مكافحة الإرهاب

“التطرف وراء القضبان”.. سجون أوروبا قاعدة “داعش” الخلفية ومفرخة الإرهابيين

التطرف ظاهرة عالمية وليست طقسا دينيا أو شعائر إسلامية كما يتصور البعض، لكن هذا لا ينفي وجود أعداد كبيرة من المتطرفيين الدينيين القابعين فى سجون أوروبا شرقا وغربا، فقد جاء فى تقرير الأمم المتحدة المعني بشئون المخدرات والجريمة أن السجناء المتطرفين فى أغلب سجون أوروبا _ وذلك وفقا لدراسات وبحوث وقراءات _ تحولوا من مجرد مجرمين جنائيين إلى متطرفين داخل السجون، وذلك نتيجة وجود عناصر متطرفة من السجناء موجودة بالفعل داخل السجون تؤثر بشكل أو بآخر على باقي السجناء.

وفتحت صحيفة “الشروق” التونسية ملف التطرف وراء القضبان وآليات الحد منه خاصة وقد ظهر جلياً أن جميع العناصر الإجرامية التى تشبّعت بأفكار وميول سلوكية متطرفة حين تخرج من السجون وإثر مغادرتها تنتقل إلى مرحلة تطبيق الأفكار التكفيرية المتطرفة التى تلقتها على أرض الواقع، فكيف أصبحت السجون حاضنة للتطرف فى أوروبا؟ وكيف أصبح هذا الفضاء المغلق مفرخة للإرهابيين؟

ما حدث فى سجون بلجيكا مؤخراً تطبيق عملى وليس تنظيري لمفهوم حقوق الإنسان اصطلاحاً وتطبيقاً , فقد حذّرت أجهزة المخابرات البلجيكية أكثر من مرة فى تقارير لها تم تقديمها للأجهزة الأمنية البلجيكية , من أن البلاد تواجه تهديداً إرهابياً مستمراً بسبب التطرف داخل السجون ، وخطر معاودة المدانين بالإرهاب لأنشطتهم ، مما يشكل على حد وصفهم ” قضية بالغة الخطورة ” .

وبحسب ما جاء فى تقرير اطّلعت عليه وكالة ” فرانس برس” أصدرته المخابرات المدنية فى بلجيكا لعامى 2017- 2018 م , فإن السجون البلجيكية ” تضم حالياً موقوفين بتهم الإرهاب بأعداد غير مسبوقة ” ، مما يعرّض البلاد لخطر تفشي ” عدوى ” التطرّف ” أكثر من أي وقت مضى”.

 وتابع التقرير ” نظرا إلى الميل الحالى والمستمر لدى المعتقلين السابقين المسجونين بتهم الإرهاب لمعاودة أنشطتهم، ناهيك عن المسجونين المتطرّفين (العاديين) ، على بلجيكا أن تتصدى طوال فترة معيّنة لتهديد إرهابى كامن وكامل” .

وأكد تقرير أمن الدولة البلجيكى أن ” نحو 20 % من ذوى التلاميذ المسجّلين فى التعليم المنزلى مرتبطون بجماعات متطرّفة ” ، وهو ما يشكّل “تهديداً محتملاً يجب أخذه بشكل جدى ” نظراً إلى مدى انكشاف الجهات المستهدفة , وكانت بلجيكا تعرضت لهجمات عدة تبناها تنظيم ” داعش ” الإرهابى لا سيما فى 2016 م , حين قتل 32 شخصا فى بروكسل ، وفى مايو 2018 م حين قتل 3 أشخاص فى لييغ , والخلية التى ارتكبت اعتداءات مطار بروكسل ومحطة القطارات فى 22 مارس كانت وراء اعتداءات شهدتها باريس فى 13 نوفمبر 2015 م , وأودت بنحو 130 شخصاً , وضمّت الخلية عناصر قاتلوا فى سوريا وعدداً من المحكومين السابقين.

يشير نور الدين فريضى مدير مكتب قناة ” العربية ” فى العاصمة البلجيكية بروكسل ، فى كتاب سماه “طريق مولنبيك الرقة , بلجيكا قاعدة داعش الخلفية ” إلى أسباب جنوح شبان مسلمين أوروبيين نحو التطرف، ويصل الكاتب إلى نتيجة مهمة تتعلق بشخصية هؤلاء الذين ذهبوا إلى سوريا لأغراض القتال , فهم يلتقون فى محدودية المستوى التعليمى , دخولهم أوساط الانحراف فى عمر المراهقة ، ثم السجن حيث يتم التعرف إلى فئة من الدعاة المتشددين ، تعاطى نشاطات التهريب ، جرائم العنف ، العيش فى هامش سوق العمل وانعدام الوظيفة المستمرة ، عدم الإلمام بأدنى القيم الدينية ، سهولة التأثير عليهم من قبل الدعاة , بعضهم كان مجرما صغيراً ووجد فى السفر إلى سوريا أو العراق فرصة الانتقال إلى صفة المجرم الكبير .

وبالنظر إلى سياسات الحكومات الأوروبية المختلفة، أشارت الباحثة الروسية ” أورسوليا رازوفا ” المهتمة بشؤون الدفاع الأوروبية والمنطقة الأوروبية بشكل عام ، فى مقال لها تحت عنوان ” كيفية التعامل مع عودة المقاتلين الأجانب ” ، إلى أن بعض الدول الأوروبية وذكرت بلجيكا وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا , قد لجأت بشكل أكبر إلى التدابير الصلبة ومنها ” التجريم “.

 وتذكر الكاتبة أن هذه الحكومات قد اعتقلت أشخاصاً بتهمة الإرهاب ولجأت أيضاً إلى تدابير من شأنها أن تلغى المواطنة المزدوجة من أجل منع عودتهم، لافتة إلى أن المملكة المتحدة مررت قانوناً يلغى الجنسية المزدوجة عن جميع المقاتلين العائدين, ومن جهة أخرى هناك دول أوروبية أخرى قد لجأت بشكل أكبر للتدابير ” الناعمة ” , وذكرت رازوفا النرويج والسويد فى هذا الصدد .

وأشار ” جيكوب بندسجارد ” وهو ناشط بارز في برنامج ” إعادة تأهيل الجهاديين ” إلى ضرورة قيام السلطات المختصة بفتح حوار مع الجهاديين العائدين لمعرفة ما إذا كان الشخص قد ارتكب جرائم ، وما نوعها حتى يتم التعامل مع حالته ومحاكمته ، وإن تعذر إثبات قيامه بجرائم ولم يعترف بذلك فإن على السلطات أن تبذل ما بوسعها لإعادة دمج ذلك الشخص , كما لفت ” جيل دي كيرشوف ”  وهو منسق الاتحاد الأوروبى لمكافحة الإرهاب ، إلى أنه من الصعب إثبات أن العائدين كانوا مسؤولين عن ارتكاب جرائم ، ولفت إلى أن السجون تشكل بيئة خصبة للتطرف ، وبالتالى يؤكد ضرورة تقويم الأخطار التى قد يشكلها العائدون ، ويتم التصرف تبعاً لكل حالة , كما لفت إلى أن قلة من العائدين يخططون لتنفيذ هجوم إرهابى ، إلا أن غالبيتهم قد يكونون مخذولين ويعانون من اضطرابات وكل ما يحتاجون إليه هو ” إعادة الاندماج فى مجتمعاتهم ” .

وصرح مدير مشاريع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائى بمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا ” محمد شبانة” لـجريدة ” الشروق ” أنه حينما نتحدث عن السجون بصفة عامة فنحن بالضرورة سنتحدث عن نهج سيادة القانون وارتباطها بكرامة السجين وكيفية التعامل معه وفق التشريعات القانونية للوصول إلى حل للحد من ظاهرة التطرف داخل السجون , وفى سياق متصل قال ” شبانة ” أن الكثير من المتطرفين لا يوجهون اعتداءهم نحو الفرد بل تجاه المجتمع بشكل كبير ونحو الانسانية بشكل كامل , وأشار إلى أن هؤلاء المتطرفين يبنون معتقداتهم على أفكار مغلوطة وتفسيرات غير صحيحة للدين , ولذا وجب العمل على الإحاطة بالفئات المستضعفة , وتدريب العاملين بالسجون على مهارات حقوق الانسان ورفع مستوى تأهيلهم قصد منعهم من إمكانية التعاطف مع المتطرفين , وفصل الجنائين المتطرفيين عن الجنائيين الذين لم يتبنوا أفكار متطرفة بعد .

على جانب آخر من فرنسا نجد أن ” شريف شقاط ” الذى صدرت أحكام بحقه بسبب أعمال سرقة , تحول هذا المجرم خلف القضبان إلى متطرف أدرجته المخابرات الفرنسية منذ 2015 م على قائمة أمنية , وفى 11 ديسمبر 2018 م نفذ شقاط اعتداء على سوق عيد الميلاد فى ستراسبورغ أدى إلى مقتل خمسة أشخاص , وقد قتلته قوات الأمن يومين فيما بعد ، ووصفته ميليشيا ” داعش ” بأنه أحد ” جنودها “, وأن يصبح العديد من نزلاء السجون معرضين لاعتناق أفكار راديكالية لم يكن معروفاً فقط منذ حالة شقاط . 

ولكى يتخلى هؤلاء الأشخاص عن فكرهم المتطرف يوجد فى الولايات الألمانية الـ 16 برامج للوقاية من التطرف ومكافحة الراديكالية وراء القضبان , ويهتم نادى ” شبكة الوقاية من العنف ” فى ثمان ولايات ألمانية بهذه المهمة ، ويقول مدير أعمال هذا النادى ” توماس موكه” أنه من خلال عملية استشارية طويلة ، نعمل على أن يبدأ الناس فى التفكير مرة أخرى وأن لا يهرولوا وراء إيديولوجيات . حيث يزداد عدد السجناء ذوى خلفية إسلاموية ، وتحصى وزارة العدل فى شتوتغارت عددهم الحالى بـ 41 شخصاً , حُكم على اثنين منهم بسبب جناية ذات دوافع إسلاموية بالسجن .

فالأجواء متوترة داخل سجون ألمانيا حيث يهاجم نزلاء فيها الحراس ويزداد استهلاك المخدرات , كما أن عدد الموظفين القليل يجعل مهمة المراقبة صعبة أكثر, ويبدو أن هذا ليس كافياً لأن وزير الداخلية الألمانى “هورست زيهوفر ” يريد إيواء اللاجئين المجبرين على الرحيل فى تلك السجون , والسبب وراء هذا الاقتراح هو العدد المرتفع لحالات الترحيل التى تفشل فى إعادة الأجانب إلى بلدانهم الأصلية .

على هذا النحو ارتفعت حالات ” الهجمات ضد موظفين ومستخدمين لم يعودوا قادرين على مزاولة عملهم ” داخل سجون ولاية بادن فورتمبرغ من تسع حالات فى 2012 م إلى 24 حالة ف السنة الماضية , وفى ولاية ساكسونيا حيث عدد النزلاء أقل تم فى 2016 م تسجيل 25 هجوماً , وبعدها بعام بات العدد فى حدود 31 هجوماً , كما أن حالات انتحار السجناء ارتفعت مجدداً , ففى ولاية رينانيا الشمالية ووستفاليا وحدها تم فى 2016 م حسب الوزارة تسجيل 19 حالة انتحار لتصل النسبة إلى المستوى المسجل فى التسعينات , وفى عام 2009 م كان العدد هناك تسع حالات , وبالنسبة إلى موظف السجن ” بروك ” فإن هذا لا يعكس سوى ” قمة جبل الجليد ” ، إذ يقول ” لم أعايش من قبل هذا الكم من الهجمات ضد زملاء مثل ما حصل فى السنوات الثلاث الأخيرة ، ففى 2018 م وحده كانت لدينا أكثر من 600 هجوم وإهانة وتهديد في رينانيا الشمالية ووستفاليا ” . 

وفى وقتٍ سابق اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبى قراراً يدعو الدول الأعضاء إلى اتخاذ عدة تدابير تتعلق بمنع ومكافحة التطرف داخل السجون الأوروبية ، وأيضاً التعامل مع الجناة من المتطرفين الإرهابيين عقب إطلاق سراحهم , حيث سلط مجلس الاتحاد الأوروبى الضوء على الحاجة الضرورية لاتخاذ تدابير فعالة فى هذا المجال بالنظر إلى الخطر الذى يمثله العدد المتزايد من المجرمين الإرهابيين والمتطرفين أثناء وجودهم فى السجن ، وأيضاً للتعامل مع حقيقة أنه سيتم إطلاق سراح أعداد منهم فى الفترات المقبلة ، ودعا المجلس الأوروبى الدول الأعضاء إلى بذل مزيد من الجهود لتطوير تدخلات متخصصة للتعامل مع الإرهابيين والجناة المتطرفين ، وكذلك مع المُعرّضين لخطر التطرف أثناء وجودهم فى السجون , والاستفادة من الممارسات الجيدة مثل التبادل السريع للمعلومات بين أصحاب المصلحة المعنيين ، وتطوير استراتيجيات مخصصة لهذا الغرض . 

هذا بالإضافة إلى إنشاء وحدات متخصصة ومتعددة الاختصاصات مسؤولة عن مكافحة التطرف العنيف فى السجون ، ووضع وتنفيذ برامج تدريبية شاملة لموظفى السجون والمراقبة ، وتنفيذ تدابير خاصة للأفراد المدانين بارتكاب جرائم إرهابية بناء على تقييم المخاطر , تدابير تشجع النزلاء فى السجون على الانفصال عن الأنشطة المتطرفة العنيفة على أساس كل حالة على حدة ، والتعليم والتدريب والدعم النفسى بعد الإفراج عن هؤلاء السجناء ، ومراقبة الأفراد المتطرفين الذين يشكلون تهديداً مستمراً, وأخيراً مواصلة تسهيل تبادل المعلومات والممارسات الجيدة وكذلك دعم عمل البلدان والشركاء الآخرين ، 

وفى ديسمبر الماضى جرى الإعلان فى بروكسل عن إطلاق سراح 28 شخصاً من السجناء سبق إدانتهم في ملفات تتعلق بالتطرف والإرهاب , وأطلقت السلطات البلجيكية العام الذى سبقه 76 شخصاً بعد انقضاء فترة العقوبة فى السجن , وبحسب تقرير أعده جهاز أمن الدولة واضطلعت عليه صحيفة ” ستاندرد ” اليومية ، التى أضافت أن 12 شخصاً أطلق سراحهم العام الماضى ممن يسميهم البعض المقاتلين الأجانب ، بينما هناك عشرة أشخاص من محترفى الجريمة ولكن تأثروا بالفكر المتشدد داخل السجون ، أما الستة الباقين فقد تمت إدانتهم فى قضايا بسبب علاقتهم بالإرهاب ، وأيضاً أشخاص واجهوا اتهامات تتعلق بنشر خطاب الكراهية .

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى