أفريقياروسيا

تفسيرات محتملة لأبعاد اتفاقية التعاون العسكري بين روسيا وموريتانيا

قامت روسيا بتوقيع اتفاقية للتعاون العسكري مع موريتانيا يوم 23 يونيو الجاري خلال فعاليات مؤتمر موسكو التاسع للأمن الدولي، الذي انعقد في روسيا في الفترة ما بين 22 إلى 24 يونيو 2021. ولقد قام بتوقيع الاتفاقية نيابة عن الطرفين، “ألكسندر فومين”، نائب وزير الدفاع الروسي، وحنانه ولد سيدي، وزير الدفاع الموريتاني، وفقًا لإفادة المكتب الصحفي لوزارة الدفاع الروسية.

وعقب التوقيع، أكد الطرفان أنهم على أتم الاستعداد للمُضي قدمًا في البدء بالتنفيذ الفعلي للاتفاقية في أقرب وقت ممكن. وكانت روسيا من قبل قد أظهرت في أكثر من موقف رغبتها في الانفتاح السياسي والاقتصادي والعسكري مع دول القارة الأفريقية. ومن جهته، كان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، قد قال خلال خطابه الافتتاحي، “إن روسيا لا تُملي إرادتها على الدول الأخرى، وهي مستعدة للمشاركة في حل المشكلات العالمية والإقليمية، على قدم المساواة باستخدام الأساليب السياسية والدبلوماسية، لتوسيع التعاون الخلاق مع جميع البلدان”.

أبعاد تحليلية محتملة للاتفاقية

يأتي توقيع اتفاق التعاون العسكري مع موريتانيا ضمن استراتيجية روسيا للعودة للقارة الأفريقية وخاصة بعدما انتقلت روسيا من تكتيك الدفاع الهجومي للهجوم الدفاعي. ولقد بدأ ذلك التكتيك منذ أن ضمت شبه جزيرة القرم 2014، وتدخلت عسكريًا في الأزمة السورية 2015. إذ شكلت العودة لإفريقيا نقطة محورية مهمة في مقاربة موسكو للتعاطي مع المتغيرات التي طرأت على النظام الدولي. بالنسبة لموسكو، يعد هذا خيارًا استراتيجيًا وليس مجرد تموضع مؤقت مرهون بسياقات المواجهة مع حلف الكتلة الغربية وواشنطن.

وبينما نحن بصدد إلقاء نظرة على تأويلات وأبعاد هذه الاتفاقية التي تُعد أبرز بنودها –على خلاف تعاونات روسية سابقة مع دول أفريقية أخرى في نفس السياق- مُبهمة أمام أعين وسائل الإعلام. فإنه ينبغي بنا العودة أولًا إلى الماضي القريب لإلقاء نظرة خاطفة على أبرز ملامح العودة الروسية للقارة الأفريقية، والتي نرى أنه من الأجدر القول إنها بدأت ضمنيًا من خلال استضافة روسيا لأول قمة أفريقية كبرى في العالم بمدينة سوتشي الساحلية في العام 2019. وذلك بعد غياب روسي عن القارة دام ثلاثة عقود. وفي هذه القمة تبينت أبعاد الاستراتيجية الروسية للدخول للقارة؛ إذ استندت على تدشين شراكات اقتصادية كبري، ورفع معدلات التبادل التجاري، وتباعًا تنسيق الجهود الدبلوماسية، والدفاعية الأمنية.

وفي ضوء ما تقدم، نقول إن الدخول الروسي الإيجابي النشط للقارة يسير وفقًا لمنهج واضح ومحدد، ويمنحنا مؤشرات على أن اتجاه موسكو نحو أفريقيا يمثل بالنسبة لها خيارًا استراتيجيًا وليس مجرد تموضعًا مؤقتًا مرهونًا بسياقات التنافس والمواجهة بين موسكو والكتلة الغربية. وعليه سعت موسكو للأهداف التالية:

  1. إبرام اتفاقات تعاون عسكري مع دول تقع في إحداثيات طرفي القارة الشرقي “السودان”، والغربي “موريتانيا”، مع الاحتفاظ بعقدة وصل في الوسط تمثلت في جمهورية أفريقيا الوسطي واخذت نمط “اتفاقات للتدريب والتعاون العسكري”، فضلًا عن حضور عسكري في وسط ليبيا “سرت – الجفرة” من خلال مرتزقة شركة فاجنر. 
  2.  أبرمت موسكو اتفاقيات تعاون عسكري تتراوح ما بين التدريب والشراكة الدفاعية، وما بين الاتجاه الفعلي لتثبيت نقاط ارتكاز عسكرية كما حصل في السودان الذي يمثل أهمية استراتيجية كبري ضمن منهج العودة الروسية لإفريقيا، فإطلالة السودان على البحر الأحمر، تمنح روسيا حرية الوصول للمحيط الهندي وبحر العرب وسواحل شرق افريقيا.

عند هذه النقطة، نعود لنتحدث عن تأويلات ما وراء اتفاقية التعاون العسكري التي أبرمت مع موريتانيا. وهنا ينبغي الإشارة إلى موريتانيا كدولة تطل على المحيط الأطلسي فهي لا تُمثل أهمية استراتيجية لدي خطط الانتشار والتمركز البحري الروسي، وذلك قياسًا على وجود أولوية لتأمين قاعدة أخرى على البحر المتوسط انطلاقًا من سواحل شمال أفريقيا، لربطها مع قاعدة طرطوس البحرية وتأمين دائرة شرق المتوسط. 

لذا من المُرجح أن تكون اتفاقية التعاون العسكري مع موريتانيا تأتي في أطر تدريبية، ومساعدات عسكرية، تعزز من الحضور الروسي في منطقة غرب إفريقيا ولاسيما في ظل الأزمة السياسية التي تمر بها مالي. وختامًا، تحقق شركة “فاجنر” الروسية، انتشارًا واسعًا في أفريقيا بغرض تقديم خدمات التأمين والتدريب، وتكوين نفوذ أمني كبير لموسكو في أفريقيا ودوائر حكوماتها، إذ باتت عناصر “فاجنر” في الوقت الحالي، موجودة على الأرض في أربعة دول أفريقية مختلفة، “موزمبيق- أفريقيا الوسطى- ليبيا- السودان”. ما قد يلقي بظلاله على احتمالات وصول “فاجنر” إلى موريتانيا، التي تشهد حاليًا تعقيدات واضطرابات في مشهدها السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى