
هل تحقق رؤية مؤتمر برلين (2) لحقوق الإنسان بناء سلام حقيقي في ليبيا؟
اشتمل البيان الختامي لمؤتمر برلين (2) حول ليبيا على محور احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، باعتبارهما أحد الأسس الرئيسية لحل الصراعات والتي توصلت إليها آليات الأمم المتحدة عبر خبراتها العملية والتعلم من الدروس الماضية إبان عمليات بناء السلام في مناطق الصراع. ولم يقتصر الاهتمام بقضية حقوق الإنسان على مخرجات المؤتمر الحالي، بل إن مؤتمر برلين (1) في 2020 اهتم بنفس القضية، على أن النسخة الثانية شهدت عددًا من التطورات والتركيز على قضايا بعينها، عكست بدورها الرؤية الدولية لإمكانية حل الصراع وبناء السلام بالاستناد إلى تدعيم وحماية حقوق الإنسان لكن دون كونها في النهاية عدد من النداءات والدعوات دون آليات واضحة للتنفيذ، وهو ما أثبتته التجربة التاريخية عن مدى خطورته في إقرار مصير الصراعات وإمكانية استدامة السلام في المجتمعات.
قضايا حقوق الإنسان بين برلين (1) و (2)
استند محور احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان إلى عدد من النداءات اتخذت ملامح عكست الرؤية الدولية لبناء السلام وتثبيت الأمن وعلاقته بحقوق الإنسان.
- دور المؤسسات: أشار البيان الختامي إلى دور السلطات الليبية المتمثلة في المؤسسات التنفيذية الحاكمة المتمثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية فضلًا عن مؤسسة القضاء في مهمتهما إزاء احترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين والبنية التحتية، إلى جانب إجراء المراجعات الخاصة بالمحتجزين والنهوض بالخطط الوطنية والسياسية في المجتمع الليبي المعنية بتدعيم حقوق الإنسان.
- العدالة الانتقالية: تمثل عمليات المساءلة وإجراء المحاكمات لمنتهكي حقوق الإنسان ضمن الخطوات الرائدة في ملفات العدالة الانتقالية، إذ شدد البيان الختامي على ضرورة مساءلة وتوثيق وإدانة الانتهاكات وتجاوزاتها.
- التعاون مع البعثات الأممية: أشار البيان الختامي بالتعاون بين السلطات المحلية الليبية مع هيئات الأمم المتحدة فيما يتعلق باحترام القانون الدولي الإنساني وإفساح المجال للمجال الإنساني والمساعدات في العمل بليبيا.
- فرض عقوبات: على خلاف البيان الختامي لمؤتمر برلين الأول، أكدت النسخة الثانية على بعض قرارات مجلس الأمن المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان ومساءلة مرتكبيها وإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية وتعاون السطات الليبية مع المحكمة والمدعي العام، الأمر الذي قد يدفع المحكمة – في حال استيفاء المعايير المطلوبة لإقامة ولايتها- إلى معاقبة مرتكبي جرائم الحرب إذا ما أبدت السلطات المحلية عدم رغبتها أو عدم قدرتها أو أحالت دولة طرف في نظام روما الأساسي أو مجلس الأمن للمدعي العام واقعة جريمة حرب من جانب، أو خضوع المنتهكين للولاية القضائية الحصرية لليبيا من جانب أخر. فضلًا عن تأكيد البيان على إمكانية فرض عقوبات من قبل مجلس الأمن عند إدانة المسئولين عن حالات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
- المصالحة الوطنية: أكد البيان الختامي في أكثر من فقرة على أهمية إجراء المصالحة الوطنية وتثبيت ما تم التوصل إليه والبناء عليه بما يسهم في المضي نحو الحل السياسي إلى جانب آليات العدالة الانتقالية. كما رحب البيان بالدور الإقليمي للمنظمات ودول الجوار الليبي في إنجاح هذه المصالحة وبالأخص الجزائر، بما يساعد في الالتزام بالمسار السياسي. وقد استندت تلك المصالحة السياسية إلى مبادئ الحوار وتدعيم الحقوق السياسية والمدنية والديموقراطية فضلًا عن نبذ خطابات العنف والكراهية وحماية الجماعات الأكثر عرضة للخطر كالنساء والمهاجرين.
- قضايا المهاجرين: سلط مؤتمر برلين (2) بشكل صريح الضوء على أهمية معالجة قضية تهريب المهاجرين ومكافحة الإتجار بالبشر، علاوة على مساعدة السلطات الليبية عل تطوير نهج شامل لمعالجة تلك المسألة.
حقوق الإنسان وبناء السلام
لا تنفصل آليات حل النزاعات وبناء السلام في مناطق ما بعد الصراعات عن وضع اعتبارات جادة لأوضاع حقوق الإنسان في المناطق التي شهدت حدة في الصراعات كما هو الحال في ليبيا. إذ إن انتهاكات حقوق الإنسان في تلك المناطق شكلت، عبر تاريخ التجارب العملية كما كان الوضع في العديد من الدول الأفريقية، مهددات أمنية لأي عمليات تسعى لفرض وبناء السلام. فضلًا عن أن عدم تعاون الأطراف الفاعلة وإجراء آليات تنفيذية للمساءلة في مسائل جرائم الحرب والفشل في إرساء قواعد للعدالة الانتقالية تمثل عوامل محورية في تصدع السلام والأمن واستئناف المسار السلمي لحل الصراع. كما أن الوضع في الحالة الليبية شديد الالتباس نظرًا لارتكاب العديد من الميليشيات لانتهاكات بدون رادع أو إطار قانوني للمحاسبة، بما يضع إمكانية المساءلة الحقيقية كإشكالية بشأن جدواها وآليات تنفيذها على الأرض.
علاوة على ذلك، يشكل عامل إمكانيات وتطلع الأطراف المشاركة في عمليات العدالة الانتقالية أثرًا واضحًا على مصير السلام، سواء كانت الأطراف المحلية أو المهام والبعثات الأممية نفسها، وهو ما ظهر في انتهاكات البعثة الأممية في كوسوفو بين 1999 و 2008 لحقوق الإنسان شكل تحديات انعكست ارتداداتها حتى تاريخه فيما يتعلق ببناء السلام ومجابهة الأسباب الرئيسية للصراع وحل إشكالية الذاكرة والعلاقة بالماضي.
أضف إلى ذلك، أن في حين يتجه الحديث إلى إجراءات وقائية عبر الملاحقة والحماية والعقاب تتخذها مفاهيم حقوق الإنسان لحل الصراعات كما كان الوضع في رواندا وسيراليون، فإن هناك جانب إيجابي من الجدير العمل عليه فيما يتعلق بالصراع الليبي وهو المرتبط بدور تأسيسي لحقوق الإنسان في إرساء قواعد بناء المؤسسات السياسية وفق مبادئ العدالة والتوافق والمصالحة.
وفي الختام، تمثل حقوق الإنسان وفق جانبيها الوقائي والتأسيسي محورًا هامًا في عمليات بناء السلام، بالإضافة إلى الدور الذي يقع على بعثات الأمم المتحدة نفسها إزاء الانتهاكات وممارساتها على الأرض، الأمر الذي يضع أجندة مؤتمر برلين لاحترام القانون الدولي الإنساني وحماية حقوق الإنسان أمام ضرورة العمل على تطويرها بالشكل الذي يسمح لها بتحقيق المصالحة وبناء السلام في المجتمع الليبي على أرض الواقع وتخطي مرحلة الدعوات والمناشدات التي تمحورت حولها بيان المؤتمر.