إسرائيل

مركز أبحاث إسرائيلي يستعرض “الدروس المستفادة من الحرب على غزة”

عرض – هبة شكري 

اعتبر مركز “بيجن – السادات ” للأبحاث الاستراتيجية الإسرائيلي أنه لا يمكن اعتبار دعم الرئيس الأمريكي بايدن لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمرًا مفروغًا منه، إذ أنه سيتعين دفع ثمن الدعم الأمريكي الذي حصل عليه رئيس الوزراء نتنياهو لمدة 10 أيام من الحرب على غزة.

وذكر المركز الإسرائيلي – في تقرير تحت عنوان “الدروس المستفادة من الحرب على غزة“، أعده اللواء/جيرشون هاكوهين، ضابط الاحتياط الذي خدم بالجيش الإسرائيلي لمدة 42 عاما، أن الإدارة الأمريكية، الملتزمة بتعزيز حل الدولتين، تدرك جيدًا أن الإخفاق في دعم إسرائيل أثناء تعرضها لهجوم من غزة سيجعل من الصعب مطالبتها مستقبلياً بالانسحاب من الضفة الغربية.

وإليكم نص التقرير : 

خلال الحرب الأخيرة على غزة، تعرضت إسرائيل لأول مرة لاستراتيجية ” قاسم سليماني”، والتي تعتمد على تطويقها بحلقة نيران من جميع الجبهات، بما في ذلك الجبهة الداخلية.  تلك المرة، حولت ساحة قطاع غزة، التي تندلع فيها الحرب من وقت لآخر، كل من المسجد الأقصى والقدس إلى نقطة محورية جديدة، مما أشعل فتيل أعمال الشغب في الداخل من قبل عرب إسرائيل.

وقال إسماعيل هنية ، زعيم حماس في خطابه بعد الحرب، “إن الحملة فتحت الباب لآفاق جديدة”.  ولحسن الحظ ، فلم تصبح هذه الآفاق الجديدة والتهديد الكامل الذي تمثله  حقيقة واقعة؛ وبعد وقف لإطلاق النار ، أصبح هناك فرصة لدى إسرائيل لتقييم تلك الآفاق.

وهنا يثار التساؤل، ألا وهو “ما الذي كان مفاجئا في هذه الحرب؟”. فعلى المستوى العملياتي، كان الجيش الإسرائيلي على استعداد للقتال. وفي الوقت نفسه، تعترف استخبارات الجيش الإسرائيلي بوجود قدر من المفاجأة فيما يخص مبادرة حماس ببدء تلك الجولة. لكن الحقيقة أن المفاجأة تكمن في الإطار الجيوسياسي الجديد الذي تبنته حماس، والذي ركزت خلاله على قضية” القدس”.

 ففي الصراعات خلال القرن الماضي ، بما في ذلك حرب الأيام الستة وحرب يوم الغفران – أي حرب عام ١٩٦٧ و عام ١٩٧٣- تَطلَّب شن الحرب انتشارًا مسبقًا من قبل العدو مع ما يصاحب ذلك من إشارات تحذيرية لأهدافه.  وعندما قرر الرئيس المصري جمال عبد الناصر في مايو 1967 نقل قواته إلى سيناء، منح دخول سيناء وعملية انتشار القوات المصرية لإسرائيل فترة تحذير.  وكذلك في الفترة التي سبقت حرب يوم الغفران، كانت هناك علامات واضحة على الاستعداد للحرب رغم أن استخبارات الجيش الإسرائيلي قررت تجاهلها.  منذ ذلك الحين، اعتمد التقييم الاستخباراتي على المراقبة الدقيقة والمنتظمة للعلامات المنذرة. لكن مع قدرة حماس على تحقيق المفاجأة، بل و أيضاً  حزب الله ، فقد أدى ذلك إلى إحداث تغيير جوهري.

فعلى عكس المنظمات العسكرية التقليدية، تستخدم حماس وحزب الله منطقًا يحد من مدة التحضير للحملة، حيث تم بالفعل نشر معظم صواريخهم بشكل روتيني في منصات الإطلاق، وينطبق الشيء نفسه على جزء كبير من قواتهم، والتي تتكون في الأساس من السكان المحليين، على سبيل المثال، كتائب الشجاعية وجبالية، والمكونة من سكان تلك الأحياء من المقاتلين وقادة الكتائب. وهذا يجعل الانتقال من الظروف الروتينية إلى حالة الطوارئ سريعًا للغاية ولا يسمح لمخابرات الجيش الإسرائيلي إلا بتحذير قصير.

حتى في ظل الظروف الروتينية، يتم نشر أجزاء كبيرة من قوات العدو القتالية في جميع الأوقات،  لكونها في حالة استعداد دائم للقتال. لذلك، فإن الوقت القصير الذي يحتاجه العدو لبدء الأعمال العدائية، من اللحظة التي تتخذ فيها القيادة القرار إلى العملية نفسها، يعني أن إطلاق النار المفاجئ هو احتمال دائم، مما يعني أن هذا التغيير يمثل تحدياً للافتراضات الأساسية لمفهوم بن جوريون الأمني، والذي يشكل حجر الأساس الذي يعتمد عليه فيما يخص فترة الإنذار.

لذلك، فعلى إسرائيل مراجعة مفهومها الأمني فيما يتعلق بيتطلب بتقصير المدة الزمنية للتحذير. وفي هذا الصدد، قام رئيس الأركان “أفيف كوخافي”، في الخطة الجديدة التي صاغها للنهج العملياتي للجيش الإسرائيلي، بإجراء تغييرات على النهج التقليدي للدفاع. أيضًا، في عهد رئيس الأركان السابق “غادي آيزنكوت”، تم استثمار الموارد في تطوير منظومة الدفاع، بما في ذلك الجدار الخرساني تحت الأرض حول قطاع غزة.

بشكل عام، فإن الإنجازات الدفاعية للجيش الإسرائيلي ضد حماس في الجولة الأخيرة كانت رائدة ولا ينبغي بأي حال من الأحوال الاستخفاف بها. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة أيضًا إلى إنجازات البحرية الإسرائيلية في إحباط كل خطوة هجومية من قبل حماس في البحر، فضلاً عن إنجازات سلاح الجو في إسقاط طائرات بدون طيار تابعة لحماس، بما في ذلك طائرة بدون طيار متفجرة كانت موجهة نحو حقل الغاز “تمار” ، ذلك بالإضافة إلى الإنجازات الدفاعية على حدود غزة التي أعاقت  تسلل قوات حماس. ومن الجدير بالثناء أيضًا، الجهود المبذولة لمواجهة إطلاق الصواريخ وأداء منظومة القبة الحديدية ، والتي يمكن إضافتها إلى الإنجازات في المجال الدفاعي.

 على نطاق أوسع، فإن التهديد الذي تشكله حماس من خلال هجماتها الصاروخية التي وجهتها ضد المدن الإسرائيلية، يجب أن يدق ناقوس الخطر بشأن انسحاب إسرائيلي محتمل من الضفة الغربية.  حيث أنه يجب إدراك حقيقة أن الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 لن تكون منزوعة السلاح وستكون لديها القدرة على أن تصبح تهديدًا أكبر بكثير من قطاع غزة. إذ أن حجم الإنتاج الذاتي للسلاح لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي يكشف عن عدم واقعية الاعتقاد بإمكانية نزع السلاح،  خاصة و أن معظمه إنتاج الذاتي بالآلات المدنية والمواد الخام.  وفي الوقت ذاته، فلا توجد وسيلة لمنع دولة من امتلاك مخارط إلكترونية أو أنابيب حديدية أو فوسفات. وواقعياً، فإن خلو المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية من إنتاج الصواريخ، يرجع في الأساس من المراقبة وإجراءات الوقاية التي اتبعتها قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، فضلاً عن وجود مجتمعات مدنية إسرائيلية في عمق الأرض.

لذلك، فإن نجاح القيادة المركزية خلال تلك الجولة في احتواء النشاط الإرهابي الشعبي والعنف في مناطق الضفة الغربية الواقعة يدل على أن المطالبة باستمرار الوجود الإسرائيلي في تلك المناطق له ما يبرره من الناحية التكتيكية. ومن جانب آخر، فعندما تتم المقارنة بين الموارد والجهود المطلوبة لتأمين السهل الساحلي لإسرائيل، المحيط بجيش الدفاع الإسرائيلي في الضفة الغربية ودعم المجتمعات الإسرائيلية هناك، وبين ما يجب أن تستثمره مؤسسة الدفاع في قطاع غزة، يتضح أن  الوضع الحالي في الضفة الغربية هو أكثر فاعلية على الصعيد الاقتصادي ومن حيث الاستقرار.

أما المطالبون بالانسحاب و تراجع إسرائيل إلى خط الجدار الفاصل ، فهم فئتين:

  • فئة تعتقد أن الانسحاب إلى خطوط 1967 مع تعديلات طفيفة سينهي الاحتلال ويمنح إسرائيل الشرعية الدولية والدعم خلال شن عملية عسكرية إذا قوضت الدولة الفلسطينية أمنها.
  • البعض الآخر يعتقد أنه يمكن للجيش الإسرائيلي المتفوق عسكرياً، أن يزيل أي تهديد أمني في وقت قصير وبخسارة معقولة.

وبالنظر إلى حجم التهديد الذي تواجهه إسرائيل من غزة، إلى جانب الرأي العام المعادي في الدول الغربية التي أيدت فك الارتباط أحادي الجانب من غزة لعام 2005 ووعدوا بأن يدعم المجتمع الدولي أي رد عسكري إسرائيلي على الهجمات الإرهابية من القطاع، وهو ما لم يتحقق،  يلقي بظلال من الشك فيما يتعلق بتلك الوعود.

 في هذا الصدد ، لا يمكن اعتبار دعم الرئيس بايدن لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمرًا مفروغًا منه، إذ أنه سيتعين دفع ثمن الدعم الأمريكي الذي حصل عليه رئيس الوزراء نتنياهو لمدة 10 أيام من الحرب. فالإدارة الأمريكية، الملتزمة بتعزيز حل الدولتين، تدرك جيدًا أن الإخفاق في دعم إسرائيل أثناء تعرضها لهجوم إرهابي من غزة سيجعل من الصعب مطالبتها مستقبلياً بالانسحاب من الضفة الغربية. ومع ذلك، منعت الإدارة الأمريكية إسرائيل من مواصلة هجومها حتى تركع حماس على ركبتيها.

تشير الأحداث التي وقعت في الأسابيع الماضية، والتي أظهرت محدودية قوة الجيش الإسرائيلي في حالة نشوب حرب متعددة الميادين، بما في ذلك الحرب في الداخل، المرجح حدوثها، إلى أن الانسحابات الإضافية ستشكل خطرًا وجوديًا على  إسرائيل.  وعلى الرغم من كل التفوق العملياتي للجيش الإسرائيلي، فإنه حال انخراطه في القتال بالساحة الشمالية، فلن تكون لديه القدرة على الدفاع عن الشريط الساحلي الضيق من حدود ما قبل عام 1967.

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى