سياسة

“الدلتا الجديدة”.. المشروع الأكبر في عملية تطوير القطاع الزراعي

في بداية عام (2021)، أعلنت الدولة المصرية عن المشروع القومي “الدلتا الجديدة”، الذي يعتبر الأضخم في تاريخ الزراعة المصرية، حيث يتوقع أن تفوق مساحة هذا المشروع عند اكتماله أكثر من مليوني فدان، وأن يساهم في توفير فرص العمل لأكثر من 5 ملايين مواطن.

ويأتي هذا المشروع التنموي في القلب من سياسة الدولة الهادفة لدعم الملف الزراعي، لتحقيق الأمن الغذائي للمجتمع، حيث تؤدي زيادة النمو السكاني المضطردة والمقدرة نسبتها 2% سنويا، إلى وضع المخزون الاستراتيجي من المنتجات الزراعية تحت ضغط دائم، وهو ما يضطر بالبلاد إلى استيراد عشرات الألاف من الأطنان من المنتجات الزراعية سنويا.

كما ينتظر أن يكون مشروع “الدلتا الجديدة” سببا في تخفيف الضغط عن الأرض الزراعية القديمة في دلتا النيل، والتي تعاني حاليا من خطر التبوير والتجريف نتيجة لحاجة المواطنين من سكان الوجه البحري إلى انشاء المساكن الجديدة والمنشآت الخدمية التي تلبي احتياجاتهم المتصاعدة.

الانتباه للحالة المتردية للقطاع الزراعي

منذ وصولها إلى سدة الحكم منتصف 2014، حرصت القيادة السياسية الحالية، على خلق إصلاحات جوهرية في الحالة العامة للقطاع الزراعي الذي كان يعاني، قبلا، عددا من المعوقات التي هددت جدواه الاقتصادية.

كانت أولى تلك المعوقات، عدم التوسع في حجم الرقعة الزراعية بما يوازي نمو عدد السكان، فبين العامين 1985 و 2017، لم يزد حجم الرقعة الزراعية سوى ما نسبته 35%, وفي مقابل ذلك ارتفعت نسبة السكان بأكثر من 53% – انظر الشكل التالي رقم 1 – وهو ما اضطر البلاد إلى استيراد كثير من المحاصيل من الخارج.

كما كان ارتفاع تعداد السكان عاملاً مضافا لأزمة القطاع الزراعي، فحاجة المواطنين إلى تشييد مساكن لهم دفعتهم إلى الاعتداء على الأرض الزراعية وهو ما  أدى حتى عام 2016 إلى خسارة 160,000 فدان.

المصدر: إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء وإحصاءات البنك الدولي.

تعزيز القطاع الزراعي لخلق الاستثمارات المختلفة

على مدار 7 سنوات مضت، أقامت الدولة استثمارات زراعية مختلفة، وذلك لدعم عدد من ملفات الإنتاج الزراعي سواء على مستوى انتاج المحاصيل أو الإنتاج الحيواني والسمكي، أول تلك المشروع كان مشروع المليون ونصف المليون فدان والذي يجري العمل عليه حالياً في 5 مناطق مختلفة بالصحراء الغربية وهي المغرة، غرب المنيا، الفرافرة، توشكي وجوف توشكي، ومن المتوقع أن يتم استكمال المشروع على مراحل زمنية مخططة بما يتماشى مع “رؤية مصر 2030” في شق الاستدامة في المجال الزراعي.

الإنتاج الحيواني كان له نصيب من اهتمام الدولة، حيث أعادت الدولة عام 2017 مشروع تربية “البتلو”، والذي ضخت فيه استثمارات مالية فاقت 4 مليار جنيه حتى أواخر 2020 الماضي، ليساهم هذا المشروع في زيادة أعداد رؤوس الماشية في إطاره إلى 221,000 رأس، وهو ما أدى إلى رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحية لتصل إلى 57%، بعد أن كانت لا تتجاوز 44% في 2014، كما يتوقع أن ترتفع تلك النسبة في 2025 لتصل إلى 65%.

وبهدف دعم مجال الإنتاج السمكي، أطلقت الدولة مشروع “مزارع غليون” السمكية والتي لديها قدرات متكاملة على تفريخ وتربية وتصنيع الأسماك، حيث يمتلك المشروع أكثر من 1,200 حوض سمكي يمكن أن تنتج 5000 طن من الأسماك، كما أن المشروع يمتلك 4 مصانع مختلفة الاستخدام، أولها مخصص لإنتاج الأعلاف، أما الثاني فمخصص لتجهيز وتعبة الأسماك المنتجة، فيما يختص الثالث والرابع بإنتاج عبوات التغليف وثلج التبريد، بالإضافة إلى ذلك يمتلك المشروع عددا من المعامل لإجراء البحوث والدراسات علي جودة الأسماك المنتجة. 

تطوير الدلتا من خلال مشروع جديد

تعتبر دلتا النيل من أكثر مناطق البلاد معاناة من الكثافة السكانية، فقرابة 50 مليون نسمة أي ما يساوي نصف تعداد الشعب يعيشون في 9 محافظات أبرزها الغربية والدقهلية والبحيرة، لذلك جاء مشروع الدلتا الجديدة بهدف فتح آفق جديد لتوسع سكان دلتا النيل، ويقوم المشروع في فكرته على خلق كيانات زراعية متطورة، تشمل مناطق استصلاح زراعي ومنشآت تصنيع زراعي ومرافق خدمية متكاملة ومواقع وتجمعات سكنية.  

واختيرت المنطقة الصحراوية الواقعة جنوب الساحل الشمالي والمحاذية للدلتا من الجهة الغربية كموقع للمشروع، حيث تتميز تلك المنطقة وفق الدراسات العلمية بخصوبتها الشديدة في بعض الزراعات، كما ترتبط بمناطق الجمهورية المختلفة من خلال شبكة طرق برية واسعة وهو ما يسهل وصول منتجاتها إلى مختلف المحافظات، فضلا عن ذلك تحيط بمنطقة الدلتا الجديدة شبكة من الموانئ البحرية والجوية المتطورة، ومنها الإسكندرية، والدخيلة، وجرجوب، بالإضافة إلى مطاري “سفنكس” و”برج العرب”.

شكل رقم 2: انفوجراف حول مشروع الدلتا الجديدة

المصدر: رئاسة مجلس الوزراء

وجهت القيادة السياسية من جانبها، الحكومة بالإسراع في تنفيذ هذا المشروع, فبعد أن تم تقسيم خطته لعدد من المراحل ، تم تقليص الخطة إلى مرحلة واحدة مكثفة مددتها عامين فقط وذلك لاستكمال زراعة قرابة مليون فدان من الأرض, والتي تم بالفعل زراعة 200,000 فدان منها تحت اسم مشروع مستقبل مصر.

ولا تقتصر حركة التعمير في المشروع على الزراعة، حيث ستدعم أجهزة الدولة المختلفة المرافق المحيطة مثل الطرق ومحطات الكهرباء بالإضافة إلى حفر الآبار الجوفية اللازمة للزراعة، وأيضا تشييد محطات معالجة المياه الثنائية والثلاثية التي سيتم استخدام المياه المنتجة منها في ري المزروعات حيث يقدر حجم تلك المياه المعالجة والتي سيتم استخدامها في الزراعة بأكثر من 3 مليارات متر مكعب بشكل مبدئي.

ويتميز مشروع الدلتا الجديدة باعتماده الكامل على تقنيات الإنتاج الزراعي الحديثة, فالمزارع تقوم علي هندسة الري المحوري الموفر للمياه, كما أن عملية الرعاية والحصاد للمزروعات تتم من خلال الماكينات الهندسية العملاقة, التي تمكن من توفير الوقت والمال المستنزف من خلال استخدام الأساليب الزراعية المتقادمة والتي لايزال يعتمد عليها إلى يومنا هذا في الأراضي الزراعية القديمة بوادي النيل, كما ستحيط بالمشروع مجموع من المصانع المتقدمة المختصة بتغليف وتعبئة المنتجات الزراعية التي ستغطي حاجة السوق المحلي وسيتم تصدير الفاقد منها إلى الخارج.

ختاما يمكننا القول إن الدولة عازمة على إحداث نهضة متكاملة في شكل القطاع الزراعي المصري، وسيكون مشروع الدلتا الجديدة على رأس المشروعات التنموية في هذا الشق، حيث يتوقع أن يزيد هذا المشروع من رقعة المساحة المنزرعة في مصر بنسبة 15%، وهو ما يساعد على توفير كافة الحاصلات الاستراتيجية التي تضطر مصر لشرائها من الخارج خاصة الأقماح والتي وصل كمية المسترد منها في 2019 وحده أكثر من 13 مليون طن، كما سيساعد المشروع على زيادة انتاج المحاصيل التي تتميز بها مصر مثل “الموالح والخضر” وهو ما سيساعد في توسيع سوق المنتج المصري على المستوى العالمي.

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى