الصحافة المصرية

نقل الوزارات للعاصمة الإدارية الجديدة.. ” القاهرة التاريخية “عادت شمسك الذهب

على مساحة 170 ألف فدان تقريبا، أي ما يعادل مساحة دولة “سنغافورة”، وبعيدا عن الشريط الضيق الملاصق لوادي النيل، اختارت مصر أن تصنع “عاصمة إدارية جديدة” ذكية، تتحمل الأعباء التي ضجرت منها القاهرة، لتنتقل اليها مقرات الوزارات والمنشأت الحيوية التي حمَلت العاصمة القديمة فوق طاقتها، فضلا عن 20 حيا سكنيا يستوعب 6.5 ملايين نسمة، ما يمثل بداية جديدة لمصر والمصريين.

ولم تكن مصر هي الدولة الأولى التي تفكر في انشاء مثل تلك العاصمة، فالعديد من التجارب الدولية الناجحة في هذا الصدد، والتي أبرزها تجربة البرازيل التي نقلت عاصمتها من ريو دي جانيرو، إلى برازيليا، بعدما نقلت مقرات السلطة السياسية إليها، بالإضافة إلى تجربة كازاخستان الناجحة عندما استغلت جزيرة “أكمولا” والتي كانت خالية وشبه صحراوية في وسط البلاد، لتحولها إلى عاصمة جديدة، دفع مصر لتخطو بمثل تلك الخطوة، خاصة بعد نجاح تجربة ماليزيا والتي تعد ظروفها الأقرب إلى مصر، حين لجأت حكومتها لنقل بعض مقارها الإدارية ووزراتها من العاصمة كوالالمبور إلى مدينة بوتراجايا، بسبب التكدس السكاني والمروري. 

وجاء تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي، الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء بإخلاء المحافظة من الوزارات والمقار الإدارية الحكومية في العام المقبل، ما يسمح بعودة القاهرة لدورها التاريخي والثقافي والسياحي والأثري.

القاهرة الأثرية تستعيد مكانتها

فبمجرد الانتهاء من نقل الوزارات والمقار الإدارية الحكومية، ستتمكن القاهرة من الالتفات إلى مكانتها كمزار سياحي، باعتبار أنها تحوي عديدا من المعالم الأثرية والسياحية، والتي كانت ضمن قائمة مواقع التراث العالمي باليونسكو عام 1979م. 

وبالفعل بدأت الحكومة في العمل على تطوير العاصمة “التاريخية”، حيث كلف مدبولي بسرعة البدء في تطوير ميدان التحرير، باعتباره من أشهر الميادين في مصر، بل وفي العالم كله، فضلا عن الاستعداد بتزيينه بأحد المسلات الجاري ترميمها والتي يبلغ طولها 19 مترا، ليظهر الميدان في أبهى صوره، ليصبح واحدا من المزارات السياحية والأثرية بتلك المنطقة.

 تطوير ميدان التحرير لم يكن الأول ولا الأخير

فقد عمدت الحكومة المصرية على تطوير عدة مناطق اثرية، أصابها العطب بسبب انتشار العشوائيات من حولها، فلم يكن أمر تطوير ميدان التحرير هو التوجه الأول للدولة، فقد بدأت الدولة في تنفيذ مشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون بوسط القاهرة، لتحويلها إلى متحف مفتوح للمناطق التاريخية والاسلامية بالمنطقة.

ويضم المخطط تطوير منطقة “سور مجرى العيون، الفسطاط، وبحيرة عين الصيرة”، ما يتيح الاستمتاع بأكثر من 313 أثرا مسجلا بنطاق القاهرة التاريخية، بالإضافة لإقامة منطقة الثقافة والفن، تضم مساحات تستخدم كمسرح مفتوح، ومسارح وسينمات، بالإضافة إلى متحف ومعارض للفنون التشكيلية، ومكتبة عامة، وقاعة للندوات والمؤتمرات، إلى جانب أماكن مخصصة للعروض الفلكلورية، ومركز للفنون الحركية، فضلًا عن إقامة منطقة للخدمات الترفيهية والسياحية. لتضم المنطقة وجهيها التاريخي والحضاري.

واستكمالا للمشهد الحضاري فقد تم التخطيط لتطوير منطقة “مثلث ماسبيرو”، الذي تعرض للعديد من التحديات ومنها رفض السكان عملية الاخلاء، لكن انتهى الامر إلى الوصول لتسوية مع السكان من خلال صرف تعويضات أو التعويض بمسكن بديل بمدينة الأسمرات، أو التعويض بمسكن بديل بأحد الابراج التي سيتم بنائها بالمنطقة، ومن المخطط أن تضم المنطقة 4 أبراج سكنية تتراوح اطوالها بين 16 إلى 20 دور، كما ستضم المنطقة عدة مناطق خدمية وسياحية وترفيهية. 

المناطق العشوائية تهديد للأرواح والآثار

انتشار المناطق العشوائية بالقاهرة شوه من جمال مدينة القاهرة، والتي كان يطلق عليها قديما باريس الشرق، فضلا عن تعريض حياة المواطنين للخطر فمعظم المباني العشوائية تؤول للسقوط، وتفتقر للتخطيط والمرافق والخدمات، فكم من أيام عدة نستيقظ على خبر سقوط أحد المنازل بأحد المناطق العشوائية ووفاة قاطنيه. لذا كان توجه الدولة لإخلاء المناطق العشوائية، والغير أمنة، واعادة احياء التراث التاريخي بالقاهرة عموما وبمنطقة القاهرة التاريخية على وجه الخصوص.

وكانت منطقة سور مجرى العيون، من أهم المناطق التي تم التوجيه بإعادة تطويرها، باعتبارها تضم العديد من المباني العشوائية، فضلا عن مدابغ الجلود، والتي ادى التلوث الصناعي الناتج عنها إلى تدهور حال المنطقة الاثرية المحيطة، لذا تم التوجيه بنقل مدابغ الجلود إلى منطقة الروبيكي بمدينة بدر، ونقل سكان المناطق الخطرة إلى حي” الاسمرات 3″.

أما عن تطوير “القاهرة الخديوية”، والتي تضم 421 بناية داخل مساحة لا تقل عن 700 فدان، وتبدأ من كوبري قصر النيل، حتى منطقة العتبة وتضم ثروة من المباني التاريخية، ولضمان نجاح واستمرارية عملية التطوير والحفاظ على ما تم انجازه، تم اتباع تجربة اتحاد الشاغلين من خلال تشكيل مجالس إدارات واتحادات شاغلين في كل منطقة أو مبنى خضع للتطوير، بالتعاون مع شركة تأمين، والتي اثبتت نجاحها خلال تطوير شارع الألفي.

ولم تكن هذه المشروعات هي الوحيدة المخطط تنفيذه لتطوير محافظة القاهرة، فتستهدف القاهرة خطة استراتيجية للحفاظ على التراث، يجرى تطبيقها خلال الفترة المقبلة، تتضمّن تبنى 7 مشروعات ومبادرات كبرى لتعزيز حماية التراث بمنطقة القاهرة التاريخية، وهي مشروع تطوير “ربع المانسترلى” بالدرب الأحمر، و “أرض التبة”، و”درب اللبانة”، و “الأزهر والغوري”، وأيضًا “سوق العتبة” و”سوق باب اللوق”.

نجاح مصر في تذليل التكنولوجيا الحديثة لإنشاء صرح بحجم “العاصمة الإدارية الجديدة”، فضلا عن قدرتها للانتهاء من العديد من المشروعات المقامة بداخلها، ما جعلها مستعدة لاستضافة منتدى شباب العالم الأخير، يؤكد أن مصر مازالت تستطيع أن تقدم المزيد، بعدما حولت الصحراء إلى مدينة عصرية فخمة.

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى