه الجماعات على الحدود السورية العراقية يوم 28 يونيو ردًا على ما أسمته القيادة الأمريكية بهجمات بالمُسَّيرات على قواعد أمريكية في العراق اتهمت المليشيات بالقيام بها كجزء من حملة بهذا السلاح تقوم بها منذ أشهر ضمن حملتها لدفع الولايات المتحدة للانسحاب من العراق. 

هذا التصعيد الذي لا يزال مفتوح النهايات هو ذو طبيعة جيوسياسية واسعة النطاق لأنه يستهدف مواجهة أهداف متعددة لإيران من خلال استخدام وكلائها للمُسَّيرات تبدأ من محاولة تفريغ العراق من القوات الأمريكية والاستفراد به، مرورًا بالضغط على المفاوضين الأمريكيين في الملف النووي، وانتهاءً بترتيب وترسيخ قواعد النفوذ والهيمنة الإيرانية في عموم المنطقة.

وفي الوقت الذي تستخدم فيه إيران أو تهدد باستخدام المُسَّيرات، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها في سوريا ولبنان واليمن والعراق وغزة فإن تركيا ماضية باللجوء إلى هذا السلاح في مواجهتها مع حزب العمال الكردستاني أو الجماعات المناهضة لها في شمال سوريا، ولا تزال تحتفظ بترسانتها منه في ليبيا وفي القواعد التي تمكنت من بنائها في شرقي أفريقيا وفي قطر وأذربيجان. 

أما إسرائيل فإنها تسعى إلى تطوير مخزونها من المُسَّيرات كمًا ونوعًا إضافة إلى تعزيز أنظمة مواجهة المُسَّيرات العدوة. ووفقًا لمعلومات كشفت عنها الصحافة الإسرائيلية فإن لجنة مشتركة أمريكية إسرائيلية بدأت التخطيط لمواجهة خطر المُسَّيرات حيث تتركز النقاشات على التعاون بين الطرفين في إنشاء منطقة منع الطيران (no-fly zone) في عموم المنطقة أمام المُسَّيرات، وخاصة الإيرانية أو تلك التي تستخدمها المليشيات الشيعية المتعاونة معها. وكذلك تشكل التهديدات الناتجة من استمرار جيوب التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة والنصرة وباقي الجماعات المرتبطة بها في شمال أفريقيا أو في منطقة الساحل خطرًا حقيقيًا في إمكانية تملكها، أو حصولها على المُسَّيرات واستخدامها في عمليات إرهابية.

وإذا كانت هذه الصراعات تكشف عن المدى الذي بلغه استخدام المُسَّيرات القتالية فيها فإن احتواء المنطقة على بؤر صراعات عديدة أخرى يكشف عن حقيقة أكيدة وهي أن سباق التسلح بالمُسَّيرات في الشرق الأوسط قد قطع شوطًا بعيدًا أصبح من المستحيل الآن العودة عنه، مما يعني أنه سيطبع كامل المرحلة القادمة من النواحي الاستراتيجية والتكتيكية واللوجستية. 

صحيح أن الخبراء يتوقعون استمرار الأسلحة التقليدية كالطائرات والمروحيات في أن تلعب دورًا محوريًا في الحروب، لكن تغيير طبيعة الصراعات ذاتها والتي يشتبك فيها ما هو محلي مع ما هو خارجي أو إقليمي، وكذلك الانخراط المتزايد للفواعل خارج إطار الدولة خلق بيئة جديدة يجعل من استخدام هذا النوع من الأسلحة ملائمًا تمامًا لهذا النوع من الحروب التي تمتزج بين المتماثلة (symmetric) مع غير المتماثلة (asymmetric).

سيشكل سباق التسلح بالمُسَّيرات في ظل الإنفاق الحالي على التطوير والتصنيع خطوة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة؛ نظرًا لاستمرار الصراعات فيها من غير حلول من ناحية، ولرخص كلفتها وبساطة تشغليها وسهولة الحصول عليها أو تصنيعها من ناحية ثانية. 

إن ما يزيد من المخاطر من هذا السباق هو أن الجيل أو الأجيال الجديدة التي يجري تطويرها ستكون أكثر تعقيدًا وتطورًا من الناحية التقنية وأكثر قدرة على التخفي وأسرع وأصغر حجمًا وأكثر دقة في إصابة أهدافها وأكثر قدرة على حمل أنواع متطورة من الصواريخ. وتوافر هذه الأنواع من الأسلحة بأسعار مناسبة سيوفر أمام الدول تكاليف باهظة تتكبدها اقتصاداتها المنهكة لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها مما قد يساعد على الإبقاء على التوترات المحلية والإقليمية، قبل أن يتحقق ربما نوع من توزان القوى قد يأخذ مدى زمنيًا طويلًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى