سياسة

“القرار رغم المخاطر” .. كل الطرق لم تكن تؤدي إلى 3 يوليو

لم يكن قرار خروج المصريين في 30 يونيو 2013 ضد حكم جماعة الإخوان وقرار الاستجابة له في 3 يوليو 2013 سهلًا بكل المقاييس، والأمر ذاته بالنسبة لقرار انحياز القوات المسلحة لإرادة المصريين هذه في يوم 3 يوليو بعد مشاورات ومحاولات لإقناع الجماعة بتلبية مطالب الشعب، وعدم الاستمرار في التعالي على المصريين ومطالبهم الذي ميز تعاطي قيادات الجماعة مع مظاهرات 30 يونيو منذ مرحلة الدعوة إليها. وتتعدد أوجه صعوبة هذا القرار بين أوجه داخلية وخارجية تتضح خلال هذا التقرير.

مجتمع دولي لن يرحب

تبنت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما استراتيجية لدعم تيارات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات 2011 وتمكينهم من تولي مقاليد الحكم في الدول التي شهدت هذه الموجة من الاحتجاجات والاضطرابات، ومنها مصر وتونس وليبيا وسوريا. وكانت الأداة الأهم في هذه الاستراتيجية هي جماعة الإخوان المسلمين التي كانت الأكثر تنظيمًا من بين كل القوى السياسية في هذه البلدان.
نجحت الإدارة الأمريكية في تمكين جماعة الإخوان من الوصول إلى الحكم في هذه البلدان، وراهنت عليها لتكون بداية لتنفيذ استراتيجية جديدة تجاه مصر والمنطقة اعتمادًا على حكم طويل الأمد للجماعة. ومن ثم كان اتخاذ قرار مثل دعم ثورة المصريين في 30 يونيو من الصعوبة بمكان لأنه سيحدث ردة فعل دولية غاضبة على إفشال هذه الاستراتيجية، وسيحتم على مصر خوض مواجهة دولية سياسية شرسة من أجل الانتصار لإرادة الشعب المصري.
وبدا الإصرار الغربي عمومًا والأمريكي خصوصًا على استمرار تجربة حكم الإخوان لمصر جليًا، حتى لو كان ذلك عن طريق إجراء إصلاحات جزئية تُظهر تلبية نسبية لمطالب المصريين، وهو ما ظهر في تصريحات صحفية أصدرها مسؤولون أمريكيون واتصالاتهم مع المسؤولين المصريين، منها التصريح الذي قاله أوباما (1 يوليو 2013) إن “الولايات المتحدة لا تدعم أشخاصًا، وأن واشنطن شجعت الحكومة المصرية على التواصل مع المعارضة والعمل من خلال هذه القضايا في عملية سياسية، فما قلناه هو قم بإجراء عمليات شرعية واحترم سيادة القانون”.
والرسالة ذاتها أبلغتها وزيرة الخارجية الأمريكية –حينها- هيلاري كلينتون في اتصالات مع وزير الخارجية المصري، واتصالات أجرتها السفيرة الأمريكية لدى القاهرة –حينها- آن باترسون مع الرئيس الأسبق مرسي مفادها ضرورة إتاحة مساحة أكبر للمعارضة في إدارة شؤون البلاد.
وبينما اتخذت المواقف الأمريكية طابع النصح علنًا، فإنها كذلك اتخذت طابع التحذير سرًا للقوات المسلحة من التدخل في الأزمة، وخاصة بعدما أمهل وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي –وقتها- جميع الفرقاء أسبوعًا لحل الأزمة. إذ أجرى وزير الدفاع الأمريكي وقتها تشاك هيجل اتصالات بالسيسي أكد له فيها أن تدخل الجيش سيُعد انقلابًا عسكريًا، وأن القانون الأمريكي يُحتِّـم قطع المساعدات الأمريكية، في حالة حدوث انقلاب. وهو التلويح الذي قوبل بالتأكيد من قبل السيسي بأن القوات المسلحة واجبها الوطني يحتم عليها الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين.
وبناء على ذلك، استلزم تحرك القوات المسلحة الداعم لمطالب المواطنين في 30 يونيو أن تخوض مصر مواجهة سياسية دولية لتؤكد فيها حقيقة أن تحركها إنما جاء بناء على مطالب الشعب المصري وتحقيقًا لها، خاصة وأن غالبية الرأي العام الغربي قد تشكل لديه موقف مفاده أن ما حدث في مصر انقلاب عسكري وانقضاض على الديمقراطية.
وانطلقت هذه المواجهة السياسية مع تعليق الاتحاد الأفريقي عضوية مصر فيه بناء على قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي وصف ما حدث بأنه “انقلاب”، وأن الإجراء سيستمر “لحين استعادة النظام الدستوري”. ثم جاء التلويح الغربي العقابي للمصريين؛ إذ قال المتحدث باسم منسقة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية مايكل مان “ليس من المقرر التراجع عن أي مساعدات يتم تقديمها لمصر حتى الآن، ولكنه وارد الحدوث، ندرس بشكل متواصل مساعداتنا لمصر ويمكن أن نغير موقفنا تمشيًا مع تطورات الوضع الميداني، وهذه المساعدات لا تأتي بدون شروط”.
ثم أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما (16 أغسطس 2013) إلغاء التدريبات العسكرية طويلة الأمد مع الجيش المصري الذي كان مقررًا إجراؤه في شهر سبتمبر. وحثت مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الإدارة الأمريكية على تعليق المساعدات العسكرية والاقتصادية إلى مصر، واتخاذ خطوات عقابية أخرى مثل “حجب الدعم عن قرض من صندوق النقد الدولي أو وقف الشحنات. من قطع الغيار العسكرية”,
وبعدها، قررت إدارة أوباما (9 أكتوبر 2013) تعليق المساعدات العسكرية إلى مصر، معلنة أنها “ستواصل تأجيل تسليم بعض الأنظمة العسكرية واسعة النطاق والمساعدات النقدية للحكومة في انتظار إحراز تقدم موثوق نحو حكومة مدنية شاملة ومنتخبة ديمقراطيا من خلال انتخابات حرة ونزيهة”.
ونجحت مصر في هذه المعركة الدبلوماسية بدعم قوي من دول عربية، وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فأكد العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز وقوف المملكة التام بجانب مصر، وأكد “الصف المصري يتعرض لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة لضرب وحدته واستقراره”، و”ليعلم العالم أجمع أن السعودية شعبًا وحكومة وقفت وتقف مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية في عزمها وقوتها وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لوسطاء الناس في مصر، وليعلم كل من تدخل في شؤونها الداخلية أنهم بذلك يوقدون نار الفتنة ويؤيدون الإرهاب الذين يدعون محاربته”.
وقدم الملك عبد الله كل أوجه الدعم لمصر، وقام وزير الخارجية الأمير الراحل سعود الفيصل بجولة خارجية لإثبات صحة الموقف المصري على الصعيد الدولي، وحذّر خلالها من استمرار المواقف الدولية السلبية تجاه مصر، وانتقد تشدّق المجتمع الدولي بحقوق الإنسان حسب ما تقضيه مصالحه وأهوائه، مشدّدًا على أن الدول العربية لن ترضى بأن يتلاعب المجتمع الدولي بمصير مصر، قائلًا “لتعلم كل الدول التي تتخذ المواقف السلبية تجاه مصر، بأن السعير والخراب لن يقتصر على مصر وحدها بل سينعكس على كل من ساهم أو وقف مع ما ينالها من مشاكل واضطرابات تجري على أرضها اليوم”.
وشدد الفيصل على أن “حقيقة الأمر أن ما تشهده جمهورية مصر العربية الشقيقة اليوم يعبر عن إرادة ثلاثين مليون مصري في ثلاثين يونيو معربين عن رغبتهم في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة كنتيجة حتمية لتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إن انتفاضة ثلاثين مليون مصري لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توصف بالانقلاب العسكري إذ أن الانقلابات العسكرية تجري تحت جنح الظلام، كما أن من تولى سدة الحكم في مصر رئاسة مدنية وبما يتوافق مع الدستور المصري، وليعلم من يلوح بوقف مساعداته لمصر أن الأمة غنية بأبنائها وإمكاناتها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر”.
وقد ساهمت هذه المعركة الدبلوماسية المصرية وهذا الدعم الكبير لإرادة المصريين في تغيير بوصلة مواقف الدول الغربية نحو الاعتراف بإرادة المصريين وقرارهم في 30 يونيو، فقال وزير الخارجية الأمريكي –حينها- جون كيري (1 أغسطس 2013) إن “الجيش المصري كان يعيد الديمقراطية، فقد طُلب من الجيش التدخل لتنحية مرسي من قبل الملايين والملايين من المواطنين، وجميعهم يخشون الانحدار إلى الفوضى، والجيش لم يتسلم زمام الأمور فهناك حكومة مدنية”. وأعلنت الولايات المتحدة (23 أبريل 2014) تراجعها جزئيًا عن تعليق المساعدات العسكرية إلى مصر، ثم أعلنت (31 مارس 2015) إنهاء تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر تمامًا.

محيط إقليمي يعاني من الفوضى

أحد أوجه صعوبة اتخاذ قرار 3 يوليو الخارجية كان المحيط الإقليمي المضطرب الذي يحيط بمصر من كل جانب؛ فقد شهدت المنطقة في 2011 وضعًا شديد التعقيد والفوضوية مثل تحديًا عميقًا لمنظومة الأمن القومي العربي وفي القلب منها الأمن القومي المصري. فهذه الأزمات العربية، وإن بدت منفصلة جغرافيًا، ومُتباينة من حيث طبيعتها وظروفها وهوية الأطراف الفاعلة فيها، ينتظمها ملمح عام وأفرزت عددًا من الصراعات الخطيرة، وبزغ فراغٌ خطير، من الناحية الأمنية والسياسية، في قلبِ العالم العربي وأطرافه. وهذا الفراغُ هو محور الصراعات الجارية في المنطقة.
وقد مثّل تعاطي النظام الإخواني مع هذه الأزمات تحديًا أدى إلى تعميق المخاطر الناجمة عن هذه الفوضى الإقليمية على الأمن المصري، ومثال على ذلك دعوته إلى فتح الباب للجهاد في سوريا، وتسهيل عمليات مرور المقاتلين للانضمام إلى الجماعات الإرهابية هناك.
وواجهت مصر في ذلك الوقت تهديدات وجودية على اتجاهاتها الاستراتيجية المختلفة، فعلى الاتجاه الاستراتيجي الغربي كانت السيولة الأمنية هي الحالة العامة، على إثر الفوضى التي شهدتها ليبيا والتي اتسمت الأوضاع فيها بالتدهور والتسيب وانتشار الجماعات الإرهابية وتهريب كافة أنواع الأسلحة، ما شكل حالة من التهديد الحقيقي للأمن القومي المصري بصورة مباشرة. وقد مثلت المليشيات المسلحة هناك تهديدًا خطيرًا للأمن القومي المصري، حيث امتلكت تلك الميليشيات مخازن ضخمة من الأسلحة على اختلاف أنواعها، وارتبطت بصلات قوية بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وكان لدي عناصرها معرفة بدروب وطرق التسلل والتهريب إلى داخل مصر، فضلاً عن وجود معسكرات تدريب لعناصر جهادية دولية في مناطق قرب الحدود المصرية.
أما على الاتجاه الاستراتيجي الشرقي فكانت السيولة الأمنية وتدفق المقاتلين والأسلحة من قطاع غزة إلى سيناء لتمثل حالة تهديد خطيرة للأمن القومي المصري، أما على الاتجاه الجنوبي فكان هناك تحديان، الأول هو النظام الإخواني الحاكم في السودان والذي عمل على أن يكون السودان مرتكزًا للمقاتلين وقيادات جماعات الإخوان والهجرة غير الشرعية والإتجار في البشر، مما يمثل تحديًا أمنيًا لمصر، أما الثاني فكان استغلال إثيوبيا لحالة الفراغ السياسي في مصر في 2011 وبدئها في بناء سد النهضة وفرض الأمر الواقع دون موافقة مصر وبدعم ضمني من نظام البشير الإخواني في السودان، وبإجراءات من النظام الإخواني في مصر ساهمت في تعقيد الملف أكثر، وأبرز هذه الإجراءات الاجتماع الذي عُقد على الهواء مباشرة بين مرسي وقيادات الإخوان وناقش توجيه ضربة عسكرية لإثيوبيا.
وقد وضع مجمل هذه الحالة الإقليمية القيادة المصرية في 30 يونيو أمام تحديين متناقضين في آن واحد، إذ كان التحدي الأول هو أن استمرار حكم النظام الإخواني يعني استمرار وتعميق هذه التحديات والتهديدات الوجودية المحدقة بالدولة المصرية، أما الثاني فهو أن الإقدام على تغيير النظام استجابة لمطالب المصريين سيعني احتمالات حدوث ردود فعل عنيفة انتقامية من الميلشيات المسلحة المتحالفة مع الإخوان والتي تتحرك بأمرها، وهو ما حدث بالفعل.

إرهاب داخلي غير مسبوق

أما داخليًا فقد كانت الحالة الإرهابية التي عمّقت من وجودها جماعة الإخوان تحديًا كبيرًا أمام صانع القرار في ذلك التوقيت، لما يمثله ذلك من خطر محدق بالمصريين إذا ما تم تنفيذ مطالبهم بإزاحة حكم الجماعة؛ إذ قد يتسبب ذلك في تعميق حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد منذ 2011 بدءًا من اقتحام السجون وحرق أقسام الشرطة، مرورًا بحوادث استهداف ضباط وجنود القوات المسلحة في سيناء، واختطاف 7 جنود في 16 مايو 2013 وهي الحادثة التي دعا فيها مرسي إلى الحفاظ على سلامة الخاطفين والمخطوفين. ذلك وصولًا إلى ترهيب مؤسسات الدولة من خلال محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية العليا، وارتكاب جرائم بحق المتظاهرين المعارضين لحكم الجماعة مثلما حدث في أحداث الاتحادية في ديسمبر 2012.
ووضعت هذه الحالة الأمنية الصعبة تحديات أمام القوات المسلحة، لا سيّما وأن هذه الحالة كانت مرشحة للتصاعد بشكل مطرد بعد اتخاذ قرار 3 يوليو، كرد فعل انتقامي من الجماعة، وهو ما حدث بالفعل أولًا في شمال سيناء، وعبّر عنه القيادي الإخواني محمد البلتاجي من داخل اعتصام رابعة العدوية المسلح بأن “هذا الذي يحدث في سيناء -ردا على هذا الانقلاب العسكريـ سوف يتوقف في الثانية التي يعلن فيها عبد الفتاح السيسي أنه تراجع عن هذا الانقلاب”، ثم ثانيًا داخل المدن والمحافظات المصرية المختلفة.

وضع اقتصادي بالغ الصعوبة

إن أحد أهم دوافع ثورة يونيو لعام 2013 هو تردي الأوضاع الاقتصادية، اتسمت الفترة بين 2011 – 2013 بالتخبط والصراع بين أطراف متعددة للسيطرة على الحكم، تسبب ذلك الصراع في خلق كيانات موازية لمؤسسات الدولة الرسمية تحمل أيديولوجية فكرية تنتمي لجماعة الإخوان وتعمل لهدف تحقيق مصلحة الجماعة دون اعتبار أي وجود لمصلحة الوطن.
وأدى هذا الوضع إلى تردي الوضع الاقتصادي المصري بشكل عام في جميع المؤشرات، وفشل الجماعة في تحقيق أي مكاسب اقتصادية للمصريين الذين كان يقبع نحو نصفهم تحت خط الفقر، مع الغياب شبه التام للخدمات الأساسية من كهرباء ووقود وغيرها. ونتيجة لهذه السياسات المتخبطة والوضع المتردي لم تنجح الحكومة المصرية في عهد الإخوان في نيل ثقة صندوق النقد الدولي في الاقتصاد المصري والحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، في وقت انخفض فيه الاحتياطي النقدي الأجنبي بشكل حاد إلى 15 مليار دولار، وهو الحد الذي وصفه البنك المركزي المصري (ديسمبر 2012) بأنه يمثل الحد الأدنى والحرج الذي يتعين المحافظة عليه لتلبيه الاستخدامات الحتمية.
وتمثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة في حد ذاتها عائقًا كبيرًا أمام متخذ القرار في ذلك الوقت لإحداث تغيير؛ إذ إنه في وضعي يعاني فيه الشعب من عدم القدرة على استيفاء احتياجاته الأساسية، واقتصاد ترفض المؤسسات الدولية مساندته. مما يشكل تحديًا خطيرًا يتعين رسم مسار لما بعد اتخاذ القرار بدعم ثورة المصرين من حيث توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ومحاولة إنقاذ الاقتصاد المتدهور، حتى لا يتم الدخول في مرحلة فوضوية جديدة، تصل بالاحتياطي النقدي إلى مرحلة أكثر حرجًا.

وضع مؤسسي معقد

أدت استراتيجية أخونة الدولة التي اتبعتها جماعة الإخوان خلال فترة حكمها إلى الوصول إلى وضع بالغ الصعوبة في مختلف مؤسسات الدولة؛ إذ عمدت الجماعة إلى إضعاف كافة مؤسسات الدولة، وتركيز كافة المهام والصلاحيات في رئاسة الجمهورية الخاضعة بطبيعة الحال إلى سيطرة مكتب الإرشاد، ومن ثم تفريغ كافة المؤسسات من مهامها وإيصالها إلى حالة شديدة الضعف والتردي والعجز عن قيام المهام المنوطة بها. فضلًا عن السيطرة شبه الكاملة على البرلمان المعبر عن الشعب المصري بغرفتيه الشعب والشيوخ.
وعمدت الجماعة كذلك إلى تهديد المؤسسات التي أبت الانصياع لتوجيهاتها وأوامرها، فحاصرت عناصرها المحكمة الدستورية العليا وعطلت العمل بها، فضلًا عن حصار مدينة الإنتاج الإعلامي وتهديد العاملين فيها، وكذلك إصدار الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012 الذي هدف إلى تحصين قرارات رئيس الجمهورية من أي طعن قضائي، وهو ما يقضي على فكرة مؤسسية الدولة واستقلاليتها.
ومثّلت هذه الحالة تحديًا أمام القيادة فيما يتعلق باتخاذ قرار 3 يوليو، لا سيّما وأن مؤسسات الدولة باتت في أجزاء كبيرة منها خاضعة بحكم استراتيجية الأخونة إلى قرار الجماعة، فضلًا عن عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وعدم إقدام الجماعة على تنفيذ أي إصلاحات مؤسسية، ومن ثم راهنت القوات المسلحة على تماسك مؤسسات الدولة الصلبة وقدرتها على تخطي هذه المرحلة، ولم تركن إلى احتمالات الفوضى التي قد تعمد عناصر الإخوان إلى إحداثها في الشارع من خلال التغلغل داخل المؤسسات المختلفة؛ ذلك أن استمرار الوضع القائم يعني أن البلاد ستواجه مستقبلًا أكثر قتامة.
وارتكزت قيادة القوات المسلحة في قرارها في هذا المضمار على وحدة وتلاحم الشعب المصري ومطالبه المشروعة في إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي التي لم تجد أذنًا مصغية لدى الجماعة. وعمدت القيادة إلى التنسيق والتشاور مع النخب السياسية التي عبّرت عن رغبتها في تنفيذ مطالب المصريين بإنهاء حكم الفاشية الدينية لمصر، خاصة مع تعمق حالة الاستقطاب والانقسام التي فرضتها الجماعة داخل المجتمع.
إجمالًا، رغم الصعوبات الدولية والداخلية السياسية والاقتصادية التي كانت تعترض الطريق أمام تغيير النظام الإخواني في مصر وتلبية مطالب المصريين في ثورة 30 يونيو، إلا أن هذه الصعوبات الجمة والتحديات الخطيرة لم تثن الدولة المصرية عن تغيير نظام الجماعة الإرهابية وفقًا لإرادة المصريين، فتحدت بذلك كل هذه الصعوبات، واستطاعت أن تثبت للمجتمع الدولي شرعية ما قامت به.

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى