
تطور منظومة كاميرات المراقبة في مصر.. ضرورة “أمنية واجتماعية”
في إطار التحول لمجتمع رقمي، سعت الحكومة المصرية منذ عام 2014 لزيادة أعداد كاميرات المراقبة في الشوارع في محاولة لضبط منظومة الأمن، فكانت البداية في العمل على ضبط عملية المرور في الشارع المصري من خلال زيادة عدد الكاميرات التي تم تثبيتها في مختلف الشوارع والميادين لرصد حركة السائقين والمارة ولا شك أن وجود هذه التقنية يسهل كثيرا من عمل رجال الشرطة فيما يتعلق بمنظومة المرور.
الكاميرات الرقمية التي تم توظيفها في هذا الإطار كانت لتحرير المخالفات الإلكترونية خاصة المتعلقة بكسر الإشارات الضوئية وتجاوز السرعة المحددة والانتظار في الممنوع وتعطيل حركة السير، وتشير تقارير صحفية إلى أنه تمت تغطية شوارع العاصمة القاهرة بمنظومة متكاملة من الإشارات الضوئية المراقبة إلكترونياً بحوالي 950 كاميرا رقمية مثبتة.
وينضم إلى منظومة كاميرات المراقبة في إطار تسهيل عمل رجال المرور أنظمة الرادارات التي انتشرت في الفترة الأخيرة على عدد من المحاور والطرق الرئيسية متضمنة طريق السويس – محور المشير – محور المشير الجديد – التسعين الشمالي – التسعين الجنوبي – طريق المطار – كوبري أكتوبر و محور 26 يوليو – الكورنيش – صلاح سالم – محاور القاهرة الجديدة حيث تم تعميم النظام الإلكتروني في تسجيل المخالفات على الهاتف المحمول، بعد ارتكاب المخالفات بدقائق، بحيث يتم وضعها مباشرة في الملف الإلكتروني الخاص بمرتكب المخالفة وهي المخالفات التي تم إرفاقها بصور في الفترة الأخيرة.
منظومة كاميرات المراقبة والجرائم المجتمعية
سهلت منظومة المراقبة بالكاميرات رصد العديد من الجرائم المجتمعية في الطرق والميادين المهمة من حيث تسهيل مهمة قوات الشرطة من حيث سرعة ملاحقة وضبط الجناة. وفي هذا الإطار فإن انتشار ثقافة تثبيت كاميرات المراقبة بشكل عام لدى الأهالي على مداخل العمارات السكنية والمحال والأكشاك أسفر عن حالة من رصد جميع التحركات التي تحدث في النطاق الذي تم تثبيت الكاميرا فيه، ولا شك أن انتشار هذه الثقافة يسهل من مهام رجال الشرطة بالإضافة إلى منظومة الكاميرات التي تم تثبيتها بطريقة رسمية أو بمعرفة الحكومة، حيث شددت الحكومة المصرية منذ 2014 على المحليات بضرورة عدم تجديد أو إعطاء التراخيص للمحلات التجارية والخدمية دون التأكد من أن هذا الترخيص يشمل تركيب منظومة لكاميرات المراقبة.
وربما ما أسس لهذه الثقافة لدى الجمهور أن انتشار الكاميرات في أجهزة الهاتف المحمول جعل من السهل التعامل مع أي حدث وتوثيقه واستخدامه كدليل فيما بعد يستخدم لضبط الجناة وخاصة تلك الجرائم المتعلقة بالسرقة والتحرش وغيرها وكانت أقرب واقعة لعبت فيها كاميرا المراقبة المثبتة دور البطولة في واقعة تحرش هي حادثة فتاة المعادي فلولا وجود الكاميرا وعملها في ذلك الوقت لما تمت إدانة الفاعل عن طريق توثيق جريمته.

كما أن منظومة المراقبة بالكاميرات أيضًا أسهمت في الكشف عن الجناة من سائقي الميكروباص الذين “تحرشوا” بفتاة لدى مرورها في شارع في المعادي مما نجم عنه سحلها أسفل عجلات الميكروباص وإصابتها بكسور متفرقة وهي الإصابات التي أدت إلى الوفاة.
وحسب خبراء أمنيين فإن كاميرات المراقبة هي تجربة يجب أن يتم تعميمها خاصة في المناطق الشعبية التي تتزايد فيها جرائم السرقة وتجارة المخدرات. ويمكن أن يتم تركيب هذه الكاميرات بالتعاون بين الأهالي عن طريق دفع مبالغ زهيدة كاشتراك أو قسط شهري كمقابل لمراقبة الشارع بالكاميرات وتوضيح النفع الذي يعود على الأهالي في حال وضع كاميرات مراقبة بطريقة لا تنتهك الخصوصية في كل الأحوال لأنها جدلية أخرى تثور حول أن تركيب الكاميرات في المناطق السكنية والشوارع والمناطق الشعبية ربما يمثل انتهاكًا لخصوصية السكان أو هو على الأقل ما يدفع به البعض.
ولكن هذه الفرضية مردود عليها بمواد القانون المصري نفسه حيث إن أماكن الخصوصية هي الأماكن التي لا ي أن يوجد فيها وبالتالي فإن أي مكان يعبر به المارة لا يعد مكانًا شخصيًا ولا يشكل وضع كاميرا فيه انتهاكًا للخصوصية.
هناك تشديدات من الحكومة حول إلزام المحال التجارية بتركيب كاميرات مراقبة على مداخل المحلات وداخلها لرصد كل ما يحدث وعدم منح المحل ترخيص للعمل إلا في حال تركيب الكاميرات بالفعل. لأن كاميرات المراقبة أصبحت الدليل الأول الذي يلجأ إليه فريق البحث الجنائي عند تلقيهم أي إخطار بوقوع جريمة.
فك طلاسم الجرائم الإرهابية
يعد الدور المجتمعي الذي تقوم به منظومة المراقبة بالكاميرات دورا لا يمكن إغفاله فقد ساهم في ضبط الأوضاع والكشف عن الجناة في جرائم كبرى – وكان لهذا الدور انعكاس أكبر وأكثر أهمية في ضبط العناصر الإرهابية في الفترة التي تلت ثورة يونيو 2013.
في هذا الإطار تنبغي الإشارة إلى أهمية منظومة المراقبة بالكاميرات ليس فقط في كشف الجرائم الجنائية لأنها تساهم أيضًا في تحديد هوية العناصر الإرهابية كما سارت الأحداث في واقعة الدرب الأحمر التي فجر فيها إرهابي حزاما ناسفا أسفر عن مقتله واستشهاد وإصابة عدد من رجال الشرطة، حيث توصلت الجهات الأمنية لمقر اختبائه بعد تتبع كاميرات المراقبة التي رصدته منذ محاولته تفجير عبوة ناسفة بميدان الجيزة، حتى عودته للدرب الأحمر.

كاميرات المراقبة أيضًا كانت حجر الأساس عندما كشفت عن نوع السيارة التي تسببت في انفجار معهد الأورام، وأظهر الفيديو الذي نشرته بعض وسائل الإعلام، لحظة انفجار السيارة التي تسببت في الحادث، ومن ثم إعلان وزارة الداخلية في بيان رسمي أنّ الانفجار نتيجة تصادم إحدى السيارات الملاكي بثلاث سيارات أخرى أثناء محاولة سيرها عكس الاتجاه، وأن السيارة كان بداخلها كمية من المتفجرات أدت لحدوث الانفجار لحظة التصادم.

فيما ساهمت الكاميرات في ضبط محمود رمضان، الجهادي المتهم الرئيسي في جريمة إلقاء 4 أطفال من أعلى سطح أحد العقارات في الإسكندرية عام 2013، ومن ثم الحكم عليه بالإعدام شنقاً.

وفي نفس السياق ساهمت كاميرات المراقبة في الكشف عن مرتكبي حادث تفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية حيث أعلنت وزارة الداخلية أنه قد تم فحص وتفريغ كاميرات المراقبة بموقع الحادث، ما أسفر عن تحديد منفذ حادث التعدي على الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وتبين أنه المدعو محمود حسن مبارك عبد الله مواليد 28/9/1986 بقنا يقيم في حي السلام، بمنطقة فيصل بمحافظة السويس.

الانضباط الوظيفي
على جانب آخر، فإن كاميرات المراقبة المثبتة في المنشآت والمصالح الحكومية من شأنها الكشف عن أي أوجه تقصير من قبل الموظفين وبالتالي محاسبة المسؤولين المتسببين في أي إهمال وهو ما حدث عندما رصدت كاميرات المراقبة المثبتة في محطة مصر الحادث الأضخم في السنوات الأخيرة وقدمت سيناريو كامل لكيفية حدوث الواقعة، بداية من المشاجرة التي وقعت بين السائقين، ونزول أحدهما من الجرار المتسبب في الحادث دون تأمينه، ومن ثم دخول الجرار للمحطة بسرعة عالية، واصطدامه بالصدادات الخرسانية بالرصيف رقم 6 وانفجار تنك الوقود الخاص به.
وعمومًا فإن استخدام كاميرات المراقبة في أماكن العمل يسهم في أغلب الأحوال في ضبط سير العمل وكفاءة الإنتاجية ولكن تشير التشريعات في هذا الإطار إلى أنه ينبغي على صاحب العمل من الناحية القانونية إخطار الموظفين بوجود كاميرات مراقبة في المكان لأنه حق من حقوق الموظف كما أنه يحظر تركيب كاميرات مراقبة في الأماكن التي تتميز بطبيعة خاصة مثل غرف الصلاة للسيدات وغيرها لأنها تمثل انتهاك للخصوصية واعتداء على حرية الفرد.
ووجود منظومة المراقبة بالكاميرات في جهات العمل الحكومية والخاصة على حد سواء يمكن المسؤولين من رؤية المؤشرات المبكرة لمسار الموظف ومراقبة إنتاجيته، فعلى سبيل المثال يمكن قياس إتقانه في العمل بحسب عدد رسائل البريد الإلكتروني التي تم إرسالها أو المواقع التي تمت زيارتها والمستندات والتطبيقات التي تم فتحها، وهي جميعها أمور تساعدك على بناء صورة خاصة بالسلوك المعتاد للموظف وبالتالي يمكنك رصد الأخطاء والانحرافات واستدراكها.
كما أن وجود كاميرات المراقبة بكثرة في مراكز التسوق يتيح ضبط الأمن وكذلك الكشف عن مرتكبي جرائم الاختطاف والسرقة على سبيل المثال كما أنه يتيح تسجيل كل ما يتعلق بحوادث التحرش والتعدي ويشكل رادع كبير للكثيرين ، إضافة إلى ذلك فإن لمنظومة المراقبة بالكاميرات أهمية كبيرة في المستشفيات وذلك لمراقبة سير العمل بشكل جيد ومراقبة الأطباء والتأكد من التزامهم بنوبات عملهم بالإضافة إلى الممرضين ومراقبة الزوار وكل من يدخل أو يخرج من المستشفى وخاصة إذا كانت مستشفى خاص بالأطفال لمنع حوادث الاختطاف وعمومًا فإن إلزام المستشفيات الخاصة قبل الحكومية بتثبيت أنظمة مراقبة تعمل على مدار الساعة عامل جوهري في نجاح الإدارة وحماية حياة المرضى والكشف عن كل أوجه القصور ومرتكبيها بما لا يدع أي مجال للشك وقد كان هناك الكثير من الحوادث التي وقعت في المستشفيات في ظل تفشي كورونا وكشفت كاميرات المراقبة عنها.
في متناول الجميع
تبدأ أسعار كاميرات المراقبة في السوق المصرية من 125 جنيها وتصل لـ 20 ألف جنيه حسب إمكانياتها حيث تقوم بعض الكاميرات بالدوران من مركز ثابت وأخرى ثابتة في اتجاه واحد وأخيرة مخفية لا يراها أحد.وهذا النطاق الواسع للأسعار يتيح لقطاعات عريضة من الشعب تملكها وتثبيتها حتى حول المنازل والملكيات الخاصة والشوارع الجانبية كما أنها تمكن أصحاب المحال التجارية الصغيرة من مراقبة الطريق والمارة في نطاق المحل وبالتالي ضبط أي خروج على القانون كما أنها تشكل عامل ردع وحماية بالنسبة لصاحب المحل.
هذه التقنية الرقمية التي لا تعتبر معقدة ورغم أسعارها التي تقع في نطاق قدرة الأغلبية فإن قيمتها المضافة أكبر بكثير لأنها تؤمن بضاعة بملايين الجنيهات كما يمكنها أن تحافظ على أرواح الموطنين عن طريق رصد وتسجيل أية جريمة أو اعتداء على القانون يحدث في محيط المنطقة حتى أن البعض وصل إلى تثبيت هياكل وهمية للكاميرات لتشكل عامل ردع لأي من الخارجين على القانون.
نماذج دولية
وعلى قدر انتشار كاميرات المراقبة بالفعل في الوقت الحالي إلا أنها لم تصل بعد إلى حجم انتشارها في دول أخرى مثل بريطانيا حيث يوجد في لندن لوحدها حوالي 40 ألف كاميرا مراقبة منتشرة في كل الشوارع كما تتميز أنظمة الكاميرات الموجودة في بريطانيا بإرسال إشارات عند وجود أي نشاط غير مألوف وهو ما يساهم في الكشف عن العمليات الإرهابية قبل وقوعها لأنه ينبه جهات الأمن إلى وجود نشاط غير مألوف في هذا النطاق. وهناك تقديرات تشير إلى أن 20% من كاميرات المراقبة الموجودة في العالم موجودة في بريطانيا على حدة وتشير نفس التقديرات إلى وجود حوالي 30 مليون كاميرا مراقبة منتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما أكثر 18 مدينة تحتوي على كاميرات مراقبة في العالم فتقع جميعها في الصين وبحسب بيانات جمعتها شركات تقنية، فإن مدينة تايوان شمال شرقي الصين تحتوي على أكبر عدد من كاميرات المراقبة في العالم، مع 119.6 كاميرا لكل ألف شخص.
وتأتي مدينة “شي”، بالقرب من شنغهاي في شرق الصين، في المرتبة الثانية، بمعدل 92.1 كاميرا لكل ألف شخص. ومن بين المدن ذات الاستخدام الكثيف لكاميرات المراقبة خارج الصين، حيدر أباد جنوبي الهند، إذ جاءت في المركز السادس عشر عالميا، مع 30 كاميرا لكل ألف شخص. وبشكل عام فإن العالم مراقب بحوالي 770 مليون كاميرا، 54% منها في الصين لوحدها.
أما في مصر، يلزم القانون رقم 151 والصادر في عام 2019 وهو القانون الذي صادق عليه رئيس الجمهورية المحال التجارية على اختلاف أنواعها بتركيب كاميرات مراقبة داخلية وخارجية في إطار التأمين والرقابة والحماية وذلك وفقًا لاشتراطات تحددها اللجنة العليا للتراخيص بموجب هذا القانون. وكما تحدد اللجنة الأماكن والمحال التي يتم فيها تركيب الكاميرات فهي تحدد أيضًا المناطق التي يمنع فيها تركيب كاميرات مراقبة.

مع الوضع بالاعتبار أنه على قدر أهمية وجود كاميرات مراقبة تأتي أهمية إجراء الصيانات الدورية لها لأنه في حال خروج بعضها عن الخدمة يصبح المكان غير مغطى بالكاميرات بشكل كامل وبالتالي يمكن أن تقع جريمة دون أن تتمكن الجهة المنوطة من رصدها مثلما حدث في واقعة سرقة لوحة زهرة الخشخاش في 2010 حيث أشار بيان النائب العام في وقتها إلى أن هناك 7 كاميرات كانت تعمل فقط من أصل 43 كاميرا في متحف محمود خليل وحرمه الذي حدثت فيه واقعة السرقة.
منظومة المراقبة بالكاميرات إذًا توفر الكثير من الجهود الرقابية، كما تسهم في حفظ الأمن والمال العام، كما أنها تعد فيصلية في الإدارات الحكومية، كونها تعطي صورة كاملة وشاملة عن أداء تلك الأجهزة ومدى جدية العمل والقدرة الإنتاجية، إضافة إلى أن وجودها في المحلات التجارية والمجمعات، يعول عليه كثيرًا في ضمان عدم التلاعب وتلافي الأخطاء.
باحث أول بالمرصد المصري